Skip to main content

Full text of "183 الطاغية Pdf كتاب S"

See other formats








سلسلة كتب ثقافية شهرية يسدرها المبلس الوطنة للثقافة والفنون والآداب الكوية 


© دراسة فلسفية لصور من الإستبداد السياسي 


تأليف 
أ.د.إمام عبد الفتاج إمام 





سلسلة كتب ثقافية شهرية برد رها المبلس لوو للثقافة ا والآداب الكوين 


صدرت السلسلة فى يناير ١978‏ بإشراف أحمد مشارى العدوانى ١923‏ ۱990 


183 
] لهذا ةة 
دراسة فلسفية تصور من الإستبداد السياسي 


تأليف 
أ.د.إمام عبد الفتاج إمام 














2 
المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


المضوع 


الفصل الأول: 
في ضرورة السلطة 


الفصل الثاني: 
تأليه الحاكم في الشرق 


الفصل الثالث: 
عائلة الطغيان 


الفصل الرايع: 
الطاغية في صورة الذتب 


الفصل الخامس: 
الطاغية في صورة السيد 


الفصل السادس: 
الطاغية يرتدي عباءة الدين في العالم المسيحي 


الفصل السابع: 
الطاغية يرتدي عباءة الدين في العالم الإسلامي 


الل ال 
فرارمن الطاغية في أوروبا الديمقراطية 


الفصل التاسع: 
الطغيان الشرقي 


21 


37 


75 


107 


133 


15I 


205 


259 


299 


مقدمه 


في ظني أن موضوع «الطاغية» بالغ الأهمية, 
وأنه لم ينل حقه من الدراسة والبحث في مكتبتنا 
العربية. بصفة خاصة: مع أننا أحوج ما نكون إلى 
دراسته بعمق» وتأمله فى تدبر وإمعان!. 

ريما لأن الاح للا بجر على الكتاية فن ذا 
الموضوع ما بقي الطاغية متربعا على كرسي الحكم» 
فإذا ما تتفس الناس الصعداءء بعد زواله: نسواء أو 
تعمدوا نسيان تلك الأيام السوداء التي عاشوها 
في ظله. وظنوا-واهمين-أنها ذهبت إلى غير رجعة! 

غير أن الوضع» في العالم الثالث. مختلف عن 
ذلك أتم الاختلاف. فقد عاش تاريخه الطويل 
يحكمه طغاة من كل نحلة ولسان؛ ومازال الطغيان 
يطل برأسه هنا وهناك كلما سنحت الظروف» وهى 
كثيرا ھا فت فی عام طت ترم كيه اس 
الآميةء ويغيب الوعي» فلا يستطيع الشعب أن يعتمد 
على نفسه. فينتظر من يخصه مما هو فيه. فتكون 
بارقة الأمل عنده معقودة على «المخلص» و«الزعيم 
الأوحد» و«المنقذ» و«القائد الملهم» و«مبعوث العناية 
الإلهية» والرئيس الذي نفتديه «بالروح وبالدم»!. 

ولطول إلفنا «بالطاغية» لآلاف من السنينء لم 
نعد نجد حرجا ولا غضاضة في الحديث عن 
«إيجابياته» وما فعله من أجلنا من جليل الأعمال. 
ولست أجد ردا أبلغ من قول السيد المسيح: 

«ماذا يفيد الإنسان لو أنه ريح العالم كله وخسر 


الطاغيه 


نفسه005), فحتى لو افترضنا أن له إيجابيات «هاثلة» فما قيمة هذه 
الإيجابيات إذا كان ثمنها تدمير «الإنسان» وتحطيم قيمه؛ وتحويل الشعب 
إلى جماجم. وهياكل عظمية تسير في الشارع منزوعة النخاع» شخصيات 
تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى؟ أيكون ما فعله طغاتنا 
من «إيجابيات» أكثر مما فعله «هتلر» الذي اجتاح أكثر من نصف القارة 
الأوروبيةء بل احتل بعض دولها في ساعات قلائل؟! ثم.. ترك ألمانيا تحتلها 
أربع دول! كلا! لا قيمة لإيجابيات الطاغية-بالغة ما بلغت-لأن الثمن باهظ 
جدا: ضياع الإنسان!. 

فإذا عرفنا أن تاريخنا كله. من أقدم العصور حتى الآن. حكمه الطغاة 
على تنوع نحلهم وأشكالهم وألوانهم. عرفنا الأهمية البالغة لدراسة هذا 
الموضوع الذي يحتاج إلى عدة مجلدات» وأيقنا أنه السبب الحقيقي وراء 
تخلفنا الفكري والعلمي والاقتصاديء وأنه المصدر الأساسي لكل رذائلنا 
الخلقية والاجتماعية, والسباسية لآن المواطخ إذا هقد «غرديتة» أعني 
وعيه الذاتي أو شخصيته؛ وأصبح مدمجا مع غيره في كتلة واحدة لا تمايز 
فيهاء كما هي الحال في قطيع الغنم» فقد ضاعت آدميته في اللحظة 
نفسهاء وقتل فيه الخلق والإبداع» وانعدم الابتكار. بل يصبح «المبدع» إن 
وجدء منحرفاء و«المبتكر» شاذا وخارجا عن الجماعة! 

لكن كيف يظهر الطاغية؟ وما مبررات وجوده؟ وما الدعائم التي يستند 
إليها في حكمه؟. الحق أن هناك عوامل كثيرة منها عوامل تاريخية 
وجغرافيةء وعوامل اجتماعية واقتصادية.. . الخ كما أن المبررات عديدة, 
منها إنقاذ الشعبء أو إصلاح ما أفسدته الحكومات السابقةء بل قد يدعي 
أنه «مبعوث العناية الإلهية» وأنه أعلم من الناس بما يصلح لهم... الخ. لكن 
إذا أردنا أن نرتد إلى الجذور كان علينا أن نسأل: من أين تأتي السلطة التي 
با ا ا ا وها ها و اا عنه کی اتل الأول 
E‏ البحث «في ضرورة السلطة». فإذا صح الا «لا يصلح 
الناس فوضى». بل لابد للجماعة من تنظيم لكي تبقى وتعمل لسد احتياجاتهاء 
فإن التنظيم يعني أن ينقسم الناس إلى فئتين: فئّة حاكمة تتولى السلطة 
السياسيةء وتصدر القرارات» وفئّة أخرى محكومة لا يكون لها سوى الطاعة 
(*) إنجيل لوقا - إصحاح 9: 36. 





مقدمه 


والتنفين؛ وهكذا تولد السلطة مع مولد الجماعة؛ لأنه بغير سلطة لن يتحقق 
النظام. 

لكن إذا كانت السلطة ضرورية لتحقيق أمن الجماعة-الداخلى والخارجى 
معا-فإنه ينبغي لها أن تحافظ على خراك الأقراد الذوم بعادت اا 
ومن ثم يظهر السؤال عن الحدود التي يجب أن تقف عندها السلطة فلا 
تتجاوزهاء فان هي تجاوزتها انقلبت إلى نوع من الطغيان. ولقد كانت السلطة 
في العصور القديمة. في الأعم الأغلب» بغير حدود تقف عندهاء كما كانت 
متحدة مع شخصية الحاكم الذي يجسدها ويحتفظ بها بمقدار ما يملك 
من قوة ويتمتع به من بطش وجبروت. 

لكن إذا كان الحكام بشرا كالمحكومين؛ فكيف تكون إرادتهم حرة تحدد 
نفسها بنفسهاء بينما تكون إرادات المحكومين خاضعة لهم تتحدد وفق 
مشيئتهم؟!. كيف نتصور إرادتين من طبيعة بشرية واحدة ليستا على الدرجة 
نفسهاء بل واحدة منهما تعلو الأخرى؟! 

أول إجابة طرأت على ذهن الإنسان في هذه العصور الموغلة في القدم 
هي: لابد أن يكون الحكام من طبيعة غير طبيعة البشر هكذا تصور القدماء 
الحاكم من طبيعة إلهية: فهو إله أو ابن الإله» أو هو يحكم بتفويض مباشر 
أو غير مباشر من الله. 

هكذا كان الحاكم في الشرق القديم-بل والوسيط والحديث_إذا ما قلنا 
مع «الكواكبي» «إنه ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية 
يشارك بها الله!». 

لكن هذه الصفة قد تكون ظاهرة بارزة يعلنها الحاكم نفسه (كما فعل 
فرعون). وقد تكون خافية مستترة. وإن كان مضمونها ظاهرا في سلوكه 
فهو على أقل تقدير «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!». وهذا ما فعله جميع 
الطغاة على مدار التاريخ!.. 

ولقد عرضناء في الفصل الثاني من هذا البحثء نماذج لتأليه الحاكم 
في الشرق: في مصر القديمة؛ وبابلء وفارس. والصينء وكيف حاول 
الإسكندر الأكبر أن يقلد حكام الشرق فقام بتأليه نفسه بمجرد أن غزا 
فازسن. 

غير أن هذا «الحكم الثيوقراطي» القديم لم يكن سوى أحد أفراد عائلة 


الطاغيه 


كريهة هي «عائلة الطغيان» التي عرضنا لبعض أشقائها في الفصل الثالث: 
الاستبدادء الدكتاتورية؛ الشمولية: السلطة المطلقة, الأوتقراطية-ثم ختمنا 
الفصل بخرافة «المستبد العادل»! ومعه أنهينا الباب الأول والحديث عن 
«فلسفة السلطة». 

أما فى الباب الثانى فقد عرضنا لصورتين للطاغية فى الفلسفة اليونانية, 
وا اهم واشمل ونا كانه اة من تطرياك هن اة ةة عة 
أما الصورة الأولى فهي نظرية أفلاطون عن الطاغية الذئب (وقد مر هو 
نفسه بتجربة مريرة مع طاغية سيراقوصة ديونسيوس الأب والابن معا وقد 
عرضناها في شيء من التفصيل). 

وسوف يشعر القارئ وهو يقرأ هذه النظرية كأن أفلاطون يصف طفاتنا 
المعاصرين وأساليبهم في الحكم!. 

أما الصورة الثانية فهي نظرية أرسطو الذي يصف الطاغية بأنه «سيد» 
يعامل رعاياه معاملة العبيد. وللأسف فإن المعلم الأول يعتقد أن لدى الشرقيين 
(والشعوب الآسيوية عموما) طبيعة العبيدء وأنهم لهذا السبب يتحملون 
حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمر!. 

إذا كان الطغاة في العصر القديم قد أساءوا استخدام السلطة باسم 
الديانات القديمةء فقد فعل طغاة العصر الوسيط الشىء نفسه: مستغلين 
هذه المرة الديانات السماويةء وهذا ما عرضنا له في المات الكالك قدت 
عنوان «الطاغية يرتدى عباءة الدين» وقسمناه إلى فصلين: الأول عرضنا 
فيه للعالم المسيحي والثاني للعالم الإسلامي. أما الباب الرابع والأخير 
«فرار من الطاغية». فقد حاولنا فيه أن نجيب عن سؤال مهم: كيف نحمي 
أنفسنا من الطغاة؟ 

عرضنا في الفصل الأول للنموذج الذي اتبعته الدول الأوروبية-والغربية 
بصفة عامة-التي تخلصت من الطاغية: وهذا النموذج يتلخص في كلمة 
واحدة:«الديمقراطية». وهي ليست تجربة غربية بقدر ما هي تجربة إنسانية 
بالدرجة الأولىء تحترم الفرد وطاقاتهء وقيمهء وإمكاناته. وتعمل على نموها 
وتطويرها إلى أقص حد. 

أما الفصل الثاني فقد عرضنا فيه للنظريات المختلفة التي فسرت 
«الطغيان الشرقي» على أنحاء شتى. أود أخيرا أن أتقدم بالشكر الجزيل 


مقدمه 


إلى جامعة الكويت التي ساعدت على ظهور هذا البحث من خلال تقديم 
الدعم له خلال العام الجامعي 1992/ ۱993ء مما يسر لي الرجوع إلى عدد 
کيو م الراك كما اوداق اشكر أيضنا الزميل الصديق الأسعاذ الك 
عرو القفان مكاوئ اللاى تفل مشكووا شرا اخ وة قراج دقيقة: 
وإبداء الكثير من الملاحظات القيمة التي أفدت منها كثيرا . 
السا اودكا مدا ميل الراك 
إمام عبد الفتاح إمام 


الهرم-أغسطس 1993. 


البباب الأول 
ا 


«كل سلطة مفسدة: والسلطة 
المطلقة. مفسدة مطلقة..» 
لورد أكتون 1902-1834 


«موقف الطاغية: هو موقف 

ذلك الذي يقطع الشجرة 

لكي يقطف ثمر.. . !» 
مونتسكيو 


في ضرورة السلطة 


كان الفيلسوف الإنجليزي «توماس هوبز» هو 
الطبيعية» فى حياة اللإنسانء فى حين أ المجتمع 
المنظم هو «مجتمع صناعي» خلقه الإنسان بارادتهء 
معارضا بذلك فكرة أرسطو التي ظلت سائدة في 
تاريخ الفكر السياسي طوال العصر القديم» 
والوسيطء. وحتى عصر النهضة: وهي الفكرة التي 
غلى الحياة فى حماعة سياشية منظمة يفط ته : 
فعارض هوبز هذا «التراث الأرسطى»2؛ وذهب 
إلى أن الإنسان لا هو حيوان سياسي بفطرته؛ ولا 
مو ميل عة إلى اللجناعة النظبة .ولكن الخربية 
هى التى تشكل شخصيته بحيث 
تصبح صالحة للحياة في المجتمع السياسي ™. 
ذلك لأن «الحالة الطبيعية»-وهى فطرة الإنسان- 
فى خالا ميخ الفوطتين يتحاول كل هرد فيو | اة 
على حياته بقواه الخاصةء ولما كان يتساوى مع غيره 
في هذه القوى-جسدية كانت أو ذهنية-يصبح 
الصراع عنيفاء كل فرد يتربص بغيره ليفتك به قبل 


الطاغيه 


أن ينال الآخر منه؛ وهكذا يخيم القلق والخوف على هذه الحياة التي تصبح 
«فقيرةء عقيمةء كريهة. موحشةء قصيرة الأمد». لا تستقيم مع حياة 
الجماعة السياسية؛ ولهذا فهي لا تنتج حضارة؛ ولا علما ولا فنا ولا ثقافة0© . 
في حين أن الحياة الإنسانية لابد لها من قدر من التنظيم إن أردنا لها 
أن تحقق شيئًا ذا قيمة, لا أن تكون مجرد عبث لا معنى له: أو فوضى 
تقترب من حياة الحيوان. لا يقوم نظام من دون قانونء وحيث لا يكون نظام 
يضل الناس السبيل؛ فلا يعرفون كيف يتوجهون ولا يعرفون ما يفعلون.. . 
والخارجون على السلطة كالقراصنة ورجال العصابات لهم قانونهم الخاص 
الذي لا يستطيعون أن يعيشوا من دونه والصورة الشائعة «للمتوحش الذي 
لا قانون له» هي صورة وهمية؟©". وكما قال الشاعر الجاهلي 7: 
لاايصلحالناس فوضى لا سراة لهم 
ولا سر ةإذا ججهال هم سادوا 
غير أن التنظيم يحتاج إلى سلطة منظمة تخضع لها الجماعة إذ لا 
يمكن تصور المجتمع السياسي بغير سلطة حاكمة تنظمه؛ وتضع له القواعد. 
فكما يقول الكاتب الإنجليزي تشيسترتون: «لو أن جماعة كانت كلها قادة 
أبطالا مثل هانيبال ونابليونء فمن الأوفق ألا يحكموا جميعا في وقت واحد». 
لذلك فإن النظام السياسي يفترض حتما وجود سلطة تتولى إدارة الجماعة 
وتسير شؤونها . وهكذا ينشأ المجتمع السيامي عندما يحدث فيه ما 
بسبيه ياء القانوق بالاختلاف السياسى او الاير السياسبي) 
Differenciation Politique‏ أي عندما ينقسم هذا المجتمع إلى فئتين: فة حاكمة 
تتولى السلطة السياسية وتصدر القرارات والأوامرء وفئة أخرى محكومة لا 
يكون لها إلا الطاعة والتنفيذ . ونظرا إلى ما للسلطة السياسية في الدولة 
من صفات ذاتية خاصة فقد أطلق عليها الفقه الفرنسي اسم والسياد عه 
وصفة السيادة مقتضاها أن سلطة الدولة سلطة عليا لا يسود عليها شيء: 
ولا تخضع لأحد» ولكن تسمو فوق الجميع» وتفرض نفسها على الجميع'. 
ولقد تابع فقهاء القانون ما قاله أرسطو عن السلطة من حيث إنها أنواع 
منها: السلطة السياسية: وهي المتعلقة بشؤون الحكم. والسلطة الأبوية 
المتمثلة في علاقة الأب بأبنائهء وسلطته على زوجته. وهي تعني ما يملكه 
الزوج على زوجته من سلطات. وأخيرا سلطة السيد على عبيده.. . الخ '. 


14 


فى ضرورة السلطه 


ولقد لخص روبرت ماكيفر هذه الأنواع في نوعين فقط هما «السلطة 
السياسية» التي توجد في الدولة؛ و«السلطة الاجتماعية» التي توجد في 
المجتمعات الضغيرة الأخرى: كالأسرة والتقابة: واللؤسسات الدينية والتريوية, 
والنوادي الرياضية.. . الخ 22. 

والواقع أن اهتمامنا سوف ينصب طوال هذا البحثء في الأعم الأغلب. 
على السلطة السياسية. وإن كنا سوف نتحدث كثيرا عن الخلط بين هذين 
النوعين من السلطة وما يترتب عليه من أضرار. 

ولقد تدعمت هذه السلطة السياسية داخل الجماعة الإنسانية التي 
سميت بالدولة؛ وإن تغيرت أشكالها وصورها وبقي مبررها القديم كما هو: 
تحقيق الآمن والاستقرار حتى سميت هذه الدولة في بداية ظهورها «بالدولة 
الحارسة»”'ء أي التي تقوم أساسا بحماية الأمن في الداخلء وصد الغارات 
عن الحدود في الخارج. 

بل ذهب البعض إلى أن هذا المفهوم للدولة (أي الدولة الحارسة) هو 
الصورة الوحيدة للدولة'. وهم بذلك يتفقون؛ على نحو أو آخرء مع هوبز 
الذي أشار إلى أن حياة الفوضى يسيطر عليها الخوف الدائم حيث يخشى 
الناس خطر الموت العنيف”'. وهو حالة من العنف العلني الدائم أو هو 
سيف مسلط على رقابنا جميعا©". 

ولهذا كان لابد للناس من الخروج من هذه الحالة «حالة الاضطراب 
والفوضى» إلى «التنظيم السياسي» والتمسك بهذا النظام الذي يضمن لهم 
الأمن والاستقرار: ويحقق ما سماه فقهاء القانون بعد ذلك «بالدولة الحارسة» 
التي تصون الأمن في الداخل والخارج؛ ولكي يقرب لنا «هوبز» أهمية 
الخروج من الفوضى إلى النظام؛ أو من حالة الطبيعة إلى «الدولة الحارسة» 
يسوق هذا المثال الذي يدل على مدى تمسك الناس بالنظام إذا مروا بتجربة 
الفوضى: «لقد جرت العادة. عندما يموت الملك في فارس في العصور 
القديمةء أن يترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون بحيث تعم 
الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد. 

وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه بنهاية هذه الأيام الخمسة؛ وبعد أن 
يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مدىء فإن من يبقى منهم على 
قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقي 


الطاغيه 


وصادق للملك الجديدء إذ تكون التجربة/ قد علمتهم مدى رعب الحالة 
التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية..7". وبعبارة أخرى 
«تولد السلطة مع مولد الجماعة:؛ لأنه بغير السلطة لن يتحقق النظام: ولن 
تكون الحرية. فالسلطة السياسية تعد ظاهرة اجتماعية في المقام الأولء 
EAS‏ 

وكلما تطورت الجماعة الإنسانية تدعمت ظاهرة السلطة. وتحولت إلى 
أكثر استقرارا وتعقيدا. ولقد كان من أهمية السلطة والدور الذي تلعبه في 
مهما تشعبت فهي تدور جميعا حول فكرة السلطة” ". فعلم السياسة هو 
علم السلطة أي علم دراسة السلطة عموما أيا كانت وفي أي مجتمع ™.. 
ولا أهمية لعدد القائمين بأمر هذه السلطة فقد يتولاها شخص واحد» أو 
مجموعة أشخاص قادرين على حملها . لكن القدرة وحدها لا تنطوي على 
شرعية أو تفويضء «بل إن جبروت أقسى الطغاة يصبح هو الأساس ما لم 
يتلبس بشرعية السلطة..> . لكن لا يعني ذلك أنه يشترط أن تقوم السلطة 
برضاء المحكومين؛ فهي يمكن أن توجد عن طريق القوة والقهرء ومتى 
وجدت وأصبحت قادرة على إلزام الأفراد على احترام إرادتها والخضوع 
لسلطاتها فإنها تصبح صالحة لتكوين الدولة . 

لابد إذن أن يكون هناك تبرير لهذه السلطة السياسية حتى تكون شرعية 
(*) لقد فرض يزيد بن معاوية هذه «التجربة الخبيثة» على أهل المدينة عندما تمردوا عليه 
وخلعوه عام 36ه بسبب إسرافه في المعاصي «.. فهو رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات, 
ويشرب الخمر ويدع الصلاة».. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209. فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمره 
بقتالهم» «فکانت «وقعة الحرة» الشهيرة التي ضربت فيها المدينة بالمنجنيق وأبيحت ثلاثة أيام 
سرقت ونهبت واغتصبت فيها آلف عذراءء ومفاسد عظيمة ليس لها حد ولا وصف» على ما 
يقول ابن كثير في لببداية والنهاية ص 225 وما بعدها من الجزء الثامن من المجلد الرابع دار 
الكتب العلمية-بيروت. وانظر أيضا تاريخ الخلفاء ص 209. والغريب أن ابن كثير رغم اعترافه بآن 
العلماء؛ بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنةء ووقع الهرج وسفك الدماء الحرام» 
ونهب الأموال وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن»!! ص 227-226 من المرجع السابق. وسوف نعود 





106 





فى ضرورة السلطه 


بحيث يتمكن الحاكم من الاستناد إلى هذه الشرعية في ممارسة السلطة, 
ثم لابد من ناحية أخرىء أن توضع لها حدود «فإذا كانت السلطة ضرورية 
لتحقيق أمن المجتمع؛ فإنه ينبغي لها ألا تبتلع حريات الأفرادء السلطة 
ضرورية؛ والضرورات تقدر بقدرها. لكن ما الحدود التي ينبغي أن تقف 
السلطة عندها لا تعدوها حتى لا تتحول إلى نوع من الطغيان؛ وما ضمانات 
تلك الحدود .. 22/5 . یری جاك ماريتانهنهاضضه]3 [e‏ أن علينا أن نفرق بين 
السلطة :انمطنتنه؛ والقوة :20 «فالسلطة والقوة أمران مختلفان: القوة 
هي التي بوساطتها تستطيع أن تجبر الآخرين على طاعتك» في حين أن 
السلطة هي الحق في أن توجه الآخرين أو أن تأمرهم بالاستماع إليك 
وطاعتك. والسلطة تتطلب قوة. غير أن القوة بلا سلطة ظلم واستبدادء 
وهكذا فإن السلطة تعني الحق:7*. وإذا كان فقهاء القانون يذهبون إلى أن 
الأركان الثلاثة الأساسية في قيام الدولة هي الإقليمء والشعب. والسلطة. 
فإنهم يذهبون إلى القول إنه إذا كان عنصر السلطة السياسية هو الذي 
باكتماله؛ مع الركنين السابقينء تقوم الدولةء فإن هذا العنصر هو الذي 
يعتبر حجر الأساس بالنسبة للدولة وما فيها من أنظمة سياسية؛ والحديث 
عن نشأة الدولة ينصرف في الغالب إلى الحديث عن السلطة السياسية . 

كما أن دراسة الأنظمة السياسية ليست فى حقيقة أمرها سوى دراسة 
ا اة الناطة اللتسياسحة وساف كلك السلطة ,اها 
والفلسفة القائمة وراء تلك الأشكال والغايات .. وموضوع دراسة الأنظمة 
السياسية هو تحليل الروابط التي تقوم بين الحكام والمحكومين من حيث 
طبيعة السلطة التي يتمتع بها الحاكم وأساسها ووسائل ممارستهاء وأهدافهاء 
وحدودهاء ومركز الفرد فيها.. هذه الموضوعات تشكل مقومات النظام 
السياسي أيا كانت صورة هذا النظام” . لقد كانت السلطة السياسية في 
الماضي تختلف باختلاف أشخاص الحكام؛ فهم يجسدون هذه السلطة 
ويمارسونها على أنها امتياز شخصي يكتسبونه بفضل مواهبهم أو 
أشخاصهم. ومن هنا لم تكن العصور القديمة تفرق بين الحاكم والسلطة. 
وقد تغير الوضع في الدول الحديثة تغيرا جذرياء إذ أصبحت السلطة ملكا 
للدولة وليس لأشخاص الحكام. ولم يعد الحاكمون إلا ممثلين للسلطة, 
وممارسين لها باسم الدولة. ذلك لأن اندماج السلطة في شخص رجل 


17 


الطاغيه 


واحد يعني زوالها بزواله. كما يجعلها نهبا للأطماع ومحلا للتنافس بين 
الأفراد. فيكون الاحتفاظ بها رهنا بقوة صاحبهاء وما يتمتع به من بطش 
وجبروت7*. فكان لابد من الفصل بين السلطة السياسية والحاكم الذي 
يمارسها وإسنادها إلى شخص له صفة الدوام» وهذا الشخص هو: الدولة. 

غير أن تأسيس السلطة: والانتقال من مرحلة السلطة الشخصية التى 
يقم بها الماك على أنها ملك الهوسرقيطة بتاصقضه إلى رة اة 
المجردة التي تجد مصدرها في الجماعةء هذا الانتقال لم يتم دفعة واحدة. 
فقد كان الحاكم كل شيء في الجماعةء يمارس عليها سلطة مطلقة يستمدها 
من شخصيته؛ أو بسبب ما له من قوة مادية أو ما يتمتع به من شجاعة 
هيأت له الاستيلاء على السلطةء وإخضاع الأفراد لنفوذه الذي لا حد له. 
ولكن هذا الوضع الذي ساد العصور الوسطى الأوروبية لم يكن من الممكن 
أن يستمر. ولقد كان هذا التكيف للسلطة ثمرة عملية تاريخية طويلة ساهم 
فيها كفاح الشعب من ناحية وأفكار الفلاسفة من ناحية أخرى. وأصبح من 
المستقر الآن القول إن السلطة تتفصل عن الممارسين لها من الحكام وتستثد 
تماما إلى الدولة . 

ومن ناحية أخرى فالسلطة ليست مجرد قهر مادي فحسب, وإنما هي 
تعتمد» إلى جانب ذلك» على عوامل نفسية: واقتصاديةء واجتماعية, 
وتاريخية. وهي عندما تتحول إلى نوع من القهر المادي فقط إنما تكشف 
عن انحراف مرضي ولا تنبنٌ عن الوضع الطبيعي للأمور. ومن هنا يرى 
الفقيه الفرنسى ديفرجيه إءع!ء۷ N.0٠‏ «إن الدكتاتورية ليست إلا مرضا من 
أفواض السلظة: رنت تاهترة لجعي ,وموف كرض ذلك بالتقصيل 
فيما بعد. 

ولقد ظهرت نظريات كثيرة تفسر نشأة السلطة السياسية منها: 

-١‏ النظرية الثيوقراطية؛ وهي نظرية تبرر إطلاق يد الحاكم في السلطة 
باسم شخصيته المقدسة. 

2- النظرية التعاقديةء هي التي قام على أساسها النظام الديمقراطي 

الحديث؛ لاسيما العقد الاجتماعي عند «جون لوك» و«جان جاك روسو». 

3- النظرية التطورية وسوف نضرب لها مثلا تفسير أرسطو لتكوين 
المجتمع عن طريق التطور العائلي. 


هوامش الفصل الأول 


)١(‏ عبارة أرسطو هي «إن الإنسان بطبعه حيوان سياسي» يحب الحياة في جماعة سياسية منظمة 
فهو مدني بالطبع» 

.. Aristole: Ethics, 1079- 8 (The Complete Works Of Aristotle Ed. By Barnes, Vol. 2P. Princeton, N.Y 
أصبحت الفكرة في الواقع مسلمة في التراث السياسي بعد أرسطو في العصور الوسطى‎ )2( 
إسلامية ومسيحية:؛ فالإنسان عند الفارابي: «اجتماعي بطبعه وهو لا يبلغ كمالاته إلا عند وجوده‎ 
نشر البير نصري-دار المشرق-بيروت 1985 . «والله عز وجل‎ -١١7 في مجتمع»آراء أهل المدينة ص‎ 
خلق الإنسان بالطبع يميل إلى الاجتماع والأنس.. . الخ» كما يقول ابن أبي الربيع في كتابه «سلوك‎ 
المالك في تدبير الممالك» ص 175 تحقيق د . ناجي التكريتي-دار الأندلس بيروت 1983 . وقل الشيء‎ 
نفسه عن العصور الوسطى المسيحية.‎ 

(3) إمام عبد الفتاح إمام «توماس هوبز» ص 326- ط 2- دار التنوير-بيروت 1985 . 

(4) المرجع السابق ص 327. 

(5) وقد تابع هيجل فكرة هوبز. فوصف حالة الطبيعةء وهو ينقد فكرة روسو بأنها: «يغلب عليها 
الظلم وتسودها الدوافع الطبيعية التي لم تروضء فالمجتمع والدولة يمارسان نوعا من الحد.. 
الخ» فلسفة التاريخ ج -١‏ ص 105 من ترجمتنا العربية دار التنوير. 

(6) روبرت ماكيفر «تكوين الدولة» ص 83- ترجمة د. حسن صعب. 

(7) الشاعر هو الأفوه الآودي. وقد نقلنا البيت عن الماوردي في «الأحكام السلطانية» ص 5 من 
طبعة مصطفي البابي الحلبي ط 2: القاهرة 1966 . 

(8) د. ثروت بدوي «النظم السياسية» ص -١12‏ دار النهضة العربية-القاهرة 1986. 

(9) د. عبد الله إبراهيم ناصف «السلطة السياسية: ضرورتها وطبيعتها» ص 4. دار النهضة 
العربية القاهرة 1983. 

(10) د . ثروت بدوي «النظم السياسية» ص 40. 

)١1١(‏ قارن ما يقوله «أرسطو» فى الكتاب الأول من السياسة 1253-أ المجلد الثانى من الأعمال 
الكاملة ص 1988-1987 . 

)١2(‏ روبرت ماكيفر «تكوين الدولة» ترجمة د. حسن صعب ص ۱08- 1۱09ء دار العلم للملايين- 
بيروت عام 1966 . وأيضا د . عبد الله إبراهيم ناصف «السلطة السياسية: ضرورتها وطبيعتها» ص 
3 وما بعدها دار النهضة العربية بالقاهرة عام 1983. 

(13) قارن الدكتور يحيى الجمل «الأنظمة السياسية المعاصرة» ص 13 دار النهضة العربية بيروت 
عام. 1969 

(14) المرجع السابق في الصفحة نفسها. 

(15) المقصود بالموت العنيف أن يلقى المرء حتفه على يد الآخرين على نحو مفاجئ. قارن كتابنا 
عن «توماس هوبز» ص 328. 

(16) المرجع السابق ص 334. 


1۹ 


الطاغيه 


(17) «توماس هويز» ص 334. 

(18) د . ثروت بدوي «النظم السياسية» ص ۱7 دار النهضة العربية القاهرة عام 1986 . 

(19) المرجع نفسه ص 40. 

(20) د . عبد الله إبراهيم ناصف: «السلطة السياسية» ص 7. 

(21) روبرت ماكيفر, «تكوين الدولة» ترجمة د. حسن صعب ص 108 . 

(22) د . محمد كامل ليلة «النظم السياسية: الدولة والحكومة» ص 31 دار الفكر العربي. 

(23) د . يحيى الجمل «الأنظمة السياسية المعاصرة» ص ١4‏ دار النهضة العربية سرك 1969 . 
(24) جاك ماريتان «الفرد والدولة» ص 146 ترجمة عبد الله أمين. ومراجعة صالح الشماع» مكتبة 
الحياة بيروت 1962. 

(25) د. يحيى الجمل المرجع السابق ص 67. 

(26) د . ثروت بدوي «النظم السياسية» ص .١3‏ 

(27) المرجع نفسه ص 18. 

(28) المرجع نفسه. 

(29) د . يحيى الجمل مرجع سابق ص 39- وأيضا د . كامل ليلة النظم السياسية ص 4 .١5 -١‏ 
(33) م. ديفرجيه «الدكتاتورية» ص 36 د. هشام متولي-دار عويدات-بيروت 1989 . 


«وقال فرعون: يا أيها الملا 
3 
(القصص-38) 

«ما من مستيد سياسي إلا 
مقاما ذا علاقة بالله.. !» 

عبد الرحمن الكواكبي 
«طبائع الاستيداد ومصارع 
الاستعباد» ص 344 


تأيه الحاكم في الشرق 


أولا: الحكم الغيو تر اطى . . "° Theocracy‏ 

من الأفضل أن نستخدم تعبير «الحكم 
الثيوقراطي» بدلا من الحكم الدينيء ذلك لأننا نظلم 
الذين كرا عفدا تسب إاليدمكل هذا الحكم المظلق 
التعنف الذى خد برقاب انان جاسم الإزادة 
الإلهية!. فليس ثمة دين من الديانات السماوية 
ارف اه هة از سك هاا يريت ف 
كل عصر مجموعة من أتباع هذا الدين أو ذاك 
تلجأ إلى تأويل بعض النصوص الدينيةء وتقدم 
ال ادات هة و قرات زاكر شكنيها من 
الوصتول إلى الصلطة سكين وا مقا دان 
ومى سكن فى الآغم الآغلي اط السيك؛ 
الف ساق و الل والرشوة: واا الأشحامن 
بالمال أو الإرهاب؛ والنفاق والكذب على الله!. وسوف 
نسوق تمائع كثيرة من هنذا القبيل طوال البحت, 

والواقع آن الحكم الفيوقراطي ينشا عندها 
وغهم ال الساسي: كر ف کل لين 
فئتين متمايزتينء حاكمة ومحكومة ويظهر سؤال: 
من أن جا هذا الاين وإذا كان الحكام يضرا 
كا تکمین کیت فكون رمسو لحن ا 


الطاغيه 


بنفسهاء بينما إرادات المحكومين تخضع لهم وتتقيد وتتحدد وفقا لمشيئتهم؟.. 
كيف نتصور إرادتين من طبيعة بشرية واحدة ليستا على درجة واحدة؛ بل 
إحداهما تعلو على الأخرى؟ . 

أبسط وأسرع إجابة هي: لابد أن يكون الحكام من طبيعة غير طبيعة 
البشر. هكذا تصور القدماء الحاكم من طبيعة إلهية؛ فهو إله على الأرض 
أو هو ابن الإله !. ومن هنا جاء سمو إرادتهء فهي سامية لأنها إرادة إلهية 
ميات تبرج ری اللد کر الحاكم اخخيارا ا 
ليمازس السلظة باسمة على الأرض. 

وعلى ذلك فإثنا فمتطيع أن تقول إن التفكيز قد اقجه آولا إلى كأسيس 
السلطة على أساس إلهيء فقيل إن السلطة مصدرها الله يختار من يشاء 
لممارستهاء ومادام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي فهو يسمو على 
الطبيعة البشرية وبالتالي تسمو إرادته على إرادة المحكومين إذ هو منفذ 
للمشيئة الالهية . 

ولقد لعبت هذه الفكرة دورا كبيرا في التاريخ؛ وقامت عليها السلطة في 
معظم الحضارات القديمة؛ وأقرتها المسيحية في أول عهدهاء وإن حاربتها 
فيما بعد. ثم استند إليها الملوك في أوروبا في القرنين السادس عشر 
والسابع عشر لتبرير سلطاتهم المطلقة واختصاصاتهم غير المقيدة9. 

على أن هذه الفكرة قد تطورت واتخذت ثلاث صور متتابعة هي: 

-١‏ في الأصل كان الحاكم يعد من طبيعة إلهيةء فهو لم يكن مختارا من 
الإله. بل كان الله نفسه. وقد قامت الحضارات القديمة عموما في مصرء 
وفي فارسء وفي الهندء وفي الصين؛ على أساس هذه النظريةء وكان الملوك 
والأباطرة ينظر إليهم باعتبارهم آلهة. وقد وجدت الفكرة كذلك عند الرومان 
الذين كانوا يقدسون الإمبراطور ويعدونه إلها . وإن كان الشرق هو أصلها 
ومنبعها. 

2- تطورت النظرية مع ظهور المسيحية؛ ولم يعد الحاكم إلها أو من 
طبيعة إلهية ولكنه يستمد سلطته من الله. فالحاكم إنسان يصطفيه الله 
ويودعه السلطة. وفي هذه المرحلة تسمى النظرية «نظرية الحق الإلهي 
المباشر» لأن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرة دون تدخل إرادة أخرى 
في اختياره. ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر©). 


تاليه الحاكم فى الشرق 


3- منذ العصور الوسطى. وأثناء الصراع بين الكنيسة والإمبراطور, 
قامت فكرة جديدة مقتضاها أن الله لا يختار الحاكم بطريقة مباشرةء وأن 
السلطة وإن كان مصدرها الله. فمان اختيار الشخص الذي يمارسها يكون 
للشعب. وبعبارة أخرى ظهر الفصل بين السلطة والحاكم الذي يمارسها: 
فالسلطة في ذاتها من عند الله ولكن الله لا يتدخل مباشرة في اختيار 
الحاكم. وإن كان من الممكن أن يرشد الأغراد إلى الطريق الذي يؤدي بهم 
إلى اختيار حاكم معين. ومن ثم فالله يختار الحاكم بطريقة غير مباشرة. 
ويكون الحاكم قد تولى السلطة عن طريق الشعب بتوجيه من الإرادة الإلهية. 
أو بمقتضى الحق الإلهي غير المباشر (نظرية الحق الإلهي غير المباشر)7” . 

سوف نعرض فيما يلي لنماذج من الحكم الثيوقراطي في الشرق القديم» 
لنرى كيف بدأ نظام الحكم عندنا بتاليه الحاكم فارتدى الاستبداد منذ 
البداية زيا دينياء ثم انتهى في العصر الحديث إلى تأليه الحاكم أيضا حتى 
لقد أصبح لدينا الاستعداد للركوع أمام الطاغيةء على تنوع مجالات الركوع 
واختلاف أغراضهاء دون أن نجد في السجود شيئًا غريبا غير مألوف على 
نحو ما وجد اليونانيون عندما طلب منهم الإسكندر الأكبر تقليد الشرقيين؛ 
وانتهوا معه إلى اتفاق «أن تقتصر هذه العادة الآسيوية على الآسيويين 
فقط! 4». 


ثانيا: تأليه الحاكم فى مصر القديمة 

كان الملك في مصر الفرعونية إلها منذ بداية النظام الملكي فيهاء ولم 
تكن هذه الألوهية رمزية أو مجازية تشير فقط الحد سلطته المطلقة 
ومكانته السامية. بل هي تعبر حرفيا عن عقيدة كانت إحدى السمات التي 
تميزت بها مصر الفرعونية وهي عقيدة تطورت على مر السنينء لكنها لم 
تفقد شيئًا من قدرتها وتأثيرها. 

فالملك هو قبل كل شيء الإله حورس 8]0025 أو الإله الصقر وهو أحيانا 
إله الشمس «رع»» ويصبح حورس تابعا له ويصبح الملك في هذه الحالة هو 
«حورس-رع» أو يصبح فيما بعد «ابن الإله رع». وهو في جميع الحالات إله 
بين الآلهةء ويمثل البلاد بين الآلهة وتتجسد فيه مصر ويمثلها في مجمع 
الآلهة. وهو من ناحية أخرى الوسيط الرسمي الوحيد بين الشعب والآلهة 


الطاغيه 


والكاهن الأوحد المعترف به للآلهة كلها . 

بل إننا نجد نصوصا في تمجيد الملك تصفه بأنه في وقت واحد مجموعة 
مق اة لن مجر 'إلد بين اة كهووسياه زك الادر اكه وهو تراه 
الشمسء وهو «خنوم» خالق البشر على دولاب الخزاف» وهو«باسنث» الآلهة 
الحامية و«سخمت» إلهة العقاب. ومعنى ذلك أن «الفهم» والإدراك: والحكم 
الأعلىء وإكثار السكان؛ والحماية والعقاب هي كلها من خواص الملك» والملك 
شو كل وانحد ها خا للك هو كل عه ادي : 

وكثيرا ما يقال إن الإله الأعلى «رع» هو الذي نصب ابنه ملكا على أرض 
مصر. ولهذا اتخذ فرعون منذ المملكة القديمة لقبا هو «ابن رع» فهو الابن 
الجسدي الذي جاء من صلب إله الشمس «رع». ولم يكن أحد ينكر ميلاده 
في هذه الدنيا من امرأة معينةء لكن أباه. مع ذلك» إلهء ذلك لأن من واجب 
«رع» الإله الأكبر أن يضمن لأرض مصر حكما إلهياء ونظرا لاهتمامه 
بمستقبل البلادء فانه كان يتردد على الأرض لينسل لها حكامها!. أما الأب 
الأرضيء فلم يكن مشكلة عند المصريينء إذ يزعمون أن الإله الأكبر حين 
ينشد النسل» فإنه يتخذ شكل الملك الحي» ويهب له المني الذي سيصبح 
فيما بعد «ابن رع». لقد كانت حتشبسوت ابنة تحتمس الأولء إلا أن قصة 
ميلادها الإلهي الذي أتاح لها أن تغدو فرعونا لمصرء تدل دلالة واضحة 
على حصول الاستبدال هناء وعلى أن الإله الأكبر آمون رع هو أبوها الفعلي. 
فقد وقع اختيار الآلهة على الملكة أمهاء وأوصوا «أمون» بزيارتها وفرعون 
في أوج شبابهء فاتخذ أمون هيئة تحتمس الأول وذهب إليها وضاجعها ثم 
أوصاها بأن: «اسم ابنتي التي وضعتها في جسدك هو حتشبسوت وهي 
التي ستقوم بوظيفة املك . وعندما يعتلي فرعون العرش كان على 
الناس أن يفرحوا ويبتهجوا لآن أحد الآرباب أقيم رئيسا على كل البلادء إذ 
سوف ترتفع المياه في النيل ولا يهبظ متسويها: ويرافق اسم الملك شارات 
ترمز إلى «الحياة والصحة والقوة»©. 
(*) ترتبط سيطرة الحاكم على ظواهر الطبيعة وصلته بها عموما؛ بإضفاء القدسية على شخصيته. 
فكلما كان مقدسا كانت له علاقة وطيدة بالطبيعة وظواهرهاء ولهذا اعتقد الناس في العصر 
العباسي-على نحو ما سنرى في الفصل الثاني من الباب الثالث-أن موت الخليفة أو اغتياله يؤدي 
إلى اضطراب في ظواهر الطبيعة. واختلال في نظام الكون؛ فتحتجب الشمس ويمتنع المطر... . 
الخ ! 


24 





تاليه الحاكم فى الشرق 


وحتى بعد الوفاة يبقى فرعون يحدب على مصر ويعطف عليهاء ولهذا 
حق له أكثر من أي إنسان آخرء أن يخلد ذكره ويبقى حيا إلى الأبد. 

ولا يصبح الملك ملكا إلا بعد حفلة التتويج وهي حفلة تتم مراسمهاء 
عادة» في مدينة منف بسلسلة من الطقوس الرمزية والأدعية التقليدية 
التي يتم فيها تذكير الناس بتوحيد المملكتين في شخص ال ملك فيد خل بين 
مصاف الآلهة ويصبح مساويا لهم: ويتسلم خلال التتويج «الصولجان 
والسوط». وبعد ذلك ينتصب ناهضا وعلى هامته تاج الجنوب الأبيض 
والشمال الأحمر. ثم البشنت ۲١٠1ءءء۴‏ الذي يجمع بينهماء ويجلس على 
العرش فوق البردي واللوتس» ويدور حول الجدار الأبيض رمزا لتوليه الدفاع 
عن مصر أسوة بالشمس التي تقوم بدورة حول الأرض'. 

غير أن فرعون الذي هو الملك الإله طوال حياتهء يتحول أيضا إلى إله 
بعد وفاته؛ ومن هنا فإنه يستحق مناسك العبادة والتكريم الواجبة للملك 
المتوفى. إنه يصعد إلى السماء ليتحد بقرص الشمس ويندمج مع أبيه «رع». 
ويصف «برستد» الملك وهو يسبح في السماءء بعد الموت» ليسكن مع والده 
إلى الأبد. فى صفحات طويلة رائعة وممتعة حتى يستقر فى تلك المملكة 
العتيدة التى مقرها السماء22. ا 

وهذا التآلية في الدارين: الفانية والباقيةء ليس من نزوات ملك عات 
مستبد أوجب على رعاياه الخانعين الأخذ بهاء وإنما هو عقيدة تنبع عن 
إيمان ثابت وأكيد بأنه إلهء وإله عظيم دائم الاتصال بالآلهة الكبارء وأن له 
القدرة على الطبيعة فهو يستطيع السيطرة على ظواهرها ويسخرها لما فيه 
الخير العام والصالح لمصرء ولهذا يقول أحد الوزراء: «إن الملك إله تساعدنا 
أعماله على الحياة» أو يقول أحد الفراعنة المتوفين «كنت ملكا أقوم بتأمين 
تمو الشعير!»: 

ولهذا فإن علينا ألا نعجب إذا عرقنا أن الملك بموجب ألقابه الرسمية 
«سيد المصريين» أو «ربهم» وهو أيضا «السيدتان» أي ملتقى الإلهتين 
الحاميتين اللتين تحميان الشمال والجنوب. أما اللقب الموازي فهو «السيدان» 
ويعبر عن هذه العقيدة بآن الإلهين المتنافسين لمصر العليا والسفلى «حورس» 
و«ست» يقيمان جسديا ويصطلحان في شخص الملك. 

ولهذا كله فإن الملك في ر بالسمات الآتية: 


الطاغيه 


-١‏ شخصية إلهية مقدسة, وبالتالي فهو أقدس من أن يخاطبه أحد 
مباشرة: فمن كان بشرا عاديا فهو لا يستطيع أن يتكلم «مع» الملك وإنما هو 
يمكن أن يتحدث في حضرة الملك ! بل إن كل ما هو جزء من شخص الملك؛ 
كظله مثلاء مترع بالقداسة؛ فلا يقوى البشر على الدنو منه. 

2- هذه الشخصية الإلهية تتمتع بعلم إلهي أيضا فلا تخفى عليه خافية. 
يقول أحد الوزراء «إن جلالته عليم بكل شيء بما حدث وبما يقع؛ وليس 
هناك في هذه الدنيا شيء لا يعلمه؛ إنه توت إله الحكمة في كل شيء: وما 
من معرفة إلا وقد أحاط يها». 

3- إن كل ما يتفوه به صاحب الجلالة يجب أن ينفذء بل لابد أن يتحقق 
فوراء ذلك لأن مشيئة الملك وإرادته هي القانون: ولها ما للعقيدة الدينية من 
قوة وشكيمة فهو يعمل ما يجب أن يعملء ولا يرتكب قط إثما أو ما يثير 
بغضا أو حقداء وهكذا لا يسع المواطن المصري العادي إلا التسليم والخضوع 
لأوامره ونواهيه. 

4- ترتب على شخصية الملك الأسطورية هذه نتيجة مهمة أيضا هى أنه 
لم تكن ممات دامر کاو أو مفصلق, [ذ تمكو هناك جا ا 
مادامت كلها متمثلة في شخص الإله الذي كان دائما على استعداد لإصدار 
الأوامر اللازمة لما يجب أن تكون عليه نظم الدولة وطرق التعامل فيهاء 
وربما كان من أسباب عدم وجود قواعد قانونية: الخوف من أن تقيد سلطة 
الملك الشخصية. 

5- كان القضاة يحكمون حسب العادات والتقاليد المحلية التي يرون أنها 
توافق الإرادة الملكية التي يمكن أن تتغير إذا اقتضت رغبته ذلك. 

6- كان الملك هو همزة الوصل الوحيدة بين الناس والآلهة-فهو الكاهن 
الأكبر وهو الذي يعين الكهنة لمساعدته-ومن هنا فهو وحده الذي كان يستطيع 
تفسير ما تريده ماعت :2123 إلهة العدالةء ويقوم بتطبيقه في مملكته. 
ولهذا كان من المفاهيم الأساسية التي يسلم بها الجميع إن الإرادة الملكية لا 
يمكن أن تهدف إلا لسعادة مصر ورخاتها . 

7- معنى ذلك كله أن فرعون في مصر هو المشرع والمنفذ. وهو الذي 
يحكم القضاء باسمه؛ وهو الذي يعرف رغبات الآلهة ويحققهاء وكثيرا ما 
كان يقول في أوامره لابنه أو لوزيره: «إن الآلهة ترغب في إحقاق الحق؛ 


20 


تاليه الحاكم فى الشرق 


وهي تكره أشد الكراهية الأخذ بالوجوه والتحيز!» فها هنا الناموس ! 
ترمرن هو ارج الأعلن: رالو الأسمى: إليه وخدم ترق ظلبات الاسترحاء 
ولا يمنع منها أحد من رعايا فرعون مهما اتضع قدره وانحط شأنه. وبذلك 
تتاح له فرصة مراقبة أعمال عماله المتصرفين في شؤون مملكته الشاسعة 
والحيري ا ى اينف ان ارود الان لى اباد 


خالثا: الطاعة الجا ية : 

كانت السلطة السياسية في بلاد ما بين النهرين تستند باستمرار إلى 
مصدر إلهي» فلقد هبط النظام الملكي من السماءء والملك هو «حاكم المدينة» 
وهو «الكاهن الأعظم» وهو نائب الآلهة ومندوبها. 

ويفاخر الملوك بالأصل الملكي الذي ينتسبون إليهء لكنهم مع ذلك لا 
يفتأون في الوقت ذاتهء يذكرون الناس باختيار الآلهة لهم! وإذا ما اختار 
الملك ابنا ليتولى الحكم بعده حرص على أن يعرض هذا الاختيار على 
الآلهة لتقره. 

وبعد المصادقة على الاختيار يقسم الابن يمين الولاء والخضوع والاحترام 
لآبيه. ويدخل «المختار» إلى بيت الوراثة حيث يدرب على مهام منصبه 
المقبلء ويوم ارتقائه العرش تجرى احتفالات دينية يمنح آثناءها الابن المختار 
اسمه الملكي» ويقلد الشعارات رمز السلطة الإلهيةا"". 

ولم يكن ملك بابل من الوجهة القانونية إلا وكيلا لإله المدينةء ومن أجل 
هذا كانت الضرائب تفرض باسم الإله. وكان الملك أثناء تتويجه يقام له 
حفل كبير تخلع عليه الكهنة سلطته الملكية ويأخذ بيد «بعل» ويخترق شوارع 
المدينة في موكب مهيب ممسكا بصورة «مردوخ». 

وكان الملك في هذه الاحتفالات يرتدي زي الكاهن» وكان هذا رمزا 
لاتحاد الدين والدولة. ولعله كان أيضا يرمز إلى الأصل الكهنوتي للسلطة 
الملكية. وكانت تحيط بعرشه جميع مظاهر خوارق الطبيعة» ومن شآن هذه 
كلها أن تجعل الخروج عليه كفرا ليس مثله كفر. لا يجزى من يجرؤ عليه 
بضياع رقبته فحسبء بل يجزى أيضا بخسران روحه. وحتى حمورابي 
العظيم نفسه تلقى قوانينه من الإله'. 

ولقد كانت الفضيلة الكبرى في بلاد ما بين النهرين عموماء وبابل 


27 


الطاغيه 
بصفة خاصةء هي الطاعة التامة”'. 

فالدولة تقوم أساسا على الطاعة والخضوع للسلطةء فلا عجب أن 
نرى إذن أن «الحياة الفاضلة» في أرض الرافدين كانت هي الحياة المطيعة 
حيث كان الفرد يقف في مركز مجموعة من الدوائر المتلاحقة من السلطة 
تحد من حرية عمله ونشاطه. وكان الأمر في الماضي السحيق على نحو ما 
هو عليه في يومنا الراهن» تبدأ دوائر السلطة, أو الطاعة لا فرق؛ من دائرة 
الأسرة حيث يوصي العراقي القديم بهذه العبارة: «اسمع كلمة أمك» كما 
تسمع كلمة إلهك. واسمع كلمة أخيك الأكبر كما تسمع كلمة أبيك». 

وتنتهي هذه الدوائر بالدولة والمجتمع» فهناك المراقب والمحاسب» 
والمشرف في الزراعة وفي التجارة. ثم هناك الملك وهو فوقهم جميعاء 
والكل يطلب الطاعة من المواطن: بل الاستسلام والخضوع المطلق. 

وكان العراقي القديم» كالعراقي الحديث» ينظر إلى الجمهور الذي لا 
قائد له نظرة الاستياء والشفقة والخوف أيضا «الجنود بلا ملك غنم بلا 
راع»! (لاحظ تعبير الغنمء وهم حتى في حالة وجود الراعي لا بد أن يكونوا 
غنما ١‏ إلخ). 

و «العمال بلا مراقب كالمياه بلا مفتش ري» و «الفلاحون بلا مشرف 
كحقل بلا حارث»!2". 

وهكذا نجد أنه يستحيل وجود عالم ونظم ما لم تفرض عليه سلطة 
عليا إرادتها . والفرد هنا يشعر بأن السلطة دائما على حق-كما كان المصريون 
يعتقدون أن فرعون لا يمكن أن يرتكب خطأً أو يقترف إثما-أوامر القصرء 
كأوامر «آنو دهد» لا تتبدل. 

كلمة الملك حق. ونطقه كنطق الإله لا يغيره شيء؛ والعصر الذهبي 
القادم هو «عصر الطاعة» كما تنباً «الشعراء في نشيد RE‏ 

وفي بلاد ما بين النهرين عموما كان دور الملك الرسمي أنه ممثل الآلهة 
على الأرض أو أنه ينوب عنهاء فقد منحته الآلهة السلطة لكي يتصرف 
نيابة عنهاء وهي تتوقع منه أن يعامل الناس بالعدل وبلا محاباة. بحيث 
يدافع عن الضعيف أمام القوي» وأن يكون نصيرا لليتامى والأراملء وقد 
كان يوجه الاعتبارات الأخلاقية لما تجلبه من رضا الآلهة وبركاتها وما يمنع 
لعناتها. 


تاليه الحاكم فى الشرق 


ولقد تداولت الأجيال طرائق الحياة والحكم السليمة وأيدتها بالنصوص 
التي تقدم التعليمات والنصائح. لقد كانوا يعتقدون أن سلامة الملك تقوم 
عليها سلامة الجماعة ولهذا تتخذ إجراءات صارمة لضمان ذلك ) وما 
زالت تتخذ هذه الإجراءات الصارمة لضمان سلامة «ولي النعب*. 


رابعا: فارس 

السلطة المطلقة في طول البلاد وعرضهاء فكانت الكلمة التي تصدر من 
فيه كافية لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب تماما كما 
يحدث عند الطغاة اليوم ! وكان في بعض الأحيان يمنح أمه أو كبيرة زوجاته 
حق القتل القائم على النزوات والأهواءء وقلما كان أحد من الأهالي؛ ومنهم 
كبار وأعيانء يجرؤ على انتقاد الملك أو لومه. كما كان الرأي العام ضعيفا 
الملك يقتل ابنه البريء أمام عينيه رميا بالسهام أن يشي على مهارة الملك 
العظيمة فى الرماية. وكان المذنبون الذين تلهب السياط أجسادهم بأمر 
الملك يشكرون له تفضله بأنه لم يغفل عن ذكرهم . وعندما غزا الإسكندر 
فارس وجد القوم يسجدون للإمبراطور ويؤلهونه فابتدع سياسته الخاصة 
بالمزج وإدماج العناصر المقدونية بالفارسية في إمبراطوريته. واتخذ في 
المناسبات العامة الزي الفارسي: ومراسم البلاط الفارسي. وإذ ذاك أزمع 
على اقتباس تلك العادة الفارسية: عادة السجود للملك. وهي التي كان 
يتعين بمقتضاها على جميع من يقتربون من الملك السجود له. وهو إجراء 
تقتضيه بالنسبة للفرس الشعائر الرسمية ! ولكنه كان في نظر اليونانيين 
المقدونيين» ينطوي على عبادة حقيقية للحاكم: وما كان الإنسان ليسجد إلا 
للآلهة؛ وكان الإسكندر على بينة من موقف اليونان» ومعنى ذلك أنه كان 
ينوي محاكاة الشرقيين فى تأليه الحاكم» أعني أنه كان يريد أن يصبح 
بصفة رسمية الإله في إمبراطوريته على نحو ما سنبين بعد قليل. 


خامسا: الصين 
كان التنظيم السيانبي فى الضيق القديمة يقوم على ساس أن الإغيراظور 


20 


الطاغيه 


يستمد سلطته من السماءء فهو يحكم وفقا للحق الإلهي الذي يخوله سلطة 
مطلقةء وكانت عبارة مقبول من السماء عن طريق الشعائر «هي رخصة 
الملك والسيادة. وهي التي تزوده بالنفوذ السياسي القوي الذي يلزم رعاياه 
بالولاء له». فهو «ابن السماء وممثل الكائن الأعلىء ومن أجل ذلك فإن 
مملكته كانت تسمى أحيانا تيان-شان أي التي تحكمها السماء وقد ترجم 
الأوروبيون هذه العبارة بالمملكة السماوية. 

وبفضل سلطات الإمبراطور الإلهي كانت له السيطرة على الفصول كما 
هي العادة في الحاكم الإلهي!-وكان يأمر الناس أن يوفقوا بين أعمالهم وبين 
النظام السماوي المسيطر على العالم. وكانت حكمته هي القانون وأحكامه 
هي القضاء الذي لا مرد لهء فهو المدبر لشؤون الدولةء ورئيس ديانتها يعين 
جميع موظفيهاء ويمتحن المتسابقين لأعلى المناصب ويختار من يخلفه على 
العزتن: 

ويعاون الإمبراطور في تصريف وإدارة شؤون الإمبراطورية مجلسان 
أحدهما مجلس الأعيان ويختار أعضاؤه من الأفراد الأرستقراطيين. وثانيهما 
مجلس الوزراء وأعضاؤه ستة يختارون من خيرة رجال الدولة. 

كما كان محاطا بحلقة قوية من المستشارين والمبعوثين من مصلحته أن 
يعمل بمشورتهم» وإذا ظلم أو فسد حكمه خسر بحكم العادات المرعية, 
وباتفاق آهل الدولة: «تفويض السماء» وأمكن خلعه دون أن يعد ذلك خروجا 
على العادات والدين أو الأخلاق! فقد كانت السماء تبدي غضبها بأن تقلب 
الجو في غير أوانه أو ترسل علامات أخرى كالصواعق وهي اضطرابات 
في ظواهر الطبيعة (#. ۰ 

وينبغي علينا ألا نخلط فنظن أن وجود المجالس الاستشارية يعني أن 
هناك لرنا من الركاية الشعبية عا الاك فيا مر فا اكز لف إن ااك 
يستشير إذا شاءت إرادته الملكية» ومن حقه ألا يستشير فلا شيء يلزمه 
بقبول المشورة؛ أو الالتزام برآي الآخرين: فليس ثمة سوى الإرادة الملكية 
التي هي إرادة السماءء أما الشعب فلا وجود له. وإذا كان الإمبراطور 
يتحدث إلى الشعب باستمرار بجلال وبرقة وعطف آبوي» فإن الشعب ليس 
لديه عن نفسه إلا أسوأ مشاعر الذاتية؛ فهو يعتقد أنه لم يولد إلا ليجر 
مركبة الإمبراطور. فذلك هو قدره المحتوم» ولا يبدو لهم أمرا مزعجا أن 


تاليه الحاكم فى الشرق 
يبيعوا أنفسهم كعبيد» وأن يأكلوا خبز العبودية المر! ! على ما يقول هيجل!7 . 


ساد سا: ال سكندر يؤله شفسه فى الشرق! 

وقعت المدن اليونانيةء لما يقرب من قرن ونصف. تحت سيطرة الطغاة 
فيما يسمى عادة عصر طفغاة الإغريق؛ ابتداء من طاغية كورنثه وانتهاء 
بطاغية أثينا وأبناته-وهي حقبة ذاق فيها المواطن الكثير من الظلم والاضطهاد 
والمعاناة-لكن لم يحدث أن طلب أحد الطغاة من الشعب أن يسجد له عندما 
يشرف واحد منهم بالمثول بين يديه. صحيح أن المدن اليونانية تقلبت عليها 
الأنظمة وعرفت» من بين ما عرفت, النظام الملكي» لكنه لم يكن بقسوة 
النظام الشرقيء وتبعا لذلك يظل من الصواب أن نقول إن المدينة اليونانية 
كانت جمهورية في مقابل النظام الملكي في الشرق. ولهذا فإنه يقال عادة 
إنه بعد غزو الإسكندر للشرق انهزمت المدينة اليونانية الجمهورية وانتصر 
النظام الملكي. فقد قامت دولة واسعة الأرجاء كثيرة السكان على أنقاض 
مقاطعات صغيرة: وانتقل مركز الثقل في العالم اليوناني نحو الشرق. وأصبح 
تطور النظام اليوناني أمرا محتوماء لكن في أي اتجاه يسير هذا التطور؟. 
لقد ظل الرجل اليوناني يخضع للقانون الذي يصنعه البشرء ولم يخطر 
بباله أن يكون الحاكم إلهاء أو أنه يمثل الإله على الأرضء: ففكرة 
تأليههمه6دء2»11 الملك أو الإمبراطور صناعة شرقية محلية فحسب!.؛ ولهذا 
شهد الشرق أسوأ أنواع الطغيان: وكان النموذج الأعلى للطغيان إن صح 
التعبير. 

كيف سار التطور بعد أن التحم الشرق بالغرب بعد غزو الإسكندرة. إن 
النظام الملكي الشرقي لا يقبل بمبداً الحرية السياسية الذي كان سائدا في 
المدن اليونانية لاسيما في أثيناء فقد أصبح المواطن الآن تابعاء وحل القصر 
محل الجمعية الشعبية أو «الجمعية الوطنية» وكانت النتيجة أن أصبحت 
السلطة الملكية مطلقة؛ وأصبح الملك هو الشريعة الحية لا يقيده شيء؛ ولا 
يخضع لأية رقابة فإرادته إرادة مطلقة. وظهرت عبارات تؤيد ذلك مثل «إن 
ما يقره الملك هو عادل أبداء. 

ونقل الإسكندر فكرة «التاج» من فارس حتى أصبحت مرادفة للملك, 
وكذلك لفظ العرش.» واستخدمه كل خلفائه من بعده. والمقصود بالتاج عصبة 


الطاغيه 


بيضاءء وأحيانا يضاف اللون الأرجوانيء تحيط بالرأس وتجمع الشعر وتعقد 
إلى الوراء 2 . 

أصبح الملك: في المرحلة الهانستية: غير مقيد» فهو المشرع الوحيد 
للبلاد. وهو القائد الأعلى للجيشء وهو الذي يعلم كل شيء ويصدر أوامره 
في شتى الموضوعات: ويوجه الكتب الدورية إلى الموظفين؛ ويجيب عن 
أسئلتهم وهو أعلى سلطة قضائية 7 . 

وبعد غزو الإسكندر لفارس أطلق على نفسه «سيد آسیا» وكانت آسيا 
تعني الإمبراطورية الفارسية. وكان قبل ذلك قد أطلق على نفسه «ليث 
فارس الهصور». ثم تسمى باسم الملك. وهو لقب لم يستعمله إطلاقا على 
العملة التى سكها فى مقدونياء وقد أخذت هذه الألقاب فى الظهور على 
عضن اللات الأسيوية الى قان بر ا 

وبدأ الإسكندر يأخذ بعادات الشرق وثيابهم» ويتزوج منهم» إلى أن وصل 
إلى أعلى عادة وهي تأليه الحاكم فأراد أن يعترف به الشعب الآسيوي-بل 
واليوناني أيضا-ابنا «لزيوس-آمون»!؛ ويرى ديورانت أن الإسكندر لو أنه 
تخلى عن فكرة أنه «ابن الإله آمون» لكان من المحتمل أن يغضب المصريون 
لخروجه هذا الخروج العنيف عن السوابق المقررة عندهم 2. ولقد أكد 
الكهنة في سيوة وبابل **-وهم الذين يعتقد الناس فيهم أن لديهم مصادر 
خاصة-أنه من نسل الآلهة ! وبدأت القصص الأسطورية تروى عن ارتباط 
هذه الشخصية المقدسة بظواهر الطبيعة. فلقد تعرفت الأمواج نفسها على 
الإسكندرء وهو يسير بمحاذاة الشاطئء فتأكدت أنه سيدها .. وراحت تسبح 
بحمده» وقدمت له الولاء بوصفه إلها. ! فیما يروي و. و. تارن "* ۷.۷.۲٩.‏ 

وشيئًا فشيئًا بدأ الإسكندر يعتقد أنه إله حقا وبأكثر من المعنى المجازي 
لهذا اللفظ!. وهكذا ابتداء من ربيع عام 327 (ق. م) بدأت سياسته الخاصة 
بالمزج وإدماج العناصر المقدونية بالفارسية تآخن متحى جديدا عندما أزمع 
على اقتباس عادة فارسية هي السجود التي كان يتعين بمقتضاها على 
جميع من يقتربون من الملك أن يؤدوها! غير أن هذا الأمر كان يعني في نظر 
اليونانيين والمقدونيين عبادة حقة للامبراطور وهو أمر لم يألفوه من قبل. 
ولقد كان الإسكندر على بينة من الموقف. وذلك لا يعني سوى شيء واحد 
هو أنه أراد تأليه نفسه» أراد أن يصبح إلها بالفعل20©. 


تاليه الحاكم فى الشرق 


وعندما ابتدع الإسكندر عادة السجود هذه؛ تطورت الأمور على نحو 
غير منتظرء فقد عارضها المقدونيون بشدة. وأظهر البعض استياءه وغضبه. 
بل إن أحد قواده فعل ما هو أسوأ من المعارضةء فعندما سمع بمطلب 
الإسكندر استولت عليه نوبة من الضحك! وأخيرا اتفقوا معه على أن يقصر 
هذه العادة الآسيوية على الآسيويين فقط!. وكان الإسكندر قد أوتى قدرة 
قاكقة على الإأحساس يما هو ممكن من الأمور كاسقط السجون من حببابه 
نهائيا 3©, 

وهكذا نجد أن الإسكندر لم يفكر في تأليه نفسه إلا في الشرق» موطن 
تأليه الحکام» ولهذا كانت آسيا هي الأصل والمنيع e Origo‏ للاستيداد 
في كل الفلسفة السياسية في أوروباء وكان الطغيان الشرقي هو النموذج 
الذي تحدث عنه المفكرون في عصر التتوير 2 . 

فلقد كان تقديس الشرقيين للملك أمرا مألوفا عندهم. وقد نظر الرومان 
فيما بعد. إلى هذه الفكرة في افتتان ورهبة! فقلد بومبي الإسكندر الذي 
وافق على الألوهية لأغراض سياسيةء وكان قيصر يلهو بالتأليه. وأصبح 
مارك أنطونيوء بغير خجل» هو ديونسيوس-أوزريس زوج كليوبطرة-إيزيس 
ملكة مصرء وأطلقا على طفليها اسم الشمس والقمر(5©. 

وأقام أغسطس بحاسته السياسية البارعة نموذجا للمستقبل» فكان 
عليه أن يصبح في مصر الملك المقدس,» لكنه كان حذرا في أماكن أخرى. ولا 
نجد سوى المصابين بجنون العظمة من أمثال «كاليجولا» ونيرون ودميتيان؛ 
فهم وحدهم الذين طالبوا أن يعبدوا في حياتهم؛ وأن ينظر إلى كل منهم 
بوصفه سيدا وإلها Dominus & Deus‏ أي مالك للعبيد وإله للفانين!86 , 

لكن هذه كلها محاولات باهتة تحاكي الأصل: النموذج الشرقي الذي هو 
تأليه حقيقي للحاكم. 


هوامش الفصل الثاني 


)1( مصطلح 1600136 مؤلف من مقطعین يونانيين 5 ويعني إلهء و1208 بمعنى حكم. فهي 
تعني حرفيا «حكم الله» أو «الحكم لله» إما مباشرة أو من خلال رجال الدينء والدولة التي ينطبق 
عليها الحكم الثيوقراطي على هذا النحو هي الدولة اليهودية من موسى إلى القضاة. 

ومن أمثلة حكم رجال الدين «سافونارولا» في إيطالياء وجون كالفن في سويسرا . ولقد صاغ هذا 
المصطلح لأول مرة المؤرخ اليهودي يوسفوس «نادام1056 ليعني به التصور اليهودي للحكومة على نحو 
ما جاء في التوراة التي تذهب إلى أن القوانين الإلهية هي مصدر الالتزامات السياسية والدينية 
معا. انظر: :A Dictiohatyo Political Thought p. 416-R. Soruton‏ 

(2)قارن «ثروت بدوي» النظم السياسية ص 24! وأيضا يحيى الجمل «الأنظمة السياسية المعاصرة» 
.70-71 

(3) د. ثروت بدوي «النظم السياسية» ص ١124‏ . 

4) المرجع نفسه ص 125. 

(5) ظلت فكرة تقديس الإمبراطور موجودة في العصور الحديثة عند اليابانيين حتى عام 1947. 
(6) د. ثروت بدوي ص 126 . 

(7) كان القديس توما الاكويني من أكبر دعاة الحق الإلهي غير المباشرء إذ فرق بين السلطة في 
ذاتها التي تصدر عن الله والسلطة الواقعية: أي طريقة ممارستهاء وهذه تكون للشعب. الشعب هو 
الذي يختار الوسيلة التي تمارس بها السلطة وبالتالي فهو الذي يعين الأشخاص الذين يتولون 
السلطة؛ ثم نجد الأفكار نفسها على لسان كل من سلومات وسوارز-في نهاية القرن السادس عشر 
وأوائل السابع عشر (د. ثروت بدوي «النظم إلى السياسية» ص 127). 

(8) «تاريخ الحضارات العام» بإشراف موريس كروزيه؛ ترجمة فريد داخر وفؤاد أبوريحان ص 46 
منشورات عويدات-بيروت ط 2- عام 1986 . 

(9) ه. فرانكفورت «ما قبل الفلسفة» ص 82 ترجمة جبرا إبراهيم جبرا مكتبة الحياة 1960. 
(۱0) ه. فرانكفورت «ما قبل الفلسفة» ص 90. 

.48 تاريخ الحضارات العام المجلد الأول ص‎ )1١( 

)١2(‏ ه. برستد «فجر الضمير» ص 57 وما بعدها. 

(13) د . بطرس غالي: المدخل في علم السياسة ص 18 ط 9 عام ۱990 مكتبة الأنجلو المصرية. 
(14) تاريخ الحضارات العام بإشراف مورير كروزيه ترجمة فريد داخر وفؤاد أبو ريحان المجلد 
الأول ص 53-52. 

(15) تاريخ الحضارات العامء المجلد الأول ص 139. 

(16) ول ديورانت-قصة الحضارة-مجلد 4 ص 281-280 ترجمة محمد بدران-وكذلك ثروت بدوي 
«أصول الفكر السياسي» ص 36 دار النهضة العربية عام 1976. 

(17) مازالت هي الفضيلة الكبرى في كل بلدان الشرق ! ! 

(18) راجع في ذلك كله ه. فرانكفورت «ما قبل الفلسفة» ص 245. 


34 


تاليه الحاكم فى الشرق 


)19( المرجع نفسه ص 239. 
)20( المعتقدات الدينية لدى الشعوب ص 28 سلسلة عالم المعرفة عدد ۱73 مايو 1993. 
)21( «في سبيل تأمين سلامة صدام حسين قامت الشرطة السرية بتعذيب آلاف المواطنينء وقتل 
عدد لا يعرف على وجه التحديد» وأنشئت أجهزة استخبارات للتجسس على الشرطة والجيش ثم 
«ست مجموعات» خاصة لقتل اللاجئين السياسيين العراقيين فى مصر وإنجلترا والولايات المتحدة.. 
3 الخ» جمهورية الخوف ص 53-48 . 
)22( قارن في ذلك «المعتقدات الدينية لدى الشعوب» ص 273 و ول ديورانت-قصة الحضارة مجلد 
4 ص 281-280: وثروت بدوي أصول الفكر السياسي ص 36 
(23) لاحظ ياستمرار الارتباط بين الحاكم الإلهي وظواهر الطبيعة سواء فى حالة تعيينه فتنتظم 
أو في حالة اغتياله فتضطرب. 
(24) هيجل «محاضرات في فلسفة التاريخ»الجزء الثاني-العالم الشرقي 96-5 . 
)25( تاريخ الحضارات العام المجلد الآول. ص 402. 
)26( المرجع نفسه ص 416. 
)27( المرجع نفسه ص 417. 
(28) و. د. تارن «الإسكندر الأكبر» ص ۱03 ترجمة زكى على مركز كتب الشرق الأوسط 1963. 
(29) ول. ديورانت «قصة الحضارة» المجلد السابع ترجمة نس بدران ص 534- 535. 
(30) «عندما دخل الاسكندر بابل قيل له إن الناس سوف تركع أمامك لآن البابليين يعتقدون أنك 
نلت العلا بفضل مردوخ (!» هارولد لامب «الاسكندر المقدوني» ص 247 ترجمة عبد الجبار 
المطلبي ومحمد ناصر الصانع ومراجعة د. محمود الآمين. الكتبة الآهلية بغداد عام 65 . 
(31) و. و. تارن: «الاسكندر الأكبر» ص ۱28 ترجمة زكي علي ومراجعة د. محمد سليم سالم- 
الناشر مركز كتب الشرق الأوسط ۱963 (الألف كتاب رقم .)41١‏ 
(32) المرجع نفسه ص ٠30‏ : 
)33( المرجع نفسه ص ۱32 . 

(34). 1989 Perry Anderson: Lineages Of The Absolutist State p.463. Verso, London 
جفري بارندر «المعتقدات الدينية لدى الشعوب» ص ۱03 ترجمة د. إمام غيد الفتاح إمام‎ (35) 
. |993 ومراجعة د. عبد الغفار مكاوي-سلسلة عالم المعرفة عدد ۱73 الكويت مايو‎ 
. 104 المرجع السايق ص‎ (36) 


«يبداً الطغيان عندما تنتهى 
سلطة القانون, أي قد 
انتهاك القانونء وإلحاق 
الأذى بالآخرين» 
جون لوك «في الحكم المدني» 
فقرة 202 
«الشرطي الذي يجاوز حدود 
سلطاته يتحول إلى لص أو 
قاطع طريق.. كذلك كل من 
يتجاوز حدود السلطة 
المشروعة سواء أكان موظفا 
رفيعا أم وضيعاء ملكا آم 
شرطيا. بل إن جرمه يكون 
أعظم إذا صدر عم عظمت 
الأمانة التي عهد بها إليه..» 
جون لوك-في الحكم المدني 
فقرة 202 


عائلة الطغبان 


لتمطادجط : 

أفراد هذه العائلة «غير الكريمة» كثيرون: إذ 
يبدو أنها هي التي حكمت فترة طويلة من التاريخ. 
وتعطينا كتب التاريخ العظيمة انطباعا بأن عدد 
«الطغاة» و«المستبدين» يفوق بشكل هائل عدد 
الحكام الخيرين أو الصالحين» وأن هؤلاء الطغاة 
كانوا دائما موضوعا للكراهية والخوف. ولم يكونوا 
أبدا موضوعا للحب والإعجاب..»'. ومما يؤكد 
ذلك ما يذهب إليه فقهاء القانون من أن استقرار 
القوانين الدستورية لم يكن أمرا سهلاء فهي لم 
تصدر إلا بعد جهاد الشعوب وكفاحهاء واستشهاد 
الكثيرين من آبنائهاء لكي تستخلص الشعوب 
حقوقها من مغتصبيهاء وقد سجل التاريخ أن 
الدساتير لم تصدر إلا بعد ثورات شعبية أو ضغط 
قوي من جانب الشعب على حكامهء حتى في البلاد 
التي اتسم تطورها السياسي بالهدوء إلى حد كبير 
اال اترا ۰ 

ا- فقانون الماجناكارتا02:2 aع«Na‏ (العهد 
الأعظم) صدر عام 1215- وهو أول وثيقة مدونة 
في إنجلترا-بعد ثورة الأشراف والكنيسة على الملك 
«جون» فتحررت الكنيسة وتحددت حقوق الملك 


37 


الطاغيه 


الإقطاعية 2. 

2- حدث أكثر من صدام بين البرلمان الإنجليزي و الملك شارل الأول عام 
8 أدى إلى الحرب الأهليةء ثم بعد ذلك مع الملك جيمس الثاني عام 
68 .. . الخ. 

دع عنك الثورة الكبرى التي قامت في فرنسا عام 1789 للمطالبة بحقوق 
الشعب وتأكيد حرياته؛ والعمل على احترامها . وصدر «إعلان حقوق الإنسان» 
الذي أصبح وثيقة عالمية نقلت عنه مختلف الدساتير. ومعنى ذلك كله أن 
البشرية لم تستطع أن تصل إلى الحكم الديمقراطي إلا بعد كفاح مرير. أما 
الآنظمة اللا ديمقراطية المسماة بعائلة الطغيان فهي تشمل عددا كبيرا من 
الأنظمة السياسية التي تتفق في أصول وتختلف في فروع ضثيلة القيمة. 
ومن هذه الأنظمة: الطغيانء الدكتاتورية: الاستبدادء السلطة المطلقة, 
الشمولية؛ الأوتوقراطية.. . الخ. وسوف نحاول أن نشرحها في إيجاز. 


أولا: الطغيان 

أقدم النظم السياسية عند اليونانء وفي الشرقء ويبدو أن الشاعر 
اليوناني آرخیلوخوس ددادءهانههءةء كان أول من استخدم كلمة طاغية 
5ط عندما أطلقها على الملك جيجز ءءعر ملك ليديا الذي أطاح 
بملكها السابق؛ واستولى على العرش. وليس واضحا ما يعنيه الشاعر على 
وجه التحديد بقوله: «أنا لا أهتم بثروة «جيجز sءعر6»‏ وأنا لا أحسده. كما 
أننى لا أغار من أعمال الآلهة. ولا أرغب أن أكون طاغية..»7). أكان يقصد 
بلقب «الطاغية» هنا «المغتصب»» على اعتبار أن جيجز اغتصب عرش ليديا؟. 
ليس هناك إجابة حاسمة. وعلى أية حال فإن بعض المؤرخين يذهبون إلى 
احتمال أن تكون هذه الكلمة الجديدة التى استخدمها الشاعر فى وصف 
الك وهي كلمن «الطاقية يهابة دة ٠‏ ونمتقض البعضن الأنشر آن الكلبنة 
الاير التي تعني طاغية غمة1 قد تكون مشتقة من اسم ترها 13:52 
المدينة الليدية. ومعنى اللفظ هو «قلعة/ . 

لكن هناك رأيا آخر يرد الكلمة إلى القبائل التركية القديمة التي كانت 
تعيش متفرقة في آسيا العلياء وهي تركستان الحالية: «وكان الفرس يسمون 
هذه البلاد تورانء فكان اسم ترك أو تورانيه اسما لجنس القبائل المتوحشة. 


عائله الطغيان 


وصار توران عند اليونان يلفظ «تيران» ومعناها طاغية أو عات. ولفظة 
ترك عند العثمانيين مرادفة لكلمة بربري . 

ويذكر البستانى أيضا تحت مادة «طاغية»: 

«ويقال طغى فلان أي أسرف في المعاصي والظلم, والطاغية: الجيارء 
والأحمقء والمتكبرء والصاعقة, والمراد به هنا من تولى حكما فاستبد وطغی» 
وتجاوز حدود الاستقامة والعدلء تنفيذا لمآربه فيمن تناوله حكمه أو بلغت 
سلطته إليه.. , 

ويقول كذلك «وفى كتب اللغة أن الطاغية لقب ملك الرومء وقد وردت 
بهذا المعنى في تواريخ العرب» ولعلهم أرادوا بها معنى يفيد معنى اللفظة 
اليونانية «تيرانوس» وأصل معناها عندهم ملك أو آمیرء ووردت بهذا المعنى 

والواقع أن البستانى يخلط هنا بين كلمة «طاغية» وكلمة «مستبد» التى 
أطلقها الأباطرة البيزنطيون على أبنائهم, على نحو ما سنعرف يعد قليل» 
رغم أنه هو نفسه يدرك أنهما كلمتان متمايزتان: يقول: «ريما خلط البعض 
بين الطاغية والمستبد من الحكامء فالبون بينهما بين عظيم: فالمستبد من 
تفرد برأيه واستقل به. فقد يكون مصلحا يريد الخير ويآتيهء أما الطاغية 
افسقين طيعا متسر كا كن العاسي رالا زه وجاك لكيه اتی افد 
القواقين و فراع كرا هجر فن ها يطبم إليه من التو 
والظلم, والفتك برعيتهء وهضم حقوقها. وقد يكيف فظائعه بقالب العدل 
فيكون أشر الطغاة. وأشدهم بطشا بمن تناولتهم سلطته. وقد اختصت 
الأمم والكتبة لقب طاغية بالملوك: ولم يطلقوه على كل من طغى منهم..19) 
رالمان کر ھا ےآ کے 6ط کح سای ای فلن 
الحاكم المتعسف. على الرغم من أنه لغويا قد يطلق على الأفراد أيضاء 
سوك ری الارن هما عت روع مى اللفهة ليظلق على اكاك 
وعلى الفرد في آن معا . ويشكو البستاني من أن الناس يمكن أن تتقبل 
«الطغيان» بغير شكوى أو تذمرء وهي الصفة التي سوف يلصقها أرسطو 
بالشرقيين؛ ويرى أنهم يحملون طبيعة العبيد. ولهذا السبب لا يتذمرون من 
حكم الطاخية.روف القارية ما يضيو ]كن أن الرضية قد هكم ار فالغ في 
الشكوى إذا تسلط طاغية عليهاء كأن الجبن يأخذن منها كل مأخن فيخمد 


5© 


الطاغيه 


أنفاسها وترضخ صاغرة؛ كأنها تتقي شر نقمت”". خلافا لما لو اعتلت 
السلطة فتجاهر الرعية بمطالبهاء ولا يحول بطش الطاغية دون تألبهاء 
والمطالبة بما تروم من حقوق''. 

ويختم البستاني حديثه عن «الطاغية» بطرح المشكلة التي كثيرا ما 
أثيرت في تاريخ الطغاة, وأعني بها السؤال: أيجوز قتل الطاغية؟! «رأت 
العلماء. في كل عهد وآنء أن للأمم أن تلجأ إلى ما تيسر لها من الوسائل 
تخلصا من الطغاةء وسوغوا لها الفتك بهم» فأتاحوا لها قتلهم» ولم يعتبروا 
من قتل طاغية مجرماء بل أوجبت له بعض القوانين المكافأة. قال شيشرون 
عن قوانين اليونان إنها تقضي بمنح من قتل طاغية الجائزة الأوليمبية. وله 
أن يسأل القاضي ما يتمنى وعلى القاضي إجابة سؤاله! فهو قانون يجيز 
القتلء وقال بعضهم بوجوب نبذه لآن الطغي مسألة يستكره حسمها 
بالسيف»'. وسوف نعود إلى هذه المشكلة فيما بعد. 

وعلينا الآن أن نستكمل تاريخ هذا المصطلح. الواقع أن كلمة «الطاغية 
ر؟» لم تكن تعني بالضرورة في بداية استخدامهاء حاكما شريراء ففي 
العصور اليونانية القديمة. وعلى وجه التحديد في القرنين السابع والسادس 
قبل الميلادء كانت الكلمة تعني» في بعض استخداماتهاء «ملك» أو «حاكم» 
بل قد يسمى الملك بالطاغية في سياق المديح أو المجاملة. ثم بدأت الكلمة 
تحمل معنى كريها-هو الذي لا تزال تحمله حتى الآن-ابتداء من الجيل 
الثاني من طغاة الإغريق . ففي العصر الكلاسيكي”'» سرت شحنة من 
الكراهية لكل من مك مق لشي على ق را "رمه 
ذلك فقد استخدم «أسخيلوس» و«سوفوكليس» في القرن الخامس كلمة 


)*( «حين يصير الناس في مدينة 
ضفادعا مفقوءة العيونء 
فلا يثورون ولا يشكون, 
ولا يغنون ولا يبكون, 
ولا يموتون ولا يحيون» 
تحترق الغابات» والآطفالء والآزهارء 
تحترق الثمارء 
ويصبح الإنسان في موطنه. 
أذل من صرصار.. !» نزار قباني الأعمال السياسية ص 17 (قصيدة الممثلون) بيروت 1974 . 


420 





عائله الطغيان 


طاغية 5مصصه:15 لترادف لفظ «الملك 5 . 

غير أن فلاسفة القرن الرابع قبل الميلادء لاسيما أفلاطون وأرسطو- 
كما سنرى فيما بعد-أعلنوا بوضوح حاسم التفرقة بين اللفظين. فلفظ 
«الملك» يطلق على الحاكم الجيد أو الصالح» في حين تطلق كلمة الطاغية 
على الحاكم الفاسد أو الشري 10 , 

وعندما اعتزل «صولون 250108 السياسة وتفرغ للشعرء نجده يشير إلى 
أنه رفض أكثر من مرة أن يكون «طاغية». ويمكن أن نفهم ما الذي كان 
يعني» الطغيان في أثينا في ذلك الوقت5 لقد كان «صولون» يقصد أنه كان 
متساهلا للغاية مع الأرستقراطيين. وأنه رفض مصادرة أملاكهم وأراضيهم 
وإعادة توزيعهاء كما هي عادة الطغاة عندما يصلون إلى الحكم. 

وهذا ما كيه كنا وين مر طاغية كورنثه الشهير عام 0 قبل 
الميلادء الذي يفتتح المؤرخون به «عصر طفغاة الإغريق(* 
585-i 5‏ ق. م. ولقد اهتمت معظم الآداب القديمة؛ التي تحدثت 
عن الطغاةء اهتماما خاصا بالفرص غير العادية المتاحة أمامهم للاستمتاع 
باللذات الحسية المختلفة (ومن هنا كان أفلاطون بارعا عندما جعل غاية 
هذا الحكم إشباع شهوات الحيوان الأكبر). على نحو ما سنعرف بعد قليل17) 
وعندما فسر صولون لأصدقائه سبب رفضه لوظيفة «الطاغية» ركز كل 
حديثه حول المغريات المادية التي يكون الطغاة قلقين بشأنها. 

أما من حيث الشكل الدستوري لهذا الضرب من ضروب الحكم» فلم 
يكن للطغيان دستور. ولا للطاغية مركز رسمي محدد., فإذا ما أطلقت عليه 


وخلفه ابنه بریندر 


(*2) يؤرخ عادة لعصر طغاة الإغريق ابتداء من اعتلاء هذا الطاغية عرش كورنثه عام 650 ق. م.» 
وينتهي بطرد أبناء الطاغية بيزستراتوس 105هناوزو2 من أثينا عام 510 ق. م. أي ما يقارب من قرن 
ونصف وقعت فيها المدن اليونانية تحت سيطرة حفنة من الطغاة لأسباب مختلفة. وإن كان من 
بينها خيوط مشتركة منها المعاناة من الظلم والاضطهاد في الداخل وعدم الإحساس بالأمن نتيجة 
لهجمات الغزاة من الخارج. ويمثل طفغاة الإغريق نقطة تحول في التطور السياسي اليونانيء 
فهناك نظام قديم ينهار (النظام الإقطاعي) ونظام جديد لم يستقر بعد. وربما كان تركيز الثروة 
في أيد قليلة تركيزا وخيم العواقب من أهم الظروف التي مهدت لظهور الطغيان. راجع في ذلك 
كتاب أندروز «طغاة الإغريق» ٤٣۵رآ 6۲٥)‏ 1 لاسيما الفصل الآول. وأيضا د . محمد كامل عياد 
«تاريخ اليونان» الجزء الأول ص 337 وما بعدهاء دار الفكر بدمشق ط 3 عام 1985 . وكذلك ول 
ديورانت «قصة الحضارة» مجلد 6 ص 225 وأيضا د . عبد اللطيف أحمد علي «التاريخ اليوناني» 
الجزء الأول ص 162 دار النهضة العربية بيروت عام 1976. 


Al 





الطاغيه 


البلاد لقب «ملك» أو «طاغية» فلا يهم لأن المحور الأساسي هو الاعتراف 
بسلطانه؛ وبتمركز جميع السلطات في يده فلا قانون إلا ما يأمر به حتى 
ولو خالفت أوامره القوانين القديمة للبلادء بل إنه هو نفسه قد يصدر أمرا 
جديدا (قانونا جديدا) يخالف ما أصدره قبل ذلك؛ ولهذا فليس ثمة غرابة 
إذا ما وجدنا التناقض شائعا فى حكم الطغاة! فقد تكون (القوانين) أو 
الققرارات التي أصدرها مينية على الاتفعال: والانقعال بطبيعته وقتي ومتقلبه 
وقد يكون القرار بالغ الخطورة لأنة يمس حياة إنسان مغلا ۴9 

لكن مع نمو الديمقراطية في اليونان أصبح الحكم الذي ينفرد به رجل 
واحد أمرا بغيضاء ومن ثم ازدادت الكراهية للطغيان: بل أصبح قتل الطاغية 
مسر واجبا وطنيا؟" . وفي القرن الرابع لخصت الفلسفة اليونانية- 
ممثلة في أفلاطون ثم أرسطو-هذه الكراهية للطاغية الذي أصبح حكمه 
أسوأ أنواع الحكم على ظهر الأرضء على نحو ما سنعرف بعد قليل عند 
الحديث عن نظرية هذين الفيلسوفين عن الطاغية. ويهمنا الآن أن نلخص 
أهم السمات العامة للطغيان التي يمكن استخلاصها من تاريخ «طغاة 
الإغريق» فيما قبل ظهور الفلسفة: 

-١‏ الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع: فيمكن أن يكون 
قد اغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات, أو القهر أو الغلبة بطريقة ما. 
وباختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيرا 
طبيعياء لكنه قفز إلى منصة الحكم عن غير طريق شرعيء وهو لهذا: 
«يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم» ويحاكمهم بهواه لا بشریعتهم» 
ويعلم من نفسه أنه الغاصب والمعتدي» فيضع كعب رجله في أفواه ملايين 


(*3) الأمثلة كثيرة في تاريخناء فقد يحكم الخليفة «المهدي» على شاعر بالموت (صالح بن عبد 
القدوس البصري) فيأتي إليه يستسمحه ويمدحه ببيتين من الشعر فيعفو عنهء لكنه قبل أن يخرج 
من الباب يتذكر شعرا سينا آخر له فيطلبه ليقوله له ألست القائل كذا وكذا؟! ويحكم بإعدامه. 
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 275. وقد تعترض امرأة طريق «المهدي» قائلة: «يا عصبة رسول الله 
انظر في حاجتي» فيقول: «ما سمعتها من أحد قط!. اقضوا حاجتها أعطوها عشرة آلاف درهم». 
هكذا دون أن يعرف ما حاجتها!. المرجع نفسه ص 274. وقد يقول شخص للسفاح: «سمعت بألف 
آلف درهم وما رأيتها قط5» فأمر فأحضرت. وأمره بحملها معه إلى منزله.! يعطيه مليونا من 
الدراهم لأنه سمع بها ولم يرها قط! أي ارتجال وسفه وإهدار للمال العام! (انظر في ذلك تاريخ 
الخلفاء للسيوطي ص 258). 


A2 





عائله الطغيان 


من الناس لسدها عن النطق بالحقء والتداعي لمطالبته». ٠2‏ 

2 لا يعترف بقانون أو دستور في البلاد بل تصبح إرادته هي القانون 
الذي يحكم» وما يقوله هو أمر واجب التنفيذ. وما على المواطنين سوى 
السمع والطاعة. 

3- يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته أو متعه التى قد 
تكون. في الأعم الأغلب. حسيةء وقد كانت كذلك بالفعل عند طغاة اليونان 
الأقدمين. وربما كانت كذلك في الشرق القديم والوسيط أيضاء أو قد تكون 
«متعته» فى طموحاته إلى توسيع ملكهء وضم المدن المجاورة أو الإغارة على 
بعضها لتدعيم ثروته.. .الخ أو إقامة إمبراطورية.. ٠الخ.‏ 

4- ينفرد مثل هذا الحاكم بخاصية أساسية؛. في جميع العصورء, وهى 
أنه لا يخضع للمساءلة.ء ولا للمحاسبة.ء ولا للرقابة من آي نوع! والواقع أن 
شؤون الرعية كما تشاءء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين..» 20 
والحكومة لا تخرج من هذه الصفة ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة, 
والمحاسبة التي لا تسامح فيها ". ومن هنا ينبغي علينا ألا نندهش عندما 
نقراً في كتب التراث أن الوليد بن عبد الملك استفسر ذات مرة في عجب» 
«أيمكن للخليفة أن يحاسب.. 5!, 9*). والسؤال هنا عن الحساب من الله. 
دع عنك أن يجرؤ البشر على ذلك. 

والواقع أن هذه الخاصية بالغة الأهمية لأنها العلامة الحاسمة التي 
تفرق بين عائلة الطغيان: أيا كان أفرادهاء وبين الأنظمة الديمقراطية التى 
المنبر ليلقي الخطبة الدستورية التي توضح سياسته القادمة. جاء فيها. «والله لا يأمرني أحد 
تاريخ الخلفاء ص 219. وعندما تولى ابنه يزيد الخلافة عام 7١‏ ه «.. أتى بأربعين شيخا فشهدوا 
له: ما على الخلفاء حساب ولا عذاب» المرجع نفسه ص 246 وعندما أرسل ابن المقفع للمنصور 
كتابا صغير الحجم عظيم القيمة أسماه «رسالة الصحابة» نصح فيه الخليفة بحسن اختيار 
معاونيه وحسن سياسة الرعية! عوقب لأنه تجرأ على النصح والإرشاد وليس المديح والإشادة! 
بتقطيع أطرافه قطعة قطعة (وأحمى له تنوراء وجعل يقطعه إربا إربا ويلقيه في ذلك التنور حتى 
والنهاية لابن كثير الجزء العاشر ص 99 دار الكتب العلمية؛ بيروت لبنان. وهناك عشرات الأمثلة 
من التاريخ القديم والحديث ! وسوف نعود إليها فيما بعد. 


A3 





الطاغيه 


يحاسب فيها رئيس الدولة كأي فرد آخر. فلا أحد يعلو على القانون فعلا 
لا كلاما ولا خطابة. 

5- وهكذا يقترب الطاغية من التأله. فهو يرهب الناس بالتعالي والتعاظم 
ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجاً إلا التزلف له وتملقه!.. 
وعوام الناس يختلط في أذهانهم الإله المعبود والمستبدون من الحكام.. 
«ولهذا خلعوا على المستبد (أو الطاغية) صفات الله: كولي النعم: والعظيم 
الشأن. والجليل القدرء وما إلى ذلك! وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له 
صفة قدسية يشارك فيها الله أو تربطه برباط مع اللهء ولا أقل من أن 
يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله»0. وبذلك 
يصبح هو: الحاكم. القاهرء الواهب. المانع ء الجبارء المنتقم» المقتدرء 
الجليلء الملكه المهيمن: المهيب» الركن.. إلى آخر الأسماء الحستى التي 
شم بها واحد من فى طحاة الشرق في اريخا الماصره دون أن يجد 
هن ذلك حرجا ولأاعش] على فسيحان الله رن تفرش سما يصفون ۷ 
يسأل عما يفعل وهم يسألون» (الأنبياء آية 23). 


Despotism dÎ ain أل‎ : lil 
كلمة المستبد 1265006 مشتقة من الكلمة اليونانية ديسبوتيس 0165موع12‎ 
التي تعني رب الأسرة: أو سيد المنزل» أو السيد على عبيده. ثم خرجت من‎ 
هذا النطاق الأسري» إلى عالم السياسة لكي تطلق على نمط من أثماط‎ 
الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلة لسلطة‎ 

الأب على أبنائه في الأسرةء أو السيد على عبيده. 

بهذا الخلظ بين وظيفة الأب قى الأسبرة اتتى هى منيو الخلاقن: 
ووظيعة املك لذ هر فرك سياس N a‏ 
يستخدمه الحكام عندنا في الشرق للضحك على السذج: فالحاكم «أب» 
للجميع أو هو «كبير العائلة» وهذا يعني في الحال أن من حقه أن يحكم 
حكما استبدادياء لآن الآب لا يجوز- أ خلاقيا-معارضته» ولا الاعتراض على 
أخرت كران مظاع واحتوامه و اجه مقرو كن على الحسيي. , فيفل 
هذا الور الغا لمجال السا وك إلى كبك اها ةا 
كان نوها ١‏ وتصبح الانتقادات التى يمكن أن ترجه إليه «غيبا» كتحن 


A4 


عائله الطغيان 


ننتقل من الأخلاق إلى السياسة؛ ونعود مرة أخرى من السياسة إلى الأخلاق؛ 
وذلك كله محاولة لتبرير الحكم الاستبدادي. 

والواقع أن الحاكم الذي يبرر حكمه «بأبوته» للمواطنين؛ يعاملهم كما 
يعامل الأب أطفاله؛ على أنهم قصر غير بالغين أو قادرين على أن يحكموا 
أنفسهم: ومن هنا كان من حقه توجيههم: بل عقابهم إذا انحرفوا لأنهم لا 
يعرفون مصلحتهم الحقيقية* . 

وها هنا يفرق «جون لوك» تفرقة واضحة للغاية فيقول إن سلطة الأب 
ليست سلطة سياسية؛ وإنما هي أخلاقية بالدرجة الأولى بمقدار ما يكون 
الأب ولي أمر أطفاله. ومن ثم فعندما يغفل العناية بهم يفقد سلطانه 
عليهم. فهي تقترن بإطعامهم: وتربيتهم» ورعايتهم. ولهذا كانت من حق 
الرجل الذي يتولى أمر طفل لقيط أو طفل يتبناه. كما هي من حق الأب 
الحطبيكى: و اتات الآب اة بسب ا لوم ]ذا ت 
عنايته بهم عند حد الإنجاب فحسب.. ومن هنا فإن سلطة الأب تتصل إلى 
الأم إذا توفي الأب وكان الأولاد لا يزالون صغارا .. ولهذا ينبغي عليهم طاعة 
الأم ما داموا في سن القصور, لكن لا الأب ولا ألأم بمثابة السلطة التشريعية 
على الأبناء. فإذا بلغوا سن الرشدء انتهت سلطة الأب عليهم» فلا يحق له 
أن يتصرف في شؤون ابنهء كما لا يحق له أن يتصرف في شؤون أي شخص 
غريب. وهكذا يستقل الابن ويبدأ. مثله مثل أبيه. في الخضوع لسلطة 
القانون السياسي في البلاد. غير أن هذا الاستقلال لا يعفي الابن من 
إكرام الوالدين الذي تحتمه الأخلاق (25. 

وها هنا أيضا لا ينبغي أن نخلط بين مجالي الأخلاق والسياسة؛ فاحترام 
الوالدين وإكرامهما واجب تفرضه الأخلاق على كل ابن حتى ولو كان «هو 
الملك الجالس على العرش» على حد تعبير لوك» . لكن هذا الواجب لا 
يحد من سلطته؛ بمعنى أنه لا ينبغي له أن يخضع في تصريفه لشؤون 
الدولة لسلطة الوالدين. ومن ثم فطاعة الوالدين هنا تختلف أتم الاختلاف 
عن طاعة القانونء فطاعة الوالد أخلاقية, واحترامه واجب أخلاقي» وسوف 
يظل هذا الاحترام قائما حتى بعد أن يبلغ الابن سن الرشد» وينتهي جون 
لوك من هذا كله إلى القول إن «السلطة السياسية وسلطة الأب تختلفان أتم 
الاختلاف. وتتمايزان أشد تمايزء لآنهما تقومان على أسس مختلفة كل 


A5 


الطاغيه 


الاختلاف. وتهدفان إلى أغراض مختلفة. حتى أن كل ملك مازال والداه 
على قيد الحياة مدين لهما بالواجب والطاعة-شأنه في ذلك شأن أحط 
أفراد رعيته تجاه أبويه-دون أن يشمل ذلك أي درجة من تلك السلطة التي 
يمارسها الملك أو الحاكم على رعيته» 7 . ولقد ظهر هذا محبداك ا 
لأول مرة إبان الحرب الفارسية الهيلينية في القرن الخامس ق. م. وكان 
أرسطو هو الذي طوره وقابل بينه وبين الطغيانء وقال إنهما ضربان من 
الحكم يعاملان الرعايا على أنهم عبيد. أما الاستبداد-وهو النظام الملكي 
عند «البرابرة» على ما يقول أرسطو-فهو يتسم بسمة آسيوية هي خضوع 
المواطنين للحاكم بإرادتهم. لأنهم عبيد بالطبيعة! فالحاكم الآسيوي المطلق 
هو وحده الحرء وهذه الإمبراطوريات الآسيوية الاستبدادية معمرة مستقرة: 
وممتدة أي طويلة الأجلء لأنها تعتمد على قبول ورضاء ضمني من الرعايا 
الذين يحكمون بوساطة القانون» ويتبعون مبادئ وراثية في الحكم.. وأصبح 
مصطلح المستبد يعني عند أرسطو: (آ) رب الأسرة (ب) السيد عل عبيده 
(ج) ملك البرابرة الذي يحكم رعاياه كالعبيد». ولهذا السبب كمان الاستبداد 
عاديا عند الآسيويين. وحالة مرضية شاذة عند اليونانيين!». 

والاستبداد يشبه الطغيان في جانب» ويختلف عنه في جانب آخر, 
فأرسطو يقصر استخدام م الفاق على إا اة في 
المدينة» وهي عملية يوم بها فرد يستخدم الخداع أو القوة لكي يقفز إلى 
الحكم. وكثيرا ما يحدث ذلك عن طريق استخدام مجموعة من الجنود 
المرتزقةء ولقد جرت العادةء كما سبق أن ذكرناء أن يحكم الطغاة لمصلحتهم 
الخاصة: وأن ينغمسوا في إشباع شهواتهم: دون اكتراث بالقانون أو العرف, 
وآن يقيموا نلطتهم على القهر: فليس أسهل عندهم من سفك الدماء60, 


(*5) «وكان السفاح سريعا إلى سفك الدماءء فاتبعه في ذلك عماله بالمشرق والمغرب» وكان مع 
ذلك جوادا بالمال»ثم تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 259 «ويؤخذ على المنصور ميله لسفك الدماء.. 
. وغدره بمن أمنه. ففد غدر غدرات ثلاثا: غدر بابن هبيرة وقد أعطاه الأمان: ولم يبد منه ما 
يدعوه إلى الفتك به. وغدر بعمه عبد الله بن علي بعد أن أمنه (أسره أولا ثم قتله!) وغدر بأبي 
مسلم بعد أن طمأنه..» د . حسن إبراهيم حسنء» «تاريخ الإسلام» ج2 ص 35 النهضة المصرية 
91 ففد قتل أبا مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية نفسه؛ كما قتل محمدا (النفس 
الزكية) بن عبد الله بن الحسن في الحجاز وأخاه إبراهيم في العراق!! والأمثلة. في تاريخنا 
القديم والحديث لا حصر لها! وسوف نعود إليها فيما بعد. 


Ab 





عائله الطغيان 


ويعتقد أرسطو أن حكم الطفاة غير مستقر بسبب الكراهية التي يبثها 
الحكم التعسفي. ولقد ظل مفهوم الطغيان أكثر أهمية في الفكر السياسي 
الغربي من العصر الروماني حتى القرن الثاني عشر. وظهرت نظريات تبرر 
مقاومة الطغاة بل حتى قتلهم. 

وكان الأباطرة البيزنطيون هم أول من أدخل مصطلح «الاستبداد» (أو 
المستبد) في قاموس السياسة. إذ كانوا يطلقون لقب «المستبد» كلقب شرف 
يخلعه الأنبواطوى ىا ارج ابنته عند تعيينه حاكما لإحدى المقاطعات. 

وكان الكسيوس الثالث (إنجيلوس) تناععهث 111 5ءاث (حكم من ۱۱95 
إلى1205) هو أول من أدخل هذا اللقب» وجعله أعلى الألقاب السياسية 
مرتبة بعد لقب الإمبراطور 08.. 

ومع ذلك فقد ظل مصطلح «الطغيان» طوال العصور الوسطى أكثر 
المصطلحات استخداما وأوسعها انتشارا لوصف الحاكم الشرير أو المغتصب» 
ثم بدأ مصطلح «الاستبداد» يظهر نتيجة لترجمة مؤلفات أرسطوء لاسيما 
كتابه «السيادة». وأدت الظروف السياسية التي سادت القرن السادس عشر 
سواء داخل أوروبا أو خارجها إلى أن احتل مصطاح الاستبداد مركز الصدارة 
كمفهوم سياسيء فالزعم بالتفوق الأوروبي» من ناحيةء وجد تطبيقات جديدة 
ارتبطت أحيانا بالقول إن المسيحية رسالة حضارية. كذلك إحياء الأرسطية 
من ناحية أخرىء ثم ما دار من نقاش بين الغزاة الأسبان حول عدالة 
استرتاق الهنود من ناحية ثالثة؛ وكثيرا ما كان الرحالة الأوروبيون يحملون 
معهم تصنيفات أرسطو.ء واتجاهاته الفرية البغيضة والمثيرة للاستياء في 
رحلاتهم الاستكشافية عن: السيادة» والرق؛ والغزو الاستعماري الذي بررته 
نظريات الاستبداد التى قال بها فى صور مختلفة بودان 80015 وجروتيوس 
01015 ويوفندروف Pufzhdrof‏ +„ ال 

وكان ماكيافيللي 111ة:2ن2125. في هذا القرن: السادس عشرء هو أول 
من قارن بين الاستبداد والطغيانء عندما قابل بين النظام الملكي في أوروباء 
والطغيان الشرقي في الدولة العثمانية» يقول أندرسون:2508ء0دثى.م «كان 
مكيافللي في إيطاليا في أوائل القرن السادس عشر أول منظر يستخدم 
نموذج الدولة العثمانية. كنقيض للنظام الملكي الأوروبي» فهو في فقرتين 
من كتابه «الآمير» يحدد جمود أوتوقراطية الباب العالي 1۲١ ۴0۲۲١‏ كنظام 


A7 


الطاغيه 


دستوري يختلف عن دول أوروبا»/*). ثم تبعه في ذلك بودان 80015؛ ثم في 
مرحلة لاحقة برنيه #عنمءظ8 الذي رای أن الدولة العثمانية التي بلغت ذروة 
قوتها في القرن السابع عشر أصبحت نظاما سياسيا جديرا بالدراسة 
والمناقشة: وأنه لابد من الكشف عما في هذا النظام من نقائض وعيوب 
واستخلاصها لتكون خصائص عامة لجميع الإمبراطوريات الشرقية 
العظمى. وهذه الخطوة الحاسمة هي التي قام بها الطبيب الفرنسي 
برنيه ٣۲1ء8‏ الذي قام برحلة طويلة في تركياء وفارسء والهند. وأصبح 
الطبيب الشخصى للامبراطور 2 Aurengzeb‏ . 

وا لوو يهان ردان 68501538-1998الكظلرزةا جد يدة هق الاسضداذ 
مستخدما حججا من القانون الروماني لتبرير الاستبداد الذي ينشأ نتيجة 
لحق المنتصر في حرب عادلة في السيطرة على المهزوم» بما في ذلك حقه 
في استعباده. ومصادرة ممتلكاته» أو نتيجة لموافقة المهزوم على استعباده 
مقابل الإبقاء على حياته وحقن دمه . 

وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر بدأت الأرستقراطية الفرنسية 
بالتوحيد بين الاستبداد ونظم الحكم الشرقيةء ثم اتخذت خطوة كبرى في 
تطبيق مفهوم الاستبداد على الدول الأوروبيةء وكان هدفها الحقيقي 
الاعتراض على تركيز السلطة في يد الملك لويس الرابع عشر واحتكاره 
ل9 . 

لكن ظهور مصطلح الاستبداد في قاموس الفكر السياسي في النصف 
الثاني من القرن الثامن عشر يرجع في الواقع إلى مونتسكيو (1755-1689) 
الذي جعل الاستبداد أحد الأشكال الأساسية الثلاثة للحكم (إلى جانب 
الحكومتين الجمهورية والملكية) ودان الرق والاستعباد بكل أشكاله بصورة 
حاسمة. وإن كان مونتسكيو ينتهي إلى أن الاستبداد نظام طبيعي بالنسبة 
للشرق» لكنه غريب وخطر على الغرب””). وهي نفسها الفكرة الأرسطية 
القديمة: قسمة العالم إلى شرق وغربء للشرق أنظمة سياسية خاصة لا 
تصلح إلا له وهي بطبيعتها استبدادية يعامل فيها الحاكم رعاياه كالحيوانات 
أو كالعبيد.. وللغرب أنظمة سياسية خاصة تجعل تطبيق الاستبداد يهدد 
شرعية النظام الملكي» لاسيما ما يتطلع منه إلى أن يصبح نظاما مطلقا. 
ولقد وضعت مكانة مونتسكيو الكبيرة في الفكر السياسيء مفهوم الاستبداد 


48 


عائله الطغيان 


في بؤرة النظرية السياسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. غير 
أن الكتاب والمفكرين السياسيين جميعا-في الأعم الأغلب-هاجموا نظرية 
مونتسكيو وعلى رأسهم فولتير(1694-1778) 7011156 الذي سخر من نظرية 
مونتسكيو عن الاستبداد الشرقي» وقال إنه وضع نظاما لا مثيل له في 
آسياء ولا في أي مكان آخرء بل ذهب إلى أنه كان الأجدر به أن يتأمل الكثير 
من نظم الحكومات الآسيوية كالإمبراطورية الصينية مثلا ويحاول تقليدها . 

ولقد ذهب بنيامين كونستانت (60)1830-1767هةنقم8.00 الليبرالي الفرنسي 
(الذي شارك مدام دي ستايل في عام 1795 اعها5 عل عة3120) إلى أن 
الاستبداد والطفيان نظامان باليان لا يجوز تطبيقهما إلا على النظم السياسية 
القديمة وحدها. ودعا إلى حكم ملكي دستوري» الملك فيه يملك ولا يحكم 
«ذلك لأن السلطة يجب أن تبقى سلطة الشعب كله» ودافع عن مبدأاً «الحرية 
في كل شيء». وعرف الحرية بأنها «الاستمتاع الهادئ بالاستقلال الفردي» 
ولهذا فهو يطالب بدولة ليبرالية تتمتع بالحد الآدنى من السلطات؛ ويقتصر 
دورها على وظيفة «أمين صندوق» مهمته تقديم المساعدات لأماكن العبادة 
دون ممارسة الرقابة عليها. 

ولقد تابع الكسي دي توكفيل(859١-1805١)‏ ع1[ألاع1او0 10 عل Alexis‏ فكرة 
كونستانت في اعتبار هذه التصنيفات (الطغيان والاستبداد) قديمة وبالية. 
ولا تنطبق على المجتمع الجديد الذي هو مجتمع المساواة الذي أسماه 
بالمجتمع الديمقراطيء» ومع ذلك فقد أشار توكفيل» في تشخيصه لأخطار 
الحرية التي تفرضها الديمقراطية إلى الاستبداد الديمقراطيء والاستبداد 
التختريس» كما اقا ر إلى يان الأكلبية, ۰ 

وقد أعاد هيجل وماركس التصنيفات القديمةء وأصبح الطغيان 
والاستبداد هو نظام الحكم الطبيعي للشرق لأسباب ومبررات مختلفة فيما 
بينهماء وظهر ما يسمى بنمط الإنتاج الآسيوي: 

أما هيجل فقد وصف حركة التاريخ بأنها مسار الروح من الشرق إلى 
الغرب عبر حلقات متتابعة تمثل درجات مختلفة من الوعي بالحريةء ومراحلها 
الأولى تعبيرات ناقصة تماما عما سوف تجسده المراحل المتأخرة بشكل 
أكثر كفاية وأكثر إقناعا. ويهمنا من هذه المراحل بالدرجة الأولى «العالم 
الشرقي» لا لأنه الخطوة الأولى التي خطتها الروح ولا لأنه في آسيا أشرق 


AQ 


الطاغيه 


ضوء الروح» ومن ثم بدأ التاريخ الكلي كما يقول هيجل*ء ولكن لأنه عالمنا 
نحنء فهو أكثر مراحل التاريخ أهمية لناء إنه تحليل للشخصية الشرقية 
التي لا يزال الكثير من سماتها السيئة للأسف الشديد قائما حتى يومنا 
الراهن7”". فالحكم استبدادي «شخص واحد حر هو الحاكم»» في الصين, 
على سبيل المثالء يتربع الإمبراطور على قمة البناء السياسيء ويمارس 
حقوقه بطريقة الأب مع آبنائهء وها هنا يكون الخلط بين المفهوم الأخلاقي 
والمصطلح السياسي والذي يجمع بينهما في الأصل كلمة المستبد اليونانية 
مء فهو «كبير العائلة» الذي لا يجوز أن يعترض على رأيه معترض 
لأنه أب للجميع؛ أمره مطاع» واحترامه واجب مفروض على الكل؛ وهم 
جميعا متساوون في ذلك على نحو مطلق! والأب هو المشرع» وهو ينظر إلى 
المواطنين على أنهم قصر على نحو ما يكشف مبدأً الحكومة الأبوية 
البطريركية. فلا توجد فثات أو طبقات مستقلة كما هو الحال في التنظيمات 
السياسية المألوفة؛ وإنما كل شيء يدار ويوجه من أعلى! إذا كان الإمبراطور 
يتحدث إلى «الشعب برقة وعطف أبوي» «فإن الشعب ليس لديه عن نفسه 
إلا أسوأ المشاعر. فهو لم يخلق إلا ليجر عربة الإمبراطورء. وهذا هو قدره 
المحتوم! وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم اليومي تدل على مبلغ ضآلة الاحترام 
الذي يكنونه لأنفسهم كأفراد وبشر». صورة بشعة للرجل الشرقي كما 
يمثلها الصينيون القدماء في رأي هيجل!8©. 

أما «ماركس» فقد فسر الاستبداد الشرقي بطريقة أخرىء. فقد كان 
المجتمع الأوروبي هو الأساس الذي اعتمد عليه ماركس في تحليله لتطور 
علاقات الإنتاج وتحديد المراحل الخمس التي مر بهما هذا التطور (الشيوعية 
البدائية-الرق-الإقطاع-الرأسمالية-الاشتراكية). لكنه أشار إلى نمط من 
الإنتاج لا يتفق مع حرفية هذه المراحل وهو نمط الإنتاج الآسيوي. وما 
يهمنا هنا أن الزراعة فيه تعتمد على مياه الأنهار؛ وليس على الأمطار كما 
هو الحال في أوروباء الأمر الذي جعل مشاريع الري والتحكم في مياهه من 
مهام الدولة لا من مهام الأفراد. وقد تطلب ذلك وجود حكومة مركزية قوية 
هي التي تقوم بتوزيع المياه.. ومن هنا ظهر الاستبداد الشرقي لقادء:0 
15 في البيئات النهرية في مصر وبابلء وفارس. والصين.. . الخ. 
وهي نظرية طورها في القرن العشرين كارل فيتفوجل” ‏ e1ع0؟Wit Kar‏ 


عائله الطغيان 


في كتابه الشهير الذي أصدر عام ۱955 عن «الاستبداد الشرقي» وذهب 
فيه إلى أنه يوجد طريقان لا طريق واحد للتطور التاريخي: أحدهما يؤدي 
إلى التعددية الغربية, والآخر ينتهي إلى اة الشركة امت اة 
والجامعة“. والواقع أن المثير في نظرية فيمنوجل أمران: الأول أنه يحاول 
إقامة نظام للسلطة الاستبدادية-غير الغربية-متميز وموثق ببحث موسع 
يقوم على أساس نظرية عامة تختلف كثيرا عن بداياتها الماركسية. والثاني 
أنه أراد أن يسقط هذا النظام الاستبدادي الشرقي عل ممارسات النظام 
القائم في الاتحاد السوفييتي آنذاك لتفسير السلطة الشمولية الشيوعية 
عل أنها تنويع «للاستبداد الشرقي»!!. 


خالغا: اله كتاقورية Dictatorship‏ 

مصطلح «الدكتاتور:ه:14ء21< روماني الأصلء فقد ظهر لأول مرة في 
عصر الجمهورية الرومانية» كمنصب لحاكم يرشحه أحد القنصلين بتزكية 
من مجلس الشيوخ: ويتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائية: وتخضع له 
الدولةء والقوات المسلحة بكاملها في أوقات الأزمات المدنية أو العسكرية, 
ولفترة محدودة لا تزيد عادة على ستة أشهر أو سنة على أكثر تقدير. ولقد 
كان ذلك إجراء دستورياء وإن كان يؤدي إلى وقف العمل بالدستور مؤقتا في 
فترات الطوارئ البالغة الخطورة20. وهناك أمران لابد أن ننتبه إليهما 
بوضوح: الأول أن هذا المنصب بمفهومه الروماني يختلف اختلافا تاما عن 
مفهوم «الدكتاتور» في العصر الحديث. وأقرب مثل عندنا الآن يقربنا من 
وظيفة الدكتاتور الروماني؛ هي وظيفة «الحاكم العسكري العام» الذي يعين 
فى أوقات عصيبة تمر بها البلاد لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة؛ ولفترة 
دك فقط. 

أما الأمر الثاني فهو أن طبيعة نظام دولة المدينة في روما كانت تقتضي 
اتخاذ مثل هذه التدابير الاستثنائية. لأن هذا النظام لم يكن يساعد على 
مواجهة الطوارئ المفاجئة: كالفغزوات: والكوارث. والمؤامرات.. . الخ. فالسلطة 
موزعة بين قنصلين متساويينء ومجموعة من الموظفين» ومجلس شيوخ, 
وثلاثة أنواع من المجالس العامة ولذلك نص الدستور منذ أن وضع على أن 
يكون للحكومة الحق في أوقات الطوارئ أن توقف سلطات كل هؤلاء الحكام 


الطاغيه 


وأن تسلم الحكم لشخص واحد» جرت العادة أن يكون قائدا عسكرياء 
«فيصبح هذا القائد الدكتاتورء القيم على الدولة وقت الأزمةء وتنتهي سلطته 
الاستشائية بانتهاء الأزمةء ويؤدي عندئن الحساب عما قام به..(. 
ولقد كان «الدكتاتور» يختار في جميع الحالات. إلا حالة واحدة» من 
طبقة الأشرافء لكن إنصافا لهذه الطبقة لابد من القول إنها قلما كانت 
تسيء استخدام هذا المنصب . وقد يتقيد الدكتاتور الروماني بالمدة المحددة 
(ستة أشهر أو سنة على الأكثر) . ولعل خير الأمثلة على ذلك هو «سنسناتس 
15م (نحو 465 ق. م) وهو قائد عسكري ورجل دولةء عين دكتاتورا 
نحو عام 458 ق. م» عندما كان الجيش الروماني في خطرء فترك مزرعتهء 
وجمع فرقا من الجنودء وقام بمساعدة الجيش حتى انتصر ثم تقاعد» 
وذلك كله في ستة عشر يوم. ثم استدعى مرة أخرى وعين «دكتاتورا» عام 
9 ق. م» ولقد أدى مهمته أيضا ثم عاد إلى مزرعته. أما الاستثناء فهو 
سلا 51113 الذي عين عام 82 ق. م دكتاتورا لمدة غير محدودة. وظل في 
منصب الدكتاتور من أواخر عام 82 حتى أوائل عام 079 ). والثاني هو 
«يوليوس قيصر» الذي اتخذ لنفسه سلطات دكتاتورية لمدة عشر سنوات 
عام 46 ق. م» ثم أعطيت له هذه السلطات مدى الحياةء قبل اغتياله بقليل!. 
لكن مصطلح «الدكتاتورية» في الاستخدام الحديث الذي يعني النظام 
الحكرمي الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات (وفي الأعم الأغلب 
بطريقة غير مشروعة)ء ويّملي أوامره وقراراته السياسيةء ولا يكون أمام 
بقية المواطنين سوى الخضوع والطاعة. هذا المصطلح لا يكاد يتميز عن 
مصطلح الاستبدادء وكما قيل إنه يمكن أن يكون هناك «مستبد عادل أو 
مستنير» فإنه يمكن أن يكون هناك «دكتاتور مستتير». وهذا هو بالضبط 
التصور الروماني للوظيفة التي تحمل هذا الاسم (وسوف نعود إلى مناقشة 
هذا التصور فيما بعد)ء فالدكتاتور يمكن أن يوجد على نحو مشروع أو 
قانوني ureز e‏ كما كان عند الرومان» أو يمكن أن يوجد كأمر واقع de facto‏ 
تفرضه تطورات معينة على نحو مايوجد في صورته الحديثة ”) التي 
اعتبرها الفقيه الفرنسى المعاصر موريس زف با M.Duverger‏ مرک 
ا لتظلم السكي كإذا خف اليا فكل انتطاء المبياسى والعائق 
والطبيعي لبعض البلدان: فهي في هذه الحالة أشبه بالمرض المزمن «أو 


عائله الطغيان 


الأمراض المتوطنة!». وإن كانت عارضة في بلد فهي كالمرض الطارىء-لكنها 
في الحالتين قد تكون معدية «كالأوبئة المعدية»-فهذا الشر ظهر قديما في 
آسيا الصغرىء ومنها امتد وانتشر في جميع أرجاء العالم الهيلليني. كما أن 
الطغاة يستفيد بعضهم من بعض فيما يلجأون إليه من طرق وأساليب. ومن 
هنا كانت «العدوى» واردة في الطغيان أيضا. أما الوباء الكبير لانتشار 
النظم الدكتاتورية فقد ولد مع الثورة الفرنسية عام 1789 ولا تزال امتداداته 
حتى اق 

وكما أن الطفيان قد يكون لفرد أو جماعة؛ فالدكتاتور قد يكون فردا 
على نحو ما ضربنا من أمثلة؛ أو قد يكون جماعة فيما سمي باسم «دكتاتورية 
البروليتاريا» (الطبقة العاملة) «Dictatorship of the Proletariat‏ وهو مصطلح 
استخدمه ماركس (18/8-1883) «نة31.؟1 وتبناه لوي بلانكي (۱805-1881) 
لافطا انق کے هن خابحطا إلى بباككاقورية دورو ولع يوضع ماركين 
قط ما الذي يعنيه بهذا المصطلح» فهو أحيانا يتحدث فقط عن «حكم 
البروليتاريا». ثم اتخن المصطلح فيما بعد دلالات واسعة في الفكر الماركسي 
ليدل على طبيعة ومشروعية سلطات الدولة خلال فترة التحول من الثورة 
إلى المجتمع الشيوعي!. 


Totalitarianism al genl 1 : la 
الشموليةء أو مذهب السلطة الجامعة: شكل من أشكال التنظيم السياسي‎ 
يقوم على إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات في الكل الاجتماعي‎ 
(المجتمع» أو الشعبء أو الآفةء أو الدولة) عن طريق العنف والإرهاب» ويمثل‎ 
هذا الكل قائد واحد يجمع في يديه كل السلطات. وهو في الغالب شخصية‎ 
كريزمية عنادسوضنة0 له قوة سحرية على جذب الجماهيرء ولهذا يلقبونها‎ 
«بالزعيم»/”*'؛ ويطيعونه طاعة مطلقة. والأنظمة الشمولية مصطلح جديد‎ 
سسحت ف العرخ السشتريخ ر ق انه لم کی على ا لاقي‎ 
أواخر الثلاثينيات من هذا القرن) وهو يتميز عن مصطلح السلطة المطلقة‎ 
سدكنساودطى والأوتقراطية لاعهن 0ا۸ . ويشار بهذا المصطلح إلى عدد من‎ 
الأنظينة تشارت خسناكصهناء إلا أثها تششرق فى خراص أهاسية هى‎ 
السيطرة الكاملة للدولة على جميع وسائل الإعلام مع وجود أيديولوجية‎ 


الطاغيه 


معينة توجههاء وقائد يجمع في يده جميع السلطات والأمثلة كثيرة: إيطاليا 
في عهد موسولينيء وألمانيا في عهد هتلرء وإسبانيا في عهد فرانكو 
والبرتغال في عهد سالازار... الخ. ولقد عبر موسوليني (1945-1883) تعبيرا 
جيدا عن هذا المذهب في خطاب ألقاه في 28 أكتوبر عام 1925 بقوله: «الكل 
في الدولة؛ ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولةء فالفاش ي ة6 
مء شمولية» والدولة الفاشية تشمل جميع القيم وتوحدهاء وهي التي 
تؤول هذه القيم وتفسرهاء إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلها . 

وعلى ذلك فالدولة الشمولية كتلة واحدة لا تقبل بمبدأ فصل السلطات 
أو بي شكل من أشكال الديمقراطية التي عرفها الغرب. وكل معارضة 
لهذا الكل تحطم بالقوةء فلا رأيء ولا تنظيم: ولا تكتل خارج سلطة الدولة. 
وفى مقال نشره الفيلسوف الإيطالى جيوفانى جنتيلى(875١ -Giovanıi Gentile‏ 
1944( بالإنجليزية عام ۱928 توان «الأسس الغلى قي للفاشية» استعمل 
صفة مدتهانلة101 بمعنى الإحاطة والشمول واحتواء كل شيء؛ في وصفه 
للنظام الفاشي ” . لكن اللفظ لم يشع استعماله كمصطلح يطلق على 
أنظمة حكم معينةء إلا في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين» وقي 
مرحلة ما بين الحربين العالميتين استعملت هذه الكلمة من قبل أعدائها 
وأعوانها على حد سواء. 

ويمكن أن نلخص أبرز خصائص الشمولية فيما يأتي: 

-١‏ ضرب من ضروب الحكم التسلطية يختلف ويتميز عن شتى أنواع 
الاستبداد والتسلط السابقة (كالفاشية في إيطاليا وألمانيا والاتحاد 
السوفييتي تحت حكم ستالين). وهي تتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ 
سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابع الشرعية:؛ فإذا كان الأوتوقراطيون 
التقليديون يفرضون سلطاتهم دون ادعاء أساس شعبيء فإن الشمولية تلتزم 
في الظاهر بالمبداً القائل إن الأساس الوحيد المقبول لشرعية الحكم هو 
قبول السك بالتحاكم وموافتقه علية 84 , 

2- الترجمة الحقيقية للديمقراطية في المذهب الشمولي هي أن إرادة 
القائد أو الزعيم هي إرادة الشعب» أو كما ذهب بعض المنظرين عندنا في 
العهد الناصري هي «ديمقراطية التحسس!» بمعنى أن القائد الزعيم الملهم 
يتحسس «مطالب الجماهير» ويصدر بها قرارات وقوانين. ولما كان الشعب 


54 


عائله الطغيان 


دائما على حقء فإن الزعيم المعبر عن إرادة الشعب هو أيضا دائما على 
حق!, ولكي يثبت القادة الشموليون أن إرادتهم هي إرادة الشعب فإنهم 
يلجأون إلى أسلوب الاستفتاء العام» والتصويت «التهليلي» وبهذه الطريقة 
يستخرج الزعيم الملهم: والقائد الساحرء من قبعة الدكتاتورية أرنبا اسمه 
الديمقراطية. 

3- القائد يعبر عن إرادة الشعب» لكن كيف تتكون إرادة الشعب5: وكيف 
تتحدد؟ ها هنا يكمن ضعف الديمقراطية: مظاهرة التلاعب بمشاعر 
الجماهين والسيظرة على الشهي باسح الشهب وياسم الديمقراطية, ظاهرة 
قديمة قدم الديمقراطية نفسها. وهذا التخوف جعل أفلاطون في القرن 
الرابع يرفض الديمقراطية-كما سوف نرى بعد قليل-ويعتقد أنه يسهل جدا 
تحولها إلى فوضىء كما جعل جون استيورات مل 1ئ1.5.31: (1806- ۱873) 
والكس دي توكفيل (1855-1859) Toqueville‏ عل A.‏ في القرن التاسع عشر 
يتحدثان عن «طغيان الأغلبية!»: إذ يرى«مل مثلا أن «طغيان الأغلبية» أصبح 
الآن يندرج» بصفة عامة؛ بين الشرور التي ينبغي على المجتمع أن يحترس 
منها .. فهذا الضرب «من الطغيان أدهى وأمر من كثير من ضروب الاضطهاد 
السياسي» . ثم يقول «ومن ثم فإنه لا يكفي حماية الفرد من طغيان 
الحاكم وإنما الحاجة ماسة إلى حمايته من طغيان الرأي العام والشعور 
السائد» وميل المجتمع لفرض الآراء والمشاعر على الفرد الذي يرقض 
قبولها..7”*. و الواقع أن «مل» يصف سيكولوجية الأغلبية وتصرفاتها بأنها 
«لا معقولة» وهو ما سيعبر عنه علم النفس فيما بعد باسم «غريزة القطيع». 
ولقد أدرك السياسيون الشموليون هذه الحقيقةء فاتجهوا إلى مشاعر الناس؛ 
لا إلى عقولهم» واكتسبوا التأييد من خلال تعطيل «العقل» وإلهاب المشاعر, 
وإثارة الحماس بالخطب واللافتات» والشعارات الكبرى 7*"؛ إذ يسهل جذب 
الجماهير عن طريق العواطف والمشاعر لأن طريق المناقشات العقلية أو 
طرح الأفكار قد تثير جدلاء وبالتالي خلافا في الرأيء والخلاف في الرأي 
غير مسموح به لأنه يتعارض مع الرؤية الشمولية التي توحد المجتمع في 
كل واحد. 

4- الاستفادة من تحديث وسائل الإعلام: والاتصال, والإثارة: والترغيب 
والترهيب للتأثير على جماهير الناس؛ وتحقيق التطابق المنشود بين إرادة 


الطاغيه 


الشعب وإرادة القائد . ومن عجب أن تستخدم التقنية الحديثة التي هي 
ثمرة الحضارة من قبل الدكتاتوريات الحديثة لتزييف مبدا حكم القانون؛ 
وليستبدل به مبدأ الخضوع لإرادة القائد واعتبار هذه الإرادة معيارا مطلقا 
ونهائيا للخير والشرء وللحق 00 . وهكذا نصل إلى مفارقة غريبة. هي 
أن حركات الشعوب التي كانت تستهدف الإطاحة بالطغيان. تخلق هي 
نفسها طغيانا من نوع جديد هو طغيان الجماهير.. ! 


خامسا: السلطة | akطalة Absolutism‏ 

مصطلح يعني الحكومة المطلقةء نظريا وعملياء أو الحكومة التي لا 
يحدها حد من داخلها. وينبغي التفرقة بين الحكومة المطلقة والسلطة 
المطلقة. فالسلطة متضمنة في الدولة باستمرارء وقد تحدها سلطات أخرى. 
والحكومة يمكن أن تكون مطلقة حتى دون استيلائها على السلطة المطلقة: 
وهي تكون كذلك عندما لا تكون هناك كوابح دستوريةء فلا يخضع أي 
تصرف لها للنقد أو المعارضة باسم الحكومة. والحد الأساسي للحكومة هو 
القانون. والمدافعون عن السلطة المطلقة من أمثال توماس هويز (588-1679 
05 .1) اسير روبرت فيلمر (1588-1653) فى إنجلترا . وجان بودانصنكه8 
)1596-١ 529(.‏ والأب جاك بوسيه (1627-1704) 8056 في فرنساء كانت 
محركهم باستمرار فكرة أن أي حكومة تحتاج إلى سيادة «Sovereigıty‏ «أي 
إصدار القرارات دون مساءلة. ومادامت السيادة نفسها تمارس عن طريق 
العانون كان اتسد الحاكه يكن تقدو هو تمسو جن طريق القانوق رهم آن 
القانون من ضفعه 5001 

والواقع أنه لم يعد لهذا اللفظ معنى محدد الآن. فهو يستخدم» على 
كحو تفداص ليد هلى کرات اون انشناظة يلا م مات تيابية أن 
كوابح دستورية. وهو كعضو في «عائلة الطغيان» المشؤومة قد تم التحاقه 
بالآأسرة إبان القرن التاسع عشر بوساطة البونابرتية صكنا۲ةم ة8 أو 
القيصرية“ مدمه وفي القرن العشرين بوساطة المذهب الشموليء 
رغم الفروق الدقيقة بين هذه المذاهب. فهو يتميز عن الشمولية بأنه لا 
تويجد E‏ على كل وظائف المجتمع: وإئما يعبر عن سلطة 
للحكومة لا تتقيد بقيد بقيد 611 . 


56 


عائله الطغيان 


ولقد ظهر هذا المصطلح في فرنسا لأول مرة نحو عام 1796ء وقي 
إنجلتراء وألمانيا نحو عام 1830. وهو مثل مصطلح «الاستبداد المستنير» 
مصطالاح أعاد المؤرخون صياغته من جديد بعد اختفاء الظاهرة التي كان 
يشير إليها. وقد كان يستخدم في القرن التاسع عشرء في الأعم الأغلب, 
على سبيل الازدراء والتحقير. وإن كان مؤرخو النظرية السياسية لا يزالون 
يستخدمونه»ء كذلك المهتمون ببناء الدولة من القرن السادس حتى القرن 
الثالث عشرء حيث يعاود الظهور أثناء المناقشات التي تدور حول السيادة 
والدستوريةء والحقوق والمقاومة والملكية الخاصة... الخ. 

وإذا كان جان بودان هو أعظم منظر لفكرة «السيادة ) فان 
الاضطرابات التى حدثت فى فرنسا فى عصره-تماما كالاضطرابات التى 
عاصوها هويز كى اتجاتراسحناتة باهي الح أن متاق حاجة اة إلى 
تركيز السلطة في دولة مركزية. ويرى أن الاستقرار السياسي والاجتماعي 
يقتضي في كل دولةء وجود سلطة أو سيادة عليا غير محدودة في صلاحيتهاء 
ودائمة في ممارستها للسلطة. ولا تعني «السيادة» عند «بودان» سلطة غير 
محدودة على الأشخاص والممتلكات الخاصة للمواطنين؛ وإنما هي تخضع 
لحدود يفرضها القانون الطبيعي» وقانون العرف. لكن لا القانون الطبيعيء 
ولا قانون العرف يمكن فرضهما على الجماعةء فالسيد الحاكم لا يقاوم 
ولا يخلع من الناحية القانونيةء لأن السيادة مطلقة ولا يمكن أن تنقسم» 
فآما أن يكون أمير الدولة المستقلة حاكما مطلقاء وإما أن يخضع لسلطة 
أخرى هي التي تكون «السيد» عندتذ. 

ولقد ل الأسشققف «بوسيه :6ع1,801556»المعاصر للملك لويس الرابع 
عشر صورة لاهوتية من مذهب السلطة المطلقة. جمع فيها عناصر تقليدية 
من الكتاب المقدس» وتصورات مجازية وتشريعية جديدةء وحججا مستمدة 
من «توماس هوبز». وهكذا ذهب «بوسيه» إلى أن الله هو الذي يعين الملك, 
ويضعه على العرش لكي يعمل على ازدهار المصلحة العامة؛ وكذلك لحماية 
المتواضعين من الرعايا. 

وعلى الرغم من أن مصطلح «مذهب السلطة المطلقة» صدا uامءط4‏ قد 
تمت صياغته في إنجلترا في القرن التاسع عشر. فإن لفظ «المطلق ءاuاهءطاA»‏ 
سبق أن نوقش مناقشات حادة في القرنين السادس عشر والسابع عشر من 


57 


الطاغيه 


خلال المناقشات السياسية والقانونية للنظام الملكي المطلق. وكان سير توماس 
سميث (1513-1577) طانص؟ ۲1۳s‏ :ز5 هو الذي استخدم كلمة «المطلق» 
بمعنى فيه قدح ومدح في آن معا على ما في ذلك من مفارقةء فهو يلوم 
لويس الحادي عشر لآنه حول فرنسا من نظام قانوني مشروع إلى «حكومة 
طغيان وسلطة مطلقة». وفي الوقت نفسه يعزو «سميث» إلى البرلمان «أعظم 
وأعلى سلطة مطلقة في اة 

ولقد أدى الغموض في استخدام كلمة «المطلق» في القرن السابع عشر 
إلى منازعات انفجرت في النهاية في «حرب أهلية» في إنجلترا بين الملك 
شارل والبرلمان: ووحد الكتاب الذين آزروا البرلمان بين «السلطة المطلقة» 
وبين «الطغيان» مرةء و«الاستبداد الشرقي» مرة أخرى! ورفضوا تماما أن 
يكون للملك أي حق مطلق على المواطنين في طاعته . وذهب بعضهم إلى أن 
«النظام الملكي المطلق غير المحدود ... هو أسواً أشكال الحكب» . 

وأقوى منظرين للسلطة المطلقة في إنجلترا هما: روبرت فيلمر وتوماس 
هوبز. 

أما «فيلمر» فهو مؤلف كتاب «الحكم الأبوي » الشهير الذي ظهر عام 
0 (بعد وفاة مؤلفه بأكثر من عشرين عاما) الذي يدافع فيه عن سلطة 
الحاكم المطلقة بردها إلى «الحق الإلهي». فالمملكة الكاملة-كما يقول-هي 
التي يحكم فيها الملك كل شيء حسب إرادته الخالصةء ويستحيل أن تحد 
قوانين العرف أو القوانين الوضعية من تلك السلطة المطلقة التي يتمتع فيها 
الملك «بحق الأبوة»» وهو يردها إلى آدم. «فقد كان آدم أباء وملكاء وسيدا 
على أسرته؛ وكان الابن والمحكوم والخادم والعبد شيئًا واحدا في البدءء 
وكان للأب حق التصرف في أولاده وخدمه وبيعهم» ولقد أراد الله أن تحل 
السلطة المطلقة في آدم؛ ثم يرثها الملوك من بعده. ومعنى ذلك أن البشر 
ليسوا أحرارا بالطبع» بل إنهم يفتحون أعينهم على الحياة والعبودية في آن 
معا» إلى آخر هذه النظرية العجيبة التي أفرد لها جون لوك بحثا من 
«البحثين الشهيرين عن الحكومة» جعل عنوانه «في بعض المبادئ الفاسدة 
عن الحكم» خصصه للرد على السير روبرت فيلمر ودحض حججه. 

أما توماس هوبز فقد كتب «التنين» محاولا أن يبني المجتمع المستقر 
الذي لا تطحنه الحروب الأهلية؛ وجعل العقد تنازلا من جانب المواطنين 


عائله الطغيان 


للعاهل؛ يقول: «السيد الحاكم هو المشرع؛ وهو حر في أن يصدر أو لا 
يصدر ما يشاء من قرارات وقوانين مادام يعتقد أنها في صالح الجماعة. 
وليس لإنسان الحق في الادعاء أنه كان ضحية للظلم على يد السيد الحاكم 
لأنه سبق أن فوض هذا السيد الحاكم في إصدار ما يشاء من قرارات. ومن 
ثم فسوف تكون الضحية هي نفسها صانعة الظلم الذي لحق بها. وبالمثل 
ليس لأحد من المواطنين معاقبة السيد الحاكم بطريقة قانونية مشروعة 
لأنه سيكون في هذه الحالة؛ قد عاقب الحاكم على فعل قد خوله هو نفسه 
أن يقوم به , 

غير أن لفظ الحاكم المطلق قد أصبح خاليا من المعنى السيسمي أو 
التطبيق العملي في إنجلترا بعد عام 1689. أما في أمريكا الشمالية فقد 
كان هناك توحيد بين الحكم المطلق. والطغيان والاستبداد على نحو ما ظهر 
في إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776 . 

وعلى الرغم من أن هذا المصطلح أصبح الآن في ذمة التاريخ: بمعنى أنه 
لم يعد أحد يناقشه في العالم المتقدم سوى المؤرخينء فإنه لا يزال جديرا 
بالدراسة الفاحصة في دول العالم الثالث التي تتقلب عليها أشكال مختلفة 
من الحكم المطلق في صور متنوعة. 


ساد سا: الأوتو قر اطبية زندماناك 

تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطة في يده ويمارسها على نحو 
أنها تحد سلطة الحاكم أو ترشده» غير أن الواقع أنه يقدر أن يبطلها إذا 
يتطلب تركيز السلطة في يد شخص واحد لا في يد جماعة أو حزب أو 
مؤتمر كلاه . 

والواقع أن الأوتوقراطية يمكن بهذا المعنى أن تطلق على حكومات فردية 
متعددة ومتنوعة؛ حيث يتمثل الاستبداد في إطلاق سلطات الحاكم الفرد 

فحكم الطغيان الذي صادفناه من قبل يمكن أن يوصف بأنه أوتوقراطی» 
كذلك حكم أباطرة الرومان: ولانبيما في العهد البيزتطي. كما تجد تطبيةا 


5Q 


الطاغيه 


للنزعة الأوتوقراطية في المعتقدات القديمة المتعلقة بالطبيعة الإلهية للحاكم 
أو لحق الملوك الإلهي. 

بل يمكن أن توصف بها أنظمة متعارضة أتم التعارض: فحكم قيصر 
روسيا قبل الثورة كان حكما أوتوقراطياء وبالمثل كان حكم ستالين((“. 


سابعا: المستبد المستنير أو العادل 

بقي أن نختم عائلة الطغيان الكريهة بمناقشة هذا المصطلح «المحبب» 
عند البعضء وأعني به مصطلح «المستبد العادل» أو المستنير أو الطاغية 
الخير أو الصالح» أو الدكتاتور العادل.. . الخ. 

ولقد ظهر هذا المصطلح في القرن الماضي في الفكر السياسي الأوروبي 
واستخدمه في البداية المؤرخون الآلمان للدلالة على نظام معين في الحكم 
في تاريخ أوروبا الحديث. والمفروض أنه عند مصطلح «الاستبداد المستنير 
Despotism‏ ightenedاEn»‏ بشكل عام تلتقي مفاهيم الملكية المطلقة التي كانت 
معروفة في أوروباء ومفاهيم عصر التنويرء الذي يعبر عنه فلسفيا بكلمات 
خمس (هي: الفرد-العقل-الطبيعة-التقدم-السعادة) . ومن هذا التحالف بين 
الفلسفة والسلطة المطلقة تخرج سعادة الشعوب. ومن أوروبا انتقلت إلى 
الشرق» فيما يبدو. عدوى «المستبد العادل» فالحل الحقيقي الذي ارتآه 
جمال الدين الأفغاني لمشكلات الشرق إنما هو «المستبد العادل» الذي يحكم 
بالشورى. فهو في العروة الوثقى يرد على القائلين إن طريق الشرق إلى 
القوة هو نشر المعارف بين جميع الأفرادء وإنه: «متى عمت المعارف كملت 
الأخلاق واتحدت الكلمةء واجتمعت القوة». ويقول ردا على هؤلاء: «وما 
أبعد ما يظنون» فإن هذا العمل العظيم» إنما يقوم به سلطان قوي قاهر 
تحمل الأمة على ها ككره أزهاناء .حك تزوق لزنه وتجنى مره 509 
وكذلك يقول في كناب اللقاطراك دولا قا عضي ولأ تيا الشرق دد 
وإماراته؛ إلا إذا اقات الله لكل منهم رجلا قويا عادلا يحكمه بأهله على غير 
التفرد بالقوة وائسلطان»)“. 

والملك المستبد المستنير يكون مستنيرا بقدر ما يعتمد في حكمه لا على 
حق الملوك الإلهي» بل على مفهوم العقد الاجتماعي» عقد تبادل المنافع بين 
الحكام والمحكومين. ويكاد المؤرخون يجمعون على اعتبار فردريك الثاني أو 


00 


عائله الطغيان 


فريدريك الكبير ملك بروسيا (من 1740 إلى 1786) هو النموذج الأول للملك 
المستنيرء إذ كان يعتبر نفسه الخادم الأول للدولةء ويتصرف وكأن عليه 
تقديم حساب عن عمله أمام مواطنيهء فيتسامح في الدينء ويهتم بالإصلاح 
القضائيء وبإصلاح التعليمء وتحسين أوضاع الفلاحين.. فهو ملك مستنير 
من هذه الزاوية. لكنه مستبد من زاوية أخرى هي أنه ما من شخص أو هيئة 
لها صلاحية أو حق مراقبة أعماله. وثمة ملوك مستنيرون آخرون؛ ولكن 
بنسب أقلء من أمثال كاترين الثانية ملكة روسيا (1796-1762) وجوزف الثاني 
إمبراطور النمسا (1790-1785) وجوستاف الثالث ملك السويد» وشارل الثالث 
ملك إسيانيا ...الج ٠‏ ولقد لخص جاك شيفالبيه هذه الألوان من الاستبداد 
والاستتارة في شكلين: أما الشكل الأول: فهو المستبد المستتير كما يمثله 
فردريك الثاني الذي يقول: «لقد اختار الناس من بينهم من اعتقدوه أكثر 
عدالة لحكمهم: وأفضل من يخدمهم كأب». ولهذا فهو لا يريد إلا خير 
الدولةء وإذا كان سيدا مطلقاء فمن أجل أن يحسن الاهتمام بمصالح 
الجميع"". ومعنى ذلك أن الملك هو رئيس العائلة أو «كبير العائلة» أو أب 
لشعبه. ولقد أبدى فى بداية عهده على الأقل اهتماما كبيرا بالأخلاق كما 
يتضح من كتابه «ضد معياظلو الدى هاج :فيه اساليب النياسوف الإيطاني 
وأفكاره!!” . 

لكن الواقع أن فردريك الأكبر (والتسمية لفولتير) كانت له ظروفه 
الخاصة. فهو بطبيعته لم يكن ميالا إلى الصيد والفروسية: وإنما اهتم 
بالموسيقى والآداب» وكان هو نفسه ينظم الشعرء ويعزف على «الفلوت» 
مما أثار المشاكل مع والده الذي كان يراه طريا رخوا لن يصلح للملك» حتى 
أنه سجنه أكثر من مرة بل كاد أن يقتله!. إلى جانب ذلك فهناك صلته 
«بفولتير» والرسائل المتبادلة بينهما التي استمرت طوال اثنين وأربعين عاما 
هى الفى عطلت فر لر يفيه بالك لياسر 

لكن ذلك كله لم يمنع هذا الملك من أن يقول: «لقد انتهيت أنا وشعبي 
إلى اتفاق يرضينا جميعاء يقولون ما يشتهون» وأفعل ما أشتهي». لكن هذه 
الحرية لم تكن كاملة قط فكلما ارتقى فردريك الأكبر في مدارج العظمة 
حظر النقد العلني لتدابيره الحربية أو مراسيمه الضرائبيةء وكان ملكا 
مطلق السلطةء وإن حاول أن يجعل تدابيره متسقة مع القوانين/72. وما 


اك 


الطاغيه 


مات إمبراطور النمسا جهز فردريك جيشه للعدوان على النمساء وكتب إلى 
فولتير يقول: «إن موت الإمبراطور يفير كل أفكاري السلميةء وأظن أن 
الآمور تنحو في شهر يونيو نحو المدافع والبارودء والجنود والخنادقء بدلا 
من الممثلات والمراقص والمسارح» بحيث أراني مضطرا إلى إلغاء الاتفاق 
الذي كنا على وشك إبرامه»2. ويقول فردريك لأحد مستشاريه مبررا 
العدوان: «حل لي هذه المسألة: إذا أتيحت لإنسان ميزة فهل ينتفع بها أو لا 
ينتفع؟. إنني مستعد بجيشي وبكل شيء آخر. فإذا لم أستعمله الآن كنت 
أملك في يدي أداة عديمة الجدوى رغم قوتها. وإذا استعملت جيشي فيل 
إنني أديت مهارة استغلال التفوق المتاح لي على جارتي».” وهكذا يبرر 
الملك «العادل» عدوانه على جارته بأنه يملك جيشا قويا كان قوامه مائة 
ألف رجل! وعندما اعترض مستشاره بقوله: «لكن هذا العمل سيعتبر عملا 
غير أخلاقي«رد فردريك» ومتى كانت الفضيلة معوقا للملوكى؟ . 

أما في الداخل فقد كان فردريك يرى «أن الإنسان بطبيعته شرير» وكان 
يقول لمفتش التعليم: «إنك لا تعرف هذا النوع الإنساني اللعين الذي تحركه 
أنانية خالصة ويجري وراء مصالحه إن لم يكبحه الخوف من الشرطة!!. 
ويقول ديورانت إنه كان يستطيع أن يناقش الفلسفة مع مساعديه وهو 
«يرقب في هدوء جنوده وهم يعانون آلام الجلد» وكان له لسان لاذع يجرح 
أصدقاءه أحيانا .. وانتهى الآمر بأن سجن فولتير نفسه» كما فعل ديونسيوس 
مع أفلاطون”. 

والواقع أننا لا نريد أن نناقش هذا الموضوع المهم من زاوية شخصية 
فلان أو علان: وإنما علينا أن نناقش الفكرة نفسها 

وإذا بدأنا بمصطلح «الطاغية الصالح ا أن علينا رفضه 
منذ البدايةء إذا كانت هناك فكرة واحدة في النظرية السياسية 3 خلاف 
عليها فهي أن الطغيان هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فساداء لأنه نظام 
يستخدم السلطة استخداما فاسداء كما يسيء استخدام العنف ضد 
الموجودات البشرية التي تخضع له.."ء ولقد لاحظ أرسطو بحق أنه «لا 
يوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم» إذا كان في 
استطاعته أن يهرب منه0”": فالإنسان الحر لا يتحمل مثل هذه الأشكال 
التعسفية من الحكم إلا مرغماء أعني إذا سدت أمامه كل أبواب الانعتاق 


02 


عائله الطغيان 


من هذه الحكومات؛ ولهذا فان عبارة أرسطو تعبر بدقة عن أولئك الذين 
يعشقون الحريةء ويمقتون العبوديةء وينظرون إلى الطغيان على أنه تدمير 
للإنسان. لأنه يحيل البشر إلى عظام نخرة. 

ولهذا فإنه يندر جدا أن يذكر الطغيان بطريقة فيها مدح» إذا ما كان 
يمكن أن يذكر على هذا النحو على الإطلاق. وهكذا تبدو عبارة «الطاغية 
الصالح» أو «الطاغية الخير» بالغة الغرابة! والشيء نفسه بالنسبة «للمستبد 
العادل»! الواقع أنها تناقض في الألفاظ. فإذا كانت كلمة «الطاغية» أو 
«المستبد» تعني-لاسيما في المصطلح الحديث-الحاكم الظالم أو الحاكم الجائر 
القاسي**". وإذا كان الطغاة في نظر البعض وحوشا بشرية ظهرت في 
التاريخ» وحكمت شعوبها بالحديد والنار''*)؛ وإذا كان البعض الآخر يذهب 
إلى أنهم أمراض أو «انحرافات» أو أوبئة. على حد تعبير الفقيه الفرنسي 
موريس دوفرجيه*. فكيف يمكن أن يوصف المستبد بأنه عادل أو الطاغية 
بأنه صالح أو الدكتاتور بأنه خير أو مستنير.. الخ5!. الواقع أن هذه تعبيرات 
أقرب إلى تعبير «الدائرة المريهة» . لأنه إذا كان من صفات المستبد أن 
يكون ظا ما جبارا كما يقول الكواكبي بحق *ء فكيف يمكن في حكم العقل 
أن يكون المستبد عادلا 5 ! وكيف يمكن أن يكون «مستنيرا» من يرضى أن 
تكون رعيته كالأغنام؟!«فالمستبد يرغب أن تكون رعيته كالغنم دورا وطاعة, 
وكالكلاب تذللا وتملقا..» . لاشك أن الاستبداد يهدم إنسانية الإنسان, 
والطفيان يحيل البشر إلى عبيدء وإذا تحول الناس إلى عبيد أو حيوانات 
فقدوا قيمهم» فلا إخلاص» ولا أمانة ولا صدقء ولا شجاعة.. . الخ بل 
كذب» ونفاق» وتملق ورياء؛ وتذلل ومداهنة.. ومحاولة للوصول إلى الأغراض 
من خط السبل 0 وهكذ) يتحول التجتمع فى عهق الطفيان إلى غيون 
وجواسيس يراقب بعضها بعضاء ويرشد بعضها عن بعضء. وليس بخاف ما 
نراه من أخ يرشد عن أخيه. وجار يكتب تقارير عن جاره» ومرؤوس يكتب 
زيفا عن رئيسه.. . الخ. ونحن نعرف أن الطغاةء و«المستبدين» كانوا طوال 
التاريخ موضوعا للكراهية والخوف» ولم يكونوا أبدا موضوعا للحب أو 
الإعجاب» وهم في عرف المفكرين السياسيينء قدماء ومحدثين على السواء. 
داكيو هن اا الاه ووا انحر اقطاغية من اعمال :تومه 
أقام من بناء ورقي جميل في ظاهره. فلا قيمة لأعمالهء إذ يكفيه أنه دمر 


05 


الطاغيه 


الإنسان: وماذا أفادت أعمال هتلر وموسوليني؟! وماذا كانت النتيجة سوى 
خراب الدولتين؟ ولولا أن إيطاليا أفاقت مبكرا من غيبوبتها لأصبحت دولة 
محتلة من أربع دول كما أصبحت ألمانيا بعد هتلر. 

ويجدر بتا أن نتساءل: من الناحية القلسفية الخالصة: أيجوز لستبد: بالعا 
ما بلغ عدله واستنارته؛ أن يفرض على الآخرين آراءه وأفكاره بدعوى أنها 
في صالحهم؟!. وبعبارة أخرىء أيجوز لنا أن نفرض على فرد ما أداء عمل 
معين أو الامتناع عن عمل آخر بحجة أن هذا الأداء أو هذا الامتناع 
لصالحه؟!. ألسنا نعامل الناس في هذه الحالة على أنهم قصر لم يبلغوا 
سن الرشد بعد5. لقد طرح جون استيورات مل (1873-1806)هذه الأسئلة 
في بحثه «عن الحرية» وأجاب عنها بالنفي القاطع: «لا يجوز إجبار الفرد 
على أداء عمل ما أو الامتناع عن عمل آخر بدعوى أن هذا الأداء أو الامتناع 
يحافظ على مصلحته» أو يجلب له نفعاء أو يعود عليه بالخير والسعادة: بل 
حتى لو كان ذلك في نظر الناس جميعا هو عين الصواب وصميم الحق! . 
بل إن الإيمان نفسه لا يجوز فرضه على الناس وإجبارهم عليه: «(أفأنت 
تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.. 15 (آية 99 يونس) . ويرى «مل» أن الأفكار 
التي يتصور البعض أنها في صالح المجتمع عليهم بطرحها للنقاش» لكن 
«صحتها» أو صلاحيتها في نظرهم لا تبرر إكراه الآخرين على الأخذ بها إن 
هم أصروا على رفضها . فلو توصل حاكم إلى أفكار متقدمة ورائعة فإن 
ذلك لا يبرر له فرضها على الناس بالقوة (وهذا هو معنى الاستبداد) بل 
عليه أن يعرضها عليهم وأن يقنعهم بها» لأن القهر والجبر والإكراه من 
جانب السلطة أو تدخلها في سلوك الفردء أمر غير جائز على الإطلاق؛ 
فيما يرى «مل» إلا في حالة واحدة فقط هي إذا كان تصرف هذا الفرد 
فيه ان اا أو داق ای 6 در و يشورك وهل او يذكرنا 
أن هذا المبدأ إنما يراد تطبيقه على البالغين الراشدين دون الأطفال 
والمراهقين الذين لم يبلغوا سن الرشد. لأن من «يحتاج إلى عناية الغير 
وحمايته خليق بأن نحميه من أن يؤذي نفسه بنفسه. 

ومن ناحية أخرى فإنه لما كان الطغاة وحوشا آدمية؛ كما وصفهم البعض °١‏ 
بحق» يدمرون الإنسان ولا يتركون أثرا صالحاء فقد ظهرت مشكلة منذ 
العهود القديمة وهي «جواز اغتيالهم». وظهر مصطلح خاص بذلك هو 


b64 


عائله الطغيان 


«اغتيال الطاغية مء ء«صهإرآ» نادت به بعض النظريات السياسية الإغريقية 
والرومانية كرد فعل على سوء استعمال الطغاة لسلطتهم. 

والمصطلح بذاته يدل على عملية اغتيال الطاغية أو الحاكم المستبد على يد 
مواطن ما دون أن تكون هناك إجراءات أو أصول محددة ومعينة لتنفيذ 
هذه العملية. وقد يدل هذا المصطلح أحيانا على قاتل الطاغية فحسب!!" . 
ولقد ظهر التساؤل حول اغتيال الطاغية في التاريخ اليوناني القديم كنتيجة 
نهاتية لما عانته أثينا من هذا الشكل السياسي الذي كانت عليه بعض دولة 
المدينة في اليونان. وقد اعتبر في بعض الأحيان ضرورة أو واجباء ليس 
وطنيا قط بل إلهيا أيضا . ضفي أثينا ورث «هيباس :هنوم:51» ودهيباركوس 
HipPar‏ »بنا بیزستراتوس PES‏ طاغية أثينا الشهير الحكم من 
بعده» وشعر الأثينيون أن الطغيان حرمهم من الحريةء فدبر «أرستوجيتون 
ع0 وصديقه الفتى «هرمديوس وددانلنصمة1]1» مؤامرة لاغتيالهماء 
وقتل هيباركوس بالفعل» لكن هيباس أفلت منهماء ودبر قتلهماء فأصبحا 
شهيدين من شهداء الحرية(” . وكتب كبار فلاسفة الإغريق (زينوفون 
وأفلاطونء وأرسطو) فى تبرير اغتيال لطاغية؛ أما ديموستين Demosthenes‏ 
(322-384) ق. م أعظم خطباء اليونان فقد جعل من اغتيال الطاغية عملا 
بطوليا يحمل كل معاني التفاني والديمقراطية. وفي روما كان هناك قانون 
مقدس يجيز لأي مواطن قتل الطاغية. 

ولقد نوقشت مشكلة جواز اغتيال الطاغية كثيرا طوال العصور الوسطى, 
كما نوقشت أيضا خلال القرن السادس عشر. فعلى الرغم من أن قتل 
الطاغية. يتعارض مع الوصية الثانية «لا تقتل» فإن النزاعات التي كانت 
قائمة في القرن الثاني عشر بين الكنيسة والإمبراطورية الجرمانيةء أجازت 
ذلك لاج اك على اعتبار أن الطاغية «هرطيق»! أما يوحنا 
السالسبوري John of Salisbury‏ (توفي 1180 م( الذي فرق بين المستبد المغتصب. 
أي المستبد الذي يستولي على السلطة بالقوةء والمستبد الشرعي الذي 
يحكم ضد مصلحة المجتمع ولصلحته فقطء فقد أجاز اغتيال المستبد في 
الحالتينء وهو أول من دافع بصراحة عن مبدأ قتل الحاكم المستبد : «إن من 
يغتصب السيف خليق أن يموت به . أما القديس توما الأكوينى 11٥s‏ 
8 (1225 -1275) فقد أعلن عدم جواز اغتيال المستبدء لآن العقوية 


05 


الطاغيه 


الفردية ضد المستبد عمل غير شرعيء فالسلطة الإلهية وحدها هي التي 
تعلو عليهء وهي وحدها التي يمكنها أن تعاقبه» فعلى المواطن طاعة الحاكم 
بغض النظر عن طغيانهء اعتمادا على تلك التفرقة الغريبة بين خضوع 
الجسد وخضوع الروح. 
وإذا كان من حق الشعب اختيار الحاكم فمن حقه أيضا أن يثور عليه باسم 
المجتمع ككل وأن يخلعه من منصبه وبالقوة إن اقتضى الأمر. وقادت الملكية 
المطلقة الفقهاء والمشرعين للوقوف في وجه اللاهوتيين الذين ينادون بجواز 
اغتيال المستبد . وتبنت نظرية حول الاستبداد واغتيال المستبد, لا تنطبق 
إلا على المستبد المغتصب فقط أي عدو السلطة الملكية المطلقةء وليس الملك 
الشرعي غير العادل!5. 

ثم عادت نظريات القديس توما الأكويني إلى الظهور مع بعض التعديلات 
والتبريرات المأخوذة من العهد القديم أثناء الحروب الدينية في أوروباء 
واستند إلى هذه النظريات بشكل خاص الرهبان الدومينكان أو اليسوعيون 
في صراعهم ضد الملكية المطلقة. 
أما في العالم الإسلامي فقد انقسم العلماء فيما بينهم إلى فريقين: الأول 
يرى وجوب الصبر والنصح والتقويم للخليفة الظالم أو الذي صار مستحقا 
للعزل. والثاني يرى وجوب الخروج عليه بالقوة واستبدال غيره به" . 

واعتمد كل فريق على تأويل مجموعة من الأحاديث الشريفة: «إنه سيكون 
هناك هنات وهنات» فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضريوا 
عنقه بالسيف كائنا من كان». واستخدم الأمويون هذا الحديث في تبرير 
مقتل الحسين مؤولين عبارة «كائنا من كان» على أنها إشارة إلى مكانة 
الحسين. وسوف نكتفي هنا بمثالين أحدهما قديم والآخر حديث: 
فقد ذهب ابن كثير مثلا إلى أن يزيد بن معاوية كان «إماما فاسقا» لكنه 
يقول مع ذلك إن «الإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي 
العلماءء بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنةء ووقوع الهرج» 
وسفك الدماء الحرام» ونهب الأموالء وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن. 
وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضاف فسقه كما جرى مما تقدم 
إلى يومتا هذا :»97©. 
ويؤكد ابن كثير أن يزيد عندما جاءته «أنباء الحرة» فرح بذلك فرحا 


bb 


عائله الطغيان 


شديدا فإنه كان یری أنه الإمامء وقد خرجوا عن طاعته فله قتالهم حتى 
يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة. ثم يعقب بذكر الحديث النبوي 
السابق(. كما ذهب علماء معاصرون إلى أن «الحسين أ خطاً خطاً عظيما 
في خروجه الذي جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف.. . الخ . فقد 
يكون الإمام عادلاء وقد يكون غير عادلء ولیس لنا إزالته حتى وإن كان 
فاسقاء وهكذا أنكروا الخروج على السلطان '. وذهب فريق آخر إلى أن 
«السمع والطاعة» للسلطة الزمنية له حدودء واعتمدوا أيضا على مجموعة 
من الأحاديث: «لا طاعة في معصية:؛ وإنما الطاعة في المعروف» دولا 
طاعة لمن لم يطع الله» و«أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان 
جائر». 

وهناك رأي «وسط» يرى أنه إذا ما وقف الحاكم موقفا يعتبر «كفرا 
بواحاء» الأمر الذي يستوجب نرع السلطة من يده وإسقاطه» فإن ذلك 
ينبغي ألا يتم عن طريق ثورة مسلحة من جانب أقلية من المجتمع: لأن رسول 
الله قد حذرنا من اللجوء لهذه الوسيلة فقال: «من حمل علينا السلاح 
فليس منا». وقال: «من سل علينا السيف فليس منا». ويتضح من ذلك أن 
الرسول قد أمر المسلمين بأن يرفضوا تنفيذ أوامر الحكومة التي تتنافى مع 
نصوص الشريعة؛ وإذا أرادوا أن يخلعوا الحكومة إذا بلغ عملها درجة الكفر.. 
فإن مثل هذا الحكم لا يمكن أن يصدر إلا عن المجتمع كله أو من ممثليه 
الشرعيين..97": أي أن هذا الرأي الوسط ينادي «بالمقاومة السلبية» 
والاكتفاء بالامتناع عن تنفيذ أوامر الحاكم الجائر إن تنافت مع نصوص 
الشريعة إلى أن تجتمع الأمة على رأي. 


07 


هوامش الفصل الثالث 


(1). The Great Ideas, Vol. 3 .م‎ 939(art Tyranny). 
.179١ د. محمد كامل ليلة. «النظم السياسية» ص 5- 6 دار الفكر العربي بالقاهرة عام‎ )2( 
ارخيلوخوس: أشهر شعراء اليونان في الهجاء. عاش في منتصف الفرن السابع قبل الميلاد.‎ )3( 
A Andrewes: Greek Tyrants م‎ . 26 . (4) 
.١ ول ديورانت «قصة الحضارة» مجلد 6 ص 225 حاشية‎ )5( 
المرجع السابق-وربما كان ذلك لأن اشهر أمثلة في التاريخ القديم كانت من طغاة الإغريق‎ )6( 
كيبسولس «نااءةم:0 طاغية كورنثه وابنه بريندر #علمعتءم الذي استمرت سيطرته على كورنثه‎ 
أربعين عاما. وأورتاجوراس 01005350:35 طاغية سيكون صدهمء51 وثتراسيبولوس usاuطرءة1۲۲ طاغية‎ 
.93 دائرة معارف البستانىء المجلد السادسددار المعرفة. بيروت ص‎ )7( 
. 165 المرجع السابق» الط الحادي عشر ص‎ )8( 
المرجع السابق.‎ )9( 
المرجع نفسه.‎ )10( 
. 165 دائرة المعارف للبستاني؛ المجلد الحادي عشر ص‎ )1( 
166 المرجع السابق ص‎ )12( 
راجع هذا العصر في بحثنا «أفلاطون.. . والمرآة» ص 24 وما بعدها.‎ )13( 
A.Andrewes: Greek Tyrants P .20 (14) 
(15)Ibid. 
(16)Ibid, .م‎ 
أفلاطون :«الجمهورية» ص ا57 (والترجمة العربية للدكتور فؤاد زكريا ص 496- 497) والحيوان‎ )17( 
الأكبر هو الطاغية الجاهل الذي يرضي شهواته؛ ولا يخضع لحكم العقل؛ فالطاغية «شخص كتب‎ 
عليه أن يأكل أولاده!» على حد تعبير آفلاطون.‎ 
أفلاطون: الجمهورية ا75.‎ )18( 
عبد الرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد. ومصارع الاستعباد» ص 340 من نشرة الدكتور‎ )19( 
. 1970 محمد عمارة«الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي«الهيئة المصرية بالقاهرة عام‎ 
.338 عبد الرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد» ص‎ )20( 
.339 المصدر ثفسه ص‎ )21( 
.276 -275 أحمد أمين «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» ص‎ )22( 
«لن أستريح حتى يأكل الملايين الثلاثون-وهم سكان مصر في أيامه-من يدي هذه. أي: أن‎ )23( 
يكون هو المعطي الوهاب» ولا معطي ولا وهاب غيره. ويكون هو الباسط والقابض» فلا رزق ولا‎ 
مال زلا من كه امياشوات وسور باشواك» صن ا6ا بحسي فؤقن ذا الزهوا العام العريي‎ 
.1984 القاهرة‎ 


08 


عائله الطغيان 


(24)The Blackwell‘s Encyclopedia of Political Thought P. 120.‏ 
(25) بل يحتمه الدين أيضاء لدرجة أن القران يذكره بعد التوحيد مباشرة«وقضى ربك ألا تعبدوا 
إلا إياه وبالوالدين إحسانا..» آية 23 الإسراء. بل يذهب العهد القديم إلى حد القول إن «كل إنسان 
سب أباه أو أمه فإنه يقتل» سفر اللاويين إصحاح 20: 9. 
John Locke: Two Treatises of Government p.149 (Everyman-1988)‏ )26( 
Ibid‏ .)27( 
(28)The Encyclopedia Americana Vol. 9(art Despot p.18)‏ 
N. Machiavell: The Prince p. 22 Eng. Trans. by W. K. Marriott.Everyman’s Library.‏ )29( 
(30)Perry Anderson: Lineages of the Absolutist State p. 397, Verso. 1989‏ 
(31)Ibid, P 397.‏ 
(32)Ibid, P 397.‏ 
Dictionary of he History of the Ideas: Studies of Selected Pivotal Ideas, Vol. 11. (Despotism)‏ )33( 
Ibid‏ .)34( 
Ibid‏ .)35( 
(36)هيجل: «العقل في التاريخ» ص 17١‏ من ترجمتنا العربية العدد الأول في سلسلة المكتبة 
الهيجلية بيروت. 1981 
(37) انظر مقدمتنا لترجمة «العالم الشرقى» لهيجل ص ۱4 . 
(38) هيجل «العالم الشرقى» ص 28. 1 
(39) كارل أوجست فيتفوجل (1988-1896) مفكر وعالم اجتماع ألماني أصبح أمريكيا عام 94 
ارتبط في بداية حياته بمدرسة فرانكفورت لكنه لم يكن أحد أعضائها البارزين. هاجر إلى 
أمريكا عندما اعتلى النازي السلطة عام 3 أصبح بالتدريج من أعداء الشيوعية السوفييتية. 
وسوف نعود إلى شرح هذه النظرية في شيء من التفصيل فيما بعد. 
)40( قارن في ذلك د . جمال حمدان «شخصية مصر» المجلد الأول ص 20! وما بعدها . وهو ينيهنا 
إلى أن نضع في الاعتبار عاملا آخر هو أن مصر «واحة صحراوية» وهي لهذا معرضة لأطماع 
وغارات الرعاة اليدو باستمرارء وهذا في ذاته يستدعي تنظيما سياسيا قويا متماسكا في الداخلء؛ 
وهو وحده جدیر بآن يعطي الحكومة سلطة قوية. ص ١24‏ . وانظر أيضا في نمط الإنتاج الآسيوي 
«كتاب أندرسون 462 . م P. Anderson: Lineage of the Absolutist Sbate‏ وانظر أيضا للدکتور خلدون 
النقيب دراسة بعنوان «بناء المجتمع العربي. بعض الفروض البحثية» في الكتاب التذكاري للدكتور 
زكي نجيب محمود الذي أصدرته كلية الآداب بجامعة الكويت عام 1987. وسوف نعود إلى عرض 
وتفسير نظرية فيتفوجل في الفصل الثاني من الباب الرابع. وانظرد . عبد الغفار مكاوي «جلجامش 
وجذور الطغيان» المجلة العربية للعلوم الإنسانية عدد 42 شتاء ۱993 الكويت. 
Encyclopedia of Political Thought P. 119.‏ و (41)The Blackwell‘‏ 
(42)Rogw Scruton: Dictionary of Political Though, P. 127.‏ 
(43) روبرت م. ماكيفر «تكوين الدولة» ص 281-280 ترجمة د . حسن صعب . ومن المهم أن نالاحظ 
أنه يؤدي في نهاية مهمته «كشف حساب» عما قام به وذلك يعني أن هناك رقابة ومحاسبة» وتلك 
نقطة أساسية تجعله يختلف عن الدكتاتور الحديث الذي لا يحاسبه أحد. 


09 


الطاغيه 


(44) هذه خاصية أخرى تجعل الدكتاتور الروماني يختلف عن الدكتاتور المعاصر. 

(46) د. عبد اللطيف أحمد علي «التاريخ الروماني» ص 83 دار النهضة العربية بيروت 1973. 
(46)Roger Scrution: Dictionary of Political Thought p. 197.‏ 

(47) عند موسوليني (1945-1883): وهتلر (1945-1889).. . وغيرهما . 

(48) موريس دوفرجيه «في الدكتاتورية» ص 36 وما بعدها ترجمة د. هشام متولي» منشورات 

عویدات» بيروت ط 3 عام 1989. 

R.Scrution: A Dictionary of Political Thought p . 197 .)49( 

(50) مصطلح الكاريزما ١ءiة1)‏ مستمد أصلا من العهد الجديد في النص اليوناني الذي يعني 

«عطية النعمة الإلهية» وأدخله عالم الاجتماع الآلماني ماكس فیبر (۱920- Webe)۱864‏ ×14 ليعني 

الصعة الخارفة الثن ها ينض الأشخاص كرون لهم قوة سر على الجماهير, ولتد هيز 

«فير» بين كاريزما الفرد التى تنشأ من صفات طبيعية عنده» وكاريزما المنصب المستمدة من 

الطبيعة المقدسة للمركز. 

وفي الفاشية يطلقون على القائد لقب «الزعيم الساحر» الذي قد تغلفه الأساطير. وهو يهتم 

بالججافين والإنشراج السرخي: والشعارات الكبرى.. :ال فرط تزيم بالشعب ارتياطا 

وثيقاء وقد يرتدي أشكالا هستيرية جماعية. 

(51) الفاشية ددوك505 مشتقة من الكلمة اللاتينية 1855 بمعنى جماعة أو حزمة؛ وهى رمز لأفراد 

المجتمع عندما يندمجون معا لإطاعة إرادة واحدة. والكلمة اللاتينية تعني مجموفة الخال التي 

يتوسطهاء ويبرز منها رأس «بلطة» والتي كانت توضع أمام قناصلة الرومان في العصور القديمة 

كرمز للسلطة. وعندما أسس موسوليني الحزب الفاشي عام ۱922 كان هو صاحب التسمية 

وأصبح رمز الحبال؛ ورأس البلطة معبرا عن الوحدة الوطنية (الحبال)؛ تحت إمرة القيادة السياسية 

(رأس البلطة). قارن روجر سكروتون «معجم الفكر السياسي». 

)52( راجع في ذلك «الموسوعة الفلسفية العربية» المجلد الثاني-القسم الأول ص 400 و 408 مادة 

«التوتاليتارية». 

(53) المرجع السابق. 

(54) المرجع نفسه. 

J.SMill: Utiliatarionism .م‎ 68 (Everyman‘s Library) .(55) 

(56) قارن المقال الرائع للدكتور زكي نجيب محمود عن الخوف من سطوة الرآي العام وتملقه 

بعنوان «أهو شرك من نوع جديد؟» في كتابه «رؤية إسلامية» ص 307- 320 دار الشروق بالقاهرة 

عام 7. 

J.S.Mill: op. Cit . (57) 

(58) وهو ما كان يقصده شوقي في مسرحية «مصرع كليوبطرا» عندما وصف «الشعب» على 

لسان حابي بقوله «ياله من ببغاء» عقله في أذنيه!». الفصل الأول-المنظر الأول. 

R.Scrution: Dictionary of Political Thought p . ١ .)59( 

60 البوثابرتية هي الفظام السكومي الذي اتبعة نابليون الأول وتابليوخ القالك: ويرمز إلى الجكومة 

المركزية الشديدة التى تعتمد على إجراء الاستفتاء من فترة لأخرى للحصول على التفويض 

باستمرار السياسة التي يتبعها الحاكم, وتطلق هذه التسمية على كل الأنظمة التسلطية القائمة 


70 


عائله الطغيان 


على الاستفتاء الشعبي. الموسوعة السياسية الجزء الأول ص 5 بإشراف د . عبد الوهاب الكيالي 
المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت_-أما القيصرية فهى الدكتاتورية السياسية للحكم الروسى 
قبل الثورة الشيوعية والمضمون السياسي لهذا المصطلح هو الرجعية والإرهاب مع التخلف. 
المرجع نفسه المجلد الرابع ص 836. 
.1 .م (61)the Blackwell Encyclopedia of Political Thought‏ 
(62)The Blackwell Ency. p. 2.‏ 
(63)Ibid.‏ 
(64) انظر جون لوك في الحكم المدني؛ لاسيما فقرات من 6 إلى .١١‏ وسوف نعود إلى عرض 
نظرية فلمر بالتفصيل-قارن فيما بعد الفصل الأول من الباب الرابع. 
)65( المرجع السابق. 
وانظر أيضا كتابنا «توماس هوبز: فيلسوف العقلانية» ص 380 وما بعدها من طبعة دار التنوير 
بيروت عام 85. 
R.Scrution: Dictionary of Political Thought p .33 . (66)‏ 
(67) «العروة الوثقى» الأول ص 6 وحول تعبير «المستيد القاهر العادل» راجع «الرد» ص 39 (نقلا 
عن العدالة والحرية فى فجر النهضة العربية الحديثة) د. عزت قرنى ص 252 سلسلة عالم 
المعرفة بالكويت عدد 0 يونيو 1980. 
(68) د. عزت قرني المرجع السايق ص 253-252. 
(69) موسوعة السياسة؛ المجد الآول. ص 167. 
(70) جاك شيفاليه تاریخ الفكر السياسيء ص 330 ترجمة د. علي مقلد. 
(71) كان يقول «إن مكيافللي لم يفهم طبيعة الملك الحقة؛ فهو ليس السيد المطلق المتصرف فيمن 
يدينون لحكمه؛ وإنما هو أول خدامهم وينبغي أن يكون هو الأداة لرفاهيتهم كما أنهم الأداة لمجده. 
«قصة الحضارة» مجلد 37 ص 76. 
(72) يشبه ول ديورانت العلاقة بينهما بالعلاقة بين أخلاطون: وديونسيوس مع الفارق طبعا. 
(73) قصة الحضارة مجلد 37 ص 78. 
)74( المرجع السايق ص 80. 
)75( المرجع نفسه ص 84 . 
(76) ول ديورانت قصة الحضارة مجلد 37 ص 82. 
)77( المرجع نفسه ص 5-93 9. 
(78)The Great Ideas: A Syntopicon Vol. p. 939.‏ 
(79)Aristotle: Politics: 1995-A(The Complete Works, Vol. 2p .2055.)‏ 
(80)Encyclopedia Britannica Vol. 10 p. 222.‏ 
(81)M. Latey: Tyranny p. 16.‏ 
(82) موريس دوفرجيه «في الدكتاتورية» ص 6 3 ترجمة د. هشام متولي» منشورات عويدات 
بيروت 1989. 
.940 .م (83)The Great Ideas: A Syntopicon Vol.‏ 


)84( عبد الرحمن الكواكبى: «طبائع الاستبداد» ص 337 . 
(85)The Great Ideas, Vol. 3. P. 949.‏ 


71 


الطاغيه 


.940 .م .3 (86)The Great Ideas, Vol.‏ 
(87)J. S. Mill: Utilitarianism p. 73.‏ 
وقارن أيضا الفصل الأول في الباب الرابع حيث نعرض لهذا الموضوع في شيء من 14ط88(.1) 
.التفصيل 
Ibid‏ )89( 
M. Latey: op. Cit‏ .)90( 
(!9) موسوعة السياسة المجلد الأول ص 217. 
(92). 101 . م A.Andewes: he Great Tyrants‏ وقارن أرسطو في كتابه «السياسة» ۱267- آ» حيث يثير 
إلى ضروب الشرف التي أسبغها الأثينيون عليهما. 
(93) جورج سباين «تطور الفكر السياسي» ص 349 من الكتاب الثاني ترجمة حسن جلال العروسي. 
(94). 94 .م D.A.Zoll: Reason and Rebellion‏ 
(95)Ibid.‏ 
(96) المرحوم الشيخ محمد الخضري في تاريخ الأمم الإسلامية جا ص 17ا5 (نقلا عن محمد 
يوسف موسى «نظام الحكم في الإسلام» ص ۱60) . 
(97) ابن كثير «البداية والنهاية» ص 226 من الجزء الثامن (المجلد الرابع من طبعة دار الكتب 
العلمية بيروت). 
)98( المرجع نفسه ص 227. 
(99) محمد يوسف موسی» المرجع السايق ص ۱54 . 
)100( المرجع السابق ص 162. 


(101) المرجع نفسه ص 165-164 . 


12 


الماب الثاني 
صورتان للطاغية في الفلسفة اليونانية 


«ليس للطغيان صورة 
واحدة.. . فمتی استغلت 
السلطة لإرهاق الشعب 
وإفقاره تحولت إلى طغيان؛ 
آیا كانت صورته.. !« 
جون لوك: «في الحكم 
المدني»-فقرة 251 


«نظرية آفلاطون» 
«إذا ذاق المرء قطعة من لحم 
الإنسان تحول إلى ذئب.. !» 
«ومن يقتل الناس ظلما 
وعدواناء ويذق بلسان وفم 
دنسين دماء أهله ويشردهم 
ويقتلهم.. فمن المحتم أن 
ينتهي به الأمر إلى أن يصبح 
طاغية ويتحول إلى ذثب..!» 
«أفلاطون: الجمهورية 466» 


الطاغبة.. في صورة الذنب! 


أولا: الفيلسوف. . والطاغية 

أ-لقاء مع أشهر الطغاة: 

تجربة أفلاطون المباشرة مع الطاغية في 
غاية الأهمية لهذا البحث. ذلك لأن شخصية 
ديونسيوس كانت شهيرة وبارزة في عالم 
أفلاطون من ناحية؛ ولآن هذه الشخصية من 
ناحية أخرىء. هي التي أثرت في تكوين آراء 
الفلاسفة عن الطغيان خلال القرن الرابع قبل 
الميلاد'". ومن هنا لم يكن أفلاطون صاحب أول 
نظرية فلسفية عن الطغيان السياسي فحسب» 
بل كان كذلك أول فيلسوف يلتقي بالطاغية وجها 
لوجه» ويخبره بنفسه خبرة عملية» قبل أن 
يضع فيه نظريته الفلسفية,. كما أنه خبر 
بنفسه أيضا «طغيان العامة»-أو ما يسميه هو 
بالنظام الديمقراطي» ونسميه نحن الآن 
بالفوضوية أو الديماجوجية-وليس الديمقراطية 
الحقةء فالديمقراطية اليونانية التي عاصرها 
أفلاطون هي التي حكمت على أستاذه سقراط 
بالموت عام 399 ق. م. فهو من هذه الزاوية أيضا 
يتحدث عن نوعين من الطغيان السياسي 


15 


الطاغيه 


خبرهما بنفسه. ولهذا فإننا نستطيع أن نتحدث عن خبرته 
عنهما ونستفتيه في أمر «الطغيان» ونطمئن لرأيه في الحكم على 
هذا «النظام السياسي» لأننا نسأل به خبيرا.. ! 

ضاقت نفس أغلاطون بالحياة في أثينا بعد أن نفذت الديمقراطية 
حكم الإعدام في سقراط» فهجرهاء وقام بكثير من الرحلات» زار خلالها 
«ميجارا» لكنه لم يبق فيها طويلا” . بل راح يتنقل خلال الإثنتي 
عشرة سنة التالية من عام 398 إلى عام 386 ق. م» على نطاق واسع في بلاد 
اليونان. ومصرء وإيطالياء وصقلية7. وبقي في مصر فترة من الوقت, 
تعرف فيها على الديانة المصرية. وتعلم من كهنتها على نحو ما هو 
واضح في محاوراته. وإن كنا نشك كثيرا فيما يرويه البعض من 
أن أفلاطون عندما زار مصر تأثر بالاستبداد الهيراركي الذي كان قائما 
هناك» . فخبرة أفلاطون الحقيقية عن الطغيان جاءته بعد أن ترك 
مصر متوجها إلى «تارنت» في جنوب إيطالياء حيث أرسل له أعتى 
طغاة الشرق ديونسيوس الأول.. 1 5ناثولإ210-طاغية سيراقوصه عدناعهز5 
الشهير-يدعوه لزيارته زاعما أنه أوتي ذوقا أدبياء وحسا فلسفيا. 
ويبدو أن ديونسيوس كان كاتبا تراجيديا على ما يروي بعض 
المؤرخين” . ويقول ديورانت عن هذا الطاغية: «إنه كان رجلا واسع 
الثقافة. وكان شاعراء ولما طلب إلى الشاعر فيلكسنوس رأيه في شعره 
وأجاب بأنه غث لا قيمة له. حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في 
المحاجر». والحق أن ديونسيوس الأول كان كاتبا تراجيديا محدود 
القدرة؛ ربح بعض جوائز في الاحتفالات الثقافية؛ لكنه كفيره من الطغاة 
الذين اهتموا بالفنون-من أمثال «نيرون»-الذين كانوا يشعرون بالغيرة 
الشديدة من منافسيهم» أو من حكم النقاد على أعمالهم. ولذلك عندما 
رفض الشاعر فيلكسنوس-5ع06ع26م.آ نام أن يمتدح هذه الأعمال بعث به 
ديونسيوس إلى السجن. لكنه عاد فأرسل إليه ليستمع إلى «تراجيديا 
ملكية» جديدة كتبها الطاغية: ووقف الشاعر أمامه صامتاء وعندما 
سأله عن رأيه فيما سمع لم يجب بل مال على حارسه وهو يقول: «عد 
بي إلى السجن. 

لماذا لبى أفلاطون دعوة هذا الطاغية.. 5 ! تتعدد الروايات: يعتقد 


70 


الطاغيه فى صورة الذئب 


البعض أن أفلاطون سافر من جنوب إيطاليا إلى سيراقوصه في 
صقلية لكي يشاهد ما فيها من براكين والبعض الآخر يرى أن هذا 
الطاغية قد أسس أقوى مدينة في العالم الإغريقي كله «فقد حول 
هذا الردل رة اوها ووا إلى ف م اوها د ا 
وسور الطريق الذي يوصلها بأرض القارة. فأصبح مركزه فيها 
منيعا»..''". وقد أراد أفلاطون أن يشاهد هذه القلعة الحصينة. لكن 
الأرجح أن أفلاطون داعبه الأمل في أن تتحول أفكاره النظرية إلى 
واقع عمليء كما يقول هو نفسه في الرسالة السابعة!""2. ولو تساءلنا 
من ناحية أخرى لماذا دعا الطاغية أفلاطون؟! لكانت الإجابة على الأرجح., 
أن الطغاة كانوا على مدار التاريخ؛ يفاخرون بوجود الفلاسفة والعلماء 
والشعراءء والآدباء في «بلاطهم». ذلك لآن الطغاة يعرفون بصفة عامة 
أنهم لن ينالوا الشهرة إلا على يد هؤلاء. فجيلون ه6610 طاغية صقلية 
كان راعيا للفنون والآداب» كما كان راعيا للشاعر بندار (438- 518 تمدلصاط ق. 
م) أعظم الشعراء الغنائيين عند اليونان. وكان طاغية أثينا بيزستراتوسى12) 
5115 هو الذي أسس احتفالات ديونسيوس التي مهدت الطريق 
أمام التراجيديا الأثينية-وهو الذي قدم للبشر النص المنقح من 
«هوميروس» فأصبحت الإنسانية مدينة له إلى الآبد. وهكذا يعرف 
الطغاة أن شهرتهم تعتمد على الكتاب» والأدباء؛ والشعراءء والمؤلفين؛ ورجال 
الفكر عموما-وهؤلاء على استعداد؛ في الأعم الأغلب» للقيام بدورهم في 
حياة الطغاة!. لكن إذا ماتواء أو فقدوا سلطانهم» انهالوا عليهم بالمعاول 
بالقوة نفسها التي كانوا يمدحونهم بهاء وربما أشد قوة”'. ويسوق 
البعض أمثلة هيرودت وأفلاطون» وأرسطو”" من تاريخ «طغاة 
الإغريق». فماذا كان موقف أفلاطون على وجه التحديد؟. لبى 
فيلسوفنا دعوة الطاغيةء وهناك تعرف على «ديون «210» صهر الطاغية, 
وشقيق إحدى زوجتيهء وكان يبلغ من العمر زهاء اثنين وعشرين عاماء 
بينما كان أفلاطون في حوالي الأربعين من عمره» ومع ذلك نشأت بينهما 
صداقة متينة هي صداقة الأستاذ المربي مع تلميذ سحرته كلمات 
الفيلسوف.. ويصف أفلاطون هذه العلاقة في الرسالة السابعة كما 
يلي: 


717 


الطاغيه 


«عندما التقيت بديون في ذلك الحين؛ وكان لا يزال شابا صغيراء 
عملت دون قصد مني على انهيار الطغيانء وذلك عندما أفضيت إليه 
بآرائي عن أفضل الأمور البشريةء وحثثته على اتباعها بصورة عملية: 
فقد تحمس ديون الذي كان بطبعه سريع الفهم» وقرر أن يعيش بقية 
حياته بطريقة مختلفة". وهكذا يصور أفلاطون كيف أثر في ديون 
الشاب منذ أول لقاءء وكيف استطاع أن يقنعه بقبول مبادئ جديدة 
جعلت الشاب يغير من طريقة حياته السابقة في صقلية (وهي التي 
انغمس فيها في الملذات والمؤامرات.. الخ) وقرر أن يؤثر الخير على 
اللذة والترف! وكان من نتيجة هذا التحول أن حقدت عليه حاشية 
ديونسيوس.» كما غضب الطاغية على الفيلسوف» فعزم ديون وأصحابه 
على مساعدة أفلاطون على الرحيل! وهكذا حملته سفينة كانت تقل 
أيضا سفير إسبرطة الذي أسر إليه الطاغية: إما أن يقتل أفلاطون 
في الطريقء أو يبيعه! فآثر الثانية وباعه فعلا في أيجينا «واشتراه 
اينقورس القورينائي بثلاثمائة درهم وأعاده إلى أثينا.. !». 

ب-اللقاء الثاني: الطاغية الابن 

استقر أفلاطون في أثينا بعض الوقت, وكان ذلك عام 387» وأسس 
أقدم جامعة في العالم «الأكاديمية».. إلى أن دعي مرة أخرى إلى الذهاب 
إلى صقلية عام 367 ق. م. فبعد عشرين سنة مات ديونسيوس الأول 
عام 367 ق. م بعد أن أفرط في الشراب وأصيب بالحمى! 219. وخلفه في 
الحكم ابنه «ديونسيوس الثاني» الذي كان الأب قد فرض عليه الجهلء 
والحياة في الظلام: كان الان عضا عاجرا عن الاسكقازل اه 
سهل الانقياد. فتصور ديون أن الفرصة سانحة ليصنع منه الحاكم 
الفيلسوف الذي كان يحلم به تحت تأثير أفلاطون. ويبدو أنه نجح 
في إقناع ابن شقيقته بأفكار أفلاطون السياسيةء وسرعان ما تحمس 
لها الملك الشاب ورحب بدعوة أفلاطون الذي استجاب لتوسلات صديقه؛ 
بعد تردد» وحضر إلى صقلية عام 368 لتحقيق حلمه وترويض الطاغية 
الجديدء الذي لم يكن يحسن به الظن كثيرا”'. ولنستمع إلى قصة 
رحلته الثانية يرويها الفيلسوف بنفسه: «ظل الأمر على هذا النحو 
حتى وفاة ديونسيوس الأب» فداخله لأي ديون) الاعتقاد بان الآراء 


78 


الطاغيه فى صورة الذئب 


التي اكتسبها عن الفلسفة قد لا تقتصر عليه وحدهء كما تأكد أنها قد 
انتقلت بالفعل إلى الآخرين: فكان رأيه أن ديونسيوس الشاب يمكن 
أن يصبح واحدا منهم..» ".ومن هنا فقد أخذ ديون يلح على 
أفلاطون في ضرورة الحضور إلى سيراقوصه بأي ثمن !.. «ولقد عقد 
أكبر الآمال على نجاحه في التأثير في ديونسيوس.. وهكذا تمكن 
من إقناع ديونسيوس أن يرسل في طلبي» كما توسل إلي في رسائله 
أن أبادر إلى الحضور بغير إبطاءء وذلك قبل أن يقع ديونسيوس تحت 
تأثير بعض العناصر التي تنفر من الحياة الفاضلةء وتغريه بالتحول عن 
هذا المثل الأعلى إلى حياة أخرى فاسدة»""2. ومع ذلك فقد تردد أفلاطون 
طويلا في العودة إلى هذه الجزيرةء والعيش في بلاط الطاغية مرة 
أخرىء؛ «فقد كنت أشعرء من ناحية بالتخوف من الشباب» وعواقب 
الأمور التي يتصدى لهاء وكنت أعرف من ناحية أخرى أن ديون خير 
بطبيعته..»00. ومع ذلك فقد كانت هناك أسباب تجعل من المحتم 
على الفيلسوف أن يقوم بالمخاطرة.. «فقد كنت بحاجة إلى إقناع إنسان 
واحد بآرائي لكي أحقق الخير الذي قصدت إليه..». وكان هناك واقعان 
آخران حملاه على الإقدام على مغامرة جديدة: «كان الدافع الأساسي هو 
خوفي من الشعور المخجل من نفسي.. إذ خشيت أن أبدو في عيني 
مجرد رجل نظري عاجز عن إنجاز فعل واحد..»! ثم «أن أقع في شبه 
الخيانة لوفاء «ديون» وكرم ضيافته. وذلك في وقت كان يتعرض 
فيه لخطر لا يقل عن الخطر الذي يمكن أن أتعرض له..»* . هكذا تكون 
أخلاق الفيلسوف, لكن الطغاة لا خلاق لهم!. ويستطرد أفلاطون: «.. 
هكذا غادرت وطني بعد أن شجعتني هذه الأفكار على الإقدام على 
المخاطرة... فتركت عملي في التعليم في الأكاديميةء الذي كان أحب 
شيء إلى نفسيء وقبلت أن أحيا في بلد يسوده الطغيان الذي لم 
يكن يبدو أنه يتفق مع آرائي أو يوافق طبعي... واستقبل 
الفيلسوف بالحفاوة والتقدير. ولم تمض ثلاثة أشهر على وجوده حتى 
بدأت المؤامرات والدسائس من جديد في بلاط الطاغية؛ وتتلخص كلها 
في محاولة الدس على ديون عند الطاغيةء حتى نجحت الحاشية أخيرا 
في الإيقاع بين ديون وخاله؛ وفوجي أفلاطون بالطاغية ينفي تلميذه 


70 


الطاغيه 


وصديقه وخاله (والخال والد كما يقولون!) من الجزيرة على «أبشع 
صورة» وبطريقة «مخجلة»(. فيأمر بوضعه على ظهر سفينة صغيرة 
وذلك بتهمة التآمر والطمع في الحكم. ويبقى الفيلسوف وحيدا فترة 
قصيرة يحاول فيها التأثير في الملك الشاب لكن الشر الذي استشرى 
في نفسه» وفي البلادء كان أقوى منه. عندئن يئس الفيلسوف من 
إصلاح الطاغيةء وتأكد من فشل مهمتهء فاقتنع بضرورة الرحيلء وإن 
كان الطاغياد. . ألح علي أن أبقى لأن سمعته مرهونة. فيما يمازعم 
ببقائي..*) ولهذا «فقد تظاهر بالإلحاح علي في الرجاءء وان كنا 
نعلم أن توسلات الطغاة تقترن دائما بالتهديد..20/2. وما كان أغلاطون 
ا فعل أبوه من قبل» فقد وعده 


بالعودة إلى سيراقوصه حالما ت” تتغير الظروف السياسية. . ووافق الطاغية!.. 
وبيعد أن وصلنا في النهاية ا اتفاق يقضي يان يقوم باستدعائنا- 
ديون وأنا-مرة أخرى بعد أن تنتهى الحرب الدائر: ة آنذاك في صقلية 


بعقد معاهدة سلام» ويتم له تثبيت E‏ وتدعيمه.. وعلى أساس هذه 
الشروط وعدته بالرجوع.. . وهكذا تمكن أفلاطون. من مغادرة الجزيرة 
والعودة سال ما إلى أثينا. 

ج اللقناء الثالث: 

وما استتب السلام أرسل ديونسيوس مرة أخرى إلى أفلاطون 
يدعوه لزيارته. ولكنه طلب من ديون أن يؤجل حضوره سنة أخرى:.. 
بينما أخذ يلح علي في زيارته إلحاحا شديداء كذلك حثني ديون على 
السفو إن أفادت التقارير الغديدة الواردة من :صضعلية نان ديوتسيوس 
قد تملكته من جديد حماسة غير عادية للفلسفة. ولهذا السيب توسل 
إلي ديون أن أقبل الدعوة. وكنت من ناحيتي أعلم أن الفلسفة كثيرا ما 
تحدث هذا التأثير في الشباب..». ومع ذلك فقد ف أفلاطون 
تلبية الدعوة متعللام .. بأنني قد أصبحت شيخا متقدما في السن؛ 
وأن ما يجري الآن يتعارض كل التعارض مع ااا ف . لکن 
الطاغية لم ييأس وعاد يلح على الفيلسوف من جديد» مما يؤكد لنا 
أهمية وجود رجال الفكر عند الطفاة. يزدانون بهم. ويتباهون 
بوجودهم على أرضهم!. «أرسل إلي مركبا بحريا بثلاثة صفوف من 


الطاغيه فى صورة الذئب 


المجاديف» لكي ييسر علي مشقة السفر بقدر الإمكان..»0. كما أرسل 
الطاغية بعضا من تلاميذ أفلاطون وأصدقائه» .. وأخبرنا هؤلاء 
جميعا بالخبر نفسه. وهو أن ديونسيوس قد حقق تقدما ملحوظا 
في الفلسفة . كذلك أرسل إلي خطابا مطولاء إذ كان يعلم مدى حبي 
لدیونء كما كان يعلم مدى لهفته على سفري وعودتي لسيراقوصه..». 
وبداً الطاغية رسالته بهذه الكلمات:«.. ديونسيوس يحب أفلاطون» 
أو بعد التحية التقليدية قال «إذا لبيت دعوتي ورجعت إلى صقلية, 
فسوف تسوى مسالة ديون على الوجه الذي يرضيك. وأنا متاكد أن 
مطالبك ستكون معقولةء ولهذا فلن أتردد في الاستجابة لها. أما إذا 
رفضت فلن يتم أي شأن من شؤونهء وبخاصة شؤونه الشخصية على 
الصورة التي تحبها... كما وصل إلى الفيلسوف خطابات أخرى من 
الأصدقاء: «وكلها تشيد بتقدم ديونسيوس في الفلسفةء وتشير إلى 
أنني إن لم أحضر على الفور» فسوف أعرض للخطر الشديد علاقات 
الصداقة التي أقمتها بنفسي بينهم وبين ديونسيوس» وهي في نظرهم 
علاقات ذات أهمية سياسية قصوى.. . وهكذا قام أفلاطون؛ على 
مضض.ء برحلته الثالثة لزيارة الطاغية” .. «كان قلبي مفعما بالقلق 
والهم» ولم يكن لدي.. أي أمل في النجاح.. وعندما وصلت إلى صقلية 
جعلت مهمتي الأولى هي التحقق من أن ديونسيوس قد تملكه لهيب 
الحماسة للفلسفة: وذلك كما أفادت الأخبار الكثيرة التي وردت إلى 
أثيناء آو أنه كان مجر زعم لآ أساس له من الصحة..»020, 

غير أن هذه الزيارة الأخيرة تحولت إلى كارثةء فلم يف ديونسيوس 
بشيء من وعوده» ولم يدخل في حوار مع الفيلسوف إلا مرة واحدة. ووجد 
أفلاطون نفسه سجينا كالطائر الحبيس في قفصه» وتأزم الموقف 
حتى تعرضت حياته للخطرء وحاصره التهديد بالقتل في كل لحظة: 
فأرسل إلى بعض أصدقائه يبلغهم بالخطر الذي يعيش فيه: «وما 
هو إلا أن وجدوا ذريعة لإرسال بعثة دبلوماسية من مدينتهم ومعها 
مركب بثلاثين مجدافا.. وتشفعوا لي عند ديونسيوسء وأبلغوه برغبتي 
في الرحيل؛ ورجوه ألا يقف عقبة في طريقي.. فوافق على أن 
أغادر البلاد مع المال اللازم للسفر... 


الطاغيه 


د-خاتمة المطاف: 

كانت هذه خاتمة ثلاث رحلات حاول فيها الفيلسوف أن يحقق 
أحلامه الفلسفيةء وأن يبعد عن نفسه تهمة المفكر الحالم» أو الصوفي 
الهارب من دنيا الواقع إلى عالم مثالي «يوتوبي» لا يعلمأحد أين 
يوجد.. لكنه فشل! فما الذي يمكن أن نستخلصه منها.. ؟: 

-١‏ عرف أفلاطون عن كثب كيف يعيش الطغاةء وما ينفقون على 
أنفسهم وعلى حاشيتهم: وملذاتهم» ومقدار البذخبل السفه في 
الإنفاق-ولا حسيب ولا رقيب!ء وهو يستطيع أن يفرض من الضرائب 
وأن يجمع من المال ما يشاء! حتى أن ديونسيوس الأب جمع ذهب 
النساء وحليهن بحجة أن هذا أمر الإله! «فلما أسرفت نساء المدينة 
في زينتهن أعلن أن دمتر قد جاءته في الحلم» وأمرته أن يجمع حلي 
النساء كلها ويودعها في معبدها. وصدع الملك بأمر الإلهة. وصدعت به 
كذلك معظم النساءء ثم ما لبث أن اقترض الحلي من دمتر ليمول بها 
حروبه». وقد سرق ديونسيوس الأول الرداء الذهبي أيضا الذي 
كان يغطي تمثال الإله زيوس دع7 زاعما أن الجو في الشتاء يكون 
باردا على نحو لا يطاق. وفي الصيف حارا على نحو لا يطاق! وفي 
الحالين فإن الرداء يكون عديم النفع!ء كما سرق كذلك الرداء الذي كان 
يغطي تمثال الإلهة هيرا 116:2 وباعه للقرطاجيين! °7 . 

2- اطلع أفلاطون بنفسه على الحراسة المشددة التي يعيش فيها 
الطاغية وكيف أنه يستطيع أن يعتقل من يشاء في أي وقت! 
فديونسيوس الثاني «أسكنه في البرج وحال دون سفره» ولم يكن 
في استطاعته أن يخرج من البرج إلا بإذن صريح من الطاغية!. 

3- خبر بنفسه الظلام الدامس الذي يعيش فيه الطاغيةء وحيث 
تنعدم الحرية يكثر الوشاة والمرجفون» وتحاك الدسائس والمؤامرات.. 
الخ» حتى إن الطاغية نفسه يعيش في شك وريبة من جميع 
المحيطين بهء فيبث عيونه في كل مكان لكي تنقل له حركات الناس 
وتا 

4- ليس للطاغية قيم. أخلاقية يحافظ عليهاء فلا وفاء بوعد, ولا 
أصدقاء ولا كلمة شرف فها هو ينفي خاله «ديون» متهما إياه بالتآمرء 


الطاغيه فى صورة الذئب 


ثم يسجن أفلاطون في برج لا يبرحه إلا بإذن صريح منه! وهكذا 
قبين آن الطغيان كدمين اقيم الإنسان الأخلاقية: وليس الببياسية 

5- لم يتورع ديونسيوس الأب عن محاولة اغتيال أفلاطونء فليس 
ثمة «مفكر كبير» أمام الطاغيةء حتى ولو كان أفلاطون نفسه. وكادت 
الفلسفة أن تخسر منارة لها في العالم القديم لولا أن القدر ألهم سفير 
إسبرطة بالحل الثاني فباع الفيلسوف كما يباع الرقيق! كما أعد 
شخصا آخر من تلاميذه ليشتريه ويعتقه!. 

6- شيوع النفاق والتملق سواء من جانب الحاشية للطاغية أو من 
جانب الطاغية نفسه لمن يريد منهم قضاء حاجة. وفي الحالتين 
جد دايا جديذا غلى اثميار الأخلاق فى عو الظطاغية1 فد ويوس 
يحاول بالهدايا وأسياب التكريم المختلفة «أن يقنعني بالشهادة أمام 
الرأي العام بأنه كان على حق عندما نفى ديون» (333 د-ص 143). 

7- وأخيرا فإننا نستطيع أن نقول مع أفلاطون إن أسوأ ما يوجد 
على الأرض هو الطاغية سواء أكان فردا أم جماعة من الغوغاء ™. وفي 
استطاعتنا أن نعرف الطاغيةء كما فعل أفلاطون. فنقول إنه مثل كل 
شر «سلب» فالحاكم الطاغية «سلب للحاكم الخير» كما أن الدائرة هي 
سلب للدائرة الصحيحة: والسفسطائي هو سلب للفيلسوف الحق؛ كما أن 
المرض هو سلب للصحة»©. 

أما إلحاح الطاغية وحرصه على زيارة أفلاطون ثم تمسكه ببقائه 
في الجزيرة وعدم السماح له بالرحيل“) فينطبق عليه تماما موقف 
المتنبي من كافور الإخشيدي الذي منعه هو الآخر من الرحيل ليفاخر 
بمقامه عنده وهو ما كان يعنيه المتنبي بقوله: 

جوعان» يأكلمنززادي ويمسكني 

لكي يقال عظيممالقدر مقصرودا! 


ثانيا: تصنيف الدساتير 
قصة أفلاطون مع الطاغية التي عرضناها فيما سبق» تكشف عن أمرين 


مهمين: 


الطاغيه 


الأول: اهتمام أفلاطون الشديد بالسياسة. والتطبيقات السياسية, 
وإصراره على أن يمحو من نفسه فكرة أنه «مجرد رجل نظري عاجز عن 
إنجاز فعل واحد» على حد تعبيره. أما الأمر الثاني فهو الخبرة 
العملية لأفلاطون بالنظام السياسي عموماء وبأسوأ أنواع النظم وأكثرها 
فسادا بوجه خاصء فهو يأكل؛ ويشربء ويعيش مع الطاغية؛ ويراه 
وهويفكرء وهويتآمرء وهويغدق في سفه حيث لا يجب الإسراف 
ويقتر في جوانب أخرى. ويبث العيون من حوله.. الخ. باختصار 
يراه رأي العين أكثر من أي فيلسوف آخر. 

والواقع أن أفلاطون كان يتوق للاشتغال بالسياسة كما يخبرنا 
في بداية الرسالة السابعة. وقد فرضت عليه الأحداث التي ألمت ببلاده 
الاشتغال بهاء فهو يشهد في سن الثالثة والعشرين استسلام أثينا عام 
4 ق. م لعدوتها اللدود إسبرطة بعد حرب طاحنةء كما بهرته التنظيمات 
العسكرية لإسبرطة؛ وازداد إعجابه بها بعد انتصارها على أثينا في 
حرب البلبونيز ”. كما أنه عاصر حكم الطغاة الثلاثين الذي أقامته 
إسبرطة في أثينا بعد انتصارهاء وكان كريتياس-ابن عم أمه-واحدا 
منهم! كما شهد أفلاطون سقوط هذا الحكم نفسه بعد عام واحد من 
قيامه (سبتمبر 453 ق. م) ليحل محله نظام الحكم الديمقراطي 
الذي حكم بموت أستاذه سقراط» وهكذا عاش أفلاطون وسط أخطر 
القلاقل السياسية في بلاده. كما أنه خبر بنفسه كثرة من النظم 
السياسية الى غاصرها ورفضها جميعا . يقول: نقد اتعمت النظر: 
في معترك الحياة السياسية.. وانتهى بي المطاف أن أتبين بوضوح» 
أن جميع أنظمة الحكم الموجودة الآن. وبلا استثناء أنظمة فاسدة, 
فدساتيرها لا يمكن إصلاحها جميعا إلا بمعجزة.. ولقد استفحل فساد 
التشريع» والأخلاق العامة. بصورة مخيفة؛. بحيث أصابني الدوار في 
النهاية أمام هذا الاضطراب الشاملء وأنا الذي كنت في التهانة ته 
التفسن بالخماسة للخياة السياسية ۳ 

ولقد كان من الطبيعي أن يقوم أفلاطون بعد هذه التجارب كلهاء 
لاسيما محاكمة سقراط وإعدامهء ثم فشله هو مع طاغية سيراقوصه., 
يطرح ما کان يطح إليه من #غمل سای ليكامل يخاكب ضكر هذه 


84 


الطاغيه فى صورة الذئب 


النظم التي جعلها في دورة؛ كل نظام يؤدي إلى الآخرء وينتهي بأسوأ النظم 
جميعا وأشدها فسادا آلا وهو الطغيانء فكيف صنف فيلسوفنا هذه النظم..؟ 

يرى أفلاطون أن النظم السياسية كلها يمكن أن تنحصر في خمسه 
أشكال أساسية هى على النحو التالى: 

ا- النظام ا ر E‏ 

هو أفضل أنواع الحكم عند أفلاطون» وهو حكم القلة الفاضلة 
ويتجه نحو الخير مباشرةء ومن ثم فهو نظام الحكم العادل. 

2- الحكم التيمقراطى(“ Tymocracy‏ 

وهو الحكم الذي يسوده طابع الطموح من محبي الشرف, أو 
الطامحين إلى المجد. الذين تكون وجهتهم» السموء والتفوقء والغلبة. 

3- الحكم الأولیجارکي؟ رامعا 

وهي حكومة القلة الغنية. حيث يكون للثروة مكانة رفيعة. 

Democracy الديمقراطية477)‎ 4 

التي هي حكم الشعب حيث تقدر الحرية تقديرا عاليا. 

5- حكومة الطغيان07له151' 

وهي حكومة الفرد الظالم» أو الحاكم الجائر. حيث يسود الظلم الكامل 
بغير خجل أو حياء. 

وهذا الترتيب التنازلي للحكومات» يقابل الترتيب التنازلي للعصور 
الفى هاقها الإنسان: كما يرويها الشامر وهؤيود اداه فى ككابه 
الأعمال والأياه. والتي تسير على النحو التالي: (أ) العصر الذهبي 
وهو أزهى العصورء ويقابل الحكم الأرستقراطي أعلى أنواع الحكم عند 
أغلاطون. (ب) ويليه العصر الفضي وهو يقابل الحكم التيمقراطي. 
(ج) ثم العصر البرونزي أو النحاسيء ويقابل حكم الأوليجاركية. (د) 
عصر الأبطال الذي يماثل الحكم الديمقراطي. العصر الحديدي الذي 
انحطت فيه نفوس الناس وهو يشبه حكم الطغيان. 

ويذهب أفلاطون في محاورة «الجمهورية» إلى أنه يوجد من 
أنواع النفوس» بقدر ما يوجد من أنواع متميزة من الحكومات.. أو قل 
إن للحكومات أنواعغا خمسة وللتفوس بدورها أنواعنا خمسة. ° إن 
يعتقد سقراط أن هناك خمسة أنواع من الحكم» يماثلها خمس شخصيات 


الطاغيه 


من البشرء فالرجل الطموح إلى المجد يقابل الحكم التيمقراطيء والتمييز 
الذي ظل سائدا في علم السياسة بين الشخصية السلطوية والشخصية 
الديمقراطية يقابل المجتمعات المتسلطة والمجتمعات الديمقراطية. كذلك 
يقابل سقراط بين النفس الملكية أو الأرستقراطية أو التيمقراطية أو نفسية 
الطاغية.. الخ وبين أنظمة الحكم المماثلة7'”«ولهذا يجدر بمن يريد دراسة 
شخصيات الرجال أن يدرس الدول التي ينتمون إليهاء لأن جميع نظم 
الإنسان لا تعدو أن تكون تعبيرات عن نشاطه العقلي» فنظمه هي آراؤه؛ 
والقانون هو جزء من تفكيره؛ والعدالة هي عادة من عاداته العقلية» ° . 

اهتم أفلاطون بدراسة هذه النظم التي سادت عصره ووجدها تنهار 
الراحدة بعد الأخرى: فحاول أن يضح نظاما لتعاقيهاء كيف يتتقل 
الواحد منها إلى الآخرء والنوع الأول هو وحده نوع الحكم الصالح الخير 
حيث تحكم النخبة الفاضلةء ويتربع الحاكم الفيلسوف الذي وقف على 
الفضيلةء والعدالة؛ والمساواة.. الخء كاملة في عالم المثل. أما بقية الأنواع 
الأربعة فهي فاسدة. ويهمنا هنا أن نتوقف قليلا عند شكل الحكم 
الديمقراطي الذي سيظهر منه الطغيانء لكن قبل ذلك لابد أن نسأل 
كيف تنش الديمقراطية5؟ ! وكيف تنهار !. 

أ-النظام الاوليجاركي: 

تنشاً الديمقراطية من النظام الأوليجاركي» فهو أول نظام تظهر فيه 
الرغبة عارمة في الثراءء واقتناء المال بغير حد» ذلك لأن النظام 
الأوليجاركي هو نظام من الحكم يقوم على الثروةء ويحكم فيه الأغنياء 
دون أن يشاركهم الفقراء في السلطة. وهم في سعيهم إلى المزيد من 
الثروة يقل تقديرهم للفضيلة بقدر ما يزداد تقديرهم للمالء لأن 
الثروة والفضيلة لا يجتمعان».. إذ بينهما ذلك الفارق الذي يجعل كفة 
إحداهما تنخفض كلما ارتفعت الأخرى إذا وضعتا على كفتي ميزان. 
فإذا كرمت الثروة والأثرياء في دولة ماء قل تكريم الفضيلة والفضلاء 
فيها حتماء!ة. وهكذا تسري بين المواطنين نغمة احترام المالء 
فيتملقون الرجل الثري ويعجبون به. ويصعدون به إلى منصة الحكم, 
بينما نراهم يحتقرون الفقيرء وهكذا يصبح المجتمع جشعا إلى المال والربح 
بل إن الأمر ليصل إلى حد أن تقوم الدولة بوضع قانون يحدد شروط 


86 


الطاغيه فى صورة الذئب 


الامتياز في الأوليجاركية بحد معين من الثروة يزداد كلما كانت الأوليجاركية 
قويةء وينخفض كلما كانت ضعيفة . وهكذا يحرم من أدوار المهام العامة كل 
من لا تسمح لهم ثروتهم ببلوغ هذا الحد المعلوم»7”. ويعتقد أفلاطون أن 
اختيار الحكام على أساس ثرائهم مبدأ معيب في ذاتهء وإلا فلك أن تتخيل 
ماذا يحدث لو أننا طبقناه مثلا في قيادة السفينة؟! فقلنا إن ربان السفينة 
لابد أن يختار على أساس ما لديه من ثراءء ويستبعد الفقراء على الرغم 
مما قد يكون لديهم من تفوق في هذا المضمار؟ لا شك أن الرحلة ستنتهي 
عندئذ إلى كارثة. تلك نقيصة بارزة في الحكم الأوليجاركي» لكنها ليست 
الوحيدةء فهناك نقيصة أخرى لا تقل عنها آهميةء وهي أن الدولة تفقد 
وحدتهاء وتغدو دولتين لا دولة واحدة: دولة الأغنياء ثم دولة الفقراء. 

وهما دولتان تعيشان على الأرض نفسهاء وتتآمر كل منهما على الأخرى 
بلا انقطاء©. 

نقيصة ثالثة هي أن هذه الدولة ستكون عاجزة عن شن أية حرب» 
ذلك لأنها مضطرة إلى تسليح الشعبء لكنها عندئذ ستخشاه أكثر مما 
تخشى الأعداء. فجمهور الشعب فقيرء والسلاح معه خطير!. لكنها من 
ناحية أخرى إذا لم تسلحه فسوف يجد أفراد هذا النظام أنهم قلة 
(أوليجاركيون) في المعركة. فضلا عن أن تقتيرهم يحول بينهم وبين 
الإنفاق على الحرب. 

ولما كانت الغالبية العظمى من أفراد الشعب في هذا النظام فقراء 
فسوف يوجد فيها متسولون» وإلى جوارهم لصوصء ونشالونء وسارقو 
معابد وأشرار من كل نوع ولا بد أن نعزو وجود هؤلاء الأشرار إلى 
الجهل وسوء التربيةء وإلى نوع الحكومة الفاسدة. 

والحاكم في الدولة الأوليجاركية هو نفسه رجلان في رجل واحدء 
كما أن دولته دولتان في دولة واحدة. وصفة البخل الغالبة عليه هي 
خليط من التزمت والطمع؛ ولا مناص من حدوث صدام بين الاثنين رغم 
ما تهما من اتجاذ موقت 590 

ب-الانتقال إلى الديمقراطية: 

إن الثروة التي تهالك عليها النظام الأوليجاركي هي التي تتسبب في 
هدمه وتدميره؛ وذلك لأن أبناء الموسرين» والأغنياءء والنبلاءء يألفون الإسراف 


87 


الطاغيه 


والإنفاق على الملذات. ويصعب جدا في أية دولة تمجد الثروة أن يتسم 
شبابها بالاعتدال وضبط النفس. وهكذا يدفع الحكام بغفلتهم» وبتركهم 
الحبل على الغارب للإسراف. رجالا صالحين إلى الفقر والعوزء ويظل 
الحقد يملأ نفوسهم فيتآمرون على أولئك الذين اقتنوا ثرواتهم» وعلى بقية 
المواطنينء وتهفو نفوسهم إلى الثروة. فالمجتمع الذي انقسم إلى دولتين: 
أغنياءء وفقراء تأخذ فيه رقعة الفقراء في الاتساع؛ نتيجة لإسراف الأغنياء 
ويزدادون حقدا على كل من يملك ثروةء في الوقت الذي يضعف فيه من 
تبقى من الأغنياء الذين أسلمهم الترف إلى الرخاوةء وأوهن البذخ من 
عزائمهم ! ويصف أفلاطون انقسام المجتمع في الدولة الأوليجاركية وصفا 
رائعا فيقول: «إذا حدث في مثل هذه الظروف أن تقابل الحكام والمحكومون 
في صعيد واحد في معركة بريةء مثلاء فإن الفرصة تتاح لهم عندئذ أن 
يرقب بعضهم البعض وهم في لحظة الخطر. وعندئذ لن يستطيع 
الأغنياء أن يحتقروا الفقراءء بل إن الذي يحدث في أغلب الأحيان 
حين يقف فقير هزيل لفحته الشمس المحرقة في ساحة الوغى إلى 
جانب غني ترعرع في الظلال الوارفةء وتراكم على جسده الشحم الزائد, 
فلهثت أنفاسهء وبدت عليه مظاهر العجزء فلابد أنه قائل لنفسه إن 
هؤلاء الناس لم يصبحوا أثرياء إلا لآن الفقراء جيناء: فإذا اجتمع 
الفقراء معا في خفية عن أعين الباقين. فسوف يقولون لأنفسهم دون 
شك» إن هؤلاء الناس لا يصلحون لشيء. بل إنهم جميعا تحت 
رحمتنا 52 . 

تظهر الديمقراطية عندما ينتصر الفقراء على أعدائهم: فيقتلون 
بعضهم وينفون البعض الآخرء. ويقتسمون أمور الحكومة والرئاسة 
بالتساويء بل إن الحكام في هذا النوع من الدول غالبا ما يختارون 
بالقرعة. 

ويصبح كل فرد في مثل هذه الدولة حراء بل إن الحرية تسود 
الجميع؛ وحينما تسود الحرية يكون في وسع كل شخص أن ينظم طريقته 
في الحياة كيفما يشاء. ولما كانت هذه الدولة تشتمل» بفضل ما فيها من 
حرية؛ على جميع أنواع الدساتيرء فإن المرء يمكن أن يتوجه إليها ليختار 
منها النظام الذي يروقه؛ فهي سوق للدساتير يتسنى للمرء فيه أن ينتقي 


الطاغيه فى صورة الذئب 


الأنموذج الذي يفضله! ° . 

وهكذا يصف أفلاطون الدولة الديمقراطية: «بالتهاون والتساهل المفرط 
الذي يؤدي إلى حالة «رائعة» من الفوضى!. ومظاهر التنوع تقوم على المساواة 
بين الناس «المتساوين وغير المتساوين معا». حتى يغدو العيد مساويا للمواطن, 
والمواطن مساويا للعبد. والأجنبي الدخيل مساويا لهما معا! 

بل إنك لتجد الأستاذ في مثل هذه الدولة يخشى التلاميذ ويتملقهم! 
ويسخر التلاميذ من أستاذهم: ومن المشرفين عليهم» وعلى الإجمال فإن 
الصغار يقفون على قدم المساواة مع الكبارء وينازعونهم الأقوال والأفعالء 
أما الكبارء رغبة منهم في إرضاء الصغار» فيشاركونهم لهوهم» ومرحهم, 
ويقلدونهم حتى لا يظهروا بمظهر التسلط والاستبداد!. 

وينبهنا إرنست باركر :5.85 إلى أن ما يصفه أفلاطون تحت اسم 
الديمقراطية هو ما يصح أن نلقبه نحن باسم «الفوضوية -«Anarchism‏ 
فوضوية الشاعر شللي التي يكون الإنسان فيها 59: 

دحرا 9 يفيده قید» ولا يخضع لسيد» 

بل يكون إنسانا يتمتع بالمساواة ولا ينتمي 

إلى طبقة» أو قبيلة: أوآمة 

متحررا من الخوف والعبادة؛ والمركز الاجتماعي؛ 

ويكون صاحب العرش على نفسه..» 

فهذا الذي يصفه أفلاطون لا ينطبق على ما كانت تعنيه 
الديمقراطية المباشرة في اليونان قديما أو ما تعنيه الديمقراطية النيابية 
اليوم» وبما أن أفلاطون يسوي بين الديمقراطية والفوضى فإنه على 
هذا الاعتبار يدين مبدأيهما الأساسيين وهماء الحرية والمساواة 
ولا يرى أنهما مبادئ على الإطلاق ©. 

ج الا نتقال إلى الطغيان: 

حتى الديمقراطية تدمر نفسها بنفسها عندما تصل إلى حدها الأقصى 
فتنقلب إلى فوضى: ويدلا من أن يحكم الشعب نفسه بنفسه!!؟؛ ثرى حكم 
الجماهير أو الغوغاء الذي هو بحر هائج يتعذر على سفينة الدولة السير 
فيه لأن كل ريح من خطابة أو شعوذة من جانب الخطباء تحرك المياه 
وتعطل طريق السير. وتكون النتيجة آن يقفز الطاغية إلى كرسي الحكم 


8۹ 


الطاغيه 


لكي ينقد البلاد من الفوضى. 

وهكذا تنشا الحكومة الاستبدادية, فيما يرى أغلاطون: بطريقة طبيعية 
من الحكومة الديمقراطية المسرفة في حريتها لحد الفوضى, أي أن التطرف 
في الحرية يولد أفظع أنواع الطغيان؛ ويظهر وسط هذه الفوضى من يؤيده 
الناس قائدا عليهم ونصيرا لهم» ويضفي عليه الشعب قوة متزايدة: وسلطانا 
هائلاء وفي كل مرة يظهر فيها طاغيةء يكون الأصل الذي يظهر منه هو 
هذا النصيرء فكيف يبدأ نصير الشعب في التحول إلى طاغيةة! 


خالثا: الطاغية. . . الذئب! 

يبدو أن أفلاطون كان على حق عندما ذهب إلى أن ظهور الطاغية 
مرهون بوجود ضرب من الفوضى أو التسيب في الدولة» بحيث يكون 
هو«المنقن» الذي يعيد النظام» والأمنء والاستقرار إلى البلاد حتى 
يشعر كل مواطن أنه آمن على نفسه»ء وأهلهء وماله... الخ. يقول آندروزء 
في كتابه عن «طغاة الإغريق» إنهم كانوا يظهرون في فترات الأزمات 
: «بحيث يكون المبرر العام الشائع الذي يسوغون به الطغيان-وهو 
نفسه تبرير الدكتاتورية الآن-هو قدرة الطاغية أو الدكتاتورية 
على النهوض بحكومة فعالةء بعد أن أصبح جهاز الدولة عاجزا عن مواجهة 
الأزمات التي تظهر بسبب ضغوط خارجية أو توترات داخلية . ومن 
ثم كان الأمل ينعقد على ظهور حاكم قوي يعيد النظام والاستقرار إلى 
المدينة اليونانيةء هو: الطاغية7؛ وإن كان أندروز نفسه يستطرد 
ليقول: «عندما كانت الحاجة تدعو إلى وجود طاغية؛ فإنه عندما يحكم 
كان يذهب في حكمه أبعد من الأزمة التي جاء ليعالجهاء فالضرورة 
العامة شيء يتحد مع الطموح الشخصي. ولا يمكن الفصل بينهما بوضوح, 
فضلا عن أنه ليس من السهل على الحاكم المطلق أن يتقاعد 4 . 

وفضلا عن ذلك فإن الصورة التي رسمها أفلاطون للطاغية مأخوذة 
من سيرة ديونسيوس الأول في سيراقوصه»ء حيث جاء هذا الطاغية 
في أعقاب الديمقراطية أو بعبارة أدق نتيجة للاضطرابات التي حدثت 
في الجزيرةء وأدت إلى ما يشبه الفوضىء ومن هنا نجد أفلاطون 
فى إحدص فكرات نذاو ره اوو نة يشير إشارة واج إلى تجريده 


۹90 


الطاغيه فى صورة الذئب 


الخاصة في سيراقوصه عام 387 ق. م. ويلاحظ «أرنست باركر» أنه يكاد 
يخرج من نطاق المحاورة ويتحدث بلسانه الشخصيء ويرجو سامعيه أن 
يفهموا أن حكمه على الطاغية هو حكم رجل «في مقدرته الحكم». عاش مع 
الطاغية في مكان واحدء ولمس حياته اليوميةء وعرف كل شيء عن علاقاته 
المائلية( . 

يتولى الطاغية الحكم» في الأصلء لكي ينقذ البلاد من حالة الفوضى 
التي تتردى فيهاء ويبدأ في الأيام الأولى من حكمه في التقرب من الناس: 
«في مبدأً الأمر لا يلقى كل من يصادفه إلا بالابتسام والتحيةء ويستنكر كل 
طغيان» ويجزل الوعود الخاصة والعامةء ويعفي من الديونء ويوزع الأرض 
على الشعب وعلى مؤيديه. ويتصنع الطيبة والود مع الجميع» . وضي 
الوقت ذاته يبدأ في تكوين حرس قوي حوله بحجة المحافظة على مطالب 
الشعبء ومراعاة لمصاحة الشعب ذاتى!48. 

وبعد تكوين الحرس الجيد الذي يلتف حوله لحمايتهء يبدأ في تأمين 
وجوده في الداخل والخارجء فبالنسبة لأعداء البلاد في الخارج فإنه يتفاوض 
مع بعضهم» ويقاتل البعض الآخر حتى يتخلص منهم بشتى الطرق. ثم يتجه 
إلى الداخل فيتخلص من المناوتين له: «وعندما يأمن هذا الجانب فانه لا 
يكت ارلا عن إشعال الحرب قر الأخرى حت يشعر القع يح اجهه إلى 
قائد. وكذلك حتى يضطر المواطنون الذين أفقرتهم الضرائب إلى الانشغال 
بكسب رزقهم اليومي بدلا من أن يتآمروا عليه20). 

وعندما يجد «زعيم الشعب» نفسه سيدا مطاعاء فانه لا يجد غضاضة 
في سفك دماء أهله؛ فهو يسوقهم إلى المحاكمة بتهم باطلة. وهي طريقة 
مألوفة لدى هذه الفئة من الناسء إنه يحتقر القوانين المكتوبة وغير المكتوية. 
ولا لم يكن شيء يقف في وجه الطاغية المستبد فانه يصبح عبد الجنون أو 
ينقلب حكمه إلى كارثة" . فهو يقتل المواطنين ظلما وعدواناء ويذوق بلسان 
وفم دنسين دماء هله ويشردهم.. عندئذ يصبح هذا الرجل طاغية ويتحول 
إلى ذئب.. ويعتمد أفلاطون في «تحول الطاغية إلى ذئب» على أسطورة 
يونانية تقول إن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان: ممتزجة بلحم 
قرابين مقدسة أخرىء فانه يتحول حتما إلى ذئب! . وبالمثل فان الحاكم 
الجبار الذي أمسك بدفة الحكم باسم «نصير الشعب» يبدأ في سفك دماء 


9 


الطاغيه 


المواطنين حتى لا يتآمروا عليهء فكأنه بذلك يأكل لحم آخيهء وهكذا يتحول 
إلى ذئب مفترس! «فإذا شك أن لبعض الناس من حرية الفكر ما يجعلهم 
يأبون الخضوع لسيطرته؛ فانه يجد في الحرب ذريعة للقضاء عليهم» بأن 
يضعهم تحت رحمة الأعداءء لهذا السبب كان الطاغية دائما مضطرا إلى 
إشعال نيران الحرب!. غير أن هذا المسلك لن يكسبه إلا كراهية متزايدة 
من مواطنيه!72 . 

بيد أن ظلم الطاغية لا يعرف تفرقة بين المواطنين. وليس للطاغية 
«صديق» فهو لا يمانع في الغدر بالأصدقاء أو المعاونين إذا ما اشتبه 
فيهم: 

«فهو إذا وجد من بين أولئك الذين أعانوه على تولي الحكم: والذين 
أصبحوا من ذوي السلطان والنفوذ فة من الشجهان الذين يعبرون 
عن آرائهم بصراحة أمامه وفيما بينهم وينتقدون ما يقوم به من 
تصرفات... فإن الطاغية لابد أن يقضي على كل هؤلاء إن شاء أن 
يظل صاحب سلطان بحيث لايترك فى النهاية شخصا ذا قيمة سواء 
من أضدقاكة أو اعد انه 01 , ا 

وإذن فلابد له من «إبصار حاد»» لكي یری كل من تتوافر لديه 
الشجاعة أو عزة النفس أو الذكاء أو الثروة. وهكذا شاء طالعه أن يظل. 
طوعا أو كرهاء في حرب دائمة مع الجميع؛ وأن ينصب لهم الشراك, 
حتى يطهر الدولة منهم! ويالها من طريقة في التطهير! إنها عكس طريقة 
الأطباءء فهؤلاء يخلصون الجسم مما هو ضار فيه ويتركون ما هو نافع؛ أما 
هو فيفعل العكس! 577 ذلك أنه لا يستأصل إلا المفيد والنافضع لأنه لا 
يقضي إلا على الشرهاء» والمفكرين: والشجعان, والمخلصينء الذين يرفضون 
نفاقه 79 . 

لكن تصرفات الطاغيةء على هذا النحوء تثير في نفوس مواطنيه المزيد 
من الكراهية: فيزداد بدوره حاجة إلى حرس أكبر عددا وأشد إخلاصا779: 
«وهم سيتقاطرون عليه من تلقاء أنفسهم بأعداد كبيرةء إذا ما دفع لهم 
أجورا كافية..2/”. ولكن المعجبين به لن يتجاوزوا أولئك الرفاق المنتفعين 
الذين يجتمعون بهء ويد افعون عنه؛ لأنهم يعلمون أن سقوطه يعني سقوطهم 
أيضا «.. أما المواطنون الشرفاء. فإنهم يمقتونهء وينفرون منه..(1©, 


۹2 


الطاغيه فى صورة الذئب 


لكن الرفاق المنتفعين: أو بطانة الطاغيةء ليست مجموعة من الأصدقاء 
أو «رفاق السلاح»! بل قد يكون منهم الكتاب والشعراء الذين يدفع لهم 
الطاغية بسخاءء لأنه يعلم أن شهرته لن تكون إلا عن طريقهم. ولهذا 
فسوف نجد من الشعراء من يمتدح الطاغيةء ويرى أن الطغاة يكتبون الحكمة 
بفضل صحبتهم للحكماء.. «ويقولون أيضا إن الطغيان يقرب بين الناس 
وبين الآلهةء وسنرى الشعراء يطوفون البلاد واحدة تلو الأخرى فيجمعون 
الجماهيرء ويستأجرون أصحاب الأصوات الجميلة المقنعة لكي يغروا 
الجماهير على الأخذ بدستور استبدادي82(0, 

ويغدق الطغاة الكثير من الأقوال على الشعراءء والكتاب» والأنصار, 
والأعوانء كذلك يعدون «المكافآت والجوائز»والمهرجانات.. الخ. ولا شك 
أنه لو كان في الدولة كنوز مقدسة؛. فسوف ينهبها كما ينهب أموال 
الضحايا من المواطنين. ومن الواضح أنه يعيش هو ورفاقهء وحاشيته. 
وبطانته. وعشيقاته. من ثروة أبيه-أي الشعب. وهكذا نجد أن الشعب 
الذي أنجب الطاغية يجد نفسه مضطرا لإطعامه هو وحاشيته( . 

غير أن أفلاطون يتنبا بأن الشعب سوف يدرك مدى الكارثة 
التي جلبها على نفسه يوم ساند الطاغية وارتضى حكمه: يقول 
«إن الشعب سيدرك بحق» مدى الحماقة التي ارتكبها حين أنجب مثل هذا 
المخلوق ورعاهء ورباه. حتى أصبح هذا المخلوق أقوى من أن يستطيع الشعب 
أن يطردهل ° . 

ومعنى ذلك أن الكارثة الكبرى هي أن الطاغية سيمكن لنفسه بحيث 
يستحيل على الناس أن تتخلص منه؛ وإذا كان أفلاطون يشبه الشعب 
بالأب الذي أنجب ابنا عاقا هو الطاغيةء فإنه يتساءل: «ما الذي 
يحدث إذا غضب الشعب» وقال إنه لا يليق بابن زهرة العمر أن يعيش 
عالة على أبيهء وأن الابن هو الذي ينبغي أن يعول أباه. وأن هذا الأب 
لم ينجبه ولم يربه ليرى نفسه عبدا لعبيد ابنه حين يشب أو 
لكي يظل يطعمه هو وعبيده» وتلك الحثالة التي تحيط به. لكي يخلصه 
عندما يتولى قيادته من الأغنياء؟ ولنفرض أن الشعب قد طلب منه مغادرة 
الدولة هو وحاشيتهء مثلما يطرد الأب من بيته ابنا عاقاء ومعه رفاقه 
الأشرارء فما الذي يحدث عندئذ5!. ويجيب أن الشعب سيدرك مدى 


۹3 


الطاغيه 


الحماقة التي ارتكبها حين أنجب هذا المخلوق!. وينتهي أفلاطون إلى أن 
الطاغيةء لديه من الوقاحةء ما يجعله يجرؤ على الوقوف في وجه أبيهء بل 
وضربه إن لم يستسلم لأوامره: «فالطاغية قاتل لأخيه. وهو بشر عاق لا 
يرحم شيخوخة أبويه؛ وتلك هي حقيقة الطغيان الذي لا يختلف عليه اثنان! 
وهكذا فان الشعب يستجير. كما يقول المثل. من الرمضاء بالنار! إذ إن 
خوفه من الوقوع تحت سطوة الأحرار يجعله يقع تحت سطوة العبيد! وهكذا 
تتحول الحرية المتطرفة الهوجاء إلى أقسى وأمر أنواع العبوديةء وأعني بها 
الخضوع للعبيد ..» ° . 


رابعا: شخصية الطافية : 

أ-تصنيف الرغبات: 

سبق أن ذكرنا أن أشكال الحكم الخمسة تقابلها خمس أنفس عند 
البشر, أو خمس شخصيات من الرجال؛ فكيف حدد أفلاطون ملامح 
شخصية الطاغية ؟! 

يصنف أفلاطون في نهاية الكتاب التاسع من الجمهورية 
رغبات الإنسان إلى نوعين أساسيين: رغبات ضرورية؛ ورغبات 
غير ضرورية» وهو تصنيف يقترب مما يقوله علم النفس الحديث عن 
الحاجات الأولية؛ والحاجات الثانوية عند الإنسان. أما الأولى فهى تلك 
الراك الى لامي ا ها كنا أن إشباغها متب لكا من تاحية 
أخرى» في حين أن الثانية لا يجلب إشباعها أي خيرء بل ريما عاد بالضرر 
علينا. 

أما الرغبات الأساسية فهي كالرغبة في الطعام مثلاء وهي ضرورية 
لآنها تفيد الصحةء وتصون البدن؛ ومن هنا كان إشباعها مفيدا ولازما 
للحياة في آن معا. لكن إذا كان الخبز واللحم ضروريين للحياة فإن الإسراف 
فيهماء أو الرغبة في تجاوزهما إلى أنواع أخرى أكثر تنوعا سوف يعد أمرا 
غير ضروري". أما النوع الثاني من الرغبات» وهو غير الضروريء فربما 
كان أوضح نموذج له: الملذات والرغبات التي يظهرها اللاشعور في الأحلام 
أعني «عندما يغيب الكرى ذلك الجزء العاقل الرقيق من النفس الذي يتولى 
التحكم في الجزء الآخرء وينطلق الجزء الحيواني المتوحش في النفس من 


9 


الطاغيه فى صورة الذئب 


عقاله مثقلا بالطعام والشراب» فينفض عن نفسه النوم» ويبحث عن مجال 
لنشاطه» ومتنفس لشهواته. والنفس ها هنا لا تخجل من شيء قط! كما لو 
كانت قد تخلت عن كل حياءء فلا تتردد في ارتكاب أية جريمة ولا تستحرم 
أي طعام °7 . 

ويصور أفلاطون» ببراعة. كيف يخرج «الطاغية» من إهاب الرجل 
الديمقراطي فهو ابنه !. وكيف يندفع نحو الرغبات الهوجاء. فيتولد 
في نفسه حب جارف يرعى الرغبات المتطرفةء وعندئذ تحتل هذه 
الرغبة الموقع الرئيسي في النفس» وتتخذ من الجنون زعيما لحراستهاء 
وتثور ثورة هوجاء. فإذا صادفت بعض الرغبات أو الأنظار العاقلة 
التي لا يزال فيها بقية من حياء فإنها تقتلها أو تطردها بقسوة, 
حتى تطهر النفس من كل اعتدال» وتدعو الجنون لكي يحل محلها! وهكذا 
يغدو المرء طاغية حين يصبح» بالطبع أو بالتطبع؛ أو يهما معاء 
جامعا بين صفات السكيرء والعاشقء والمجنود , 

على هذا النحو تتكون الملامح العامة للطاغية عندما تسيطر عليه 
الرغبات اللاواعية (اندفاع اللاشعور الهمجي كما يقول فرويد) 
وتتحكم في سلوكه» فكيف تسير حياة مثل هذا الرجل.. ؟! 

ب-حياة الطاغية: 

يصور أفلاطون حياة الطاغية منذ اللحظة التي تسيطر عليه فيها 
الرغبات والميول الشهوانية الجامحة التي ل تدرف حدا للاشباع., 
يصور هذه الحياة على أنها سلسلة من «أعياد اللذةء والمآدب» والعشيقات. 
وغيرها من الانحرافات المنحلة» ™. والمقصود بالطبع أنه ما دامت 
الرغبات والميول الشهوانية هي المسيطرة. فسوف يعيش مثل هذا 
الإنسان حياة بوهيمية بلا قيم ولا مبادئ. بل إن هذه الرغبات 
سوف تخلق رغبات أخرى على المستوى نفسه من البهيمية «فيظهر 
في كل ليلة العديد من الشهوات العنيفة الملحة التي يقتضي إشباعها 
شروطا متباينة !». وإشباع هذه الرغبات المنوعة المتجددة كل 
يوم يحتاج إلى مال وإنفاق» وسرعان ما تنضب موارده فيبدأ في الاقتراض» 
كما يبدأ في تبديد ميراثه وممتلكاته. لكن عندما يأتي عليها جميعاء ولا 
يبقى منها شيءء لا تكون الرغبات قد ارتوت لأنها متجددة ومتنوعة وولادة 


۹5 


الطاغيه 


لرغبات أخرى! فتصرخ هذه الرغبات العنيفة العديدة وتلدغه هذه الشهوات, 
فيجري هنا وهناك كالمخبول» باحثا عن صديق أو جار.. الخ؛ يملك شيئًا 
يأخذه منه بالخديعة أو بالإكراه!. لأنه إذا أراد آلا يروح ضحية الآلام المبرحة 
والهموم الثقيلةء فإن عليه أن ينهب من كل مصدر: وسوف يبدأ بالبيت 
فيدعي أنه قيم على أبيه وأمه فينهبهما بعد أن يكون قد بدد نصيبه من 
أموالهما!. انه الآن لا يريد نصيبه فقطء وإنما يريد أن ينفق عن سعة من 
أموال والديه؛ فإن لم يستسلم الأبوان لمطالبه لجأ إلى السرقة أو الخداع: 
ثم إلى العنف ليسلبهما ما يملكانء فإن تمسكا بعنادهماء وأصرا على مقاومته 
فإنه لا يحجم عن سلوك الطاغية الذي لا يرحم أحداء ولا يقيم وزنا 
للأخلاق والقيم: إنه لا يتورع عن ضرب أمه أو الإساءة إلى أبيه المسن20©. 

وتتكدس الرغبات في نفس الابن الطاغية؛ فيحاول أولا أن ينقب جدار 
البيت» أو يسرق عابر سبيل في جنح الظلام أو أن ينهب المعابد!. لقد ولد 
هذا الشاب لأب ديمقراطي كما ذكرناء ولقد كان في البداية خاضعا للقوانين 
ولسلطة آبيهء ولم تكن هذه الرغبات المنحرفة, أو الأفكار السيئة. تنطلق 
من عقالها إلا أثناء النومء أما بعد أن تحول إلى طاغية مستبد فإنه يصبح 
طوال حياة اليقظة؛ آعني طوال حياته الواعيةء ذلك الرجل الذي كان يصبحه 
من آن لآخر أثناء نومهء أي أن القوى اللاعقلانية واللاشعورية هي التي 
تضغط على سلوكه» وأصبحت مسيطرة على كل تصرفاته؛ ريما كان في 
السابق يحلم إنه يسرق أو يقتل أو يرتكب فعلا فاضحا.. الخ. أما الآن فهو 
يستبيح لنفسه إراقة الدماء وأكل أي طعام محرم» وارتكاب أي سلوك شائن؛ 
واقتراف أية رذيلة.. الخ. وهكذا تسوقه القوى اللاواعية-التي تحدث عنها 
فرويد بالتفصيل بعد ذلك بأكثر من عشرين قرنا-إلى الفوضى والاضطراب 
مثلما يقود الطاغية الدولة إلى مغامرات طائشة!(" . 

جأعوان الطاغية: 

مثل هذه الشخصية البهيمية:؛ أو الحيوان الأكبر-كما يسميها 
أفلاطون-لن تصادق إلا رفاق السوءء ولذا ينبغى ألا نندهش عندما 
تعد أعوان الفا يمارسون مجموعة من «الجراتم البسيظة: كالسركة 
أو السلب أو «ثقب الجدار» أو اغتصاب أموال المارة وملابسهم» وبيع الأحرار 
على أنهم عبيد» وإذا كانوا يجيدون الحديث احترفوا الوشايةء وشهادة 


9 


الطاغيه فى صورة الذئب 


الزور أو الاتهام الكاذب مقابل رشوة! ونحن نصف هذه الجرائم بأنها 
«بسيطة» بالنسبة للجرائم الفادحة التي يرتكبها الطاغية؛ فهذه الآثام كلهاء 
لا تكاد تكون شيئًا مذكوراء إذا ما قورنت بما يجلبه الطاغية على الدولة من 
بؤّس ودمار وبلاء. 

ويشير أفلاطون إشارة نافدة إلى أن هؤلاء الأعوان يمكن أن يخلقوا 
الطاغية! يقول: «إذا وجد في الدولة عدد كبير من هؤلاء الناس» ومن 
أتباعهم» وشعروا بقوتهم» فإن هؤلاء. مستعينين بغباء الشعب. هم 
الذين يخلقون الطاغية:؛ إذ ينتقونه لأنه هو الشخص الذي تنطوي 
نفسه على أكبر قدرهن الطفيان» . وعندكذ إها أن يستسلم نه 
الشعب طواعية, أو يعمل هذا الطاغيةء الذي لم يتورع من قبل عن 
إيذاء أبيه وأمه. على معاقبة قومه إن أمكنه ذلك: فيدخل بينهم عناصر 
جديدة من بين أنصاره المقربين. ويخضع لهم أهله الذين كانوا من قبل 
أعزاء لديهء والذين هم شعبهء ويجعلهم عبيدا لهؤلاء الغرباء.. وهكذا تصل 
رغباته الطاغية إلى اكتمال تحققها.. ! 

إن هذا الطاغية اعتاد قبل أن يستولي على زمام السلطة أن يختلط 
بالمنافقين الذين هم على استعداد لخدمته في كل شيءء فإذا كان هو في 
حاجة إلى خدمة يؤديها له شخص آخرء فانه يقف أمامه فى مذلة وكأنه 
کاب کاک مكااهر ا ما خاد حكن إذا اقح م اناري دار له ر , 
وهكذا نرى الطغاة طوال حياتهم: «لا يجدون لهم صديقاء وإنما هم إما 
سادة مستبدون: وإما عبيد خاضعون!. أما الحرية والصداقة الحقيقية. 
فتلك نعمة لا يذوقها الطغاة أبد201” . وعلى ذلك فان المرء يكون على حق, 
إذا قال عنهم إنهم لا يعرفون الإخلاص؛ وهم أيضا ظالمون بكل معنى الكلمة. 

وأخيرا لابد لنا أن نقول إن أسوأ أنواع الإنسان هو الذي يسلك في 
يقظته على النحو الذي قلنا إن الناس يسلكونه في منامهم» لأن الجانب 
العاقل يحد من الجانب الحيواني في الإنسان ويكبته: فإذا نام هذا الجانب 
العاقل؛ وهو الجانب الإنساني على الأصالةء انطلق الجانب الحيواني من 
عقاله يعريد كما يحلو لهء وكأن الشخص فى هذه الحالة هو مجرد حيوان!. 
فما كول إذا اساك هذا «الحيوان الأكبرة زهاة السلطة فى الدولة 19 
بل ماذا نقول إذا طالت مدة رتاسته لهذه الدولة؟! وما قولك في «أنه لا 


۹7 


الطاغيه 


يتقاعد أبداء فهو إما أن يموتء أو يطيح به شخص آخر!. يقول أفلاطون 
إنه كلما طالت مدة ممارسته للطغيان: ازدادت هذه الطبيعة تأصلا فيه.. 
وهكذا نجد أن الرجل الطاغية يشبه دولة الطغيانء مثلما أن الرجل 
الديمقراطى مشابه للدولة الديمقراطية وهكذا الحال فى الباقين . 

د-النفس الطاغية: 

الدولة والفرد» إذن: متشابهان: وكل منهما يثبين بأخوال الآخر: 
والدولة التي يحكمها طاغية لا يمكن أن تكون حرة» وإنما هي مستعبدة 
إلى أقصى حد. وإذا كانت الدولة مشابهة للفرد. فلابد أن تتغلغل هذه 
العبودية في نفس الفرد الطاغية أيضاء بحيث نجده يحمل نفسا 
وضيعة إلى أقصى حد» بل تهبط أشرف أجزاء نفسه إلى أدنى مرتبة من 
مراتب العبودية: علما بأن أخس هذه الأجزاء هو الذي يصبح سيدا مسيطرا 
على تصرهاته وسلوكه. ومن هنا كانت النفس التي يسيطر عليها الطغيان لا 
تفعل-بدورها-ما تريد» أعني ما تريده النفس بأسرهاء وإنما هي دائما 
مدفوعة بقوة الجوانب الوضيعة. وإذن فالنفس الطاغية لابد أن تكون فقيرة 
هزيلة يستبد بها الرعب» وتعاني الآلام والأنينء والشكوى, والتذمرا «فقيرة 
هي النفس التي تنظر إلى باطنها فتجد خواءء فتمتد إلى خارجها لتقتني ما 
يسد لها هذا الخواءء وماذا تقتني؟ تتصيد أناسا آخرين ذوي نفوس أخرى 
لتخضعهم لسلطانها! إنها علامة لا تخطىئ في تمييز أصحاب النفوس 
الفقيرة من سواهم. فحيثما وجدت طاغية-صغيرا كان أو كبيرا-فاعلم أن 
مصدر طغيانه هو فقر نفسه. إن المكتفي بنفسه لا يطغى. إن من يشعر في 
نفسه بثقة واطمثنان ليس في حاجة إلى دعامة من سواه وهكذا تكون 
النفس الطاغية فقيرة جدباء هزيلةء ويكون الرجل الطاغية أفقر وأتعس 
الناس أجمعين. لا يفوقه في تعاسته سوى الرجل الذي وضعته الأقدار هو 
وزوجته. وأطفالهء وعبيده. في صحراء قاحلة لا يجد فيها عونا من أحد, 
فيعيش في حالة من الرعب والهلع الشديد. مترقبا على الدوام أن يقوم 
عبيده باغتياله هو وأطفاله وزوجته فيضطر إلى تملق عبیده» واستمالتهم 
بالوعود!ء ولذا فسوف يظل الطاغية حبيس حشد هائل من المخاوف 
والرغبات97 . 

وهذا هو المحصول الوفير من الشرور التي يجنيها ذلك الذي يسيء 


98 


الطاغيه فى صورة الذئب 


التحكم في نفسه فيصبح أشقى الناس جميعاء وهو الرجل الطاغية الذي 
تسوقه الأقدارء فيأخن على عاتقه حكم الآخرين: مع أنه عاجز عن حكم 
نفسه! وكأنه مريض عاجز.ء لكن الأقدار تدفعه إلى أن يقضي بقية حياته 
مصارعا في المسابقات الرياضية بدلا من أن يلزم الفراش! وهو موقف 
يعبر عن خلف لا معقول. 

وشكذا نصل هع أهلاطون: إلى حقيضة مهمة..وهن آن الظاغية الحقيقي 
هو في واقع الأمر» وعلى خلاف ما يظن الناس» «عبد» بالمعنى الصحيح» بل 
هو شخص بلغ أقصى درجات العبوديةء مادامت دوافعه الحيوانية هي التي 
تسيطر عليه وتدفعه إلى تملق الناس 7*. وهو يقضي حياته في خوف 
مستمرء ويعاني على الدوام آلاما مرهقة؛ ويبدو أكثر الناس بؤساء بل يمكن 
أن نضيف إلى تلك الشرور شرا آخرء وهو أن السلطة تنمي كل مساوثهء 
وتجعله أشد حسدا وغدرا وظلماء وأقل أصدقاءء وأشد فجورا وأمعن في 
احتضان كل الرذائل.. الخ. مرة أخرى: ذلك كله يجعله أتعس الناس قاطبة, 
بل إن تعاسته هذه تجعله يفيض أيضا على كل من يحيط به. 

ويرتب أفلاطون الأنواع الخمسة من الطباع ليحدد الدرجات المتفاوتة 
من السعادة بادا بأسعد الجميع لتكون على النحو التالي: الطبع الملكي؛ ثم 
التيمقراطء والأوليجاركي» والديمقراطي» وأخيرا: الطاغية! 

ذلك لأن أسعد الناس هو أعدلهم وأصلحهم وهو أقربهم إلى الملكية 
الحقة (أو قل إنه الملك الفيلسوف!) وهو أقدرهم على حكم نفسه» ومن 
ثم على أن يكون ملكا على ذاته؛ قبل أن يكون ملكا على الآخرين!» على 
حين أن أشقى الناس هو أخبثهم وأوضعهم وأجدبهم نفسا وهو من 
كان الطغيان في طبعه. من ينظر في داخله فيجد خواء يسده 
بالبطش بالآخرين!: «فقيرة هي تلك النفوس التي تبطش بالأشياء 
والأشباغ بطش الصبيان كقيرقنيا ابا الملا جعي كلك التقوين :الك ل 


تخفف الوطء. لأنها لا تدري أن أديم الأرض هو من هده الأجساد!» 0 


9۹ 


هوامش الفصل الرابج 


A.Andewes: The Great Tyrants .م‎ 8. Hutchinson‘s University آنطعسضت)١(‎ 

(2) لابد من الانتباه جيدا إلى أن الديمقراطية التي يتحدث عنها أفلاطون لبست هي الديمقراطية 
الحقة بلء هي أقرب إلى الفوضى أو الديماجوجة أو حكم الغوغاء. وسوف نعود إلى هذا الموضوع 
فيما بعد. 

(3) قارن «جورج سارتون تاريخ العلم» ج 3 ص ١١2‏ . 

(4) قارن محاورة طيماوس لأفلاطون حيث يقول الكاهن المصري لصولون «أيها الإغريق أنتم ما 
زلتم أطفالا.. ولا تختلف أحداث بلادكم عن خرافات الصبية» 23- 1. 

D-M.Lately: Tyranny .م‎ 144(pelican Book) (5) 

)6( السؤال: لم يزج الطغاة بأنفسهم في عالم الثقافة. وهل هو تقدير دفين عندهم لهذا العالم آم 
هو إحساس بالدونية؟! يحتاج للإجابة عنه إلى بحث قائم بذاته! 

M.Lately: Op. Cit. P173.(7) 

(8) قصة الحضارة مجلد 7 ص 402 

M.Lately: Tyranny P173. (9) 

(10) ول ديورانت «قصة الحضارة» مجلد 7- ص 399 . 

(11) الرسالة السابعة 328 ب-ص ۱52 من ترجمة د. عبد الغفار مكاوي. وسوف نعود إلى هذه 
الفكرة بعد قليل. 

)12( راجع قصته في شيء من التفصيل وتشكيله حزبا ثالثا. وكيف اقنع «الجمعية الشعبية» 
بإعطائه حرسا استطاع بوساطتهم أن ينصب نفسه طاغية. وكف ارتدت الفتاة فيا 218 ملابس 
الإلهة آثيناء وأعلنت أنها هي التي نصيته طاغية.. الخ. كتاب أندروز «طغاة الإغريق». 
.115-.100. م A. Andrewes: The Greek Tyratns‏ 

(13) بل بمجرد الإفلات من قبضتهم» كما فعل المتنبي مع كافور الإخشيديء فجاء هجاؤه أروع 
بكثير من مديحه» لأنه كان أصدق بعد أن تحرر من جبروته! راجع كتاب طه حسين «مع المتنبي» 
ص 3277 وما يعدها ط 9 دار المعارف. 

M.Lately: Tyranny 2 .173.(14) 

(15) أفلاطون: الرسالة السابعة 327- آء والترجمة للدكتور عبد الغفار مكاوي فى كتايه «المنقذ: 
قراءة لقلب أغلاطون» ص ۱30- كتاب الهلال العدد 440 أغسطس 1987. 

(16) ول ديورانت قصة الحضارة مجلد 7 ص 402. 

(17) د. أحمد فؤاد الأهواني «أفلاطون» ص 19-18ء نوابغ الفكر الفربي عدد 5 دار المعارف 
بالقاهرة. 

(18) الرسالة السابعة 327- آء ترجمة د. عبد الغفار مكاوي ص 132-1. 

(19) الرسالة السابعة 327- آ-ترجمة د. عبد الغفار مكاوي ص (132-131. 

)20( المرجع نفسه 328 جص 132 من الترجمة العربية. 


الطاغيه فى صورة الذئب 


(21) المرجع نفسه (328 د)-ص 133 من الترجمة العربية. 

(22) المرجع نفسه (329- آ-) ص 134 من الترجمة العربية. 

(23) ولعل هذه الصورة هي التي بقيت في ذهن أفلاطون فيما بعد عندما وضع اللمسات الأخيرة 
لنظريته عن الطغيانء فذهب إلى أن الطاغية لا يتورع عن ضرب والديه وإهانتهما. فها هو 
الطاغية ينفي خاله «ديون» من جزيرة سيراقوصه على أبشع صورة وبطريقة مخجلة! 

(24) المرجع السابق 329- د-ص 135 من الترجمة العربية. 

(25) المرجع نفسه. 

(26) المرجع نفسه 338- ب (الترجمة العربية ص 152). 

(27) المرجع نفسه 338- ي (الترجمة العربية ص 153). 

(28) الرسالة السابعة 338. ج (الترجمة العربية ص .)١153‏ 

(29) المرجع نفسه. 

(30) قيل إن هذا الطاغية كتب رسالة في الميتافيزيقا أراد أن يميط فيها اللثام عن سمو آفلاطون. 
انظر كتاب أرنست باركر «النظرية السياسية عند اليونان» ط | ص 204. 

(31) العبارة تؤكد ما سبق أن ذكره أفلاطون من أن «توسلات الطغاة تقترن دائما بالتهديد»! 
(32) لعلنا نلاحظ قيم الفيلسوف الأخلاقية في مقابل غدر الطاغية وخيانته!! 

(33) «لكن كان من واجب الفيلسوف الحق أن يتحملهاء من أجل آلا يدع فرصة:؛ وإن كانت ضعيفة 
تفلت فه من أجل أن يهدي رئيس المدينة للفلسفة الحقيقية» جان جاك شوفالييه «تاريخ الفكر 
السياسي: من المدينة الدولة إلى الدولة القومية» ص 37 ترجمة محمد عرب صاصيلا-المؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع-بيروت عام 1985. 

(34) الرسالة السابعة 340- ب (ص 156 من الترجمة العربية). 

(35) الرسالة السابعة 350- آ-ج (ص 178 من الترجمة العربية). 

(36) ول ديورانت «قصة الحضارة» مجلد 7 ص 400. 

M.lately: Tyranny م‎ .213 .(37) 

68 عقدما ترا سا مهن مي يلاد الخرف وآرض االرهب والانتفياثة بالإتسان: وكل العيم التي 
عرفتها الحياة... الخ» قارن السفاح صن 6- الزهراء للاعلام العربي بالقاهرة-فكأننا نقراً ما يقوله 
ان بكدزيا عع سرا 

(39) على الرغم من أنه يمكن أن نتحدث عن «طغيان الأغلبية»-وسوف نعود إليه فيما بعد-أو 
طغيان آية جماعة حاكمة أخرى. فإن مصطلح الطاغية يطلق في العادة على الحاللات التي يسيء 
فيها حاكم فرد واحد استخدام السلطة السياسية. انظر: (27 The Encyclopedia Americana. . Vol.‏ 
art Tyranny P 330)‏ 

(46 التعذ» قراءة تغلب قاد طون س فة الل كحور عبد الغغان مكار وترجم.ة الرسالة السابة مخ 
مقدمة ودراسة-كتاب الهلال العدد 440- أغسطس 1987). 

(41) لم يكتف بعض الطغاة بمفكر أو فيلسوف. لكنه أراد أن يقيم مدينة للعباقرة. وآخر يخصص 
جاقزة باسمة هي الشعروالأدب والفكر عموما لأنه ديوتسيوسن الجديد راعي الثعافة والغتون 
والآداب!!. 

(42) إمام عبد الفتاح إمام «أفلاطون... والمرأة» ص 35 ومابعدها-حوليات كلية الآداب-الحولية 
الثانية عشرة /9١‏ 1992- جامعة الكويت. 


الطاغيه 


(43) الرسالة السابعة 325 د و 326 ب (الترجمة العربية ص 128) وقارن أيضا: جان جاك شوهاليه 
«تاريخ الفكر السياسي» ص 7- ترجمة د. محمد عرب صاصيلا-المؤسسة الجامعية للدراسات- 
بيروت. 
(44) لفظ يوناني مؤلف من مقطعين هما 5655نئة آي الآفضل والأحسن و1008 أي حكم. فهو حكم 
القلة الفاضلة. 
(45) مؤلفة من مقطعين يونانيين هما ٠۳١‏ بمعنى الشرف أو المجد و1808 أي حكم» فهو حكم 
المتطلعين إلى الشرف أو الطموحين إلى المجد. 
(46) مؤلفة من مقطعين 011805 قلة غنية وKatia‏ آي حکم» فهي حكومة القلة الغنية التي تعمل 
لصالحها الخاص. 
(47) مؤلفة من مقطعين 16:05 شعب و16:0018 آي حكم فهي حكم. الشعبء لكن أفلاطون يفهمها 
على أنها تعني حكم الجماهير أو الغوغاء. 
(48) قارن درا ليون شتراوس عن أفلاطون في كتاب. |6 History of Political Philosophy p‏ . 
(49) يروي هزيود آن الإلة يرومثيوس خلق الرجل وهاش وحيدا هي جنة دانية القطرف: كان 
العصر الذهبيء ثم بعد أن سرق النار وأعطاها للرجل خلق زيوس الفصول الأربعة فلم يعد الزمان 
ربيعا دائماء فانتقل الرجل إلى العصر الفضي» لكن عندما خلقت المرأة بدا العصر النحاسي بما 
جليته معها من أمراض وآفات. ثم كثرت المصائب فانتقل إلى العصر الحديدي حيث تغلغلت 
الخطيئّة. راجع بحثنا «أفلاطون.. والمرأة»ص 22. 
(50) أفلاطون «الجمهورية» 445 د (ص 331 من ترجمة الدكتور فؤاد زكريا). 
.61 . م Leo Strauss: History of Political Philosophy‏ )51( 
Ipid. p . 62.‏ )52( 
(53) أفلاطون «الجمهورية» 550 (الترجمة العربية ص 465- 466). وقارن بحثنا «أفلاطون.. والمرأة» 
ص 57 وما بعدها. 
(54) الجمهورية ا55 (الترجمة ص 466). 
Leo Strauss: History of Political Philosophy p.63 & City and Man p.130.‏ )55( 
(56) أرنست باركر «النظرية السياسية عند اليونان» الجزء الثاني ص -١136‏ 137 وهو یری أن صورة 
الرجل الأوليجاركي التي رسمها أفلاطون هي الصورة التي يتندر بها الساخرون عن الأخلاق 
الإنجليزية الان 
(57) الجمهورية 556 (الترجمة العربية ص 475-474). 
(58) هي نفسها الفكرة التي عبر عنها في القرن السابع عشر الأب جاك بوسيه (1704-1627) 
5 120165 بقوله «عندما يستطيع الكل فعل ما يشاؤون؛ فإن ذلك يعني ألا أحد يستطيع فعل 
ما يشاء؛ وعندما لا يكون هناك سيد» فإن الكل سيد» وحيث الكل سيد فالكل عبيد!». 
(59) غياب هذه الفكرة في فهم الديمقراطية التي يتحدث عنها أفلاطون على أنها الفوضوية؛ قد 
جعل بعض الباحثين يرفضون ظهور الطاغية من المرحلة الديمقراطية «القول بأن الاستبدادية 
تنبثق عن الديمقراطية: وأن المستبد قد جاء به الشعب. هو تحريف للواقع الملحوظ بنقل البحث 
إلى مجال التجريد» جان تشوار-تاريخ الفكر السياسي-ص 32- ترجمة د. علي مقلد-الدار العالمية 
للطباعة والنشر بيروت عام 1983. 
(60) آرنست باركر «النظرية السياسية عند اليونان»-الجزء الثاني-ص 142-41 . 


الطاغيه فى صورة الذئب 


(61) في هذه الأوقات العصيبة التي تنهار فيها تقاليد الحكم القديمة؛ وفي مثل هذا الجو من 
«اللاشرعية» ينفتح الطريق إلى التطور إما نحو الديمقراطية الحقة أو الدكتاتورية على نحو ما 
حدث في مصر قبل الثورة مباشرة؛ أي في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات: «وبذلك تنشأ 
الدكتاتورية؛ أو نظم الطغيان عموما في الأحوال التي تهينّ الحكم للديمقراطية. ذلك لأن التحول 
نحو هذه الأنظمة الدكتاتورية قد يكون سطحياء فيتغير مركز السلطة دون أن يتغير شكل الحكم 
ويحدث هذا التغير بانقلاب أو ثورة داخل قصر الملك» أو بتبديل عائلة بعائلة آخرى» روبوت 
ماكيفر «تكوين الدولة»-ص 278- 279 ترجمة د . حسن صعب-دار العلم للملايين 1984 . 

(62) قارن ما يقوله موريس دوفرجيه «يؤدي اضطراب الكيان الاجتماعي إلى ظهور الحكم الدكتاتوري 
وذلك عقب الحرب مثلاء أو خلال أو بعد الأزمات الاقتصادية أو أزمات متصلة بالتركيب الاجتماعي 
أو متعلقة بالنظام القائم» ص 34 في الدكتاتورية ترجمة د. هشام متولي منشورات عويدات: 
بيروت؛ ۱989 . 

(63) قارن البيان الأول الذي أصدرته حركة الانقلاب العسكري في مصر في 23 يوليو 1952 والذي 
يتحدث عن الفساد الذي سرى واستشرى في البلادء وكيف عجزت الحكومات آنذاك عن مواجهته 
وكيف أنهم هم وحدهم القادرون على إصلاحه. 

A.Andewes: The greek Tyrants م‎ .7 .)64( 

(65) المرجع السابق: وقد كتب أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا بمناسبة الانقلاب الذي أطاح برئيس 
تونس السابق الحبيب بورقيبة؛ مقالا طريفا في جريدة «الوطن» الكويتية يدعو فيه الحكام العرب 
إلى تقليد لاعبي الكرة الذين يعتزلون في سن معينة بدلا من الإطاحة بهم في سن متأخرة!! لكن 
للأسف لم يثبت ذلك في أي فترة من فترات تاريخنا القديم أو الحديث الذي حكم فيه الطغاة عن 
طريق الانقلابات العسكريةء ولك أن تقارن مثلا تاريخ الخلفاء الذي رواه جلال الدين السيوطي: 
أو البداية والنهاية لابن كثير!! 

(66) أرنست باركر: «النظرية السياسية عند اليونان» الجز الثاني ص 130 . 

(67) أغلاطون: «الجمهورية» 567 (ترجمة الدكتور فؤاد زكريا ص ا49). 

(68) ما يذكره آفلاطون يدعمه أمران في بلادنا الأول تحول الجيش إلى حرس جمهوري يحمي 
كرسي الحكم» والثاني اعتبار أي نقد يوجه للحاكم شخصيا نقدا يوجه للبلاد كلهاء وللشعب ذاته! 
وبالتالي فأي تآمر عليه هو ضد «مصلحة الشعب» لا ضد مصلحته هو!! 

(69) الجمهورية 567- ج (الترجمة العربية ص (49). هذا أمر في غاية الوضوح في معظم الدول 
العربية التي يدخل بعضها في حرب تلو الأخرى دونما نتيجة (كما فعل صدام في حرب السنوات 
الثماني مع إيران؛ ثم في غزوه للكويت-وكما فعلت مصر في الدخول في مغامرات لا معنى لها في 
أفريقياء وفي اليمنء كما كانت لحروبها مع إسرائيل نتائج بشعة!!). 

(70) جان توشار «تاريخ الفكر السياسي» ص 31 ترجمة د. على مقلد الدار العالمية للطباعة 
والنشر بيروت 1983. 

(71) أفلاطون: «الجمهورية» 566 (الترجمة العربية للدكتور / فؤاد زكريا ص 489) . 

(72) أقلاطون: «المرجع نفسه» 

(73) المرجع السابق. 

(74) أفلاطون: الجمهورية 567. 

(75) المرجع نفسه. 


الطاغيه 


(76) هذا يفسر لك «التطور الهائل» في أجهزة المخابرات عندنا! 

(77) أفلاطون: «الجمهورية» 567- ص 492 من ترجمة الدكتور فؤاد زكريا. 

(78) كان أفلاطون يتحدث عن تاريخنا القديم والوسيط والمعاصر! ! والأمثلة لا حصر لها: من 
تعذيب المنصور لأبي حنيفة؛ وحبسه»ء وجلده» ودس السم له في النهاية لأنه رفض ولاية القضاء؛ 
إلى جلده للأمام مالك وهو عاري الجسد» غير مستور العورة تشهيرا به لذكره حديثا عن الرسول 
لم يعجبه» إلى التطهير الذي قامت به ثورة يوليو في الجامعة وغيرها للتخلص مما هو نافع؛ كما 
يقول أغلاطون: إلى مظاهرات 1954 التي هتفت أمام مجلس الدولة: «يحيا الجهل» ويسقط 
العلم»»إلى ضرب فقيه مصر الأول الدكتور عبد الرزاق السنهوري في مكتبه؛ إلى مذبحة القضاء 
إلى القتل والسحل والتعذيب ونسف القرى كاملة؛. وضربها بالطيران والغازات السامة في العراق 
وغير العراق؛ إلى نبش القبور وإخراج الجثث وعظام الموتىء لإلقائها في البحرء لأن تراب الأرض 
الطاهر لا يأوي الخونة!. فظائع لا مثيل لها وكلها أمثلة تؤيد ما يقوله أغلاطون الذي يكاد يصف 
ما نعيش فيه !!. 

(79) حتى يتحول الجيش في النهاية إلى حرس جمهوري مهمته حماية الحاكم لا البلادء فإذا دخل 
حربا مني بهزيمة في غاية البشاعة لأنه لم يكن في برنامج تدريبه إلا الحراسة!! 

(80) أفلاطون: «الجمهورية» 567 (ص 492)ء وهذا هو تفسير الزيادات الهائلة فى رواتب العسكريين! 
(81) المرجع نفسه 568 (ص 493). 

(82) المرجع السابق» وقارن قول الأخطل لآل مروان: 

أعطاكم الله ما أنتم أحق به 

إذا الملوك على أمثاله اقترعوا 

وقول الفرزدق لهم أيضا أن الله جعلهم الخلفاء ونصرهم على أعدائهم: 

فالأرض لله ولاها خليفته 

وصاحب الله فيها غير مغلوب 

ومن ذلك الكثير في التراث العربي-فإذا أضفنا جريرا كان لديك شعراء السياسة في بني أمية 
«فقد كان الأخطل لسان الدفاع عن الدولة. وصحافي السياسة القائمة. كما أصبح رسول قومه 
لدي الدولةء وكان يعيش في البلاد ناعما بالحظوة والإكرام منادما ليزيد بن معاوية في شرب 
الخمور. ملازما له في الحج إلى البيت الحرام». الجامع في تاريخ الأدب العربي-ص 465- دار 
الجيل-بيروت 1986ء وكذلك «الأمويون والخلافة» للدكتور حسين عطوان ص 30 وما بعدها دار 
الجيل عام 1986ء ويقال الشيء نفسه عن الدولة العباسية وشعرائها!! 

(83) الجمهورية 568 (والترجمة ص 494). 

(84) الجمهورية 569 (الترجمة ص 494). 

(85) الجمهورية 569 (الترجمة العربية ص 495). 

(86) أغلاطون: «الجمهورية» 

(87) الجمهورية ا57 (الترجمة ص 497). 

(88) المرجع نفسه. 

(89) المرجع السابق نفسه. 

(90) كانت الخيزران آم «الهادي»الخليفة العباسي الرابع-سيدة تغدو المواكب إلى بابهاء فزجرها 
ابنها عن ذلك وكلمها بكلام وقح وقال: لن وقف ببابك أمير لأضربن عنقه. ثم بعث إليها بطعام 


104 


الطاغيه فى صورة الذئب 


مسموم» لكنها أطعمت منه كلبا فمات-فعمدت إلى قتله! تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 280. ونيرون 
(68- 37) ١0ء‏ إمبراطور روما 54- 68 اتبع في البداية نصائح معلمه الفيلسوف الرواقي الشهير 
2 ثم طغى فأجبر معلمه وأستاذه على أن ينتحر بقطع أحد شرايينه وقتل أمه؛ وقتل أوكتافيا : 
زوجته. وأحرق روما واتهم المسيحيين بحرقها .. وفي النهاية انتحر! 

(91) آفلاطون: «الجمهورية» 575- أ (الترجمة العربية ص .)50١‏ 

(92) الجمهورية 575- أ (ص 502). 

(93) المرجع السابق. والواقع أن أفلاطون يعبر هنا عما قاله المنصور في «حكمته الخالدة» «إذا مد 
عدوك إليك يده فاقطعها إن آمكنك. وإلا فقبلها!» تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 268. 

(94) الجمهورية 576- ب. 

(95) المرجع السابق 576- ج. 

(96) د . زكي نجيب محمود «.. والثورة على الأبواب» ص 77- الأنجلو المصريةء وباسمها الجديد 
«الكوميديا الأرضية» وقد أصدرتها دار الشروق. 

(97) أفلاطون: الجمهورية 576- د. 

(98) هي نفسها الفكرة التي سيذب إليها هيجل حين يقول إن الحاكم الشرقي هو الوحيد «الحر» 
لكنا لو تأملناه بدقة لوجدناه عبدا لغرائزه ولشهواته شأنه شأن الإنسان الطبيعي أو الإنسان في 
حالة الطبيعة. ومن هنا نراه يعارض بشدة فكرة «روسو» التي تذهب إلى أن الإنسان حر بالطبيعة 
ويقول إنه: على العكس عبد من زاويتين عبد للداخل أي لغرائزه وشهواته وانفعالاته.. الخ ثم هو 
عبد للخارج أعني أنه عبد لظواهر الطبيعة التي لا يعرف لها تفسيراء فالريح التي تقتلع كوخه لا 
يجد أمامه سوى عبادتها .. الخ. يقول إن الشرقيين لم يتوصلوا إلى أن الإنسان بها هو إنسان حر.. 
وكل ما عرفوه هو أن شخصا معينا حر.. لكن حرية ذلك الشخص الواحد لم تكن إلا نزوة 
شخصية وشراسة وانفعالا متهورا وحشيا.. ومن ثم فان هذا الشخص الواحد ليس إلا طاغية؛ لا 
إنسانا حرا..«العقل في التاريخ» ص 87 العدد الأول من المكتبة الهيجلية؛ دار التنوير-بيروت-ط 3- 
عام 1983 . وانظر معارضته لفكرة روسو التي تقول إن الإنسان حر بالطبيعة ص ١١2‏ وما بعدها من 
نفس المرجع السابق. وسوف نعود إلى هذه الفكرة في الفصل الأول من الباب الرابع. 

(99) د . زكي نجيب محموده ... والثورة على الأبواب»ص 82 وهو يتفق تماما مع فكرة أفلاطون التي 
تقول إن الطاغية صاحب نفس فقيرة خاوية: قارن مقاله «نفوس فقيرة» في هذا الكتاب. 


«نظرية أرسطو, 
«يتمثل الطغيان بمعناه 
الدقيق في الطغيان 
الشرقي» حيث نجد لدى 
الشعوب الأسيوية-على 
خلاف الشعوب الأوروبية- 
طبيعة العبيد. وهي لهذا 
تعمل حكم الطغاة بغير 
شكوى أو تذمر.. !» 

أرسطو: «السياسة, 1-1285 


الطاغية.. في صورة السيد 


أوكا: نكأة الد ولة: 

ريما كان أرسطو أول فيلسوف يأخذ. صراحة: 
فهو يذهب إلى أن الدولة ظهرت نتيجة لتطور 
تاريخى من الأسرة التى هى النواة الأولى فى بناء 
المجتمع. وقد نشأت الأسرة نتيجة للحاجات 
طبيعته» ('2. فضلا عن الحاجة إلى الطعام والمسكن 
به على نحو ما أشار أفلاطون من قبل . وهكذا 
كانت الأسرة أسبق الجماعات إلى الظهورء إذ 
الأصل أن يجتمع كائنان لا غنى للواحد منهما عن 
والأنثى موجود عند الحيوان» بل والنبات أيضاء 
الذي يدفع الموجود أن يخلف يعده موجودا على 
مور قة 00 

ويظل الأفراد يعيشون فى أسر منعزلة ما داموا 


107 


الطاغيه 


لا يشعرون بالحاجة إلى إشباع رغبات جديدة أكثر من الحاجات اليومية, 
فالأسرة كفيلة بإشباع الحاجات الضرورية؛ فإذا ظهرت حاجات أو رغبات 
أخرى مثل حماية الأفراد داخل الأسرة من الهجمات التي تشنها الأسر 
الأخرى. أو خطر الحيوانات المفترسةء فإن الحاجة تصبح ماسة لتجمع 
الأسر واتحادها في مجتمع أعلى وهو القرية: التي يصفها أرسطو بأنها 
«المستعمرة الطبيعية للأسرة» لأن الأفراد الذين يعمرونها «قد رضعوا من 
لبن واحد للأبناء وأبناء الأبناء»» وتلك هي ثانية مراحل الاجتماع. 

أما المرحلة الثالثة. بعد الأسرة والقرية» فهي اجتماع عدة قرى لتتكون 
منها المدينة أو الدولة. وهي أرقى الجماعات البشرية لأنها تستطيع أن 
تكفل نفسها بنفسهاء وتضمن للأفراد حياة سعيدةء فالسياسة عند أرسطو 
«هي علم السعادة الاجتماعية». كما أن «الأخلاق» هي علم السعادة الفردية. 
ووظيفة الدولة أن تحقق أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من المواطنين. 
وهكذا يتبين لنا أن الدولة هي تطور طبيعي من الأسرة والقريةء غير أن 
التطور هنا لا يقتصر على «الكم» أو عدد السكان» بل يشمل «الكيف» أيضاء 
فالصفة المميزة للدولة هي أنها على الرغم من أنها توفر الظروف اللازمة 
للحاجات الضرورية (التي كانت تقوم بها الأسرة)ء فإنها تستمر في تحقيق 
حماية الأفراد في الداخل والخارج (وهو ما كانت تفعله وحدة الأسر في 
القرية) ثم تسير نحو غاية أعلى وتشبع جوانب عليا في الإنسان حين توفر 
له الحياة الفاضلة في مجتمع أكثر تمديناء وأقرب إلى الطبيعة الحقة 
للانسان. صحيح أن الإنسان بطبيعته حيوان سياسي «فهو المخلوق الوحيد 
الذي يميل إلى الحياة في مدينةء ويخضع نفسه للقوانين؛ لكنه أيضا المخلوق 
الوحيد الذي ينتج العلم؛ والفن» والدين». وجميع مظاهر الحضارة. وهي 
أمور تدل على كمال التطور البشريء ولا يستطيع الإنسان تحقيقها إلا في 
مجتمع المدينة أو الدولة. ومن يستطيع الحياة خارج المدينة. وليس به حاجة 
لأنه مكتف بنفسه بالفعل: إما أن يكون حيوانا أو إلها.. 5(0. 

وهكذا نجد أن الدولة هي الهدف النهائي للاجتماع البشريء وإن جاءت 
متأخرة من حيث الزمان: إلا أن لها الأولوية لأنها غاية المراحل السايقة: «لما 
كانت الدولة إتماما لتجمعات توجد بالطبيعةء فإن كل دولة إنما توجد 
بالطبيعة كذلك. أعني أن لها الكيف نفسه الذي للجماعات الأولى التي 


الطاغيه... فى صورة السيد 


نشأت عنهاء إنها الغاية أو القمة التي تتحرك نحوها هذه الجماعات. 
وطبيعة الأشياء تكمن في غايتها أو قمتهاء لأن كل لشيء عندما يكتمل 
تطوره» فإننا نسميه بطبيعة هذا الشيء؛ سواء أكان ذلك بالنسبة للانسان 
أو الحصان أو الأسرة. 

وهكذا تكون الدولة طبيعية لا لأنها تطورت من تجمعات طبيعية فحسب» 
بل لأنها طبيعية في ذاتها أيضا بوصفها غاية تطور الإنسان. ولا كانت 
الطبيعة لا تفعل شيتا باطلاء فان الغاية أو العلة الغائية هي الأفضل, 
والاكتفاء الذاتي» وهو الهدف الذي تريد الدولة أن تحققه هو الغايةء وبالتالي 
هو الأفضلء وبناء على ذلك فإن الدولة تحقق الأفضلء وهي من ثم طبيعيةء 
مادامت الطبيعة تستهدف الأفضل دائما . 


خاضيا ا لسلطة : 

Sa ا‎ ah 
e GAS yS وعلينا‎ 
في المنزل ثلاث علاقات تمثل ثلاث سلطات «أول عناصر المنزل وأبسطها‎ 
هي العلاقة بين السيد والعبدء ثم الرابطة بين الزوج والزوجةء وأخيرا بين‎ 
الأب وأطفاله. ومن ثم فإن علينا أن ندرس كل علاقة من هذه العلاقات‎ 
. الثلاث. فاحصين طبيعتها والخصائص التي ينبغي أن تكون لهاء‎ 

هناك من يخلط بين هذه السلطات؛ فيعتقد أن العلاقة بين السيد 
والعبد» وسلطة الزوج على زوجتهء وسلطة الأب على أطفاله هي كلها من 
طبيعة واحدة. ثم يربطون بينها وبين سلطة السياسي أو رجل الدولةء وكذلك 
الملك في مملكته” . ويذهبون إلى أن الاختلاف بينهاء ليس في النوع؛ بل 
في عدد الأشخاص الذين يتعامل معهم'. فمن تعامل مع قلة من الأشخاص 
فهو «سيد» ومن تعامل مع عدد أكبر فهو «رب المنزل» ومن تعامل مع عدد 
أكبر فهو السياسي أو الملك"''. ومثل هذه النظرة تلغي تماما التفرقة بين 
«المنزل الكبير» و«الدولة الصغيرة»! .وهي نظرية لا يمكن أن تكون صحيحة 
إذ إن بين هؤلاء الاشحام كروت فر وتي ذلك أن الدولة شالف 
من أنواع مختلفة من الناس بيذ بينهم بالضرورة اختلافات كبيرة في القدرات» 


1١09 


الطاغيه 


وهو اختلاف مهم» لأنه يمكنهم من أن يكمل بعضهم بعضاء لكي يبلغوا حياة 
أكمل وأفضل من حياة القرى المنعزلة والمتصلة.. باختصار الدولة هي اتحاد 
حقيقي بين عناصر مختلفة في النوء'. 

أولا: علاقة السيد والعيد: 

يعتقد أرسطو أن هناك أناسا مهيئين بطبيعتهم لأن يكونوا عبيداء ذلك 
لأن التفرقة بين الأعلى والأدنى موجودة في الطبيعة وفي جميع الأشياء: 
بين النفس والبدن. فالنفس أعلى من البدنء وبالتالي كان من الطبيعي أن 
تسيطر عليه وأن توجهه. وقل مثل ذلك في التفرقة بين الإنسان والحيوان 
بعامة. وبين الذكر والآنثى بصفة خاصة. وأينما وجدت هذه التفرقةء فإن 
من الأفضل أن يحكم الجانب الأعلى؛ وأن يطيع الجانب الأدنى. ومن هنا 
نجد أن بعض الناس هم بطبيعتهم «سادة» وبعضهم الآخر «عبيد» فالرق 
بالنسبة لهؤلاء نافع بقدر ما هو عادل. وينتهي أرسطو من ذلك الحد الحكم 
على بعض الأجناس بأنهم رقيق بالطبع؛ والبعض الآخر أحرارء وقد خص 
الإغريق بأنهم سادة لا يجوز استرقاقهم» لأنهم ورثوا الروح العالية والشجاعة 
التي تميز بهما أهل الشمالء والذكاء الذي تميز به الشرقيون“'. 

ثانيا: علاقة الزوج بزوجته: 

المرأة بطبيعتها أدنى من الرجل؛ ولهذا كان من الطبيعي أن يحكمها 
الرجلء وهو قانون صارم يسري على موجودات الطبيعة أيا كان نوعها 
عضوية أو غير عضوية؛ ويقول إن الأعلى يحكم الأدنى. 

والحق أن أرسطو يستعير مصطاحات السياسة ليطبقها على الكون: أو 
يأخذ من تسلسل مراتب الموجودات-آعني هيراركية الكون-مبداً يطبقه على 
الدؤلة بيك لا ضرف على وج الدقة أبهما يسين الأخرة فإن فضا إن 
فكرة التسلسل التصاعدي فكرة ميتافيزيقيةء وهي بمثابة الدعامة للفلسفة 
السياسية؛ وجدناه يستخدم مصطلحات كالحاكم والسكرسزوالاك والرعاياء 
والأرستقراطية.. . الخ يستحيل أن تكون في مجال آخر غير مجال السياسة! 
فهو يذهب مثلا إلى أن «الموجودات الجامدة هي الأدنى» ولهذا تسيطر 
عليها وتحكمها الكاتنات الحية؛ والنفس هي التي تحكم الجسد الذي هو 
بطبيعته محكوم.. . الخ '. 

ومن هذه الزاوية نراه يعقد مقارنة بين العلاقات في المنزل وأشكال 


الطاغيه... فى صورة السيد 


الحكم في الدولة! يقول: «ونحن نجد لأنواع هذه العلاقات شبيها في المنزل 
أيضا: فعلاقة الأب بأبنائه تتخذ شكل النظام الملكيء» لأن الأب كالملك. 
معني بسعادة أبناته. وهذا هو السبب الذي جعل هوميروس يسمي زيوس 
2s‏ ب «زيوس الأب». لأن المثل الأعلى للملك أن يكون حكمه أبويا'. 
لكننا نجد بين الفرس أن الحاكم الأبوي يشبه الطاغية؛ لأنهم يعاملون 
أبناءهم معاملة العبيد'. 

وعلاقة السيد بالعبد هي أيضا أشبه بحكم الطغيان: مادام السيد هنا 
كالطاغية. يستخدم العبيد فيما يفيده هو لا ما يفيد العبد. 

وهذه فيما يبدو علاقة طبيعية سليمة؛ أما العلاقة الفارسية (علاقة 
الأب بأبناته) فهى خاطئة لأن هناك أنواعا مختلفة من الرعايا يحتاجون 
لأنواع مختلفة اك 

وأما العلاقة بين الزوج والزوجة فمن الواضح أنها تشبه صورة الحكم 
الأرستقراطي» فالرجل يحكم بما له من جدارة واستحقاق» وفي ميدان هو 
ميدانه؛ وإن كان يعطي زوجته الموضوعات التي تناسبها . فإذا ما أكد الرجل 
سيار قم علي كل :ف وال فطاع ت إلى ]ييه اکم الأرليجا ركن. 
لاتفاق ذلك الحكم ومطابقته لتفوقه وسمود('. 

لكن في بعض الحالات نجد الزوجة هي التي تحكم بسبب أنها الوريث 
الوحيد. ومن ثم فإن مثل هذا الحكم لا يقوم على الجدارة والاستحقاق, 
وإنما على الثروة والقوة كما هي الحال في الحكم الأوليجاركي( . 

أما العلاقة بين الإخوة فهي تشبه النظام التيموقراطي Timorcacy‏ لأنهم 
أنداد باستثناء اختلاف أعمارهم» ولهذا فلو كانت الفوارق في أعمارهم 
كبيرة فإن صداقتهم لا تصلح أن تكون أخوية. 

أما نظام الحكم الديمقراطي» فإنما يعبر عنه تعبيرا كاملا في المنزل 
الذي لا يكون له سيت 

فها هنا يكون الأعضاء متساوين جميعاء ويوجد هذا النظام أيضا 
عندما يكون رب الأسرة ضيفاء بحيث يستطيع كل فرد من أفراد الأسرة أن 
يسير على هواه! ء ونحن نجده هنا يفهم الديمقراطية فهما يقترب من 
فهم أستاذه لهاء فهي أقرب ما تكون إلى الفوضى التي يصبح معها كل فرد 
حرا في سلوكه وتصرفاته. 


الطاغيه 


خالثا: أشكال الحكم 

درس آرسطوء مع تلاميذه, مجموعة كبيرة من الدساتير بلغت 58ا 
دستوراء لم يصل إلينا منهاء همع ألا شف سوی دستور واحد هو «دستور 
الأثينيين» الذي يتحدث عن تطور الحكم في مدينة أثيناء في عهود مختلفة, 
بشيء من التفصيل. 

حرص أرسطو على أن يفرق بين الدولة والحكومة. من حيث إن الأولى 
مجموعة من المواطنين يعيشون على قطعة معينة من الأرض.. وهو يبدأ 
بتعريف المواطن فيقول: «لا يكون المرء مواطنا بفضل الإقامة في المكان 
فحسب. وذلك لأن الأجانب والعبيد يشاركون في الإقامة أيضا مع المواطنين 
لكنهم ليسوا مواطنين !..» . وينتهي إلى أنه «لا شيء يعطي المواطن 
صفة المواطنة الكاملة إلا المشاركة فى الأمور التشريعية والتنفيذية.. . 
ال . 

أما الحكومة فهي الفئة التي تتولى تنظيم أمور الدولة والإشراف على 
الوظائف العامة وهذه الفئة تختلف أشكالها باختلاف الهدف الذى تسعى 
إلى تحقيقه» كما تختلف أيضا باختلاف عدد القائمين بالحكم. فمن حيث 
الهدف قد تكون الحكومة صالحة أو فاسدة: فأما الحكومة الصالحة فهى 
التي تعمل لصالح المواطنين جميعاء فغايتها تحقيق سعادة الكل في حين أن 
الحكومة الفاسدة هي التي تتوخى مصلحة من يقومون بالحكم» وتدبر 
شؤون الدولة وفقا لمصالحها الخاصةء وغلى حساب مصالح المجموع, 
وتضرب برغبات المواطنين عرض الحائط. أما من حيث عدد الحكام فقد 
يكون الحاكم فردا أو قلة من الأفراد أو كثرة . 

ولو أننا جمعنا المعيارين معا-الكمي والكيفي-لأمكن تقسيم أشكال الحكم 
التالى: 

أ- الأشكال الصالحة: 

-١‏ النظام الملكي: حيث يكون الحاكم فرداء لكنه يحكم وفقا للقانون 
ويستهدف الصالح العام. 

2- النظام الأرستقراطي: حيث تكون السلطة في يد قلة متميزة من 
جميع الوجوه» وهي تحكم أيضا طبقا للقانونء وتستهدف الصالح العام. 


الطاغيه... فى صورة السيد 


3- النظام الدستوري أو البوليتيا دزءاناه كل: وفيه تكون السلطة للأغلبية. 

ب- الأشكال الفاسدة: 

-١‏ الطاغية: حيث يكون الحاكم فردا يستغل السلطة لمصلحته الشخصية 
دون أن يتقيد بقانون» ورغم إرادة المحكومين. 

2- النظام الأوليجاركي: حيث تكون السلطة في يد أقلية متميزة من 
حيث الثراءء أي حكم الأغنياء لمصلحتهم الخاصة. 

3- النظام الديماجوجي (الغوغائي): وفيه تكون السلطة للأغلبية من 
الفقراء ويستغلونها ضد الأغنياء. 

ويمكن أن نلخص أشكال الحكم عند أرسطو في الجدول التالي: 





(25) 


أشكال الحكم عند أرسطو 
ويهمنا من هذه الأنظمة في المقام الأول نظام الفرد الواحد «الملكية- 
الفرد الصالح-والطغيان-الفرد الفاسد . ويرى أرسطو أن هناك خمسة أنواع 
من النظام الملكي هي على النحو التالي: 
|- النظام الملكي الذي نص عليه دستور إسبرطة؛ وهو أول أنواع الملكية. 
وينظر إليه عادة على أنه أقوى أشكال النظام الملكي الدستوري» فهي ليست 
ملكية مطلقة السيادة. وهناك ملكان في إسبرطة يحكمان في آن معاء 
لكنهما لا يشرفان على كل شيء.؛ بل لهما سلطة فيادة الجيش في الحرب» 
أعني أنهما يديران المعارك عندما يكونان خارج البلاد-أي خارج الأرض 
الإسبرطية. كما أن لهما الحق في الإشراف على الطقوس الدينيةء لكن 


الطاغيه 


ليس من حقهما إصدار الحكم بالإعدام «أو سلطة الحياة والموت* . 

2- هناك نوع آخر من النظام الملكي يوجد عند الشعوب غير المتحضرة- 
البرابرة أو غير اليونانيين بصفة عامة. والملك فى هذا الضرب من الملكية 
يسك فی ديه جميع السلطاك: وهو لهذا قريب الشبه بالطفيان: لكنه لا 
يزال نظاما دستورياء فهي ملكية وراثية يتولى فيها الابن عرش أبيه. 

والحق أن النظام الملكي عند الشعوب غير المتحضرة يحمل سمة الطغيان 
لاسيما عند الشعوب الآسيوية. لأن هذه الشعوب غير المتحضرة لديها 
طبيعة العبيد. وهي طبيعة غير موجودة عند الشعب اليونانيء ولهذا فإننا 
نجد الشعوب الآسيوية التي تتسم بسمة العبيد أكثر من شعوب أوروباء 
تتحمل الحكم الاستبدادي» وكذلك الطغيان بغير شكوى أو تذمر”. 

3- هناك شكل ثالث من أشكال الحكم الفردي عرفه اليونانيون القدامى, 
وهو يشمل من يسمون «بالدكتاتورية» (أو القضاة) . وهذا النوع من الملكية 
يمكن أن يكون» على وجه التقريب» شكلا من أشكال الطغيان المنتخب أو 
المختارء وهو-مرة أخرى-يختلف عن النظام الملكي عند الشعوب غير المتحضرة 
ليس في أنه غير دستوريء بل في أنه غير وراثي. فبعض الدكتاتوريين 
يتقلدون مناصبهم مدى الحياةء وبعضهم الآخر لفترة محدودة أو للقيام 
بمهام معينةء فلقد تم اختيار بتاكوس 21305 في مدينة ميتلين عم16 111 
ليصد هجمات المنفيين والمبعدين: الذين كان يقودهم آنتمیدس 5علأع نامف 
والشاعر الغنائي الكايوس!”2 كناءهء41 . 

هذه الدكتاتوريات القديمة كانت ولا تزال تحمل طابعا مزدوجاء فهم 
طغاة من حيث ما لديهم من سلطة استبداديةء أي من حيث انفرادهم 
بالحكم» ولكنهم ملوك من حيث إنهم مختارون يستندون إلى رضاء المواطنين 
وموافقتهم. 

4- لكن هناك نوعا رابعا من النظام الملكي» وهو النظام الذي ساد في 
العصر البطوليء وكان نظاما دستوريا يعتمد على رضاء المحكومين, وينحدر 
من الأب إلى أبنائه. وكان مؤسسو الأسر المالكة محسنين لشعوبهم في 
الفنون وفي الحروب» وقد احتفظوا بثلاث وظائف من وظائف السيادة: 

- فهم قادة في الحروب. 

ب-وهم قضاة يحكمون في الدعاوى القانونية. 


114 


الطاغيه... فى صورة السيد 


ل 0 تقديم القرابين بحيث لا يحتاجون إلى كاهن. 

ولقد استمتعوا في العصور الغابرة بسلطة دائمةء وأشرفوا على شؤون 
الدولة الداخلية والخارجية ثم تغير الوضع مع نهاية هذه العصور حيث 
تقلصت هذه المميزات. فبعضها تخلى الملوك عنه طواعية؛ وبعضها الآخر 
استولى عليه الشعب. والشيء الوحيد الذي ترك لهم في النهاية هو الإشراف 
التقليدي على تقديم القرابين للآلهة. وحتى في الأوقات التي كان يقال 
فيها إن النظام الملكي لا يزال له وجود حقيقي» فإن السلطة الوحيدة الفعالة 
التي كانت للملك هي سلطة القائد العسكري إبان الحملات الخارجية. 

5- لكن لا تزال هناك صورة خامسة تختلف عن الصور الأربع السابقة 
وهي الصورة المطلقةء أعني التي هي ضرب من الحكم المطلق. حيث يكون 
لشخص واحد السيادة على جميع المواطنين» وفي شتى المسائل؛ وفي جميع 
الأمور. وهي تناظر الحكم الأبوي في العائلةء فكما أن سلطة الأب هي 
ضرب من الملكية في الأسرة, فكذلك النظام الملكي الذي تتحدك غنه الآن 
هو صورة من إدارة الأسرة مطبقة على مدينة أو قبيلة أو مجموعة من 
القبائل. 

ولما كان الملك في هذه الصورة الأخيرة يسيطر على جميع الأمورء ولما 
كانت له السيادة فى شتى الموضوعات والمواقفء. فإن ملكا من هذا القبيل 
اهو کد و الات الشامل» 5ناء825:1 ۴۵ وهو مصطلح يعني عند 
أرسطو الملك صاحب السلطة الشاملة التي يمكن مقارنتها بوضع الأب 
الذي يمارس سلطات شاملة مماثلة على جميع أفراد الأسرةء فالواقع أن 
السيادة هنا سيادة أخلاقية يتمتع بها «كبير العائلة»!. وسيادة الأب هنا 
تشبه نظرية بودان «1له8 أو نظرية فلمر ۴1٣٥۲‏ وسوف نتحدث عن الأخير 
بشيء من التفصيل فيما بعد. 


رابعا: الطاغية 

-١‏ أنواع الطغيان: 

يرى أرسطو أن الطغيان صورة من صور الحكم الفردي عندما يتحول 
إلى حكم سيى ينفرد فيه صاحبه بالسلطة دون حسيب ولا رقيب» فلا يكون 
هناك قانون يحكم بل إرادة الفرد . وهناك ثلاثة أنواع تتدرج في السوء وإن 


الطاغيه 


اشتركت كلها في التفرد بالحكم: 

النوع الأول: ما سبق أن تحدثنا عنه في النظام الملكي وهو الدكتاتور 
الذي يختاره الشعب للقيام بمهام معينةء ولفترة محددةء على نحو ما حدث 
عند الإغريق في فترة مبكرة من تاريخهم””. وهو ما يمكن أن نسميه بلغتنا 
الحديثة «الحاكم العسكري العام» عندما تفرض الأحكام العرفية في بلد 
ما بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو انتشار أمراض وبائية.. الخ. 
ويحتاج الأمر إلى قرارات سريعةء وهو ضرب من الحكم وجد عند الرومان 
أيضاء قد لا يكون سيئاء اللهم إلا إذا خرج فيه صاحبه عن المهام الموكولة 
إليهء أو تجاوز حدود المدة الزمنية فاستمر في الانفراد بالحكم ‏ . 

النوع الثاني: النظام الملكي المطلق الموجود عند «البرابرة» على نحو ما 
هو موجود متلا في الإمبراطورية الفارسيةء حيث نجد سلطة الملك مطلقة 
لا يقيدها عرف ولا قانون» وهذا الضرب من الحكم يقول عنه أرسطو إنه 
«نصف ملكية» ونصف طغيان:< نصف ملكية لأن الحاكم هنا لم يفتصب 
الحكم» وإنما تولاه بناء على أساس شرعي عندما ورثه عن أبيه. ونصف 
طغيان لأن الحاكم يسلك بمزاج السيد الذي يسيطر على عبيده» فالحكم 
يسير طبقا لإرادة الحاكم وحدها!2©. 

النوع الثالث: الشكل الثالث من الطغيان هو ما يفهم عادة من هذا 
المصطلح. وهو الذي يستحق فعلا هذا الاسم فالحاكم هنا يحكم حكما 
مطلقا بلا رقيب ولا حسيب ولا مسؤولية من أي نوع: إنه السيد الأوحد 
الذي يحكم لمصلحته الشخصية, ولأهدافه الخاصة وحدهاء فالنوع السابق 
من الطغيان قد ينفرد فيه الحاكم بالحكم» لكنه قد يضع في ذهنه مصلحة 
الناس والخير العام للشعب. أما في الشكل الثالث فإننا نجد الحاكم لا 
يكترث لشيء سوى صالحه الخاص: ذلك هو الحكم الفردي الذي يتسلط 
فيه الطاغية بلا مسؤولية على مواطنين أنداد له بل قد يفضلونه؛ ويتولى 
فيه السلطة لمصلحته الشخصية لا لمصلحة المحكومينء بل دون أن يهتم 
أدنى اهتمام بمصالحهم الشخصية؛ وهذا ما يجعله حكما بالإكراهء إذ لا 
يخضع أحد من الأحرار طوعا لهذا الحكه . 

ولما كان هذا حكما بالإكراه فإن الطاغية في هذا الضرب من الحكم 
يغتصب السلطة اغتصابا دون أن يكترث برضا المواطنين: إنه يصل إلى 


16 


الطاغيه... فى صورة السيد 


الحكم بالقوة المسلحة أو بحد السيف.. . الخ. دون أن يستند إلى أي حق 
شرعي في توليها. 

وذلك هو تعريف الطاغية الذي ساد الفكر السياسي الأوروبي بعد 
ذلك. يقول جون لوك معرفا الطغيان تعريفا يكاد يكون هو نفسه تعريف 
أرسطو: «إذا كان الاغتصاب هو ممارسة إنسان ما لسلطة ليست من حقه؛ 
فإن الطغيان هو ممارسة سلطة لا تستند إلى أي حق» ويستحيل أن تكون 
حقا لإنسان ما . والخاصية الثانية التي سادت الفكر الأوروبي وأخذت 
عن أرسطو أيضا هي أن الطاغية يستخدم السلطة التي انفرد بها لصالحه 
الخاص. يقول الملك جيمس في خطاب أمام البرلمان الإنجليزي سنة 21630 
«إن الفرق بين الملك والطاغية هو أن الأول يجعل من القوانين حدا تنتهي 
عنده سلطته؛ كما أنه يجعل من خير المجموع الغرض الأساسي لحكمه» أما 
الطاغية فلا حد لسلطانه؛ كما أنه يسخر كل شيء لإرادته ورغباته)(6©. 
وإن كان من الممكن الجمع بين هاتين الخاصيتين في خاصية واحدة فهي 
«عدم المساءلة». فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!. وإذا كان طغاة 
اليونان كانوا يشبعون شهواتهم ومصالحهم الخاصة؛ فقد تكون شهوات 
طفغاة اليوم أوسع وأعمق كتكوين إمبراطورية؛ أو إقامة أمجاد زائفة لأنفسهم 
أو إعادة فكرة تاريخية عفا عليها الزمان!. 

2- اختلاف الطغيان عن النظام الملكي: 

يعتقد أرسطو أن الطغيان هو أسوأ أشكال الحكومات كلهاء فحكومة 
الطاغية تجمع مساوئ وانحرافات وعيوب الحكومتين الأوليجاركية 
والديماجوجية؛ ولهذا كانت أشد منهما ضررا على رعاياها!0©. 

وإذا كان أرسطو دائم الحديث عن الطفيان في النظام الملكي بل والربط 
والمقارنة بينهماء فإننا نراه ينبهنا الحد أنهما إذا كانا متشابهين: فإن بينهما 
فروقا أساسيةء واختلافات مهمة؛ يمكن أن نذكر بعضها على النحو التالي!8©: 

أ- من حيث المنشأء فإننا نجد أن الملوك قد نشأوا في أسر رفيعة 
وخرجوا من طبقات علياء وهم مع ذلك يحمون بطبيعتهم الطبقات الشعبية, 
ذلك لأنهم يعتمدون في حكمهم على السموء السمو الشخصيء وسمو الأسرة 
في الخلق والسلوك. 

ب- أما الطغاة فقد نشأواء على العكسء في أجواء دنياء فقد خرجوا من 


117 


الطاغيه 


الطبقات الشعبية ومن الجماهيرء ولهذا استهدفوا في الأعم الأغلب حماية 
الجماهير الذين خرجوا من بينهم ضد طبقة النبلاء والأشراف (ويبدو أن 
أرسطو متأثر هنا بفكرة أفلاطون القائلة بخروج نظام الطاغية من 
الديمقراطية أو الغوغاء!). فالطاغية يظهر لإنقاذ الجماهير وهو يتولى 
الحكم بدعوى رفع الظلم الواقع عليها. ويرى أرسطو أن سجلات التاريخ 
تشهد بهذه الواقعة, أو يمكن القول بحق إن معظم الطغاة بدأوا حياتهم 
ديماجوجيين: ثم اكتسبوا ثقة الشعب بافتراءاتهم ضد طبقة النبلاء. 

بل إن الطاغية قد يلجأ إلى إشاعة الفوضى والبلبلة والاضطراب» حتى 
يشعر الجماهير بحاجتها إليه وحمايتها من طبقة الأغنياء التي تستولي 
على حقوقها!. 

جد لكن أرسطو ينبهنا إلى أنه ليست هذه هي الطريقة الوحيدة نشا 
الطغاةء فعلى الرغم من أن العدد الأكبر من الطغاة نشأوا بهذه الطريقة فى 
الأمة التي كانت بها الطبقات الشعبية قوية في الدولةء فإن هناك 5 
الطغاة في فترات أكثر قدما نشأوا بطرق مختلفة. فقد استمد بعض الطغاة 
مصدره من طموحات الملوك الذين انتهكوا الحدود التقليدية لقوانين بلادهم 
فطمعوا في اكتساب سلطة استبدادية ومعظم نظم الطغيان الأخرى أسسها 
رجال أصلاء انتخبهم الشعب في البداية لمهمات عليا». فالملوك قد 
ينقلبون طفغاة إذا لم يتقيدوا بالقوانينء والحاكم العسكري قد ينتهز الفرصة 
فيمد السلطة الممنوحة له لأداء مهمة معينةء ويتولاها طيلة حياته؛ ويسخرها 
لأغراضه هوا بل قد يخرج الطاغية من قلب النظام الأوليجاركي (حكم 
القلة الغنية): عندما تختار هذه القلة شخصا معينا تمنحه اختصاصات 
سياسية واسعة إلى أقص حد.ء كالإشراف على شؤون الدولة ومراقبتها. 

وفي جميع هذه الحالات تسنح الفرصة لشخص من الأشخاص 
الطموحين ليصبح طاغية إذا أرادء فقد يتاح له أن توضع السلطة كلها في 
يديه أوقد يخضع لسطوة المنصب:ء لاسيما إذا كان من المناصب العليا أو 
السامية.. وقد حدث ذلك طوال التاريخ اليوناني القديم في كثير من المدن 
اليونانية. وعلى هذا النحو اصبح فيدون 7061000 طاغية لمدينة أرجوس 40 
5 وقد يبدا الحاكم ملكا ثم يتحول إلى طاغية؛. على نحو ما حدث 


لطغاة أيونيا ده[ وفلاريس اهاه طاغية مدينة أجريجنته!!* 


الطاغيه... فى صورة السيد 
Argent‏ فقد استغلوا مناصيهم جسرا تللم 420 

3- الملك والطاغية: 

يعقد أرسطو مقارنة مهمة بين الملك والطاغية لأنها ترددت كثيرا في 
الفكر السياسي الغربي بعد ذلك. ويمكن أن نوجز أهم نقاطها فيما يلي: 
يحاول قط أن يلحق بالغالبية العظمى من الناس أي أذى أو إهانة. 

بد أما الطاغية فهو على العكس لا يهتم إلا يمنافعه الشخصية. إن 
هدف الطاغية هو المتعة والاستمتاع؛ في حين أن هدف الملك هو الفضيلة 
والخير. 

ج- يطمع الطاغية في المال أو الثروة أو الجاه أو المجد في حين يطمع 
الملك إلى الخير والشرف والفضيلة. 

د- يعتمد الطاغية في حراسته على المرتزقة من الأجانب» في حين 
يعتمد الملك في حراسته على المواطنين”. وهنا لابد أن نتوقف قليلاء لأن 
الطاغية في بلادنا قد لا يعتمد على المرتزقة من الأجانب كما يشير أرسطو 
(رغم أن بعضهم كان يعتمد على المستعمر الأجنبي في القرن الماضي!): 
لكنه قد يستخدم مواطنين مرتشين يعطيهم مناصب ووظائف لم يكن لهم 
ان يتحلموا بهاء آو رتبا آو مبالغ طائلة من المرتبات أو من التسهيلات 
الأخرى والفكرة واحدة, وهي أن الطاغية كما يقول أرسطو «يدفع لكي 
يحمى تفسه»! أما الملك أو الحاكم الصالح فيحميه النظام ويدافع عنه 
المواطنون!. 

ه -يتصف الطاغية بعدم الثقة في الشعب. ولهذا يفزع من حمله للسلاح 
وهكذا يلجا إلى إيذاء الناس؛ متفقا في ذلك مع الأوليجاركية التي يأخذ 
أسوأ ما فيه(“ . 

و- يقف الطاغية من المشاهير والأعلام موقف العداء ويضع الخطط 
ومناهضين للحكم» ذلك لأنه يعلم تمام العلم أن الثورات ضده تخرج من 
صفوف هؤلاء القوم! فبعضهم يتآمر عليه لأنهم لا يريدون أن يكونوا عبيدا 
للطاغية!. ويفسر لنا ذلك تلك النصيحة التى قدمها بريندر “علصدتءم طاغية 
كورنثه لأحد أصدقائه من الطغاة الذي أرسل رسولا يطلب النصيحة؛ فأخذ 


11۹9 


الطاغيه 


الرسول إلى الحقول» وراح يضرب بعصاه سنابل القمح البارزة مشيرا عليه 
بذلك بضرورة قطع رقاب علية القوم في المدينة!. وكانت نصيحة تناقلها 
الطغاة من عصر إلى عصرء وهي «ضرورة التخلص من العناصر البارزة في 
المجتمع !45(0). 

4- كيف يحتفظ الطاغية بحكمه؟ 

في استطاعتنا أن نقول إن عوامل استقرار الحكم الفردي عموما تكاد 
تكون واحدة. هي الاعتدال» فالملك المعتدل يحتفظ بعرشه»ء كذلك يبقى 
الملك كلما تقلصت امتيازاته وقلل هو نفسه من سلوكه كسيد أو من معاملة 
المواطنين معاملة دنيا. إن عليه على العكسء أن يعاملهم كأنداد ونظراء. 
وهذا هو السبب في بقاء النظام الملكي في بعض البلدان لفترة طويلة. 
كذلك يمكن أن نعزو بقاء النظام الملكي في إسبرطة إلى أن السلطة كانت 
موزعة بين ملكين من ناحية: وأنه كان هناك اعتدال في تصرفاتهما بصفة 
عامة من ناحية أخرى. 

أما الطاغية فإنه يحتفظ بعرشه بإحدى وسيلتين تعارض كل منهما 
الأخرى تمام المعارضة وهما على النحو التالي: 

الطريقة الأولى: 

سوف نجد أن الوسائل التي يعتقد أرسطو أن الطاغية يلجا إليها 
للاحتفاظ بعرشه مألوفة لنا تماماء فهي طريقة تقليدية يتوارثها الطغاة 
ويسير عليها معظمهم في تدبير شؤون سلطانهم. ولقد ابتكر أغلب خصائص 
هذه الطريقةء في الأصلء بريندر “عل0مدترء2 طاغية كورنثه؛ وإن كان قد 
استمد الكثير من سماتها من نظام الحكم في فارس. ولقد سبق أن أشرنا 
إلى بعضها بالفعل» ولكن علينا أن نجمل أهمها فيما يلي: 

-١‏ الغاية النهائية للطاغيةء لكي يحتفظ بعرشهء هي تدمير روح المواطنين؛ 
وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهمء وجعلهم عاجزين عن عمل شيء أو 
فعل أي شيء! كذلك تعويد الناس الخسة والضعة:؛ والعيش بلا كرامة, 
بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان”. 

2- القضاء على البارزين من الرجال. وأصحاب العقول الناضجة 
واستئصال كل من تفرق أو حاول أن يرفع رأسه!42) 
عنها أفلاطون باسم «طريقة التطهير» التي هي عكس طريقة الأطباء!. 


الطاغيه... فى صورة السيد 


3- منع الموائد المشتركة والاجتماعات والنوادي وحظر التعليم (أو جعله 
لونا من الدعاية للحاكم كما يحدث عندنا الآن!) وحجب كل ما يعمل على 
تنوير النفوس أو كل ما يبث الشجاعة والثقة بالنفس(. 

4- منع المواطنين من التجمع لأغراض ثقافية أو أي تجمع مماثلء واتخاذ 
كافة السبل التي تغرمن في المواطن: في نهاية الأمر: الشعور بأنه غريب عن 
بلده» بقدر المستطاع؛ أعني قطع الحبل السري الذي يربط المواطن بوطنه! 
ذلك لأن تعارف المواطنين وتوادهم يؤدي باستمرار إلى ثقة متبادلة. 

5- إجبار كل مقيم في المدينة أن يظهر للعيان بصفة مستمرة؛ وإكراهه 
بوجه عام آلا ان اا انوا ا إلا إذا كان الطاغية وأعوانه على علم 
بما يعمل الناس فى دولته. وهكذا يواصل الطاغية استعباد المواطنين» وعن 
طويق الاسضباد امسكين تاد الناس الخسة والضعة والهوان. وهذا يعني 
إعطاء الطاغية ثقبا صغيرا ينظر منه ليرى أفعال مواطنيه حتى يعتادوا 
الهوان ويألفوا العبودية اليومية. ويشتمل هذا الخط السياسي كذلك على 
وسائل أخرى ذات طبيعة مشابهةء وهي شائعة عند الفرسء وعند البرابرة 
عموما . وهي كلها تؤدي إلى نتيجة واحدةء هي المحافظة على الطاغية ° . 

6- أن يجتهد الطاغية حتى تكون لديه معلومات منتظمة حول كل ما 
يفعله رعاياه أو يقولونه. وهذا يعني أن تكون هناك شرطة سرية وجواسيس 
أو عيون يبثها في أرجاء البلاد على نحو ما كان طاغية سيراقوصه يفعل 
عندما كان يستخدم جواسيس من التساءء أو المتتصتون الذين كان يبعث 
بهم هيرو 111:0 الطاغية في كل المجتمعات والمحافل والمجالس العامة؛ لأن 
الناس بهذه الطريقة كانوا يقللون من صراحتهم إذا ما تكلموا عن نظام 
الحكم» أو يكتمون آراءهم بداخلهم: لأنهم يخشون الجواسيسء ويهابون 
العيون والآذان المنتشرة حولهم» ذلك لأتهم إن تجاسروا وتحدثوا انكشف 
مره ۴ . 

7- كذلك يعتمد الطاغية على إغراء المواطنين أن يشي بعضهم بالبعض 
الآخر. فتنعدم الثقة بينهم» ويدب الخلاف بين الصديق وصديقه» وبين 
العوام وعلية القوم. وبين الأغنياء والفقراء. وهكذا فإن الطاغية يبذر الشقاق 
والنميمة؛ ويثير حقد الشعب على الطبقات العليا التي يجتهد أن يفرق 
بينها! ° ولو اطلع أرسطو على أحوال الطغاة عندنا ما زاد كثيرا على ما 


الطاغيه 


يقولء ربما تحدث مثلا عن كتابة التقارير بحيث يتحول كل موظف في 
موقعه إلى جاسوس على من حوله. وربما تحدث عن رشوة البعض الآخر 
على طريقة المعز لدين الله الفاطمي: هذا حسبي» وهذا نسبي!؛ فبعض 
الناس يشتريهم الطاغية بالمال أو بالمنصب أو برتبة عسكرية؛ أو بوظيفة لم 
يكن يحلم بها. والبعض الآخر يودعهم السجن أو يفصلهم أو يطهرهم أو 
يصفيهم جسديا.. . إلى آخر هذه المصطلحات الحديثة!! 

8 وأخيرا هناك وسيلة أخرى للطاغية هي إفقار رعاياه حتى لا يكلفه 
حرسه شيئًا من جهة؛ وحتى ينشغل المواطنون من جهة أخرىء بالبحث عن 
قوت يومهم, فلا يجدون من الوقت ما يتمكنون فيه من التآمر عليه-وهذه 
عبارة أرسطو لأنها بنصها تجعل القارئ يظن أنني أتحدث عن واحد من 
العهود العسكرية عندنا!-ويستمر المعلم الأول في ضرب الأمثلة بمصر وما 
فيها من «أعمال السخرة» أو الأعمال اللا إرادية التي يجبر عليها الإنسان!, 
يقول: «لديك المنشآت التي أقيمت في مصر كالأهرام والمعابد الهائلة.. 
وكذلك تشييد المعابد لزيوس التي أقامتها أسرة بيزستراتوس طاغية أثينا. 
ومثال آخر الإضافات التي أطناقيا بوليكراتس ١١هإء)راه۴‏ طاغية جزيرة 
ساموس 53505 إلى الآثار العظيمة في الجزيرةء فليس لجميع هذه الأعمال 
سوى هدف واحد هو إفقار المواطنين. وشغل فراغهم حتى لا يجدوا وقتا 
لشيء آخر» ° كما أن أرسطو يضيف لنفس الغرض» فرض الضرائب 
التي تؤدي إلى نتيجة مماثلة؛ «ويمكن أن نسوق مثالا من سيراقوصه» حيث 
نجد أنه خلال خمس سنوات من حكم الطاغية ديونسميوس الكبير (الأب)ء 
دفع المواطنون كل ما لديهم من ممتلكات للدولة على سبيل الضرائب» فقد 
فرض الطاغية ضريبة سنوية اسمها ضريية الممتلكات تقدر ب 20 مما 
يملكه الفرد 540 . 

وفضلا عن ذلك كله فقد يلجأ الطاغية إلى إشعال الحروب» بهدف أن 
ينشغل المواطنون بصفة مستمرة, ولا ينفكون يحتاجون إلى قائد على الدوام. 

إن السمات الأساسية للطاغية هي بذر بذور الشقاق» وانعدام الثقة بين 
المواطنين» وعلى حين أن النظام الملكي يعتمد في حمايته على الأصدقاء 
فإن الطاغية يسير على المبداً التالي: «إن الناس جميعا يودون الإطاحة به 
غير أن الأصدقاء وحدهم هم الذين يستطيعون ذلك». ومن ثم فينبغي أن 


الطاغيه... فى صورة السيد 


تنعدم الثقة في الأصدقاء قبل غيرهم. ولهذا نجد الطاغية يشجع التأثير 
الأنثوي في الأسرةء على أمل أن تقوم الزوجات بالإبلاغ عن أزواجهن! 
وللغاية نفسها تراهم يفرطون في تدليل العبيد والخدم حتى يتمكنوا من 
الإفشاء عن ساداته (5. 

ولهذا السبب أيضا نجد الطاغية يختار الفاسدين من البشر في نظام 
حكمه ليكونوا له أصدقاءء فهم عبيد النفاق والتملق؛ والطاغية تسره المداهنة, 
وينتشي من النفاقء ويريد من يتملقه. ولن تجد إنسانا حرا شريفا يقدم 
على مثل هذا العمل. فالرجل الخير يمكن أن يكون صديقاء لكنه لا يمكن 
تحت أي ظرف أن يكون مداهنا أو متملقا. أما الرجل السيئّ فليس لديه 
الاستعداد للقيام بهذا الدور فحسب. وإنما نراه يسعى إليه. إنه: «أداة 
حسنتة لأغراض شريزة» .ودلا يقل الحديد إلا الحديد» كما تقول انش :590 , 

من عادة الطاغية ألا يحب رجلا ذا كرامة؛ أو رجلا شريفا ذا روح عالية 
أو صاحب شخصية مستقلة. ذلك لأآن الطاغية يدعي أنه يحتكر لنفسه 
هذه الخصال الحميدة. ومن ثم يشعر أن أي إنسان شريف صاحب كرامة 
إنما يزاحمه في الجلال والإباءء أو أنه يحرمه من التفوق والسيادةء فذلك 
اعتداء على سيادته بوصفه طاغية. ومن هنا فان الطاغية يكره جميع 
الأخلاق الشريفة؟ لأنها اعتداء على سلطانه. ومن عادة الطاغية أن يفضل 
صحبة الأجانب والغرباء على صحبة مواطنيه. ولهذا يدعوهم إلى مائدتهء 
وإلى لقائه. ويأنس لهم في حياته اليومية. وهكذا يصبح المواطنون أعداء. 
وأما الغرباء فلا خطر منهم لأنهم لا ينافسونه ولا يزاحمونه! °7 . 

ويعود أرسطو فيلخص هذه الأساليب في ثلاث غايات تضرب بجذورها 
في أعماق الشر على حد تعبيره؛ ويتطلع الطاغية إلى تحقيقها : 

- الغاية الأولى: هي تدمير روح المواطن: لأن الطاغية يعلم علم اليقين 
أن صاحب الروح الفقيرة-وهو الذليل الخانع-لن يتآمر عليه على الإطلاق! 

- الغاية الثانية: ارتياب المواطنين بعضهم من بعض. إذ إنه لا يمكن 
القضاء على الطاغية إلا إذا اتحد المواطنونء وتشاورواء ووثق كل منهم 
بالآخر. وكذلك فإننا نجد الطاغية يكاد يطارد الأخيار من الناسء لأنه 
يراهم خطرا مزدوجا على سلطانهء فهم من ناحية خطر عندما يشعرون 
بأن من العار أن يحكموا كما يحكم العبيد . وهم خطرء من ناحية أخرى, 


الطاغيه 


عندما يشعرون بالولاء بعضهم لبعض. وبالثقة المتبادلة بينهم» وفي رفضهم 
أن يخون بعضهم بعضا!. 

- الغاية الثالثة: والأخيرة هى أن الطاغية يهدف الحد أن يصبح مواطنوه 
عاجزين عجزا تاما عن أي فعل» ومن ثم يكون السعي إلى القضاء على 
الطاغية ضربا من المحال. ولا أحد يحاول أن يصنع المستحيل؛ ومن ثم فلا 
أحد يحاول أن يطيح بالطاغيةء ماداموا قد أصبحوا جميعا عاجزين عن 
الحركة!. 

الطريقة الثانية: 

الأساليب السابقة الذكر التى شرحناها بالتفصيل تمثل عند أرسطو 
الطريقة الأولى التي يلجأ إليها الطاغية للمحافظة على حكمه-وهي أكثر 
الطريقتين شيوعا-وهي مألوفة لنا نحن الشرقيين. فجميع الأساليب التي 
تحدث عنها أرسطو قد خبرناها طوال تاريخناء ولا نزال نعيش فيها حتى 
يومنا الراهنء حتى أن القارئ العربي عندما يقرأها يشعر بأن أرسطو 
يصف به ما يدور فى مجتمعه:؛ لا سيما المجتمعات العسكرية «الثورية» التى 
رفعت شعارات وطنية لتضحك بها على الجماهير: وتستميل مشاعر العامة 
سنتحدث عنه في الفصل الأول من الباب الرابع. 

غير أن هناك طريقة أخرى أقل شيوعا من الطريقة الأولى. وهي 
تسير في خط معاكس ومضاد تماماء وسوف يكون في استطاعتنا أن نفهم 
بسهولة هذه الطريقة لو أننا عدنا إلى الوراء قليلاء وتذكرنا العوامل التي 
إحدى الطرق التي تدمر الملك هي أن يتحول إلى طاغيةء وذلك يعني أن 
إحدى الطرق التي يحافظ بها الطاغية على نظام حكمه هي أن يتحول 
الطغيان إلى طبيعة النظام الملكي. أعني أن يظل الطاغية محتفظا بالقدرة 
وبالسلطة في حكم رعاياه. ليس برضاهم بل رغما عنهم» فتنازله عن هذه 
الخاصية يعني تنازله عن الطغيانء غير أنه متى ثبتت هذه القاعدة استطاع 
الطاغية فيما يبقى أن يسلك سلوك الملك الحق» أو على الأقل؛ أن يتخذ منه 
بمهارة كل سماته!. 


124 


الطاغيه... فى صورة السيد 


خامة 


عرضنا نظرية أرسطو عن الطاغية بالتفصيل لأهميتهاء فقد ترددت عند 
كثير من الفلاسفة والمفكرين السياسيين في الفكر الأوروبي بعد ذلك. 
ولقد سقنا كثير من النصوص الأرسطية لأنها أبلغ من أي حديث. فنحن 
أمام فيلسوف خبر الطغيان» سواء كان طغيان الفرد أو الجماعة. حتى 
أنه هرب من أثيناء بعد موت الاسكندرء. عندما اضطربت المدينة. 
وسادتها موجة عاتية من المد الشعبي الذي سيطرت عليه الدهماءء قائلا 
عبارته الشهيرة: «إنني لن أسمح لأثينا أن ترتكب الجريمة نفسها مرتين 
في حق الفلسفة!» مشيرا إلى إعدام الديمقراطية الأثينية لشيخ فلاسفة 
أثينا سقراطء وهي ديمقراطية يعتبرها أرسطوكما اغتبرها أستاذه من 
قبل-ضربا من طغيان الدهماءء واستبداد العامة!. 

كذلك فإننا نجد أن أرسطو وصف الطاغية وصفا دقيقا مفرقا بينه 
وبين النظام الملكي» وهي تفرقة ظل يرددها الملوك لاسيما ملوك إنجلتراء 
كما لاحظنا من قبلء بعد ذلك بما يقرب من عشرين قرنا!: الطاغية يعمل 
لصالحه الخاص. والملك يعمل لصالح الجميع!. 

كما أن أرسطو وصف «الطغيان الشرقي» بأنه النموذج الحقيقي للطغيانء 
وهو أيضا وصف ظل يتكرر منذ عصر أرسطو حتى يومنا الراهن! حتى أن 
الأوروبيين عندما «يسبون» ملكا أو حاكما لاستبداده يصفونه بأنه أقرب 
إلى الطاغية الشرقي!. فالطاغية الشرقي «الشهير» يعامل المواطنين معاملة 
السيد للعبيد. وها هنا نجد أصل الفكرة الهجلية التي تقول إن الشرقيين 
كانوا جميعا عبيدا للحاكم الذي ظل هو وحده «الرجل الحر» في الدولة !. 

والغريب أن أرسطو أرسل إلى تلميذه الإسكندر الأكبر رسالة ينصحه 
فيها بمعاملة اليونانيين كقائد» وأن يعامل الشرقيين معاملة السيد لأنهم 
كد هتيم س 

وأود أخيرا أن أسوق ثلاث مالاحظات: 

الأولى: أن القول إن الطاغية يعمل لصالحه الخاص» ينبغي أن يفهم 


الطاغيه 


فهما مرنا. فقد يعمل الطاغية في فترة من فترات التاريخ لصالحه الخاص 
بالمعنى الضيق للكلمةء أعني لمتعه الحسية أو لجمع المال أو لإشباع شهواتهء 
للخمورء للنساء.. . الخ. وقد مر بنا طغاة في تاريخنا الوسيط من هذا 
القبيل على نحو ما سنرى بعد قليل. 

وقد لا يميل الطاغية إلى شيء من المتع الحسية؛ فيظهر بمظهر من 
يصرف كل اهتمامه وعنايته إلى الصالح العام؛ ولا يظهر بمظهر المبذر أو 
من ينفق نفقات طائلة تشق على سواد الناس» وتثير سخطهم: لاسيما إذا 
ما كانت الأموال تجمع من الطبقات الكادحة؛ وكان على الطاغية أن يقدم 
كشف حساب عن إيرادات الدولة ومصروهاتها. وهو ما قام به أكثر من 
طاغية بالفعل. فهو في هذه الحال سوف يظهر مظهر المدبر لا الطاغية, 
وهو مع ذلك لن يخشى أن تعوزه الأموال مادام قابضا على زمام الأمور. 
والأفضل أن يوظف الأموال بدلا من تركها ثروات مكدسة؛ وبذلك يكون 
الحراسء والأعوان: أقل شهوة للمال والسلطة 59 . 

كذلك ينبغي على الطاغية أن يظهرء وهو يجمع الضرائب» بمظهر من 
يتصرف للصالح العام» فهو لا يجمع الضرائب إلا من أجل مصلحة عامة 
كالتجهيز للحرب مثلاء وهو لابد أن يظهر بمظهر الحارسء والخازن للثروة 
العامة لا لثروته الخاصة!ء وعلى الطاغية أن يكون في مثل هذا السلوك 
الشخصيء شجاعا في غير غلظة! بحيث يبعث الرهبة في نفوس كل من 
يتقدمون للقائه. دون أن يبث الرعب في قلوبهم» وذلك هدف ليس من 
السنهل تحقيقه ما لم يحترمه النامن! (40, 

أما فيما يتعلق بشأن المتع الحسية فإن عليه أن يسلك سلوكا يتناقض 
مع سلوك الطغاة المعاصرين لنا في أيامنا هذه والذين قد لا يشبعون من 
المتع الحسية لو استمروا يغترفون منها أياما وثيالي. إن عليه على العكس 
أن يسلك سلوكا معتدلاء بل إن عليه أن يظهر بمظهر الرجل الذي يتجنب 
الملذات؛ المستيقظ للصالح العام حتى لا يكون عرضة للازدراء ثم 
الاختيال!!6 , 

وباختصار يبدو أن أرسطوء في هذه الطريقة الثانيةء يتحدث عما سمي 
في العصر القديم «بالطاغية الصالح» أو الخيرء وهو نفسه الذي سمي في 
العصر الحديث بالمستبد العادلء وهو حاكم ينفرد بالحكم. لكنه لا يهتم إلا 


126 


الطاغيه... فى صورة السيد 


بالصالح العام ولا يبدد أموال الدولة على ملذات أو يسرف في رشوة 
حرسه الخاصء وهو بذلك يقترب من الملك الصالح. وإن كان أرنست باركر 
يرى أن أرسطو هنا يستبق نصائح مكيافللي» ويقدم نصائح سياسية «لأميره 
الجديد» بطريقة واقعية. غير أن نصيحته تختلف اختلافا أساسيا عن 
نصائح مكيافللي من حيث إنه يدعو الأمير الجديد أن يكون «عقل الدولة» 
وأن يكون ملكا وإنساناء أو على الأقل أن يلعب دور الملك والإنسان! 20©). 

لكن مفهوم هذا «الطاغية الصالح» قد يتسع: فهتلر وموسوليني» وستالين 
في الغرب. وكذلك سوكارنو وعبد الناصر وصدام في الشرق ليس من 
الضروري أن يكون طغيانهم من أجل الشراب والنساء والمتع الحسية؛ بل قد 
تكون لهم أهداف أخرى: بناء إمبراطوريةء السيطرة على شعوب العالم 
نشر فكرة بالقوة التفرد بالحكم في جميع هذه الحالات» والتشبه بالله» في 
صفة من صفاته: وهي «ألا يسال عما يفعل !!». 

الثانية: أن المعيار الذي يميز حكم الطاغية هو انعدام الرأي الآخر, 
ولهذا فإن جميع أنظمة الحكم غير الديمقراطية هي أنظمة طغيان أو 
استبداد بطريقة أو بأخرىء ولهذا كرهت الفاشية النظم الديمقراطية كراهية 
شديدة!؛ إن المجتمع الذي يرتبط فيه الشعب بالزعيم القائد الملهم بحبل 
سري» يتنفس كلما تنفس شهيقا وزفيرا هو مجتمع يحكمه طاغية بغض 
النظر عما يفعل!ء فليست العبرة بما قدمه الحاكم الملهم من أعمال مجيدة, 
فقد يبني السدود ويقيم الجسورء وينشى المصانع» لكنه في النهاية يقتل 
الإنسان!» يدوس كرامته وقيمه ووجوده كانسان!. إنه يدمر «روح المواطن»- 
كما قال أرسطو-بحق-ليحيل المجتمع إلى مجموعة من النعاج تسهل قيادتها !!. 

الثالثة: ما يقوله أرسطو من أن الشرقيين لديهم طبيعة العبيدء وأنهم 
خلقوا عبيداء هي الفكرة نفسها التي كررها هيجل بعد ذلك عن الشرق 
عموما والصينيين خصوصاء عندما قال إن الشعب الصيني لديه عن نفسه 
أسوأ الأفكار. فهو يعتقد أنه لم يخلق إلا ليجر عربة الإمبراطور!! 

هذه الفكرة تحتاج في الواقع إلى مناقشة؟ لأنها تتضمن «مبالغة شديدة» 
وإن كان سلوك الشرقي المتدني يعطي المفكرين العنصريين الفرصة لوصفه 
بأحط الصفات» وسوف نعود إلى مناقشة هذه الفكرة فى الفصل الأخير 
من هذا الكتاب. ا 


127 


هوامش الفصن الخاصس 


Aristotle: Politics 1252-A The complete works of Aristotle Vol. 2,p 986- 7.‏ )1( 
Plato: Republic 369 - d.‏ )2( 
Aristotle: Op. Cit‏ )3( 
Ibid‏ )4( 
Ibid, 1253-A‏ )5( 
Aristotle: Politics, 1253-A‏ )6( 
Ibid, 1253-B‏ )7( 
Aristotle: Politics, 1953-13(The complete Works Vol. I, P1988).‏ )8( 
(9) يعتقد أرسطو أن هذا هو رأي أفلاطون,» انظر تعليق أرنست باركر في ترجمته لكتاب السياسة 
ص | حاشية 2. وأيضا جورج سباين: تطور الفكر السياسي مجلد | ص 119-١18‏ . 
Aristotle: Op. Cit. 1959-A‏ )10( 
Ibid‏ )11( 
Ibid‏ )12( 
Ibid: 1961-A‏ )13( 
Aristotle: Ethics, 1166-B-Complete Works Vol. 2 p.1843.‏ )14( 
Ibid‏ )15( 
(16) فكرة لو عرفها الرئيس السادات لأصبح مشائيا متعصباء فالمعلم الأول يريد للحاكم أن يكون 
كبير العائلة (انظر كبير العائلة ناقض في الألفاظ؛ كتاب «في مفترق الطرق» للدكتور/ زكي نجيب 
محمود ص 324). 
Aristotle: Ethics, 1161-A and Politics 598‏ )17( 
Ibid‏ )18( 
Ibid‏ )19( 
Ibid (21) Ibid‏ )20( 
Aristotle, Politics, 1274- B‏ )22( 
Ibid‏ )23( 
Ibid‏ )24( 
(25) هذا التقسيم بالغ الأهمية لأنه هو الذي سيتكرر بعد ذلك في الفكر السياسي الأوروبي سواء 
في العصور الوسطى أو العصر الحديث. 
Aristotle: Politics, 1285- A‏ )26( 
Ibid‏ )27( 
(28) الكلمة اليونانية التي يستخدمها أرسطو أسمينتيا ume‏ وهي تعني القاضي في 
معناها المألوف. لكن أرسطو يستخدمها بمعناها التطبيقي غير المعتاد الذي يكاد يقترب بصفة 


الطاغيه... فى صورة السيد 


خاصة من منصب «الدكتاتور الروماني» الذي سبق أن أشرنا إليهء وهو في مصطلحاتنا المعاصرة 
«الحاكم العسكري» الذي يتولى دفة الأمور في فترات خاصة كالحروب والكوارث.. 
Aristotle: Politics, 1285-A‏ )29( 
ويرى ديوجينس اللايرتي أن بتاكوس ۴۲۲۵۲٠١‏ كان في القرن السادس ق. م. واحدا من الحكماء 
السبعة» ويروى عنه أنه قاد قوات مدينته ميتلين عمع1/1 في حربها ضد الآثينيين» عندما تنازعت 
المدينتان على قطعة أرضء وأنه وافق على نزال قائد الاثينيين في معركة فردية وقتله. وقد أولاه 
شعب مدينة ميتلين سلطات استثنائية حكم بها البلاد عشر سنواتء؛ وأعاد فيها الدستور والنظام 
ثم تنحى عن منصبه. وقد عاش عشر سنوات بعد تنازله عن الحكم فوهبه الشعب قطعة من 
الأرض كانت تحمل اسمه في أيامه. والخلاصة أن الدكتاتور تعني هنا إطلاق يد الحاكم للقيام 
بمهمة معينة فهي أقرب إلى الحاكم العسكري عندنا الآن. انظر: 
Diogenes Leartius: Lives of Eminent Philosophers Vol -1. 2. 75-77. Trans. by R. D. Hicks, Loeb‏ 
Classical Library, 1972.‏ 
Aristotl: Politis, 1295-A‏ )30( 
Ibid‏ )31( 
Ibid‏ )32( 
Aristotle: Politics, 1295-A‏ )33( 
(34) كل حاكم يصل إلى منصة الحكم بغير اختيار حر من الشعب هو طاغية؛ سواء جاء عن طريق 
الانقلابات العسكرية أو البيعة بحد السيف! 
(35) جون لوك «في الحكم المدني»فقرة رقم 199. 
)36( المرجع السابق فقرة رقم 200. 
Aristotle: Politics, 1310-B‏ )37( 
Ibid‏ )38( 
Aritotle: Op. Cit‏ )39( 
(40) كان فيدون ملكا على مدينة أرجوس في القرن الثاني قبل الميلاد ثم تحول إلى طاغية. 
(41) يروى أن فلاريس «طاغية» أجريجنتم (من أعمال صقلية وكان طاغيتها نحو عام 565 ق. 
م.)كان يشوي المساجين من أعدائه في مملكته بأن يضعهم داخل ثور نحاسي ضخم» ثم يوقد تحته 
نارا هادثة؛ وتوضع قصبتان تشبهان المزمار في منخري الثور بطريقة فنية بارعة بحيث تتحول 
أنات المساجينء وصرخاتهم حين تصل إلى أذنيه إلى نغمات وألحان موسيقية شجية! ! ويرى 
«أندروز» أن هذه القصة ريما كانت أسطورة اختلقها أناس لتشويه الصورة الحقيقية لتاريخه. 
قارن:. ١29‏ . م Andewes: Greek Tyrants,‏ 
(42) ويرى أرسطو أن هناك طغاة آخرين من أمثال بنيتيوس «ناناعدمة2 طاغية مدينة لونتين-ع.آ 
نمناده وكبسيلوس05اء5م/01© طاغية كورنيثه و«بيزستراتوس» 015هناوزوء2 طاغية أثيناء وديونسيوس 
طاغية سيراقوصة وعدد آخر من الطفغاة الآخرين-بدأوا ديماجوجيين السياسة ١310‏ ب. ويقول 
أندروز» إنهم حرضوا العامة وأثاروهم ضد الأغنياء من الأوليجاركيين» طغاة الإغريق ص ١129‏ . 
Aristotl: Politis, 1311-A‏ )43( 
Ibid‏ )44( 
Ibid.‏ )45( 


129 


الطاغيه 


(46) Aristotle: Politics, 1313-A 

(47) Ibid 

(48) يشير أرنست باركر إلى أن أرسطو يقصد العادات الشرقية وهو يتحدث عن ضعة المواطن 

وإذلاله. من ذلك ما كان موجودا في فارس وعند الصينيين وغيرهم من «عبادة الطاغية؛ في 

صورة السجود تحت قدميه4!! انظر ترجمته لكتاب السياسة لأرسطو ص 244 حاشية رقم 4 

(49) Aristotle: Politics, 1313-B 

(50) ibid. 

(51) تعد أجهزة المخابرات في جمهورية الخوف العراقية من أرقى وأقوى الأجهزة في العالم! وإذا 

كانت أجهزة المخابرات تنشاً في العادة للتجسس على الخارج لحماية الدولة فإنها عندنا تعمل 

أساسا في الداخل. وجهاز المخابرات عند «صدام حسين» من أكثرها تنوعا. فهناك استخبارات 

خاصة بالحزب» وهناك فرع آخر مهمته مراقبة أجهزة الشرطة! ثم هناك أفرع للتجسس داخل 

الجيش. والإدارات الحكومية والمنظمات الشعبية الخاصة بالشباب والمرأة والعمال» وأجهزة للتجسس 

على بعض المؤسسات الأخرى مثل «قسم الأمن الخاص» الذي يرأسه شقيق صدام الأصغرا. 
«جمهورية الخوف» ص 54. 

(52) Ibid 

(53) Ibid 

(54) Ibid 

(55) Ibid 

(56) Ibid. 

(57) Ibid 

(58) قارن مثلا ترجمة أرنست باركر لكتاب السياسة لأرسطو ص 388. وانظر نص الرسالة في 

مجموعة مؤلفات أرسطو المجلد الثاني ص 2460 من نشرة بارنز 1985 . 

(59). Aristotle, Politics, 1314-8 


(60) Ibid. 
(61) Ibid. 
قارن ترجمة سير أرنست باركر لكتاب السياسة لأرسطو وتعليقه على النص ص 247 حاشية‎ )62( 


.١ رقم‎ 


الاب الثالث 
الطاغية يرندي عباءة الدين 


0 


«إنناء نحن الملوك» نجلس 
على عرش الله على 
الآأرض.!» 
جيمس الأول ملك إنجلترا 
«أيها الناس: إنما أنا سلطان 
الله فى آرضه.. !» 
المنصور: الخليفة العباسي 
الثاني 
«إننا لم نتلق التاج إلا من 
الله. فسلطة سن القوانين 
هى من اختصاصنا وحدنا 
بلا تبعة ولا شركة.. !» 
لويس الخامس عشر 
مرسوم ديسمبر 1770 
«مملكتى ليست من هذا 
العالم.. 3 
المسيح 
إنجيل يوحنا 18- 33 


في العالم المسيحي 


أولا: من بداية المسيحية إلى الإ صلاح الد يني 

| - تمهيد: 

سبق أن ذكرنا في حديثنا عن «الحكم 
التيوقراطي» أننا نظلم الدين كثيرا عندما 
ننسب إليه ذلك «الحكم المطلق» الذي يقيم حاكما 
مستبدا أو طاغية جائرا ليكون هو الإله أو ابن 
الإله. كما هي الحال في الشرق القديم» أو ليكون 
«خليفة الله في الأرض» يأمر وينهي بلا حسيب 
ولا رقيب سوى ضميرهإن افترضا وجوده.. أو 
حساب الله في الآخرة!. والواقع أن كثيرا من 
الطغاة الذين ارتدوا عباءة الدين لم يكن 
لديهم ضمير بالفعل!؛ كما أن بعضهم الآخر كان 
يتساءل في دهشة: أيمكن أن يكون للحاكم 
المطلق حساب في الإلخردة في حين أن بعضا 
ثالثا من هؤلاء الطغاة جمع الفقهاء فاصدروا 
فتواهم أن ليس على الحاكم باسم الدين حساب» 
ولا عقاب!.. إلى آخر هذه المآسي البشرية التي 
ارتكبت ظلما باسم الدين وهو منها بريء. 

ولقد سبق أن رأينا أن اليهود هم أول من 
حاول إقامة الدولة الدينية بين الديانات 
السماوية الكبرى/"'. وهم أيضا أول من صاغ 


الطاغيه 


مصطلح الثيوقراطية©). وذلك لأسباب خاصة بهم منها: اعتقادهم بأن 
الله ميزهم عن الأمم الأخرى وأنهم أقرب الشعوب إلى الله؛ لما لهم عنده 
من حظوة خاصة!. ولهذا فإن الفكر السياسي اليهودي يمكن أن يعد 
أقدم ضروب الحكم الديني على نحو ما عبرت عنه آيات العهد القديم. 
فالفكرة الظاهرة فيه هي أن الشعب اليهودي هو «شعب الله المختار» 
ومن ثم فمصيره متميزء وهو لا يشبه غيره من الشعوب لأنه يمثل 
قومية ثيولوجية تعتمد على ما جاء في سفر التثنية من أن «إسرائيل 
يحكمها الله بصورة مباشرة» فهو الذي قسم الأمم» وفرق بني آدم 
ووضع حدودا للشعوب» واصطفى شعب إسرائيل ليكون «شعب الرب». وإذا 
كان لكل شعب ملاك حارس يرعاه ويمثله في السماءء فإن الرب هو 
الذي يرعى شعب إسرائيل على نحو مباشرء فهو «إله أمانةء لا خور 
فيه وصديق وعادل هو»". لكن اليهود هم الذين أفسدوا هذه الدولة 
عندما أفسدوا هذه العلاقة الحميمة مع الإله. فلم يرعوا عهدا ولا ذمة: 
«الرب تكافئون بهذا يا شعبا غبيا غير حكيم.. 909 2. ويعتقد 
برتراندرسل أن محاولة بعض المسيحيين إقامة الدولة الممسيحية. ما هي 
إلا ماو اة الروقة البهودية ووراضها عولض كات اترولة البيددية 
إبان العصر الأسطوري الذي ساده «القضاة» أو إبان الفترة التاريخية 
التي أعقبت العودة من الأمر البابلي. دولة دينية. ولقد كان على 
الدولة المسيحية أن تحذو حذوها في هذا الصدد... 

ومن هنا كانت محاولة الملوك إبان العصور الوسطى ارتداء عباءة 
الدين أو الادعاء بأنهم يستمدون سلطانهم من الله تبريرا لسلطتهم 
المطلقةء إنما هي في الواقع محاولة لإحياء «الدولة اليهودية» هذا إن لم 
نقل إنها محاولة لتقليد الطغيان الشرقي القديم بوصفه نمط الحكم 
الذي يمكن الملك من الاستبدادء ويطلق يده في أمور الرعيةء ويجعل 
الشعب يقدسه في الوقت ذاته!. 

لكن ماذا كان موقف المسيحية نفسها من هذا الحكم المطلق5: وكيف 
استطاع الملوك أن يقولوا-كما قال الملك جيمس الأول ملك إنجلترا: «إننا 
نحن الملوك. إنما نجلس على عرش الله على الأرض.!50. الواقع أن الفكر 
السياسي اجى قد مر بعدة مراعل هليدا أن تعركن لها في ايجار 


134 


فى العلم المسيحى 


2- السيد المسيح: 

كان التركيز الأول للسيد المسيح على فكرة «الروح» في مقابل الجسد 
الذي اهتم به اليهودء فهو لم يهتم بالمادة أو بالعالم أو بهذه الحياة 
الدنيا بصفة عامة؛ وهذا واضح في رده على بيلاطس عندما سأله: «أأنت 
ملك اليهود5: أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم..» (يوحنا 18: 
36-3). وقي موعظة الجبل: «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت 
السماوات..» (متى 5: 10-3). 

ومن هنا فقد كان من الطبيعي ألا تحتوي تعاليمه على أية عقيدة 
سياسية: لأن «البشارة» تقتضي إلغاء الفكر السياسي. لقد حاول المسيح 
أن يوقظ في كل فرد من مستمعيه الاهتمام بالحياة الروحية؛ وأن 
يلفت انتباهه إلى عالم جديد يحمله بداخله. هذا العالم هو صورة 
من مملكة السماء «مملكة الله». ولكي يصل إلى هذه المملكة عليه أن 
يحطم الأوثان التي أقامتها شهوات الأرضء وأهواء الدنياء وطموحات 
المجتمع. 

وهكذا انقسم العالم إلى مملكتين: واحدة في السماء هي التي 
ينبغي أن يطمح المؤمن إليهاء والأخرى على الأرض» يعيشهاء ويؤدي 
واجباته عليها دون أن يكترث بهاء بل عليه أن يمقتها إن عوقت وصوله 
إلى الحياة الأخرى . 

وهذه القسمة يعبر عنها بوضوح في تلك الحادثة الشهيرة التي 
ذهب فيها مجموعة اليهود يسألون المسيح: «أيها المعلم» إننا نعلم 
أنك صادق.. فقل لنا أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا5 فقال لهم: 
أعطوا ما لقيصر لقيصرء وما لله لله»(متى 32: 21-16). ولقد تكرر هذا 
النص الحاسم كثيرا حتى أصبح معيارا للفكر السياسي المسيحي في 
بعض العصور: فالحياة الاجتماعية والسياسية جزء من الحياة على الأرض» 
وقواعدها وقيمها أرضية؛ وهي لا تشترك مع الحياة الروحية في شيء. 
ولما كانت الروح وحدها موضوع اهتمام المسيح. كما ذكرناء فإن الحياة 
الأرضية أصبحت في مركز ثانوي» ومع ذلك» وريما بسبب ذلك 
فإن المسيح أوجب الخضوع لمقتضيات السياسة ومطالبها لأنها «لا 
قيمة لها»!. 


الطاغيه 


3- القديس بولس: 

لما كانت الحياة الأرضية «بغير قيمة» فقد أصبحت هى نفسها 
عبتا مؤلما علينا أن نتحمله لنعبر جسر التنهدات إلى الحياة الأيدية!, 
بل أصبحت جزثياتها وتفصيلاتها مجرد أعباء ومحن!؛ وهكذا كانت 
العبودية من الناحية السياسيةكالفقر من الناحية الاجتماعية والمرض 
من الناحية الصحية.. محنة قد يمر بها الإنسان على الأرضء فهذه كلها 
آلام جسدية «مادية» أو ضروب من العذاب الأرضيء وتلك هي طبيعة 
المملكة الدنيوية التي يمكن أن تفرض على الإنسان مجموعة من المحن 
أو الآلام التي ينبغي عليه أن يتقبلها ويرضى بها لصالح الحياة 
الروحية: العبودية محنة والفقر محنةء لكن قد تكون الثروة محنة أيضا 
مهلكة لصاحبها وملقية به في عذاب جهنم!. ومن هذه المحن التي يمر 
بها المرء محنة الحكم المطلق أو الاستبدادء أو حكم الطاغية؛ فلما كان 
مجال الجسد ومجال الروح مفصولين تماماء فإن علينا ألا نبتئس 
كثيرا لمحن الجسد.ء وإن كنا نجزع من محن الروح وآلامهاء ولما كانت 
مآسي الحياة البشرية هي من صنع البشر-وهي تختلف بطبيعتها 
عما تصنعه السماء فإن على المواطنين أن يتحملوا حكم البشرء وبالمثل 
على العبيد أن يتحملوا ماهم فيه من عبودية!. 

وهكذا أقرت المسيحية وجود الرق واعتبرته أحيانا من صنع السماء 
ولا حيلة للإانسان فيه (مما يذكرك بفكرة أرسطو القائلة بأن العبد 
يولد عبدا!)ء وأحيانا أخرى تقول إن الاسترقاق إنما هو للجسد فقط 
أما الروح فهي ملك للمسيح!. 

ومن هنا جاءت عبارات القديس بولس التي دعم بها الطغاة ملكهم 
وترددت بكثرة لأنها دعوة واضحة للعبيد أن يتحملوا العبودية في 
صبر وتقوى: «أيها العبيد أطيعوا في كل شيء سادتكم.. والظالم 
سينال ما ظلم به وليس ثمة محاباة. وكذلك يدعو بصورة أوضح إلى 
طاعة السلطة المدنية ويعتبر السلطة على الأرض» حتى سلطة الطغاة 
مستمدة من الله. يقول في عبارة يعتبرها سباين «أعمق ما 
حامهى افيد الحدين اكزا من الدااحية اسا 

ا كل ننس لن 35 ن لسن ينطاق إلا من اله 


136 


فى العلم المسيحى 


والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله.. حتى أن من يقاوم السلطان 
يقاوم ترتيب الله. والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونةء فإن الحكام 
ليسوا خوفا للأعمال الصالحة بل للشريرة . وهكذا يعلن القديس 
بولس أن الحاكم يستمد سلطته السياسية من الله. وبالتالي فإن 
مقاومته تعني عصيان الإرادة الإلهية ومعارضة للترتيب الإلهي!. أما وجود 
هؤلاء الحكام فالهدف منه نشر الأعمال الصالحة. وهم يرعبون 
الأشرار ويضربون على أيديهم لكنهم سند للصالحين الأطهار! «فإذا 
كنت تريد ألا تخاف السلطان: أفعل الصلاح. فيكون لك مدح فيهء 
لأنه خادم الله للصلاح» لكن إذا فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل 
السيف عبثاء بل هو خادم الله منتقم من الذي يفعل الشن'. 

وهكذا نجد القديس بولس يحث المواطنين على الخضوع للسلطة 
العليا في المجتمع وهي سلطة الحاكم التي أرادها الله ووضعها بترتيب 
منه؛ ومن يعترض فإنما يعترض على المشيئة الإلهية ويستوجب غضب 
الله ونقمته! كما أنه يفترض أن «سيف الحاكم» لا يستخدم إلا في 
معاقبة الأشرارء وكل من يعارضه فهو شريرء وكل من يخافه فلأنه 
مجرم آثم!. 

وتلك هي الفكرة نفسها التي دعا إليها القديس بطرس في قوله: 
«أيها الأحباب.. اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب» إن كان 
للملك فكمن هو فوق الكل. أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعل 
الشرء وللمدح لفاعلي الخير.. أكرموا الجميع؛ أحبوا الإخوة, خافوا اللهء 
أكرموا الملك..''. 

وهكذا نجدهما معاء بولس وبطرسء يؤكدان ضرورة احترام النظام 
القائم بل والخضوع له باعتباره عملا إلهيا!. فليس من حق المواطن 
مهاجمة المؤسسات القائمةء وإنما عليه فقط الاستسلام والإذعانء فهكذا 
افتضت مشيئة السماء كما كان الصينيون يقولون قديما!. 

ومن هنا ظهر المبدأ الذي حكم به الطغاةء واستغله الملوك 
المستبدون طويلا في أوروبا ألا وهو: «كل سلطة فهي مستمدة من 
الله.» Omnis Potestas a Deo‏ . وهو الميداً الذي يبرر الطاعة المطلقة 
والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد!. وماذا يقول المواطن في مبداً 


137 


الطاغيه 


يضفي القداسة على الحكم الاستبدادية!: ماذا يقول أمام التفويض 
المباشر من الله للحاكم أن يحكم رعاياه كما يشاء؟!. وهكذا ظهر 
الحق الإلهى المقدس للملوك. رغم أن المسيحية خطت بعد ذلك خطوة 
ديفة جد e‏ نفت بشدة الطبيعة الإلهية للحاكم واعتبرته بشراء 
وإن كان بشرا يتمتع بسلطان من الله! وهو سلطان ينبغي الخضوع 
له» والامتناع عن مناقشته» وإرجاء الأمر كله إلى الله ليحاسب الملوك في 
الدار الآخرة!. أما في هذه الدنيا: فالسمع والطاعة, والامتثال 
والاستسلام واعتبار صاحب السلطة؛ ومانحها للحكام هو وحده دون 
سواه الذي يملك محاسبتهم إذا ظلموا أو أساءوا استخدام هذه السلطة!, 
على حين أن البشر العاديين وفقا لهذه النظرية؛ لا حق لهم في سؤال 
الحكام ولا يجوز لهم أن يناقشوهم في أمر لم يعهدوا به إليهم, ولا 
شأن لهم فيه» ونعني به أمر السلطة التي جاءت من عند الله؛ ومن هنا 
كان على الشعوب أن ترضخ لطغيان الحكام وسلطاتهم غير المحدودة وكان 
لايد أن :تستمر الخال على هذا النجو ما يقرب من خمسة قرون('. 

وهذه النظرية الفلسفية الغربية. في مصدر السلطةء وجدت من 
المفكرين المسيحيين من انبرى للدفاع عنها. فذهب ترتليان(220- 
5)) مناه" إلى القول إن «الإمبراطور هو لنا أكثر مما هو لآي إنسان 
آخرء لأن إلهنا هو الذي أقامه! ولهذا وجب علينا أن ندعمه» فالسلطة 
الإمبراطورية مستمدة من اللهء وإن كانت لا تشارك في فضائل 
الألوهية لأنها مخلوقة؛ فالله خلقها لتنفيذ مشيئته». ومن هنا فإننا 
«نحترم في الأباطرة حكم الله الذي أقامه لحكم الشعوب» فنحن نعلم 
أنهم بإرادة الله يمسكون بالسلطة'. 

وإلى ما يقرب من ذلك ذهب يوحنا فم الذهب (407-347) دمطل 
gÎ) Chrysostom‏ ذهبي الفم) الذي عينه الإمبراطور أركاديوس رئيسا 
لأساقفة القسطنطينية عام 397 والذي امتدح النظام الملكي الفردي بوصفه 
النظام السياسي الأمثلء (وارتأى أن سلطة الملك مطلقة): «ولكنها ليست 
تعسفية» إذ ينبغي أن تكون له «الصفات الأخلاقية لكي يكون مثلا 
أعلى في أعين الشعب»!, 

فعزله الإمبراطور ثم أعيد إلى منصبه تحت إلحاح الجماهير 


فى العلم المسيحى 


التي أحبت حديثه العذب فأطلقت عليه لقب «ذهبي الفم»! 

4- الحق الإلهي غير المباشر: 

عندما ضعفت الإمبراطورية الرومانية؛ لم يعد من المناسب القول 
إن الأباطرة يمثلون الله في أرضه؟ «إذ كيف يمكن لملك ضعيف أن يستمد 
السلطة من الله5!. وفي الوقت ذاته تطورت الكنيسة وزادت أملاكها حتى 
أصبحت من أكبر ملاك الأرض في أوروباء كما نمت قوتها إزاء ضعف 
الآباطرة. وفضلا عن ذلك تدعمت سلطتها الروحية أكثر من ذي قبل؛ 
فلم يعد من المناسب أيضا أن تقف مكتوقة اليدين إزاء نظم الحكم 
القائمة أو أن تكتفى بموقف الحياد أو السلبية. وهكذا ظهرت نظرية 
جديدة ففق بيخ هذه الأوضاع السياسية الحديده وين الأقراق الا تة 
للسيد المسيح ولبعض الرسل الأوائل!. 

وتتلخص هذه النظرية الجديدة في أن الحكام إنما يستمدون 
سلطتهم من اللهء لكنهم يمارسونها بموجب رضا الشعب المسيحيء. فالله 
لا يختار الحكام مباشرة, وإنما يوجه أحداث التاريخ والمجتمع 
توجيها بمقتضاه يختار المسيحيون بأنفسهم حكامهم. ولكن لما كانت 
الكنيسة تمثل المسيحيةء ولما كان المسيحيون جميعا يتحدون في المسيح 
والكنيسة هي التجسيد لهذا الاتحادء فإنها بالتالي لابد أن ترضى عن 
هذا اهار واه را ده اتک ظرها هى اح ال ت 
الديفية على اناكم !. 

وبناء على ذلك لا يكون الحاكم شرعيا إلا بعد أن تقوم الكنيسة بتأدية 
بعض الطقوس التي تنبئئْ عن رضاها عنه؛ وأنها هي التي ربطت 
الساكم بشي 

زظلت هذه النظرية قاكمة حقى فض ر التهيضة »حل إننا تجدهنا بعد 
عصر النهضة؛ وفي عهد بعض الملوك الأقوياء من أمثال لويس الرابع 
عشر في فرنساء الذي كتب يقول: «إن سلطة الملوك مستمدة من 
تفويض الخالقء فالله مصدرها وليس الشعب. والملوك مسؤولون أمام 
الله وحده عن كيفية استخدامها!». 

ولقد كان القديس أوغسطين Austin‏ في نهاية القرن الرابع 
الميلادي (430-354) أقوى الفلاسفة المسيحيين الذين دافعوا عن مفهوم 


13Q 


الطاغيه 


الطاعة. وآمنوا بأن كل سلطة أرضية قائمة بأمر من الله!. ومن هنا فإن 
المسيحية. في رأيهء تدعم الوطنية ولا تهدمهاء عندما تجعل منها واجبا 
دينياء فأنبياء العهد القديم» وكذلك كتاب العهد الجديدء. يدعون 
إلى طاعة السلطة المدنيةء والخضوع لقوانين المدينة. ويعتبرون 
مقاومة هذه القوانين تحديا للإارادة الإلهية. وترتيب اللهء لأن المجتمع 
المدني الذي تلجأ فيه الحكومة إلى العنف والقوة. دليل على ما استشرى 
فيه من شروخطايا يرتكبها المواطنون في هذا المجتمع: فكان 
العنف» إذن: دواء سماويا أرسل لعلاج الخطيئةء ذلك رحمة من شرور 
العالم كما ذهب القديس بولس الذي يشير إليه القديس أوغسطين 
بضفة ممنتهرة فى هذا الشياقا""؟وفالحاكم الستيد لآ يحمل 
السيف عيفاء إذ هو خاد الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشن'. 

وهكذا فإن الله هو الذي يسلط الحاكم الظالم لينتقم من الأشرارء 
وبصفة عامة فإن طاعة الحاكم واجبة بصرف النظر عما إذا كان صالحا 
أو قاسدا:استنادا إلى غباوات القديض بولس سالفة الذكرعما أن 
المؤمن» من ناحية أخرىء عليه أن يتحمل الظلم» وهو بذلك إنما يدافع 
عن المواقف المسيحية المسالمة التي ترفض مقاومة الشر بالشر!!”). 

علينا أن نلاحظ هنا عدة أمور مهمة: 

الأول: تأثر المفكرين المسيحيين بالفكرة اليهودية القديمة التي تحبذ 
قيام دولة دينية: يحكمها الإله مباشرة على عادة الشرقيين. وقد أشار 
القديس أوغسطين إلى أهمية الطاعة اليهودية وإلى أنبياء العهد 
القديم الذين تحدكوا عنها مباشرة!. 

الثاني: النظر إلى الحاكم المستبد على أنه سيف الله الذي ينتقم 
من الأشرار والطالحين كأنه معصوم من الخطأء على نحو ما كان فرعون 
قديما!. 

الثالث: لو افترضنا أن الحاكم الطاغية كان ظالماء فإن علينا أن 
نتحملء لأن المواطنين بذلك إنما يطبقون فكرة مسيحية أساسية 
هي «عدم مقاومة الشر» أو «من لطمك على خدك الأيمن. فحول له الآخر 
أيضا..» متى 5: 38. 

اتراية: إن اشنحداد اسشيداد الحاكم وظلمة يمن آن يقسر على 


140 


فى العلم المسيحى 


أنه رحمة من السماءء فهو دليل على كثرة الشرور في العالم!. 

ولقد استمرت الفكرة المسيحية الأساسية كما هى طوال العصور 
الوسظي: إذ اله قاقر و اكب الطاهة اكناقية: والنتشيع اة الشاكيرة: 
على النحو الذي عبر عنه القديس بولس-آدنى تأثر بنمو الكنيسة وتزايد 
سلطانها بعد ذلك. ومن الحقائق اللافتة للنظرء التى تثبت اتخاذ 
رجا الكنيسة في ذلك السعدن رقا سيا دن الحكومة دة 
وامتناعهم عن محاولة الحد من سلطانها أو التقليل من نفوذهاء أن 
أقوى الحجج التي جاءت مؤيدة لواجب احترام سلطة الحكام الدنيويين 
تضمنتها كتابات القديس جريحوري 0168077 .54 604-540 الذي كان 
يرى أن من حق الحاكم السيئ والطاغية الظالم أن يطيعه الناس» وليس 
ذلك فحسب» بل لابد أن تكون هذه الطاعة صامتة وسلبيةء وتلك وجهة 
نظر قد يصعب أن نجد أحدا آخر من آباء الكنيسة يشاركه فيها بهذا 
القدر من الحماسة والقوة!5 فهو يؤكد أنه لا يتعين على الرعايا أن 
يطيعوا فحسب» بل يتعين عليهم أيضا الامتناع عن محاولة الحكم على 
حياة حكامهم أو نقدها أو مناقشتهم الحساب! يقول: «لا ينبغي أن 
تكون أعمال الحكام محلا للطعن والتجريح بسيف اللسان حتى لو ثبت 
أن هذه الأعمال تستحق اللوم. ومع ذلك فإن أقل ما ينبغي إذا انزلق 
اللسان إلى استنكار أعمالهم أن يتجه القلب في أسف وخشوع إلى الندم 
والاستغفار التماسا لعفو السلطة العظمى التي ما كان الحاكم إلا ظلها 
على الأرض!". ولقد سبق أن عرضنا لآراء بعض المفكرين المسيحيين- 
من أمثال «يوحنا السالسبوري» والقديس توما الأكويني-وموقفهم من 
الطاغية وجواز قتله”'. ولم يبق لنا سوى أن نعرض لمفارقة غريبة 
هي آراء زعماء الإصلاح الديني أو المذهب البروتستانتي: مارتن 
لوثر» وجون كالفن؟ لنرى استمرار الفكرة المسيحية كما هي (ويبدو 
أنها مرتبطة بالفكر الديني الذي يضفي قداسة على الحاكم ربما 
دون أن يدري!) والمفارقة هنا تأتي من أننا أمام مصلحين كبيرين كان 
لهما دور ثوري بالغ الأهمية في الفكر المسيحيء ومع ذلك فقد كانت 
آراؤهما السياسية شديدة الرجعية: بالغة التخلفء إذا ما قورنت 
دأكارميا الاموافحية 1 


141 


الطاغيه 


ثانيا: البروتستانتية. . والطاغية! 

ا- الرجعية البروتستانتية: 

لو افترضنا أن الطاغية طلب من رجال الدين أن يبرروا أمام 
الناس. أفعاله الاستبدادية وسلوكه السيئء فإنه لن يجد. في 
ظنيء أروع من المقدمة التي يبدأ منها زعماء البروتستانتية! 
فالمقدمة التى يبدأ منها مارتن لوثر (۱546- .Martin uth )١1483‏ وجون 
كالفن Cain‏ 2 (1559- 1564) هي أن الطبيعة البشرية فاسدة 
وما يرتكبه المرء من شرور إنما يعود في أساسه إلى هذه الطبيعة 
اما ما يآتيه من أعمال صالحةء فهو يرتد في النهاية إلى اللهء إنه 
فة او هبة إنبية أو فكل حو اة رة مه مج ااا 
تتسم بوصمة الطبيعة الشريرة الفاسدة» وكل ما فيه صلاح فمرده 
إلى الله لا إلى أنفسناء ويتساوى البشر جميعا في ذلك. كتب كالفن 
يقول «حتى القديسين لا يستطيعون القيام بعمل واحد لا يستحق 
الإدانةء إذا ما حكمنا عليه بما هو حقيق به ) ولن يشفع لنا أمام الله 
سوى شيء واحد هو الإيمان فحسب 71016 5013. والإيمان هبة من الله 
ولیس شيعا ينتفع الاإنستان فسن 

وهكذا نجد الإنسان عند زعماء البروتستانتية «موجودا ساقطا» 
خلق في الأصل على صورة الله؛ لكنه ثار وتمرد على خالقه»ء ودنس هذه 
الصورة بسقوطه. وهكذا أصبح هذا الموجود الذي كان معدا في 
البداية للاستمتاع الدائم بصحبة الإله. غريبا عنه. ولهذا 
السبب حلت الفوضى محل النظام الذي كان ينبغي أن يكون سائدا 
في الكون: لاسيما على الأرض التي هي مسكنه. وبدلا من الانسجام 
والوكام حل الصراع والنزاع. وعلى هذا النحو أصبح هذا الإنسان 
الساقط ينتمي إلى مملكتين يمكن أن نرى في إحداهما بوضوح الفساد 
والخطيئة (مملكة الأرض)ء وفي الثانية النور والطهارة وهي التي يحاول 
الوصول إليها (مملكة الروح)ء لكن ذلك لا يمكن أن يحدث بغير مدد من 
السماء!22), 

ومادام الإنسان قد اغترب عن الله وعاداه. فقد أصبح بحاجة إلى 
كوابح وضوابط, إذا أردنا للحياة في هذا العالم أن تكون ممكنة أو 


142 


فى العلم المسيحى 


محتملة: فغرور الإنسان, أو مركزية الذات البشرية؛ هي التي 
قطعت صلة المحبة مع الله وهي في الوقت نفسه التي كونت جذور 
الصراع والنزاع والعداوة بين الناس. وإذا ما كان العقل والضمير في 
انسجام فسوف تكون التربية كافيةء ولن يكون ثمة حاجة إلى قهر أو 
قسرء لكن لما كان الإنسان الساقط لا يعرف إلا القليل عن الله؛ والعدالة 
والخير؛ ومادام قد رفض السير على هدى البقية الباقية من النور 
الكامن بداخله؛ فإن الإكراه أو القسر سيكون في هذه الحالة هو الأساس 
الضروري للحياة الاجتماعية والسياسية!. 

ولما كان الناس بطبيعتهم خطائين آثمين» فلا بد لهم في هذه 
المملكة الأرضية من إنسان يجبرهم على الطاعة! قطاعة السلظة خير 
في ذاتها وهي الركيزة الوحيدة التي تقوم عليها الحياة السياسية 
والاجتماعية المستقرة الآمنة. لم يكن الإنسان بحاجة إلى حكومة في 
E‏ الرامة والتساطة الأول انه اندز ممق لشفا إلى يكن تقوم 
«بتلجيمه» كما تطلب الأمر شخصا يجبره على التوافق مع القواعد 
الضرورية للحياة الاجتماعية أو قل طاعتها ولو على مضض!: «لأنه ما لم 
يكيع جاخ هذا الإنشان فميفوق هي وحضشيفة جمديغ أتواع 
الحيوانات المفترسة!». صحيح أن الإكراه قمع لسلوكه وقيد على تصرفاته. 
لكنه في الوقت ذاته حد من ارتكاب الخطايا ومحاولة دائمة لتذكرته 
بالطبيعة الإلهية للقانون الأخلاقي. وكيف أنه الوسيلة التي يقدم 
بها الله رحمته للناس ويضفي بركاته على الحياة الاجتماصية الضالسة 280 . 

وهكذا نجد أن أصل السلطة الدنيوية يكمن فى إرادة الله الرحيمة 
التي كرين نعماية الان مخ هراق عسياته:وليين لعاحة بشرية: 
ولا يوجد في فكر «لوثر» أو «كالفن» أي مجال لأي نوع من أنواع 
«العقد الاجتماعي» أو سيادة الشعب.. الخ. فالحكومة المدنية هي ترتيب 
من الله لرخاء الناس في عالم ساقط!. ولا ينبغي تحت أي ظرف أن 
يظن أنها وسيلة من وسائل البشر للحكم «على أساس الرضا والاتفاق. 
إذ يتبغى رد استخدام السلطة فيها باستمرار إلى الله لا إلى 
البش2. 

الدولة هي إذن «خادم الله على الأرض» وهي موجودة للتعبير عن 


143 


الطاغيه 


عناية الله بالبشر لعقاب الشريرء وحماية الصالح ولرخاء الكنيسة! 
وما دام الأمر كذلك فلا بد أن يكون السؤال عن شكل الحكومة المدنية 
سؤالا بغير معنى «لأن السلاطين القائمة خدام لله؛ مرتبون من عنده 
والقول بأنهم موجودون على الأرض يعني أن الله هو الذي وضعهم في 
مناصبهم ومن ثم فهم جديرون بالاحترام والطاعة! 9 ويرى 
فورستر #عاوء:ه2.8.80 أن شكل الحكومة كان في الواقع موضوعا هامشيا 
ضرورية وأساسية للحياة الاجتماعية فحسب. لأن الحكومة الجيدة أو 
الصالحة قادرةء أكثر من غيرهاء على جلب الكثير من البركات للناس. 
لكن حتى أقسى الحكومات. وأشد الأنظمة طغيانا وعنفاء بل أشد ألوان 
الطغيان الوثني ضراوة تعجز عن إطفاء شعلة الإيمانء فيما يقول جون 
كالفن في شرحه على رسالة القديس بولس0©77. 

2- مارتن لوثر (1483- 1546) 

غير أن لوثر يستحق في الواقع؛ وقفة قصيرة أو موجزة لما نجد في 
آرائه السياسية من تبرير الطغيان» فهو يرى أن فساد الطبيعة 
البشرية أمر لا مندوحة عنه. وهذا الفساد يزداد حتى يصبح 
هائلا ومريعاء مع زيادة الأعداد البشرية. بحيث يكون الفساد مرعبا 
قوية لصالح حكم الفرد المستبد: 

«لو كان لابد لنا من معاناة الألم. فخير لنا أن نعانيه على يد 
الحكام أفضل من أن نعانيه على يد رعاياهم» ذلك لأن الرعاع لا 
يعرفون الاعتدال ولا يعرفون حدا. إن كل فرد من الفوغاء يثير من 
الألم أكثر مما يثيره خمسة من الطغاة.. ولهذا كان من الأفضل أن نعاني 
الألم من الطاغية؛ أو من الحاكم المستبد. بصفة عامةء عن أن نعانيه 
من عدد لا حصر له من الطغاة الغوغاء. فيما يقول «لوثر» فى بحث له 
عنوانه: «أيمكن أن يكون هناك خلاص للجنود 2804 , 

والواقع أن «لوثر» لم يميز بين الديمقراطية وحكم الفوغاء. فرأى 
أنها سلب لكل حكم منظم. إذ لا يمكن للجماهير في رأيه أن تكون 
مسيحيةء ولا أن تكون عاقلة؛ ذلك لأن الإيمان والعدالة والعمل.. الخ. إنما 


144 


فى العلم المسيحى 


تنتمي إلى الفرد لا إلى الغوغاء التي تميل إلى التطرف في كل شيء 
ومن هنا فإن حكم الفرد يسمح باستمرار أن يكون الحاكم مسيحيا 
أميرا عادلا عاقلا بل حتى الطغيان والتوحش والأعمال العنيفة اللا معقولة 
التي يمارسها أي حاكم سيئء لا يمكن أن تبلغ من السوء ما يبلغه 
حكم الفوغاء!. ويشن لوثر حملة عنيفة على ما يسمى«بالشعب» ويصفه 
يعبارات بالغة السوءء «فكما أن الحمار يريد أن يتلقى الضريات 
كذلك يريد الشعب أن يكون محكوما بوساطة القوة. إن الله لم يعط 
الحكام «ذنب ثعلب» يستعمل في رفع الغبارء وإنما أعطاهم سيفاء 
لأن الرحمة ليس لها دور في مملكة العالم التي هي خادمة لغضب الرب 
ضد الأشرار وتمهيد عادل لجهنم والموت الأبدي”. ويشير لوثر إلى أن 
«اليد التي تحمل السيف وتذبح ليست يد الإنسانء وإنما هي يد الله. 
إن الله هو الذي يشنقء ويعذب» ويقطع الرأس» فكل هذه الأفعال 
هي أفعاله وأحكامه.0. 

وعلى الرغم من أن بعض الكتاب يحاول أن يبرر موقف لوثر من 
الحكام» ودعوة الناس إلى طاعتهم. بأنه كان مضطرا إلى محالفتهم, 
ليقفوا في صفه ضد روما في صراعه معهاء فإن هذا التبرير يغفل 
دوره كمصلح ورجل دين. ومهما يكن من أمر هذا التحالف المزعوم 
فإنه لا يبرر له أن يقول عبارة كهذه: 

«أمراء هذا العالم آلهة. والناس العاديون هم الشيطان» وعن طريقهم 
يفعل الرب أحيانا ما يفعله في أحيان أخرى مباشرة عن طريق 
الشيطانء أو أنه يجعل الثورة عقوبة لخطايا الناس.. إني لأفضل أن 
احكمل امورا مركي ا کے شعي تمل الوا 

لقد كان «لوثر» في كل مناسبة يؤكد واجب الطاعة العمياء للحاكم 
ولو كان طاغية: 

«ليس من الصواب بأي حال أن يقف أي مسيحي ضد حكومته سواء 
أكانت أفعالها عادلة أم جائرة!.. ليس ثمة أفعال أفضل من طاعة من 
هم رؤساؤنا وخدمتهم. ولهذا السبب أيضا فالعصيان خطيئة أكبر 
من القتل؛ والدسء والسرقةء وخيانة الأمانة» وكل ما تشتمل عليه هذه 
الرذائل2 . 


145 


الطاغيه 


وإذا كان الاحترام والطاعة والإذعان تعبيرا عن واجبات دينية 
للسلظة الأرضية أو هي شرط مسبق تلحياة الاجتماعية والسياسية 
رة فإنها لأ معن أن فحن فى خلل السمشراطية: لأن ية 
السياسية الحقة إنما توجد في ظل حكم الفرد الذي هو أفضل أشكال 
الك 

3- جون كالفن (1509- 34!)1564, 

استنتج كالفن النتيجة الحاسمة المترتبة على مبدأ فساد 
الطبيعة البشرية وهي أنه لابد للحكام من إقامة نظام من 
«الضوابط».. ومن هنا فلم يكن يهتم كثيرا بفكرة «سيادة الشعب» أو 
الانتخابات» ذلك لأن ما يسمى بالانتخابات داخل الكنيسة لا يفعل 
أكثر من استكشاف الدعوة الإلهية لفرد ما ليكون راهبا. أما عملية 
الانتخابات فى الدولة فإنها كذلك ليست سوى محاولة للتعرف على 
أن الله رفع شخما اسا إن متسب ال قاسة كالبيلظلة والستطظان 
ينبعان من الله؛ وليس من الناخبين. وينبغي أن يكون للحاكم 
المنتخب نفس الولاء والاحترام الذي نكنه لمن لم ننتخبه» أعني لمن 
آلت إليه السيادة بالميراث . 

وهكذا فإن كالفن لم يقدر قيمة الديمقراطية. كما أنه لم يهتم 
كثيرا بفكرة سيادة الشعب» كما قلناء لأن الحقائق تأتي من الله مباشرة. 
ومملكته لا توجد على الأرض. «ومن هنا فلا أهمية للظروف التي نعيشها 
بين الناس ولا يهم كثيرا في ظل أية قوانين نحياء مادامت مملكة 
المسيح لا توجد فيها على الإطلاق». وإن كان من الأهمية بمكان أن يضع 
الملوك نصب أعينهم أن الواجب الأول للحكم هو المحافظة على عبادة 
الله الخالصة؛ واقتلاع الوثنية وانتهاك الحرمات, والتجديف والزندقة 
من جذورها!. 

يقول: الخرض هن الحكم الزمني: ما دهنا نعيش بين الناس: هو أن 
تشجع ونسائد الحيادة الشايجية لله وان داقع عن المذهب الخالص 
ومركز الكنيسة؛ وأن نحقق التجانس بين بعضنا البعضء وأن نحافظ 
على السلام المشترك والسكينة المششركة ,. 

وهكذا نجد آراء كالفن السياسية شديدة الرجعية فهي تؤكد باستمرار 


146 


فى العلم المسيحى 


واجب الطاعة العمياء للحاكم-وهو هنا على تمام الاتفاق مع لوثر-والسلطة 
الزمنية هي وسيلة الخلاص الظاهريةء لهذا تكون مرتبة الحاكم أشرف 
المراتب على حد قوله فهو نائب الله ومقاومته مقاومة لله. ومن العبث 
أن ينازع الرجل العادي الذي ليس من واجبه الحكم» فيما هو أفضل 
الأحوال للدولةء فإذا كان هناك شيء يحتاج إلى تصحيح فليقله لمن 
فوقه وألا يتولى العمل بنفسه! وليس له أن يفعل شيئًا بغير أمر من 
يعلوه مرتبة!., والحاكم السيىّ هو عقاب للناس على خطاياهم وهو 
يستحق خضوع رعاياه غير المشروط لهء وبما لا يقل عما يستحقه 
الحاكم الصالح» ذلك لأن الخضوع ليس للشخص. ولكنه للمنصب. وللمنصب 
جلالة لا يمكن انتهاكها” . وهكذا يردد «كالفن» تلك الحجة البلهاء 
أو ذلك التبرير الساذج الغريب الذي يقول إن الطغيانء والهزائم 
الحربيةء والنكبات السياسية؛ إنما هي غضب من الله وعقاب للناس 
لأنهم ابتعدوا عنهء وتخلوا عن الصراط القويم!. قيل هذا بعد هزيمة 
7 المروعة التي حلت بنا بسبب بعدنا عن الله (كما لو أن الإسرائيليين 
كانوا أقرب إليه منا!). وقيل ذلك بعد الغزو العراقي البربري للكويت.. 
الخ. ولست أجد ردا على هؤلاء أبلغ من تساؤل سدني هوك: «كيف يمكن 
أن يتصور الناس أن يكون هتلر (وصدام وديان..) هم أدوات العدالة 
الإلهية التي تعاقب بها شعبا خرج عن جادة الحق؟ كيف يمكن أن تكون 
أداة الفعل الإلهي طغاة على هذه الدرجة من السوء؟» 08. أيكون غريبا 
بعد ذلك أن يكتب الفيلسوف الفرنسي جوزيف دي مستر(!1753-182) 
Mast‏ 1.26 قائلا: «ليس في استطاعة الإنسان أن يخلق ملكا. لقد 
كتب أنا الذي أخلق الملوك. ليست هذه عبارة من جملة كنسية أو 
استعارة لمبشر.. وإنما هي قانون للعالم السياسيء إن الله هو الذي 
يخلق الملوك بالمعنى الحرفي للكلمة.. إن العقل والتجربة يجتمعان 
ليقيما الدليل على أن الدستور هو عمل إلهي.. وكما أن المبدأ الديني 
هو الذي خلق كل شيء؛ فإن غياب المبدأ هو الذي يدمر كل شيء!!» 


147 


هوامش الفصل السادس 


(1) هم أول من حاول ذلك بالنسبة للديانات السماويةء فقد سبقهم الشرق القديم: فالعبرانيون لم 
يدخلوا-سياسيا-شيثا يستحق الذكر على تاريخ الحضارة الشرقية. بل إن الثيوقراطية نفسها 
ليست نظاما جديدا في حياة الشرق. حتى ولا النظام القبلي نفسهء وكذلك تكوين الوحدة الوطنية 
بقيادة شخصيات بارزةء وكذلك ازدهار النظام الملكى القائم على مبداً المركزية «تاريخ الحضارات 
العام» بإشراف موريس كروزيه وترجمة فريد داغر وفؤاد أبو ريحان-المجلد الأول-ص 268« داز 
عويدات. بيروت ط 2 عام 986| 
(2) قارن الفصل الثاني من الباب الأول من هذا البحث. 
(3) تثنية الاستنزاع 2 3- 33 وأيضا 8- 9. 
)4( المرجع نفسه 6:32. 
)05 برتراندرسل «تاريخ الفلسفة الغربية» الجزء الثاني -.ص 5 ترجمة د. زكي نجيب محمود. 
وانظر أيضا 5 ثروت بدوي «أصول الفكر السياسى» ص 2- 103 دار النهضة العربية عام 
خلق سيفين لقيادة العالم أحدهما روحي والآخر زمني أو دنيويء وإن أولهما للبابا والأخر 
للاميراطور.. ثم ظهرت المجادلات والمساجالات حسب العصور المختلفة: فهل يتسلم الإميراطور 
سيفه من الله مباشرة أم بسلمه إليه البابا نيابة عن الله؟ وقد ترتب على الرأي الثاني أن اصبح 
من حق البايا إعفاء رعاياه من يمين الولاء للملوك! مما دعا الأباطرة والملوك إلى محاربة السلطة 
الروحية التي يمثلها البابا. 
(7) رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل كولوسي الإصحاح الثالث 35-33. 
)8( جورج سياين «تطور الفكر السياسي» المجلد الثاني .ص 5- ترجمة حسن جلال العروسي. 
(10)المرجع نفسه: 4- 5. 
)1١(‏ رسالة بطرس الرسول الأولى: الإصحاح الثاني: .17-1١‏ 
(۱2) من هنا تأتي نظريات العقد الاجتماعي؛ فهي أساسا هدم لنظرية الحق الإلهي والقول على 
العكس بأن أفراد البشر العاديين هم الذين أعطوا السلطة للحكام-على اختلاف في السيب 
والهدف عند كل من «هوبز» و«لوك» و«روسو» لكن العقد الاجتماعي كان على أية حال؛ الأساس 
الذي ارتكزت عليه الديمقراطية فيما بعد. 
(۱3) اقتبسه جان توشار فى كتابه «تاريخ الفكر السياسى» ص ا9. 
(14) استنادا إلى قول المسيح لحوارييه «الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا 
في السماءء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء» متى 18: 18. وقارن أيضا العبارة 
نفسها لبطرس الرسول متى 16 : 25-18 ويوحنا 20: ۱9- 23 الخ. 

(15). Ernest L. Fortin: «St. Augustine », 200 in Leo Strauss, History of Political Philosophy 
رسالة القدير بولس إلى أهل رومية.‎ )16( 


148 


فى العلم المسيحى 


(17) رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح الثالث عشر: 5 
(18) اقتبسه جورج سباين «تطور الفكر السياسي» المجلد الثاني ص 281. 
(19) انظر فيما سبق ص 68- 69 من هذا البحث. 
(20) أقتبسه دنكان فورستر في بحثه عن «لوثر وكالفن» في الكتاب الضخم الذي اشرف على 
تحريره ليون شتراوس «تاريخ الفلسفة السياسية» ص 325 انظر: 
.20م Leo Stauss: History of Political Philosophy‏ 
(21)Duncan B. Forester: Ibid, P 320.‏ 
Ibid, P. 332.‏ )22( 
(23) ريما كان المعنى اللغوي لكلمة «السياسة» العربية تعبيرا دقيقا عن فكرة «الإنسان الحيواني 
المتوحش» الذي يروضه الحاكم ويهذب من سلوكه كما يفعل السائس مع الخيل الجوامح! فالسياسة 
في الأصل كما يقول ابن منظور القيام على الشيء بما يصلحه.. والسياسة فعل السائس» يقال هو 
يسوس الدواب إذا قام عليها وراضهاء والوالي يسوس رعيته. لسان العرب لابن منظور المجلد 
الثاني ص 239-8. وهكذا نجد أن الحاكم مثل مروض الخيل» يسوس الناس ويوجههم إلى ما فيه 
خيرهم وسعادتهم وهي فكرة تجعل الناس قصرا لم ينضجوا بعد! 
D.B.Forster: Op. Cit. P .334 (24)‏ 
Duncan B, Forester: Ibid, P 320.‏ )25( 
Ibid‏ .)26( 
Ibid, p. 336.‏ )27( 
(28)Quoted by D. B. Forester, Ibid, P 337.‏ 
(29) جان جاك شوفالبيه «تاريخ الفكر السياسي»-ص 257- ترجمة د. محمد ترب صاصيلاء 
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. 
)30( المرجع نفسه ص 259. 
(31) اقتيسه جورج شاير «تطور الفكر السياسي:< المجلد الثالث ص 502. 
)32( المرجع السابق. 
D.B.Forester: Op. Cit. P.337 .(33)‏ 
(34) من الأمور الغريبة التي تروى عن «كالفن» آنه وافق على إعدام أحد الأشخاص لأنه اختلف 
معه في الرآي» إذ لم يكن يعترف بحرية الفكر ولا بتعدد الآراء أو اختلافات وجهات النظر. وهو 
أمر يتسق تماما مع كراهية البروتستانتية للديمقراطية أو حكم الشعب!! 
D,B.Forester: Op. Cit .)35(‏ 
(36) اقتبسه جورج سباين في تطور الفكر السياسي المجلد الثالث ص 506. 
)37( سدني هوك «البطل في التاريخ» ص 0- ترجمة مروان الجابري بيروت عام 9 
)38( المرجع السابق. 


149 


7 


«والله: لا يأمرنى أحد بتقوی 
ضربت عنقه..» 


عبد الملك بن مروان 


«والله لا آمر أحدا أن يخرج 
من باب من آبواب المسجدء 
فيخرج من الباب الذي يليه 
إلا ضربت عنقه!» 


في العالم الإسلامي 


لتعطادجط : 

لابد لنا من كلمة موجزة نزيل بها كل لبس 
محتمل قد يقع فيه القارئّ وهو يطالع الصفحات 
القادمة: 

فكاتب هذه السطور عربي يفخر بانتمائه إلى 
هذه الأمة. وهو أعلم ما يكون بدورها الحضاري 
في التاريخ» وأنها حملت المشعل من حضارة اليونان؛ 
عندما غرقت أوروبا في بحر الظلمات في العصور 
الوسطىء وإذا كان ينتقد في صفحات طويلة بعض 
ابات السياسية خان ذلك مخ متظلق ما انه 
هاملت لأمه: «لابد أن أقسو لكي أكون رحيما» إذ 
إن البثور التي شوهت وجه حضارتنا كان يمكن لها 
أن تزول؛ وكنا أولى من غيرنا بتنمية مبادئ 
الديمقراطية «وإعلان حقوق الإنسان».. لولا سفه 
بعض الحكام ورعونتهم. 

ومع ذلك فنحن لا نستطيع أن نتغاضى عن 
إيجابيات مشرقة حتى في العهود التي سلطنا عليها 
الضوء لكي نهدم شكلا من أشكال الحكم السياسي. 
فعلى الرغم» مثلاء من أن معاوية كان أول من أحال 
الخلافة إلى ملك كسروى عندما قال بصراحة: 
«أنا أول الملوك»!. فقد تمت في عهده كثرة كثيرة 


الطاغيه 


من الأعمال الإيجابية على رأسها الفتوحات الإسلامية؛ فقد اتجهت همة 
المسلمين بقيادته نحو الشمال والغرب حيث الدولة الرومانية الشرقية التي 
كانت تغير على البلاد الإسلامية القريبة منها: فرتب معاوية لغزوها برا 
وبحراء وبلغ أسطول الشام في عهده ١700‏ سفينة فتح بها عدة جهات مثل 
جزيرة «رودس»». وبعض الجزر اليونانيةء ولم يكن للعرب عهد بالبحر ولا 
بالسفن من قبل!. 

وفي عام 48 ه جهز معاوية جيشا لفتح القسطنطينية برا وبحرا.. 
صحيح أن الجيش لم ينتصر ولم يتمكن العرب من فتح المدينة العتيدة لمتانة 
أسوارها ومنعه موقعهاء لكن المحاولة نفسها جديرة بالتقدير.. ثم كانت 
المحاولة الثانية لفتح هذه المدينة في عهد سليمان بن عبد الملك. 

وفي عهد الآمويين أيضا فتحت بلاد الآندلس واتسعت رقعة الدولة في 
الشرق والغرب على السواء. 

ولم يقتصر عهد الأمويين على الفتوحات الضخمة فحسبء بل كانت 
لهم تنظيمات مهمة داخل الدولة نفسها لتنظيم الدواوين؛ والشرطة:؛ وإنشاء 
دار لسك النقود في عهد عبد الملك الذي أمر بسحب العملة في جميع 
أنحاء الدولة. وضرب بدلا منها عملة جديدة من الذهب والفضة؛ وكان 
يعاقب كل من يزيف العملة عقابا صارما. 

وكان خالد بن يزيد بن معاوية أول من عني بنقل علوم الطب والكيمياء 
إلى اللغة العربية. فدعا جماعة من اليونانيين المقيمين في مصرء. وطلب 
منهم أن ينقلوا له كثيرا من الكتب اليونانية والقبطية التي تناولت البحث 
في صناعة الكيمياء العمليةء وعمل على الحصول على الذهب عن طريق 
الكيمياءء وكذلك عربت الدواوين في عهد عبد الملك بن مروانء بعد أن 
كانت بالفارسية في العراق واليونانية في مصر والشام. كما كانت المساجد 
من أكبر معاهد الثقافة لدراسة القرآن والحديث والفقه واللفةء وأصبح 
الكثير منها مركزا للحركة العلمية وخير مثال على ذلك: مسجد البصرة. 

كما ازدهرت الحياة الثقافية في عهد العباسيين: فزادت العناية بترجمة 
الكتب في عهد هارون الرشيد بعد أن وقع في حوزته بعض الكتب اليونانية 
التي أمر بترجمتها. 

كما نشطت حركة الترجمة بفضل تشجيع البرامكة للمترجمين وإدرار 


فى العلم اإاسلامى 


الأرزاق عليهم. 

وفي عهد المأمون نشطت حركة النقل والترجمة من اللغات الأجنبية, 
وخاصة اليونانية والفارسية إلى العربية: فأرسل البعوث إلى القسطنطينية 
لإحضار المصنفات الفريدة في الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب. 

وقد ظهرت في عهد المأمون طائفة من جهابذة علماء الرياضةء من 
أمثال محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعد أول من درس الجبر دراسة 
منظمة» وجعله علما منفصلا عن الحساب. 

وكان من أثر نشاط حركة النقل والترجمة في عهد المأمون أن اشتغل 
كثيرمن السلمين بدراسة الك القى رجت إلى العربية وضملوا جلى 
تفسيرها والتعليق عليهاء نخص بالذكر من هؤلاء يعقوب بن اسحق الكندي 
الذي نبغ فى الطب والفلسفة وعلم الحساب. 

وفى عهد العباسيين أيضا أنشئت المدارس المخصصة لدراسة العلم 
مثل مدرسة بغداد» ومدرسة بلخ, ومدرسة نيسابورء ومدرسة البصرة. 
العصر مثل «خزانة الحكمة» أو «بيت الحكمة» أسسها الرشيد ثم نماها 
المأمون وقواهاء ويقال إن بيت الحكمة كان جامعة كبيرة يتصل بها مكتبة 
ومرصد. كما كانت تقوم بنسخ الكتب وترجمتها إلى اللغة العربيةء كما كان 
يفعل يوحنا بن ماسويهء وكان فيها رئيس للترجمة ومساعدوه. كما كان لها 
مدير وأعوانء وكما كان فيها مجلدون.. الخ. 

بقي أن نختتم هذا التمهيد بإثارة اعتراض نتوقعه ونظنه خاطئًا. عندما 
Anachronism‏ عندما نتحدث عن انعدام الحريات. أو حقوق الإنسان فى 
تلك الحقبة فيقول إننا في هذه الحالة نستخدم مصطلحات حديثة ثم 
نسحبها على حقبة ماضية لم يكن للناس عهد بها.. الخ. هذا الاعتراض 
مردود عليه من زاويتين: 

الأولى: أننا سنلمس الكثير من الأفكار الديمقراطية الأساسية فى عهدى 
أبي بكر وعمر: الرأي الحر في اختيار الخليفة» والمعارضة ونقد تصرفات 
الحاكم, والرقابة لسلوك الحاكم ومحاسيته. وتحديد راتب له بحيث لا 
يوحد بين «بيته» و«بيت المال».. الخ. وهي كلها نابعة من قلب الإسلام: لا من 


الطاغيه 


مصدر خارجه. 

الثانية: أن حقوق الإنسان وحريته وكرامته وقيمته منصوص عليها في 
القرآن الكريم والأحاديث النبوية على نحو واضح وصريح» ولم يكن ينبغي 
أن ننتظر حتى يطلعنا عليها المحدثون؛ بل يرى البعض أن الإعلان العالمي 
لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 
عام 1948 «قد سبقه الإسلام في هذا الشأن منذ أربعة عشر قرناء فهو في 
حقيقته لم يكن إلا إعلاما إلهيا بهذه الحقوق في صورة أدق وأحق وأعم 
وإرساء لدعائم الحرية والعدل والمساواة وتكريما للإنسان في كل زمان 
ومكان .0 


أولكا: الواقع والمثال 

لابد لنا ونحن نتحدث عن الدولة الإسلاميةء أن نفرق بين الدولة التي 
يقرها الإسلام, أو الصورة المثالية الرائعة للدولة الإسلاميةء كما يستخرجها 
الفقهاء والمفكرون من الكتاب والسنةء وبين الدولة الإسلامية الواقعية على 
نحو ما ظهرت في مجرى التاريخ: أو بين ما يسمى في الاصطلاحات 
القانونية ۴٠۲١‏ ءل و ١ں[‏ مل آي جانب التطبيق العملي وجانب التشريع النظري, 
فإذا ما تحدث بعض الفقهاء والمفكرين عن «نظام الحكم في الإسلام» الذي 
يوجب «إسناد الأمر إلى إمام فاضل عالم حسن السياسة.. . الخ».. «يمنع 
الظالم وينصف المظلوم» وأن يكون «عادلا لثلا يجور. عاقلا ليصلح 
التصرفات, بالغا لقصور عقل الصبىء ذكرا إذ النساء ناقصات عقل ودين 
حرا لاا فشكله حدما السيد كيذه السعات مشروظة بالا خا کان 
علينا أن نكون على وعي بأن هذه الصفات شروط «مثالية» تتحدث عما 
ينبغي أن يكون»ء ويستخرجها المفكرون من الكتاب والسنة لتشكيل صورة 
مثالية لما ينبغي أن تكون عليه الدولة في الإسلام. وهي صورة تختلف كثيرا 
عن الدولة التي ظهرت طوال التاريخ الإسلامي والتي قد نجد فيها ألوانا 
من الظلم لا حد نه ولد نجد من الحكام من لا يعرف من العدل شيا 
لاسيما في معاملة خصومه (كما فعل السفاح مع بني آمية)ء وقد يأسر 
(*) الشيخ زكريا البري «الإسلام وحقوق الإنسان» مجلة عالم الفكرء المجلد الأول العدد الرابع 
يناير ا197- وانظر أيضا «حقوق الإنسان في الإسلام» للدكتور علي عبد الواحد وافي 


154 





فى العلم اإاسلامى 


الخليفة عمه ثم يقتله!. وقد يكون غادرا كالمنصور «فأول ما فعل عندما 
تولى الخلافة أن قتل أبا مسلم. 

الخراساني صاحب دعوتهم وممهد مملکتهم» . وقد يكون قاسيا جبارا 
«كالوليد بن يزيد الجبار العنيد.. فرعون ذلك العصر والدهر المملوء 
بالمصائبء الذي يأتي يوم القيامة يتقدم قومه فيوردهم النار..» على ما 
يقول السيوطي . وقد يكون فاسقا كالوليد الذي يصفه السيوطي بأنه 
«كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله أراد أن يحج ليشرب قوق 
ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه! . وكالوليد بن عقبة الذي عينه عثمان 
بن عفان واليا على الكوفةء وكان يشرب الخمر مع ندمائه ومغنيه من أول 
الليل إلى الصباح؛ فلما أذن المؤذن تقدم إلى المحراب في صلاة الصبح 
فصلى بالناس أربعا ثم استدار لهم قائلا: أتريدون أن أزيدكم؟ فقال له من 
كان خلفه في الصف الأول: «ما تزيد. لا زادك الله من الخير. والله لا 
أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا!. ولما قتل الوليد بن يزيد 
سنة 26 ه نظر إليه أخوه سليمان بن يزيد وقال بعدا له. أشهد أنه كان 
شرويا للخمرء ماجنا فاسقاء ولقد راودني عن نفسي!» 7 . وقال الذهبي لم 
يصح عن الوليد كفر ولا زندقة؛ بل اشتهر بالخمر واللواط!.. وإلى غير 
ذلك مئات المكات من القصص والأحداث التي تروى عن الحكام طوال 
تاريخناء ممن لم يكن ينطبق عليهم قط الشروط المثالية للحاكم المسلم. بل 
إننا يمكن أن نستمر في سرد وقائع التاريخ في الدولة الإسلامية لنجد أن 
المرأة حكمت بالفعل كما حدث في مصر أيام شجرة الدر في نهاية الدولة 
الأيوبية وبداية عصر المماليك الذين يخالف حكمهم شرطا آخر هو أن 
يكون الحاكم حرا لا عبدا!. 

وليس في ذلك انتقاص لنظام الحكم في الإسلام» فهذه كلها ضروب من 
الحكم اتخذت زيا إسلاميا في ظاهرهاء لكنها لم تكن كذلك في الحقيقة, 
لأن الإسلام يوجب العدل؛ والشورىء ورضا الناس عن الحاكم... الخ؛ على 
نحو ما سنعرف بعد قليل. 

مرة أخرى علينا ألا نخلط بين الصورة المثالية لما ينبغي أن تكون عليه 
الدولة في الإسلام؛ والصورة الواقعية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي. 
بل إن من الباحثين من يفرق في الجانب النظري نفسه بين ما يمكن أن 


الطاغيه 


يسمى «نظريات إسلامية» كالأفكار التي قررها علماء الفقه والكلام 
والمؤرخون وكانت مصادرها القران أو السنة أو الإجماع.. وبين مجموعة 
النصائح والحكم والإرشادات العملية التي توجه إلى الملك أو الأمير أو 
الحاكم تهديه إلى أن يجعل سياسته حسنة مع الرعية؛ وتبين له الطريقة 
التي ينجح بها أو يستبقي بها ملكهء ويمكن أن تسمى «بالآداب السياسية» 
وهي في الغالب مأخوذة من حكم الفرس أو الروم أو الهند 9). 

إن الخلط بين هذين الجانبين «ما ينبغي أن يکون» و«ما كان وما هو 
كائن» يجعلنا نخطن كثيرا في فهم الواقع الذي نعيشه» وفي تصورنا 
للمستقبل الذي نرسمه»ء مما يترتب عليه الكثير من المجادلات التي هي 
مضيعة للوقت والجهد. وكان يمكن أن تتلاشى لو فهمنا المسألة من هذا 
المنظور © 

ويحذر فقيه مصر الأول الدكتور عبد الرزاق السنهوري من الخلط بين 
هذين الجانبين» بحيث نعتبر المثال مسؤولا عما حدث في أرض الواقع, 
يقول: «نظام الخلافة لا يمكن أن يكون مسؤولا عن الفتن التي حدثت في 
الدولة الإسلاميةء أو عن عدم احترام الحكام لقواعده وأحكامه. كما أن 
وقوع الفتن والخلافات ظاهرة يتسم بها تاريخ الدول جميعاء ولا يمكن 
القول إن المسلمين كانوا يشذون عن هذه الظاهرة أو إنهم أخذوا بنظام آخر 
للحكم. في رأينا أنه لا محل للزعم الخاطى والذي يردده كثيرون قائلين إن 
الخلافة كانت هي مصدر المساوئ التي شهدها التاريخ الإسلامي. فالحقيقة 
هي أنه إذا بحثنا عن سبب الاستبداد الذي مارسته بعض الحكومات 
الإسلامية زمنا طويلاء فإنه لم يكن نظام الخلافةء بل هو خروج هؤلاء 
الحكام عن مبادئه وأهدافه ©'. 

وسوف نعرض قيما بعد نماذج كثيرة توضح الفرق بين الواقع والمثال في 
بناء الدولة الإسلاميةء ونماذج أخرى للخلط بينهماء مما ينتج عنه الكثير 
من المشكلات الوهمية التي كان يمكن لنا أن نتفاداها في سهولة ويسر. 

إذا كان هناك «واقع ومثال» في الدولة الإسلامية؛ فإن ما يهمنا في هذا 
البحث هو الواقع؛ أو ما حدث خلال التاريخ» وذلك لثلاثة أسباب هي: 

الأول: أن ما حدث في تاريخ الدولة الإسلامية هو الذي أثر فيناء ولا 
يزال؛ بل ترسب في أعماقناء حتى أصبحنا ندهش إن قال لنا أحد إن هناك 


156 


فى العلم اإاسلامى 


ألوانا أخرى من الحكم اسمها «الحكم الديمقراطي» وقلنا له إنه «نظام 
غربي» لا يصلح لنا!ء أو لجأنا إلى المثال لنقول إن عندنا هذا الضرب من 
الحكم بأسماء أخرى. 

الثاني: أن هناك من يطالب بعودة مثل هذا النوع من الحكم-بدافع 
البحث عن هوية تمكننا من مواجهة النظم العالمية-مع الخلط المستمر بين 
الواقع والمثال والانتقال بحرية من أحدهما إلى الآخر. فمعرفة الواقع 
«تساعدنا كثيرا على معرفة أسباب انحرافه عن المثال. 

الثالث: أن الدراسة المتأنية للواقع التاريخي لهذه الحقبة تكشف لنا 
أنها كانت حلقة وسطى بين تاريخنا القديم في الشرق حيث ساده طفيان 
الحاكم المتأله: في مصرء وبابل» وأشورء. وفارس.. . الخ وبين الطغيان 
الحديث والمعاصر الذي تأله فيه الحاكم أيضا في هذه البلدان نفسها 
وبالتالي فقد ساد الطغيان تاريخنا القديم والوسيط والحديث؛ مما جعل 
الطغيان الشرقي نموذجا أعلى للطغيانء وخلق عند المواطن الشرقي طبيعة 
خاصة تجعله يستسلم بسهولة لمثل هذا اللون من الحكم» بل ويتقبلهء وأحيانا 
يسعى إليه دون أن يجد في ذلك حرجا ولا غضاضة!. لقد كان أرسطو 
يقول: إن الرجل الحر لا يستطيع أن يتحمل حكم الطاغية؛ ولهذا فإن 
الرجل اليوناني لا يطيق الطغيان» بل ينفر منه. أما الرجل الشرقي فإنه 
يجده آمرا مطبيعياء فهو نفسه طاغية في بيثه يعامل زوجته معاملة العبيد: 
ولهذا لا يدهشه أن يعامله الاك فو اسا العبيد. 

لكن علينا أن نرجيٌ مناقشة «الطغيان الشرقي» بصفة عامة إلى نهاية 
البحث. وأن نهتم الآن بالطغيان في تاريخنا الوسيط الذي ارتدى فيه الحاكم 
عباءة الدين!. يكفي هنا أن نقول مع الدكتور السنهوري: 

«نحن لا نحاول إنكار الحقائق التاريخية؛ فتاريخ الخلافة الناقصة؛ منذ 
عهد الأمويين ومن بعدهم» مليء بأنواع إساءة السلطة. وإن كان هذا الاستبداد 
مصدره خروج هؤلاء الحكام على قواعد الخلافة الشرعية..» "'. وعلينا 
أن نتبين بوضوح وجلاء ما يقوله لنا هذا الفقيه النابه. رغم دفاعه القوي 
عن الخلافة ومحاولته تطويرها لتصبح عصبة أمم شرقيةء من أن: «ما 
نسميه اليوم بطريقة الانتخابات لم يعرفها العالم الإسلامي في صورة 
عملية واضحة؛ وسبب تقصير فقهاء المسلمين في كل ما يتعلق بالانتخابات 


157 


الطاغيه 
هو: تحول الخلافة الشرعية إلى ملكية وراثية في وقت مبكر.» 02. 


ثانيا: بذور ديمقراطية 

توفي النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يحدد من يخلفهء فثار الخلاف 
بين المسلمين على منصب الحاكم قبل أن يواري الثرى جثمانه الطاهر, 
والواقع أن هذا الخلاف كان أمرا طبيعيا وظاهرة صحية بين ن المهاجرين 
والأنصارء فكأننا أمام أحزاب سياسية تتناقش وتتجادل؛ وتنتهي إلى رأي 
تأخن به الأغلبية. على هذا التو ايع الفريق ا تمه سقيقة ينس 
ساعدة ”'ء ليختاروا خليفةء فرشح الأنصار من بينهم سيد الخزرج «سعد 
بن عبادة» الذي قام فيهم خطيبا فقال: «يا معشر الأنصار لكم سابقة في 
الدينء وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب.. نحن أنصار اللهء 
وكتبة الإسلام؛ وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا ..» ".و أسرع أبو بكر 
وعمر ومجموعة من المهاجرين إلى السقيفة خشية ألا ينظر الأنصار في 
الأمور إلا من جانب واحد هو جانبهم '"'2. ودار نقاش طويل حاول البعض 
أن يصل فيه إلى حل وننط: فدعا «الحباب بن المتذر» إلى رأي شالت هو 
إمكان اقتسام السيادة, أو تعدد ا أي أن يكون هناك خليفتانء وذلك 
حين قال: «منا أمير ومنكم أمير» 'ء وكثر اللغط وتعالت الأصوات على حد 
قول ابن كثير”'» «وما درى الحاضرون في هذا الاجتماع أنهم يعقدون أهم 
«اجتماع» أو «مؤتمر» في تاريخ الإسلام كله. وما أشبهه «بجمعية وطنية» أو 
تأسيسية تبحث مصير أمة لأجيال عديدة لاحقة؛ وتضع دستورا يكون 
أساسا لحياتها في المستقبل..»2"": إلى أن حسم عمر بن الخطاب النقاش 
بحجج قويةء منها أن رسول الله أمر أبا بكر أن يوم الناس» و«أنه ثاني اثنين 
إذ هما في الغار» ثم تساءل في براعة: «من منكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا 
بكر فقالت الأنصار: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكرا" فقال: ابسط 
يدك يا أبا بكر نبايعك. فبسط يده فبايعه! ثم بايعه المهاجرون والأنصار 
تحت الشقيفة فيما يسمن تاشبيعة الأولى أو البيعة النخاضة أو الضغرى: 
وقد وصف الأستاذ ماكدونالد 8.2.312405214 اجتماع السقيفة بقوله: «إن 
هذا الاجتماع يذكر إلى حد بعيد بمؤتمر سياسي دارت فيه المناقشات وفق 
الأساليب الحديثة20 , 


فى العلم اإاسلامى 


ثم وقف أبو بكر في اليوم التالي-فيما يسمى بالبيعة العامة-خطيبا يلقي 
على الناس بيانا يحدد فيه برنامجه السياسي: «أيها الناس؛ إني قد وليت 
عليكم: ولست بخيركم» فإن أحسنت فأعينونيء وإن أسأت فقوموني الصدق 
أمانة. والكذب خيانةء والضيف فيكم قوي عندي حتى أزيح عنه علته إن 
شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله..»(21. 

ورغم نجاح الخليفة الأول بالأغلبية المطلقةء فقد كانت هناك ضروب 
كثيرة من المعارضة . ويحاول البعض إخفاءها دون أن ندري لذلك سبباء مع 
أنها ظاهرة صحية؛ وكأن أي ضرب من المعارضة أو الرأي المخالف شذوذ 
لا يجوز ذكره!!: كانت هناك آراء معارضة لاختيار أبي بكرء فلم يبايعه 
«سعد بن عبادة» وخرج إلى الشام» وكذلك الزبير بن العوام (ابن عمة 
الرسول)ء وكذلك علي بن أبي طالب الذي قال لأبي بكر معترضا: «لقد 
أفسدت عليثا آمرنا لم تستشر ولم ترع لنا حقا... 2200 ولم يغضب أبو 
بكر أو ينفعل» أو يجد في هذا القول «جريمة لا تغتفر!», بل أجاب في هدوء 
الرجل «الديمقراطي» الذي يتقبل الرأي الآخر بصدر رحبه: بلى! ولكني 
خشيت الفتنةء وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويلء ومجاذبة 
في الإمامة.. .» على ما يروى المسعودي . وقيل إن عليا بايعه بعد موت 
فاطمة بعشرة أيام وقيل بعد وفاة النبي بسبعين يوماء وقيل بعد ثلاثة أشهر 
أوسنة: وقيل غين ذلك!24, 

وعلى الرغم من أن خلافة أبي بكر لم تستمر أكثر من عامين وثلاثة 
أشهر كانت الدولة فيها لا تزال تتخلق. فإنها وضعت الكثير من البذور 
الديمقراطية المهمة: 

اد قابو بكر لم يتول الحكم بحد السيفه على ثحو ما فعل الأمويون 
والعباسيون فيما بعد» وإنما بعد نقاش ديمقراطي حر كانت فيه حرية 

الرأي مكفولة للجميع: فدار بين الفريقين نقاش طويل أدلى فيه كل 
فريق بدلوه. وعرض حججه في الهواء الطلق. 

2- كانت هناك معارضة حقيقية؛. فبعض المسلمين رفض أن يبايع أبا 
بكرء والبعض الآخر بايعه بعد فترة طويلة! دون أن يكون «المعارض» شاذا أو 
هادما للنظام أو متآمرا.. . إلى آخر الألقاب التي ظهرت بعد ذلك واستمرت 
معنا حتى الآن. 


159 


الطاغيه 


3- في خطابه بعد البيعة» وضع أبو بكر أساسا مهما من أسس 
الديمقراطيةء وهو مراقبة الشعب للحاكم ومحاسبته إن أخطأً. وذلك يعني 
بالطبع أن بقاء الحاكم رهن بسيرته وبرضا الناس عنه!. 

4- نحن أمام نظام جديد للحكم لا يزال يتشكلء بعد عهد النبوةء فليس 
هناك لقب معروف للحاكم أو اسم متفق عليه من الجميع. 

5- ولك أن تقول الشيء نفسه بالنسبة لدخل الحاكم أو راتبهء فمن أين 
ينفق؟ وكم من المال يأخن؟ تلك مسألة بالغة الأهمية ظهرت في عهد أبي 
بكر وعمرء ولم تظهر بعد ذلك قطء إذ كان بيت المال هو بيت الخليفة أيضاء 
فلم يحدث أن حدد مبلغ من المال-بعد عهد الخلفاء الراشدين-للخليفة 
الأموي أو العباسي أو من جاء بعد ذلك طوال التاريخ الإسلامي. فهو من 
حقه أن يغرف من بيت المال كما يشاء. 

أما فيما يتعلق بلقب الحاكم» فبعد أن بويع الصديق ناداه بعض الناس 
«يا خليفة الله!», لكن أبا بكر نهى عن ذلك» وقال «لست خليفة الله لكني 
خليفة رسول الله لأن الاستخلاف حق في الغاقب» أما الحاضر فلا . 

أما فيما يتعلق براتبه؛ فلما بويع الخليفة الأول أصبح وعلى ساعده 
آبراد وهو ذاهب إلى السوق فالتقى به عمر وسأله: أين تذهب؟. قال أبو 
بكر: إلى السوق» فقال: وماذا تصنع في السوق» وقد وليت أمر المسلمين؟!. 
قال أبو بكر: فمن أين أطعم عيالي؟: فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة. 
ففرضوا له قوت رجل من المهاجرين وكسوة للشتاء وأخرى للصيف.. . 
ال0 , 

مرة أخرى لابد أن نضع في أذهاننا أن نظام الحكم في هذا العهد 
المبكر كان يتخلق ويتشكل» بعد عهد للنبوة لا قياس عليهء ويسير سيرا 
حثيثا نحو بناء الدولة وقيام حكومة لم يعرفها العرب في الجاهليةء «فلم 
يكن للعرب نوع من الحكومات المعروفة الآن؛ ولم يكن لهم قضاء يحتكمون 
إليهء أو شرطة تقر الأمن والنظام» أو جيش يدرأ عنهم الأخطار الخارجية.. 
. الخ .»فهذه كلها أمور جديدة أضف إليها: كيف يتولى الحاكم؟ كيف 
يكون لقبه؟ كيف يحاسب على أعماله؟! كيف يتحدد راتبه؟! كيف تكون 
«البيعة)؟290 , 

ولما أحس أبو بكر أنه موشك على لقاء ربه جمع الناس» وقال لهم: «إنه 


160 


فى العلم اإاسلامى 


أيمانكم من بيعتي» وحل عنكم عقدتي» ورد عليكم أمركم: فأمروا عليكم من 
احبيق 0 

ومعنى ذلك أن أبا بكر. عندما شعر بقرب وفاته دعا الناس إلى اختيار 
حاكم جدید» يرتضون حكمه ونزاهته دون أن يفرض عليهم أحداء وهو یری 
أن بيعته انتهت وهم في حل منها. غير أن المسلمين بعد أن تشاوروا فقي 
الأمرلم يستطيعوا الإجماع على إسناد الحكم إلى واحد منهم» فرجعوا إليه 
ووكلوه في أن يختار لهم من يرى فيه صلاحا وخيرا للأمة. فطلب إمهاله 
حتى ينظر في الآمر. وراح يجري مشاوراته مع أولي الآمرء وكبار الصحابة 
من المهاجرين والأنصار معاء فجعل يدعوهم واحدا بعد الآخرء ليقف على 
آرائهم في هذا الأمر الخطيرء ثم خرج عثمان بن عفان ليعلن على المسلمين 
أن الرأي قد استقر على ترشيح عمر بن الخطاب» وسألهم إذا كانوا يقبلون 
مبايعته. فأقبل أكثرهم على بيعته. ولم يحاول أحد فرض رأيه على من 
رفض البيعة. 

والحق أن أبا بكر عندما رشح عمر بن الخطاب» وضع مبادئ أساسية 
استغملت عليكم عمر بن الخطاب. فإن بر وعدل فهذا علمي بهء وإن جار 
وبدل فلا علم لي بالغيب» والخير أردت.. 0 

ويلاحظ في اختيار عمر بن الخطاب أمران خطيران: 

الأول: أن أبا بكر علق خلافة عمر على رضا الناس. 

الثاني: أن أبا بكر لم ينتخب أحدا من أبناته أو أقاربه00©. 

فضلا عن أن أبا بكر لم يعلن أن عمر لا يخطئ: بل قال: «إن بر وعدل» 

وعندما تولى عمر الخلافة حدد سياسته فى هذه العبارة الجامعة: «ألا 
من رأى منكم في اعوجاجاء فليقومه. ما أنا إلا أحدكم. منزلتي منكم 
كمنزلة ولى اليتيم منه ومن ماله.. e‏ 

وقد كان عمر شخصية فذةء فمثلا لم يكن هناك قضاء في عهد أبي 
بكرء «ولكن عندما تولى أبو بكر الخلافة أسند القضاء إلى عمر بن الخطاب 
فظل سنتين لا يأتيه متخاصمان لما عرف به من الشدة والحزه(1 


6١‏ ا 


الطاغيه 


وفي بداية عهد عمر ظهرت مشكلة تسمية الحاكم مرة أخرى؟ قيم 
ينادونه؟. 

قال له المغيرة: يا خليفة الله. 

قال له عمر: ذاك نبى الله داود. 

کال اة رببول الله 

قال: ذاك صاحبكم المفقود . 

قال: يا خليفة خليفة رسول الله. 

قال: ذاك أمر يطول.. 

قال: يا عمر! 

قال: لا تبخس مقامي شرفه. أنتم المؤمنون وأنا أميركم. 

فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين.. 

وبذلك كان عمر أول من تلقب بهذا اللقب. 

كذلك جمع عمر الناس بعد توليه وقال: كنت تاجراء وقد شغلتموني 
بأمركم هذاء فما ترون أن يحل لي من هذا المال؟ فقال علي: ما يصلحك 
ويصلح عيالك بالمعروف. ليس لك من هذا المال غيرهء فقال «القول ما قال 
علي». والذي يعنينا هنا هو تحديد راتب للخليفة يكفيه هو وأهله حتى 
يتفرغ لخدمة الأمة وإدارة شؤونهاء وهو أمر حيوي حتى نفصل بين المال 
العام والخاصء وإن كان عمر نفسه كان مثالا نادرا للحاكم الزاهد الناسك 
الذي يقول: «لا يحل لي من مال الله إلا حلتان حلة للشتاءء وحلة للصيف. 
وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم..» ”0 ولك أن تقارن ذلك 
باع هاو ين ضيد الملك (105- ۱25 ه) بالكساء حتى أنه «لم يلبس ثوبا 
قط وعاد إليه.. حتى أن ملابسه لا يحملها إلا سبعمائة بعير من أجلد ما 
يكون من الإبل وأعظم ما يحمل عليها من الجمال.. وكان مع ذلك يتقللها!, 
ولقد أحصى أحد الفقهاء والمقربين من هشام-في خزائنه-بعد موته اثني 
عشر ألف قميص. وقيل لم يكن في ملوك بني مروان أعطر ولا ألبس من 
هشام» خرج حاجا فحمل ثياب ظهره ستمائة جمل!» * وقارن: وكان عمر 
يضع إزارا فيه اثنتا عشرة رقعةء وكان في عام الرمادة لا يآكل إلا الخبز 
والزيت حتى اسود جلده. ويقول لنفسه: بئس الوالي آنا إن شبعت والناس 
جياع!!؛ إلى آخر تلك القصص الكثيرة التي رواها ابن كثير في البداية 


162 


فى العلم اإاسلامى 


والنهاية كما رواها غيره °9 . 

«كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: لا 
أعلمن أحدا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة» ° . 

وما يهمنا الآن أن هذه البداية الممتازة للحكم الإسلامي بذرت الكثير 
من البذور الديمقراطية منها أن بيعة الحاكم مرهونة برضا الناسء وأن 
موافقة الشعب هي الأساس في بقاء حكمه ودوامه. ومنها أهمية رقابة 
الناس للحكام ومحاسبتهم وتوجيههم إن أخطأواء فليس ثمة تأليه للحاكم, 
وإنما هو بشر يخطئ ويصيبء ومنها تحديد راتب معين للحاكم» أي الفصل 
بين المال العام والخاصء ومنها حرية الفكر والتعبير عن الرأي. وحرية 
النقد والمعارضة بل والترحيب بهاء حتى قال عمر لمن نقده: «ويل لكم إن لم 
تقولوهاء وويل لنا إن لم نسمعها!» فالحريات في ذلك العصر الأول كانت 
مكفولة للأفراد. حتى كان من واجبات كل مجتهد أن يبدي معارضته أو 
نقده لأخطاء غيره. حتى لو كان ذلك الغير هو الخليفة ذاته ©©. وقصة 
المرأة التي اعترضت عمر وهو ينهى عن المغالاة في المهور في إحدى خطبه 
في المسجد معروفة مشهورة حتى قال: «أصابت امرأة وأخطأ عمره °7. 

ومن المبادئ الأساسية الأخرى التي وضعها عمر أنه كان يحمي أموال 
عماله قبل توليتهم؛ فإذا انتهت ولايتهم أحصى ثروتهم من جديد. وما زاد 
صادره ورده إلى بيت المالء إلا إذا اتضح له أن هذه الزيادة أتت إلى العامل 
بطرق مشروعة ©©: وهو ما نسميه الآن بإقرارات الذمة ال مالية والكسب 
غير المشروع... الخ. 

غير أن هذه المبادئ الأساسيةء لسوء الطالع؛ توقفت عند هذا الحد. 
فهذه البذور الديمقراطية البالغة الأهمية لم تنم ولم تزدهرء بل ماتت 
بموتهما. اثنتا عشرة سنةء عهد أبي بكر وعمر, اقترب فيها المثال من الواقع 
وكاد أن يتحقق لولا أنه اعتمد على الشخصية الفذة للخليفةء. ومن ثم لم 
يتحول إلى قوانين ومؤسسات وقواعد عامة تحكم المدينةء فقتلت المحاولة 
مع مقتل عمر! ”©. وهذا ما كان يعنيه الجاحظ عندما امتدح عهد «أبي 
بكر وعمر رضي الله عنهماء وست سنين من خلافة عثمان» كانوا على 
التوحيد الصحيح. والإخلاص المحض. مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب 
والسنة. وليس هناك عمل قبيح.. ولا بدعة فاشية؛ ولا نزع يد من طاعة ولا 


163 


الطاغيه 


حسد ولا غلء ولا تأول» حتى كان الذي كان من قتل عثمان. » ۳ . 

بويع عثمان سنة 23 ه. فخطب في الناس خطبة طويلةء غير أن «هذه 
الخطبة لا تبين لنا السياسة التي عول عثمان على انتهاجها في إدارة شؤون 
الدولة راتا هي عبار هن تصائع تماق بالديخ لا بالسياسة. كان عتمان 
لا يريد أن يلزم نفسه بسياسة خاصة يطمئن إليها المسلمون» وغيرهم من 
أهالي الدول الإسلامية في عهده..» ‏ وكان هذا أول خروج عن المثال!ء 
وفي خلافته عين عثمان أقرباءه منهم عمه الحكم بن أبي العاص-وهو الذي 
طرده الرسول من المدينة-ومنهم الوليد بن عقبة أخو عثمان لأمه الذي عينه 
واليا على الكوفة؛ وكان يشرب حتى صلاة الفجرء فيصلي بالناس أربعا!. 

وقد روينا قصته من قبل» وهو ممن أخبر النبي أنه من أهل النار!ء وعبد 
الله بن أبي سرح على مصرء ومعاوية على الشام؛ وعبد الله بن عامر على 
البصرة.. . الخ ء فكان هو الخروج الثاني عن المثال!. 

- لم يكن يتحمل النقد» فحين سخر أبو ذر الغفاري عندما تساءل عثمان: 

أترون بأسا أن نأخن مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما يقوينا من 
أمورنا ونعطيكموهة. قال له عثمان «ما أكثر أذاك لي!. غيب وجهك عني 
فقد آذيتنا». فخرج أبو ذر إلى الشام» فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر 
تجتمع إليه الجموع؛ ولا آمن أن يفسدهم عليك. فكتب إليه عثمان ليحمله 
على بعير عليه قنب يابس ويرسله إلى المدينة. وقد تسلخت بواطن 
أفحاذه!”؟. وكان عمرو بن العاص أول الناصحين لعثمان بالاعتزال. وعندما 
خطب عثمان يسترضي الناس صاح به عمرو من صفوف المسجد: «اتق الله 
يا عثمان؛ فانك قد ركبت أموراء وركبناها معك» فتب إلى الله نتب معك»! 
وترك عثمان في المدينة ومضى إلى فلسطين وهو يقول: «والله إني ما كنت 
لى الاس كاحنوضة على مكباول 54 فان ذلك دات بفروع من 
المثال! 

- لم يحمل ولاته على التقشفء والبعد عن موطن التهمة والريبة كما 
فعل عمرء وكان هو نفسه غنيا ينعم بما ينعم به الأغنياء. يسكن في داره 
التي بناها في المدينة بالحجر والكلس.. وجعل أبوابها من الصاج» واقتنى 
أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة.. ويوم قتل كان عنده من المال خمسون ومائة 
آلف دينارء وألف آلف درهم» وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما 


1 4 


فى العلم اإاسلامى 


مائة ألف دينارء وخلف خيلا كثيرا وإبلا...»ء فكان ذلك رابع خروج عن 
المثال. 

- لم يكن يقبل الشكوى من عماله: وكثيرا ما تدخل علي بن أبي طاثب. 
يطلب منه التحقيق فيما يشكو منه الناس» ومن ذلك أنهم ضربوا واليه على 
الكوفة وهو سكران وانتزعوا خاتمه وأتوا عثمان للشكوى, لكنه زجرهم.. 
الخ . واشتكى المصريون مما صنع ابن أبي سرح بهم «فخرج من أهل 
مصر سبعمائة رجلء فنزلوا بالمسجد وشكوا إلى الصحابة في مواقيت 
الصلاةء فقام طلحة بن عبد الله فكلم عثمان بكلام شديد!ء فأرسلت عائشة 
رضي الله عنها إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب محمد صلى الله عليه 
وسلم وسألوك عزل الرجل فأبيت! الخ» . فكان ذلك خامس خروج عن 
المثال. وعندها «لم يبق أحد في المدينة إلا حنق على عثمان» على ما يقول 
السيوطي “. ثار الناس عليه وتجمهروا حول قصره «وكانت مدة حصار 
عثمان في داره أربعين يوما أو أكثر قليلا..» ). وطلبوا منه أحد أمور 
ثلاثة: إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم أو يقتلوه ® . لكنه 
رفض العروض الثلاثة أن يسلم قريبه أو أن يستقيل؛ وقال عبارته الشهيرة 
«ما كنت لأخلع سريالا سريلنيه الله» ۴ . وكان ذلك أول إعلان بأن عباءة 
الخلافة يرتديها الحاكم بتفويض من الله؛ فلا يخلعها بناء على طلب الناس!» 
وكتب إلى معاوية بالشام؛ وإلى ابن عامر بالبصرة وإلى أهل الكوفة 
يستنجدهم في بعث جيش يطرد هؤلاء من المدينة..» ”° . وكان ذلك سادس 
خروج عن المثال!. 

وهكذا نتبين أن حال الدولة الإسلامية قد تغير في عهد عثمان: وأن 
هذا التغير أثار روح المعارضة لسياسة الحكومة والاستياء من تصرفاتهاء 
وبعث على التمرد عليها في المدينة؛ وفي جميع الأمصار» ” . وكانت الثورة, 
وتسور الناس الدار وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وكان منهم محمد بن أبي 
بكر الذي أمسك بلحيته وهو يقول: «على أي دين أنت يا نعثل”. قال: 
على دين الإسلام ولست بنعثل» ولكنى أمير المؤمنين. فقال: غيرت كتاب 
)2٨(‏ نعثل: الشيخ الأحمق-ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية؛ قيل إنه كان يشبه عثمان. 


بيروت. 


165 





الطاغيه 


الله. وإنا لا نقبل أن نقول يوم القيامة: «ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا 
فاضلونا السبيلا..» الأحزاب 67 52 , 

«وفى حديث عائشة اقتلوا نعثلاء قتل الله نعثلا! تعنى عثمان: وكان هذا 
متها كا خاضيته واهيت إلى ية ° ۰ 

وهكذا كان الحكم يتحول شيئا فشيئا من الخلافة إلى الملك. ومن هنا 
فقد كان «العقاد» على حق تماما عندما قال: 

«كان الموقف بين الخلافة والملك ملتبسا متشابكا في عهد عثمان؛ كان 
نصفه ملكا ونصفه خلافة. أو كان نصفه إمارة دنيوية .. وهكذا تقابل الضدان 
اللذان لا يتفقانء وبلغ الخلاف مداه..» ° . 

ومن هذا فإن الأستاذ العقاد يذهب إلى تصور الخلاف التالي بين علي 
ومعاوية على أنه صراع بين الخلافة والنظام الملكي أو بين الخلافة الدينية 
والدولة الدنيوية يقول: 

«لم تكن المسالة خلافا بين علي ومعاوية على شيء واحد ينحسم فيه 
الصراع بانتصار هذا أو ذاك.. 

ولكنها كانت خلافا بين نظامين متقابلين متنافسين: أحدهما يتمرد ولا 
مكدر والآش يقبل الحكومة كينا اسعجدت ريل كيه إلى البقاء 
والاستقرار.. أو هي كما كانت صراعا بين الخلافة الدينية كما تمثلت في 
علي بن أبي طالبء والدولة الدنيويةء كما تمثلت في معاوية بن أبي 
فيان .570 

ولقد حسمت الدولة الأموية الموقف تماماء فقضت نهائيا على البذور 
الديمقراطية ومنعتها من النماءء وأخذت النزعة الاستبدادية في الإقبال بل 
والإيغال!. وتشبه خلفاء بني أمية بالملوك وأبهتهم. فكان قصر الخليفة في 
دمشق غاية في الأبهة. وقد ازدانت جدرانه بالفسيفساءء وأعمدته بالرخام 
والذهب» وسقوفه بالذهب المرصع بالجواهر. ولطفت جوه النافورات» والمياه 
الخارجية والحدائق الغناءء بأشجارها الظليلة الوارفة؛ وكان الخليفة يجلس 
في البهو الكبيرء وعلى يمينه أمراء البيت المالك وعلى يساره كبار رجال 
الدولة ورجال البلادء ويقف آمامه من يريد التشرق بمقابلته من رسل 
الملوك وأعيان البلاد: ورؤساء التقابات والشعراء والفقهاء وغيرهه! ® . 
وهكذا حدث الانفصال التام بين الواقع والمثال. 


| 6 


فى العلم الإاسلامى 


ثالخا: من الخلافة إلى الملكية المستبدة 

أما أن الأمويين استولوا على الملك عنوة. فهذا ما يقوله معاوية صراحة 
ودون مواربةء فهو عندما قدم الحد المدينة عام الجماعة تلقاه رجال قريش 
فقالوا: «الحمد لله الذي أعز نصرك» وأعلى كعبك» لكنه لم يرد عليهم, 
حتى صعد المنبر فقال: «أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم؛ 
ا وکا ر کی بجا تنكم ی هذا مادو شيو مدن 
البداية ينفي أنه تولى الحكم برضا الناس» بل ويستخف بهذا الرضاء ثم 
استمر في خطبته معلنا انفصال الواقع عن المثال تماما عندما يقول إنه 
حاول السير على طريق أبي بكر وعمر لكن نفسه أبت: «ولقد رضت لكم 
نفسي على عمل أبي قحافة؛ وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلك نفارا 
شديدا..» ۳ . ولماذا يسير على نهج غيره وقد ملك ناصية الدنيا والدين؟: 
«أيها الناس اعقلوا قوليء فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة مني ° . 
وكثرت الأحاديث النبوية التي تدعم ملكه 2" على نحو ما سيقوم الشعراء 
فيما بعد بتدعيم ملك خلفاته وإضفاء صفة القداسة عليهم!. 

لقد وضع الأمويون منذ بداية حكمهم ثلاث نظريات تبرر استيلاءهم 
على السلطة: 

الأولى: أن الخلافة حق من حقوقهم» وأنهم ورثوها عن عثمان بن عفان 
لآنه نالها بالشورىء ثم قتل ظلماء فخرجت الخلافة منهم. وانتقلت إلى 
غيرهم» فقاتلوا حتى استردوهاء ولقد عبر الشعراء عن هذه الفكرة فقال 
الفرزدق لعبد الملك بن مروان: 

تراث عثمان كان واالأولياء له 

سربال ملك عليهم غيرمسلوب 
ويقول للوليد: 
كانت لعثمان لم يظلم خلافتها 
فانته كالناس منهاأعظ مالحرم! 

وغير ذلك كثير مما قاله الأخطل لبشر بن مروان: وما قاله الفرزدق 
أيضا لهشام بن عبد الملك.. الخ ° . 

الثانية: أنهم أشاعوا في أهل الشام. بصفة خاصة: أنهم استحقوا 
الخلافة لقرابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. «فقد كان الشيوخ من 


107 


الطاغيه 


أهل الشام يقسمون لأبي العباس السفاح أنهم ما علموا لرسول الله قرابة, 
ولا آهل بيت يرثونه غير بني أمية. حتى وليتم الخلافة..» على ما يروي 
المسعودى . 

الثالثة: ثم استقروا على النظرية التي حكموا على أساسهاء ودعموا 
بها ملكهم الاستبدادي» وهي أن الله اختارهم للخلافة واتاهم الملك» وأنهم 
يحكمون بإرادتهء ويتصرفون بمشيئته . وأحاطوا خلافتهم بهالة من القداسة 
وأسبغوا على أنفسهم كثيرا من الألقاب الدينية. فقد كان معاوية في نظر 
أنصاره «خليفة الله على الأرض» و«الأمين والمأمون» وكان ابنه يزيد «إمام 
المسلمين». 

وكان عبد الملك بن مروان «أمين الله»» و«إمام الإسلاي °9 

ولكي يؤكدوا هذه النظرية الأخيرة أشاعوا مذهب الجبرء فالسلطة يتم 
تحديدها من الله. وليس للناس فيها رأي ولا مشورةء والخليفة هو «خليفة 
الله» (ابتداء من عبد الملك بن مروان)ء وأن على الناس الاستسلام 
والطاعة©©». 

وكان زياد بن أبي سفيان الذي عينه معاوية واليا على البصرة أول من 
ودا الد 2 » يقول في خطبته المسماة «البتراء» التي أعلن فيها أن 
الله اختارهم للخلافة وأنهم يحكمون بقضائه ويعملون بإذنه: «أيها الناس 
إنا أصبحنا لكم ساسة؛ وعنكم ذادة. نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناء 
ونذود عنكم بفيء الله الذي خول لنا. فلنا عليكم السمع والطاعة فيما 
أحببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا..» ™. 

ولقد تبارى الشعراء في دعم هذه النظرية الثالثة وشرحهاء وأعني بها 
«نظرية التفويض الإلهي» لبني أمية لكي يمارسوا الحكم: فهم أجدر الناس 
به وأقدرهم عليه.. من ذلك قول الأخطل لعبد الملك بن مروان: 

وقد جعلاللهالخلافة فيكم 

بأبيضءلا عاريالخوان ولا جدب 
ولكنراآهاللهموضع حقها 
على رغم أعداء وصدادة كاب 

وقوله لبشر بن مروان: 

(*3) الصدادة تعني: المعارضون: والخوان ما يوضع عليه الطعام. 


ك4 


168 





فى العلم اإاسلامى 


أعطاكماللهما نتمأحقيه 
إذا الوك على امتالحه اقترغوا 
وقول جرير لعبد الملك مؤكدا أن الله حباه الخلافة لأنه أحق بها وأجدر: 
اللهطوقكالخلافةوالهدى 
والله ليس لماقضى تبديل 
ولي الخلافة والكرامةأهلها 
فالملك أفيح والعطاء جزيل 
وقول الفرزدق له جازما أن الله جعل له الخلافة ونصره على أعداته 
ضرا غ 59 
فالأرض للهولاهاخ ايفته 
وصاحب اللهقيهاغيرمغلوب. 
فأآصبح‌اللهولى الأمرخيرهم 
بعد اختلاف وصدع غير مشعوب 
وهناك عشرات من الشعراء الآخرين منهم الأخوصء وعدي بن الرقاع, 
وكثير بن عبد الرحمن الذي أعلن صراحة أن الأمر في مسألة الخلافة 
وتعيين الحاكم: يقدره الله وليس للأمة فيه رأي ولا للناس مشورة ® : 
وماالناس أعطوك الخلافة والتقى 
ولاأنت فاشكرهيثئبك متيب 
ولقد أطلنا في عرض بعض هذه النماذج ”ء لنؤكد أمرين: 
الأول: أنه مع الدولة الأموية سوف تبدأ نغمة التفويض الإلهي في 
الظهور. وهي التي سوف تتآكد بوضوح تام عند العباسيين. حتى يقول 
المنصور بصراحة ووضوح: «أنا سلطان الله في أرضه..2!. ويرفع الشعراء 
أيضا من نغمة التقديس إلى التأليه. فلا يجد ابن هانئ الأندلسي بعد ذلك 
أي حرج في أن يقول للخليفة الفاطمي المعز لدين الله: 
ماق ت لآ فحنا قشحاءت الأقنحدار 
فاحكم فأنتالواحدالقهار 
وكأنماأآنت‌التبي محمد 
وكأانماأنصارك الأنصاارا 
وأن يقول أيضا: 


16۹9 


الطاغيه 


ندعوهمنتقما عزيزا قادرا 
غفارمويقةالذنوب صفوحا 
لدعيت من بعد المسيح مسيحا 

الثاني: أن استعداد الشرقيين لتأليه الحاكم ليس وليد اليوم إنما هو 
أمر موغل في القدم منذ أن كان فرعون هو الإلهء أو هو ابن الإله, الذي لا 
الناس ويروضهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة؛ إلى أن اخترعنا فكرة 
الزعيم الأوحد. والمنقن الأعظم» والرئيس المخلصء ومبعوث العناية الإلهية, 
والمعلم والملهم الذي يأمر فيطاع» لأنه يعبر عن مصالح الناس ويعرفها خيرا 
وهو العليم بكل شيءء الذي يسمع كل شيء بأجهزته البارعة في التتصت» 
ويرى كل شيء من خلال عيونه المبثوثة في كل مكان!.. وهكذا نشأت بيئنا 
زعامة تجب المؤسسات وتعلو على الرقاية وتتجاوز المحاسية والمراجعة.. 
فلم الدهشة والعجب؟. 

وطد معاوية ملكهء وقضى على معارضيه» ولم يتورع عن أن يستخدم في 
سبيل هذه الغاية أ حط السبل من قتل وغدر ورشوة وخيانة.. ( فقد «اتهم 
سيدنا معاوية بقتل سيدنا الحسن بن على رضي الله عنهما بالسم الذي 
دس له عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعت. وقد كان معاوية دس إليها: 
«أنك إن احتلت في قتل الحسنء وجهت إليك بمائة ألف درهم» وزوجتك من 
يزيد!» فكان ذلك الذي بعثها على سمه. فلما مات. وفى لها معاوية بالمال» 
وأرسل لها إنا تحب حياة يزيد ولولا ذلك ترجا لف بترويجه. » 

وليست هذه هى الحادثة الوحيدة «فقد اتهم سيدنا معاوية بقتل الأشتر 
بدس السم في طعامه.. واتهم سيدنا معاوية بقتل حجر بن عدي الكندري.. 
واتهم سيدنا معاوية بقتل عبد الرحمن بن خالد.. الخ . 

«وسيدنا» معاوية هو أول من جعل الخلافة ملكية وراثية في أسرته دون 


170 


فى العلم اإاسلامى 


نفسه قد صرح بوضوح بأنه لم يتول الخلافة بمحبة الناس ورضاهم» «بل 
جالدتكم بسيفي هذا مجالدة!». وكان عماله مثله؛ فعندما أرسل إليهم 
يطلب رأيهم في أمر أخذ البيعة ليزيد «وليا للعهد» قام يزيد بن المقنع 
فلخص الموقف الأموي من الخلافة في عبارة موجزة بليغة عندما جمع 
فأوعى!. 

فال: 

«أمير المؤمتين هذا» وأشار إلى معاوية.. 

«فإن هلك؛ فهذا» وأشار إلى يزيد .. 

«فمن أبىء فهذا» وأشار إلى سيفه !. 

فقال له معاوية: «اجلس» فإنك سيد الخطباء»!! ™. 

ثم راح يأخذ البيعة ليزيد على مضض من الناس» وعندما قال قائل 
منهم «إني أبايع وأنا كاره للبيعة!» قال له معاوية: «بايع يا رجل» فإن الله 
يقول عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا» (النساء .)١١9‏ ثم 
كتب إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة «أن ادع أهل المدينة إلى بيعة 
يزيد فإن أهل الشام قد بايعوا» 72 وأصبحت البيعة مجرد إجراء شكلي 
أقرب ما يكون إلى «الاستفتاءات» العصرية التي يجريها الرؤساء في بلادنا 
وتكون نتيجتها 99.9“ ولا أدل على ذلك من وقعة الحرة «الشهيرة-تلك 
النقطة السوداء في تاريخ يزيد وما أكثر النقاط السوداء في تاريخه-التي 
قتل فيها خلق من الصحابة؛ ونهبت المدينةء وافتض فيها ألف عذراء فإنا 
لله وإنا إليه راجعون!» . وكان قائد يزيد «مسلم بن عقبة المري» يأخذ 
البيعة من أهل المدينة على أنهم «عبيد ليزيد. وسماها نتنة». ومن قال: 
«أبايعه على سنة الله ورسوله ضرب عنقه بالسيف . وبعد أن استباحت 
جيوش يزيد المدينة ثلاثة أيام» وقتل فيها خلق كثير من الناس «من بني 
هاشم» وسائر قريش, والأنصارء وغيرهم من الناس» 7ء اتجهت جيوشه 
إلى مكة فرمت الكعبة بالمنجانيق من الجبال حتى انهدمت #. وذلك 
لإجبار الناس على السمع والطاعة؛ وعلى أن يكونوا عبيدا لفرعون الصغير! 
مع الاعتذار للفراعنة الذين لم يكونوا قط على هذا القدر من العته ولم 
يكن واحد منهم كيزيد الذي لخصه المسعودي في هذه العبارة الجامعة: 
«ليزيد أخبار عجيبة ومثالب كثيرة من شرب الخمرء وقتل ابن بنت الرسول, 


17 


الطاغيه 


ولعن الوصي» وهدم البيت وإحراقه. وسفك الدماءء والفسق والفجور, وغير 
ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه» 79 , 

ولا أظنك بحاجة إلى أن تسال بعد ذلك عن موقف معاوية وابنه من 
المعارضين: فيكفى أن تعرف وقعة الحرة الشهيرة السالفة الذكراء والحق 
أن المعارضة التي كان يطلبها عمر ويحث الناس عليهاء لم يعد لها أثر قط. 
بعد أن انفصل الواقع عن المثال تماماء لأن المثال لم يتحول إلى قوانين 
بحيث يموت بموته»ء ولهذا فإننا نجد معاوية-كما سيفعل كثيرون بعده-يوصي 
ابنه يزيد محذرا من ثلاثة رفضوا بيعته: «لست أخاف عليك غير عبد الله 
بن عمرء وابن الزبيرء والحسين بن علي. أما عبد الله بن عمر فرجل قد 
غلبه الورع. وأما الحسين فأرجو أن يكفيكه الله بمن فقتل أباه وخذل أخاه. 
أما ابن الزبير فإنه خب ضب “ء فإن ظفرت به فقطعه إريا إربا..» ° . 

ونحن لا نحاول أن نؤرخ لبني أمية-أو لغيرهم من الحكام والولاة. في 
التاريخ الإسلامي-لكننا نعرض نماذج لنظام من الحكم تغيب فيه الرقابة 
والمحاسبةء وتنتفي فيه حرية الرأي والمعارضةء ويكون فيه الحاكم ممسكا 
بالسيف في يمينه والمال في يساره»ء يغدقه على الأتباع والمحاسيب والأنصار 
والمنافقين فلا نجد أمامنا سوى استبداد مطلق» وطغيان أحمق: وظلم لا 
يقبله أحد!. 

تكاد عبارة اللورد أكتون Acton‏ الشهيرة «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة» 
(الذي حكم من 73- 86 ه) المؤسس الثاني للدولة الأموية. فقد عرف عنه 
قبل أن يتولى الحكم الزهد والورع» يقول عنه السيوطي: «كان عابدا زاهدا 
ناسكا في المدينة قبل الخلافة ‏ . «وقال نافع: لقد رأيت المدينة وما بها 
شاب أشد تشميرا2". ولا أفقه ولا أنسكء ولا أقرأ لكتاب الله من عبد 
الملك بن مروان» . ومن هنا فقد عرف عبد الملك بن مروان بحمامة 
المسجد لمداومته غلى تلاوة القرآن (8) , 

وعندما التقى عبد الملك بن مروان في مسجد الرسول بأحد جنود 
)*4( أي مراوغ مخادع. 
(*5) أشد تشميرا: أكثر جدية. 


172 





فى العلم اإاسلامى 


الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية لمقاتلة عبد الله بن الزبير راح يؤنبه 
تأنيبا شديدا : «أتدرى إلى من تسيرة: إلى أول مولود في الإسلام *)؛ وإلى 
ابن حواري رسول الله وإلى ابن ذات النطاقين: وإلى من حنكه رسول الله.. 
تكلتك أمك!. أما والله لو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله 
جميعا في النار»!”*'. منتهى التقوى والورع!. 

فلننظر إليه عندما أصبح صاحب سلطة مطلقة: 

- عندما علم أنه بويع بالخلافة «أفضي الأمر إليه؛ والملصحف في حجره 
فأطبقه وقال: هذا آخر عهدنا بك!».. وهكذا بدأ خلافته!. 

- ثم عرض عبد الملك سياسته بوضوح شديد في خطبة شهيرة عام 75 
فقال: «أما بعد فلست بالخليفة المستضعف (يعني عثمان) ولا الخليفة 
المداهن (يعني معاوية) ولا الخليفة المأمون (يعني يزيد)ء ألا إني لا أداوي 
أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم.. ألا إن الجامعة0©, 
التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي» والله لا يفعل أحد فعله إلا 
جعلتها فى عنقه. والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا 
شروت عق دک کو ار - ۰ 

- وقف عبد الملك بن مروان على منبر الرسول في المدينة ليعلن أنه لا 
یکرت برضا القاس ولا يابه بيهم لديا معش کریش إنكم لا ق ا 
أبداء وأنتم تذكرون يوم الحرة. ونحن لا نحبكم أبدا ونحن نذكر مقتل 
عثمان» 7 . أي أن الكراهية متبادلةء لكن ذلك لا أهمية له مادامت «الجامعة 
عندي والسيف في يدي»! مما يذكرك بعبارة كرومويل: «تسعة مواطنين من 
أصل عشرة يكرهوننى.. ؟5! وما أهمية ذلك إن كان العاشر وحده 
ع ا 

- لكن ماذا فعل مع عبد الله بن الزبير بعد الكلمات الرقيقة الجميلة 
التي قالها عنه قبل أن يتولى السلطة؟!. وضع ترتيبات محكمة: فقد جهز 
له جيشا من أربعين ألف مقاتل على رأسه الحجاج بن يوسف فحاصره 
بمكة شهراء ورماه بالمنجانيق: وخذل ابن الزيير أصحابه وتسللوا إلى الحجاج 
فظفر به وقتله وصلبه عام 73 هء وهو التاريخ الذي تدعمت فيه خلافة 
عبد الملك بن مروان «وصحت!» على ما يروي السيوطي . 
(*6) الجامعة: القيد يجمع اليدين إلى العنق! 


173 





الطاغيه 


- وبعد عامين فقط من حكمه عين الحجاج أميرا على العراق. فكان 
ساعده الآيمن!. وليس ثمة ما يدعو إلى الوقوف طويلا للتعريف بالحجاج 
أو للحديث عن جبروته وشراسته وقسوته (والأمويون مدينون له في تثبيت 
ملكهم)ء لكن يكفي أن نقول إن المبدأ الأساسي الذي كان يسير عليه والذي 
أخذ به نفسه. وأخذ الآخرين به أيضاء هو مبداً الطاعة المطلقة لولي 
الأمراء فالأمر الذي يصدره الحاكم لا يناقش ولا يجادل بل ينفذ فورا مهما 
يكن تافها أو بغير معنى! وإلا أصبح دمه حلالا للحاكم. والحجاج نفسه 
يضرب مثلا للأمر التافه الواجب النفاذ وإلا أهدر دم المواطن: «والله لا آمر 
أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجدء فيخرج من الباب الذي يليه إلا 
ضربت عتقه!!» ".ما أرخص عنق المواطن: وما أشد جبروت الحاكم: 
اليوم وأمس وغد!!. إلغاء كامل لآدمية الإنسان: فلا نقاش ولا سؤال ولا 
استفسارء بل طاعة عمياء خرساء أسوأ من طاعة العبيد!ء لأنها طاعة 
الدواب!ء أي امتهان لكرامة المواطن!؛ وما الذي يفعله حكام اليوم سوى ما 
فعله حكام الأمس5. 

واتساقا مع هذا الموقف فإننا نرى عبد الملك بن مروان-وهو على فراش 
الموت-يوصي ابنه الوليد بالحجاج خيرا. «.. وانظر الحجاج فأكرمه؛ فإنه 
هو الذي وطأ لكم المنابر. وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناوأك. فلا 
تسمعن فيه قول أحد, أنت إليه أحوج منه إليك» وادع الناس إذا مت إلى 
البيعة. فمن قال برأسه هكذاء فقل بسيفك هكذا (. 

ولعل هذا هو ما عناه المسعودي عندما قال: «كان لعبد الملك إقدام على 
الدماءء وكان عماله على مثل مذهبه كالحجاج بالعراق: والمهلب بخراسان 
وهشام بن إسماعيل بالمدينة وغيرهم. وكان الحجاج من أظلمهم وأسفكهم 
لما 2 . 

ويروي المسعودي أن الوليد بكى وهو يستمع إلى وصية أبيه الأخيرةء 
فنهره لما رأى فيه من ضعف: «يا هذاء أحنين حمامة؟ إذا مت فشمر واتزرء 
والبس جلد النمر» وضع سيفك على عاتقك» فمن أبدى ذات نفسه لك 
فاضرب عنقه؛ فمن سكت مات بدائه » ° . 

وقد عمل الوليد بالنصيحة؛ «فكان جبارا عنيدا ظلوما غشوماء!. على 
ما يقول المسعودي 9", وأضفى على نفسه هالة من القداسة حتى حرم 


174 


فى العلم اإاسلامى 


على الناس مناقشته ومخالفته؛ ومنعهم من مناداته باسمه!» وخوفهم وقتلهم 
على ذلك! 7ء وقام بذلك خطيبا على المنبر فقال: «إنكم كنتم تكلمون من 
كان قبلي من الخلفاء بكلام الأكفاء ‏ . وتقولون: يا معاويةء ويا يزيد . وإني 
أعاهد الله: لا يكلمني أحد بمثل ذلك إلا أتلفت نفسه!؛ فلعمري إن استخفاف 
الرعية براعيها سيدعوها إلى الاستخفاف بطاعته والاستهانة بمعصيته . 
والوليد بن عبد الملك هو الذي كان يستفسر في عجب: «أيمكن للخليفة أن 
اسوه 2199 إلى او جا اخوه يزيد بن عبد الاك فا جاب عن السؤال 
ببساطة شديدة بأن «أتى بأربعين شيخا فشهدوا له: ما على الخليفة حساب 
ولا غذاف :09 


ولا نريد أن نتتبع خلفاء بني أمية أو سيرهم» فهي معروفة مشهورة في 
التاريخ؛ لكنا نريد أن نسوق عدة ملاحظات هامة: 

-١‏ إننا أمام نظام استبدادي ما في ذلك من شك» «والسلطة المستبدة 
هي تلك التي تمارس حكم الناس دون أن تكون هي ذاتها خاضعة للقانونء 
فالقانون في نظر هذه السلطة قيد على المحكومين دون أن يكون قيدا على 
الحاكم.. ومن هنا ففي وسع هذه السلطة أن تتخذ ما تشاء من إجراءات أو 
مواجهة الأفراد لمصادرة حرياتهم أو ممتلكاتهم 7" فحياة المواطن ملك 
يمين الحاكم لا ينقذه إلا اللهء أو الذكاء وسرعة البديهة التي تخلصه من 
الموقف!. تأمل هذه القصة: «أتى عبد الملك برجل كان مع بعض من عليه. 
فقال: اضريوا عنقه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما كان منك. فقال ما 
جزاؤك؟ فقال والله ما خرجت مع فلان إلا وذلك أني رجل مشئوم» ما كنت 
مع رجل قط إلا غلب» صحة ما ادعيت.. فضحك أمير المؤمنين وخلى 
سبيله!» "". وهكذا كان أمير المؤمنين «يطلق بعض الخوارج لظرفهم 
ودعابتهم»!. أما من أصر على إعلان رأيه بصراحة فقد انتهى أمره!. «ودخل 
الحروري”/ على الوليد وعنده أشراف أهل الشام» فقال له الوليد: ما 
تقول في؟ فقال: ظالم جائر جبار!. قال: وما تقول في عبد الملك؟. قال 
جبار عات!. قال: فما تقول في معاوية؟. قال ظالم. قال الوليد لابن الريان 
السياف: اضرب عنقه فضرب عنقه!.»فالمعارضة وإبداء الرأي ضرب من 
الفدائية والاستشهاد!. والخطير في الأمر أنه ليس ثمة ما يمكن أن يرجع 
(*7) الحروري نسبة إلى الحرورية؛ طائفة من الخوارج. 


175 





الطاغيه 


إليه المواطن أو يشكو إليه. فالمستبد هو المرجع النهائي «تكون السلطة 
استبدادية ما دامت لا تخضع في تصرفاتها للقانون: ولا يجد الفرد قضاء 
يبطل تصرفاتها إذا صدرت على خلاف ما يقضي به القانون القائم» '. 
وحتى في القصة السابقة عندما راجع عمر بن عبد العزيز الوليد وقال له: 
«كان لك أن تسجنه حتى يراجع الله عز وجل» فهذه أخلاقيات عمرء ولا 
علاقة لها بآي قانون قائم؛ فلا قوانين مع المستبد! بل إن عمر بن عبد 
العزيز نفسه» وكان واليا على المدينة في عهد الوليد. جلد خبيب بن عبد 
الله بن الزبير حتى مرض ثم مات» وذلك بأمر من الوليد لأنه كان يبشر 
بسقوط دولة بني أمية»! '. 

2- موضوع البيعة كان مسألة صورية تماماء ولا ينبغي أن نقول إنه أقرب 
إلى «عقد الوكالة مثله مثل سائر العقودء يقوم على إيجاب من الأصيل 
وقبول من الوكيل» '. وكذلك ينعزل الوكيل بعزل موكله؛ كما تنتهي وكالته 
بموتهء وكذلك ليس له أن يقيم غيره مقامه إلا برضا الأمة وموافقتها ..[2195. 
فهذا حديث عن «المثال» أما الواقع فهو أمر مختلف تماما! وقد رأينا من 
قبل «كيف كان السيف أصدق أنباء من الكتب». وسوف نرى أيضا كيف 
كانت البيعة صوريةء بل قد تكون البيعة لطفل صغير على نحو ما حدث 
عندما عهد هارون الرشيد بولاية العهد من بعده لابنه الأمين سنة 175 هى 
وكان الابن في الخامسة من عمره!! '. وسوف نكتفي عند الأمويين بهذا 
المثل الصارخ على شكلية البيعة وعدم قيمتها من عهد سليمان بن عبد الملك 
الذي «كان من خيار ملوك بني أمية» على ما يروي السيوطي 7"". فهذا 
الملك «الخير» يجبر الناس على أن يبايعوا على مظروف مختوم؛ فلما حضرته 
الوفاة: «دعا بقرطاسء فكتب فيه العهد ودفعه إلى أحد رجاله. وقال: اخرج 
إلى الناس فيبايعوا على ما فيه مختوما. فخرج فقال إن أمير المؤمنين 
يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب قالوا : ومن فيه؟! قال: هو مختوم لا 
تخبرون بمن فيه حتى يموت! قالوا: لا نبايع» فرجع إليه فأخبره. فقال 
انطلق إلى صاحب الشرطة والحرس. فاجمع الناس ومرهم بالبيعة. فمن 
أبى اضرب عنقه» فبايعوا»!! 9"'". أرأيت إلى أي حد تبلغ الاستهانة بالمواطنين 
والاستخفاف بعقول الرعايا.5: أيمكن أن يقال بعد ذلك إنه كانت هناك 
«بيعة» أو «موافقة» أو «رضا» أو ما شكت من مصطلحات القبول بين الناس 


176 


فى العلم اإاسلامى 


والحاكم؟. 

3- علينا هنا أن نحذر الخلط بين الحكم على الخليفة بأنه «مستبد» من 
الناحية السياسية أو من حيث علاقته بشعبه؛ وبين أعمال أخرى جيدة قد 
تنسب إليه» فقد كان عبد الملك بن مروان الخليفة القوي الذي أسس الدولة 
الأموية. وجعلها مستقرة؛ فهو أول من كسا الكعبة بالديباج وأول من ضرب 
الدنانير للناس عام 75 هء وأول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية, 
وأول من رفع يديه على المنبرء وأول من كتب في صدر الطوامير* (قل هو 
الله أحد).. الخء لكنه أيضا أول من غدر في الإسلام: وأول من نهى عن 
الكلام بحضرة الخلفاءء وأول من نهى عن الأمر بالمعروف.. الخ وهكذاء 
قيما يفول السيوطى «تمت له.عشرة أواكل:: متها خمسسة من مومة 1 . 
وتحن نتحدث عن الجانب المذموم: وهو أنه كان «طاغية» من الناحية 
المبياضية: 

وقد يكون لابنه الوليد بن عبد الملك أعمال أخرى مجيدة؛ «فقد فتحت 
في أيامه فتوحات عظيمة؛ وكان مع ذلك يختن الأيتام"'ء ويرتب لهم 
المؤدبين» ويرتب للزمنى من يخدمهم» وللأضراء من يقودهم"'"". ولقد 
عمر المسجد النبوي ووسعه ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء. وحرم عليهم 
سؤال الناس» وفرض لهم ما يكفيهم: وضبط الأمور أتم ضبط» "''. وقال 
ابن أبي عبلة: «رحم الله الوليدء وأين مثل الوليد؟! فتح الهند والأندلس» 
وبنى مسجد دمشقء وكان يعطيني قطع الفضة؛ أقسمها على فقراء مسجد 
بيت المقدس» ""'. ومع ذلك «فإن عهد الوليد يعد أسوأ العهود السابقة 
واللاحقة. إذ كان أكثرها تسلطا واستعبادا وأشدها تعسفا واضطهاداء لأن 
الوليد كان جافا متعنتا مستبداء وقد بدأ كبره وعجبه قبل أن يلي 
الخلافة»”''. «وعندما استخلف زجر الناس عن التفكير في السياسة 
ومزاولتها وخنقهم خنقاء وقاتل بقايا الجماعات المعارضة. وسحقها سحقا . 
وقد بدأ عهده بتخويف أهل الشام والأمصار الأخرى محذرا من الفتنة 
(*8) الطوامير جمع طامور أي الصحيفة. 

(*9) لاحظ أن شخصية فرعون المقدسة كانت تحرم على الناس الحديث معه مباشرة! كما سبق 
أن ذكرنا منذ قليل! 

(*10) يختن أي يزوج 

)١١#(‏ الزمني المريض زمنا طويلا أو الضعيف لكبر سنه. والأضراء جمع ضرير. 


177 





الطاغيه 


ومتوعدا بالفناء والإبادة كل من يهتف بمعاداته؛ أو يتوانى في موالاته.. وهو 
القائل في خطبته الآولى: «أيها الناس؛ عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة؛ فإن 
الشيطان مع الفردء أيها الناس من أبدى ذات نفسه ضرينا الذي فيه عيناه. 
ومن سكت مات بدائه! وكان جبارا عنیدا ''. 

4- لم يكن هناك شيء اسمه حرية الفكرء ذلك لأن الفكر المخالف لرأي 
الحاكم: لاسيما إذا مس السياسة ولو من بعيد» نهايته محتومة؛ ومازلنا 
نعاني هذه الآفة حتى يومنا الراهن “''. ولنذكر مثالا واحدا في عهد 
الأمويين ما دمنا نتحدث عنهم. وسوف نذكر مثالا واحدا فقط عند حديثنا 
عن العباسيين أيضا. كانت ليلة عيد الأضحى لسنة ۱20 ه. وفى صلاة 
العيد. وقف «خالد بن عبد الله القسري» وإلى ارف تو على ابر 
خطابا جامعا قال في ثهايته «أيها الناس؛ اذهبوا وضحوا بضحاياكم: تقبل 
الله منا ومنكم. أما أنا فإني مضح اليوم بالجعد بن درهم» فإنه يقول ما كلم 
الله موسى تكليماء ولا اتخذ خليلا! تعالى الله عما يقول علوا كبيرا (5''. 
ثم نزل واستل سكينا وذبحه أسفل المنبر!. وكانت جريمة «الجعد» المعلنة 
للناس نفي الصفات عن الله تعالى: وأيا ما كان موقفنا من رأي «الجعد بن 
درهم» فلا أظن أحدا يوافق على أن يكون فكره مبررا لأن يذبح أسفل 
المنبرء وأن يضحى به كما يضحى بالشاة!. ومن هنا فإنك تجد من المؤرخين 
ما يشبه الإجماع على أن «ذبح» الجعد كان لأسباب سياسية ارتدت-كالمعتاد- 
زي التدين الزائف ''. يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر 
الأسبق: «أحقيقة قتل الجعد من أجل عقيدته5: لقد كان يقول بالجبرء وضي 
ذلك خير شفيع له عند «بني أمية». ولكنه كان أستاذا لوا و 
فهل اقتصر على الثقافة والدين فحسب؟ ألم يتدخل فى السياسة5.. إننا 
حقا لنشك في أن الحامل ل «هشام اد هين الا افا 2 الامو 019 
على قتل جعد كان العقيدة؛ ويغلب على الظن أن الحامل على ذلك إنما هو 
السياسة قاتلها الله! 219, 


رابعا: الطاغية العباسى 
كان «السفاح» هو أول خلفاء بلی العياس» ومن اسمه تعرف أعماله 


ومآثره!. بويع في الكوفة عام 2 هھ وقف خطيبا يقول للناس: 


178 


فى العلم اإاسلامى 


«استعدواء فأنا السفاح المبيح والثائر المبير» '. ويروي لنا السيوطي 
كيف استولى على الحكم «بالبيعة أيضا» «قتل في مبايعة السفاح من بني 
أمية وجندهم مالا يحصى من الخلائق: فتوطدت له الممالك إلى أقصى 
اقرع 0120 
وهكذا تكون البيعة كما كانت في السابق: إعلانا جبريا بالموافقة!؛ أو 
هي استسلام قهري للحاكم. ويدخل على السفاح شاعر صعلوك هو سديف 
بن ميمون» وعنده سليمان ابن هشام بن عبد الملك. وقد آكرمهء فقال 
سديف (وهو مولى أبي العباس السفاح): 
لايغفرنكماترىمنرجال 
إنزتحتالض ل وعداء دوييا 
فض عالسيف وارفع السوط حتى 
لاترىفوق ظهرهاأمويا 
فقال سليمان: «قتلتني يا شيخ!» وأخذ السفاح سليمان فقتل. ودخل 
شبل بن عبد الملك مولى بني هاشم على السفاح» وعنده كبار بني أمية 
مستسلمينء بعد أن انهارت دولتهم فينشده قصيدة خبيثة يحرضه فيها 
على قتل خصومه السياسيين يقول فيها: 
أص بح املك تابت الأاساس 
بالبيائيال من يتن الاس 
بال ص دوورال مقدمات قديما 
والرؤوس ال ق ماقم الآراس( 12) 
أقصها أي هالخليفةواحسم 
عنك بالسيف شأفة الأرجاس 
فك فدهن سسا ءٍتحئ وسحاء اسكوائسىي 
قريهم من مجالس وكراسي 
واذكروا مصرعالحسين وزيد 
وقتيل جان بالمهرس 
اقبلن»أيهاالخليفة نصحي 
واحتياطي لأمركم واحتراسي 
(*12) القماقم جمع قمقم-والآراس: الأصل. 


179 





الطاغيه 


فيستجيب هذا الخليفة «المبير» لنصح الشاعرء الفصيح والدماء تغلي 
في عروقه؛ فيأمر باغتيالهم جميعاء ثم لا يخجل أن يجلس على البساط 
الذي لفهم بهء فيتناول طعامه فوقهم» وهم يتقلبون في جراحاتهم» ويئنون 
بآلامهم» ويسبحون بدمائهم ومازال قائما لا يتحرك عنهم حتى فاضت 
نفوسهم إلى بارئها شاكية ظلم الإنسان وجبروته ('. 

ولقد استهل الرجل حكمه بإخراج جثث خلفاء بني أمية من قبورهم 
وجلدهم وحرق جثثهم: ونثر رمادها في الريح! ””'. ولم يكن ذلك في 
بداية عهده بالحكم فحسب. وإنما كانت سياسته التي سار عليهاء «كان 
السفاح سريعا إلى سفك الدماءء فاتبعه في ذلك عماله بالمشرق 
والمغرب»!'ء ومع ذلك كان الرجل شديد التدين وكان نقش خاتمه «اللهء 
ثقة عبد اللهء وبه يؤمن»! 224. 

لما أتى أبو العباس برأس مروان ووضعها بين يديه سجد فأطال السجود 
ثم رفع رأسه؛ فقال: «الحمد لله الذي لم يبق ثأري قبلك» وقبل رهطك. 
الحمد لله الذي أظفرني بك» وأظهرني عليك»! (2125. 

وفعل قواده مثلما فعل «كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق؛ 
دخلها بالسيف» وأباح القتل فيها ثلاث ساعات» وجعل جامعها سبعين يوما 
إسطبلا لدوابه وجماله. ثم نبش قبور بني أمية فلم يجد في قبر معاوية إلا 
خيطا أسود. ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجد جمجمة.. أما هشام 
فقد وجده صحيحا فأخرجه وضربه بالسوط وهو ميت. وصلبه أياماء ثم 
أحرقه ودق رماده ثم ذره في الريح» '. ولم تنج النساء.. «فقد أرسل 
امرأة هشام ابن عبد الملك, مع نفر من الخرسانية إلى البرية ماشية حافية 
حاسرة عن وجهها وجسدها عن ثيابها ثم قتلوها. ثم أحرق ما وجده من 
عظم ميت منهم» وأقام بها عبد الله خمسة عشر يوما.» ”" واستمر 
القائد الهمام في القتل والتنكيل: .. ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من 
أولاد الخلفاء وغيرهم» فقتل منهم في يوم واحد اثنين وسبعين ألفا عند نهر 
بالرملة. وبسط عليهم الأنطاء!*27 229 ومد عليهم سماطا فأكل وهم 
يختلجون عنه» وهذا من الجبروت والظلم الذي يجازيه الله عليه! (”'. 
حتى إذا ما فرغ من طعامه:» قال: «ما أكلت أكلة أطيب من هذه الأكلة!» ثم 


(*13) الأنطاع جمع نطع؛ وهو بساط من الجلد 





فى العلم الإسلامى 

حفر بئرا وألقاهم فيه (*. 

لم يستمر حكم السفاح سوى أربع سنوات وتسعة أشهر ومات ابن ثلاث 
وثلاثين سنةء بويع بعده أخوه أبو جعفر المنصور عام 136 ه بعهد منه. وكان 
المنصور «فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزما ورآيا وجبروتا... الخ» 
على ما يقول السيوطي (!*'. ولم يكن المنصور صاحب لهوء بل كان رجلا 
جادا«.. جماعا للمالء تاركا اللهو واللعب» كامل العقل؛ جيد المشاركة فى 
العلم والأدب؛ فقيه النفس» قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه!2329. وكان 
مولد المنصور في السنة التي مات فيها الحجاج بن يوسف» وهي سنة 
خمس وسيفين. .+ 21330. فكلما مات طاغية ولد فى أثره من هو أعتى مته 
حك لا #قطع اة افا من را ` 

كيف استهل المنصور خلافته5!. «كان أول ما فعل أن قتل أبا مسلم 
الخراساني صاحب دعوتهم وممهد مملكتهم..» ©*2. وبعد ثلاث سنوات 
شرع في بناء مدينة بغداد وقتل «الراوندية»» وبعد ثلاث سنوات بدأ علماء 
الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديثء أما هو فقتل الأخوين محمد 
وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسين «وجماعة كثيرة من آل البيت» فإنا لله 
وإنا إليه راجعون! (2135. 

وقف المنصور يوم عرفة خطيبا يحدد برنامجه السياسي فقال: 

«أيها الناس» إنما أنا سلطان الله في أرضه» أسوسكم بتوفيقه وتسديده 
وتأييده؛ وحارسه على مالهء أعمل فيه بمشيئته؛ وإرادته وأعطيه بإذنه؛ 
فقد جعلني الله عليه قفلاء إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم ™'ء وإذا 
شاء أن يقفلني عليه أقفلني» 7 . 

ولا بأس أن يستشير المنصورء فما خاب من استشار!. لا مانع مثلاء أن 
يلقي بعمه في السجن. ويرسل إليه يأخذ رأيه!؛ «فأرسل المنصور إلى عمه 
عبد الله بن علي» وهو محبوس» أن هذا الرجل قد خرج» فإن كان عندك 
رأي فأشر به عليناء وكان ذا رأي عنده» فقال: إن المحبوس محبوس 
اا 

ويؤخذ على المنصور ميله لسفك الدماءء وإن لم يكن قد بلغ في ذلك ما 
بلغه أخوه أبو العباس من قبله» ومما يؤخذ عليه أيضا غدره بمن آمنه. 
الأمر الذي يحط شأنه في نظر التاريخء فقد غدر ثلاثا: بابن هبيرة وقد 


الطاغيه 


أعطاه الأمانء وبعمه عبد الله بعد أن أمنه. وغدر بأبي مسلم بعد أن 
ملمكنه !0139 , 

ويحدد المنصورء في إحدى خطبه» برنامجه السياسي بوضوح لا لبس 
فيه: 

«.. أخذ بقائم سيفه؛ فقال: أيها الناسء إن بكم داء هذا دواؤه» وأنا 
زعيم لكم بشفائه» فليعتبر عبد قبل أن يعتبر به '. 

ومع ذلك فقد كان الرجل جادا لا يعرف الهزل؛ فلم يعرف قصره اللهو 
والعبث» وكان يومه منظما تنظيما دقيقا: ينظر في صدر النهار في أمور 
الدولة وما يعود على الرعية من خيرء فإذا صلى العصر جلس مع آهل بيته؛ 
فإذا صلى العشاءء نظر فيما يرد إليه من كتب الولايات والثفور. وشاور 
وزيره ومن حضر من رجالات الدولةء وإذا مضى ثلث الليل انصرف سماره 
وقام إلى فراشه: فنام الثلث الثاني» ثم يقوم من فراشه ليتوضاًء ويجلس في 
محرابه حتى مطلع الفجرء ثم يخرج فيصلي بالناس» ثم يد خل فيجلس في 
ديوانه ويبدأ عمله كعادته كل يوه! ('. 

وذلك لا يمنع من تعذيب المنصور لأبي حنيفة وحبسه وجلده ودس السم 
له في النهاية لرفضه ولاية القضاء!ء بل إنه يذهب بعيدا إلى حد الأخذ 
بالشبهات في كل ما يمس الملك ويحاسب أشد محاسبة على ما يظنه يجري 
في نية الأفراد الذين قد يصل جزاؤهم على مثل هذه الشبهات حد الإعدام!. 
وهكذا اشتهر عن المنصور أنه قتل الكثيرين ظلما وعدوانا 7" وكان يطلب 
من الناس في نهاية خطبه «أن ادعوا الله أن يوفقني إلى الرشادء وأن 
يلهمني الراعة بكم: والإحسان إليكم..» ('. ا 

كما طلب منهم بعد قتل أبي مسلم: «أيها الناس! لا تخرجوا عن أنس 
الطاعة إلى وحشة المعصية؛ ولا تسروا غش الأئمةء فإن من أسر غش 
إمامه أظهر الله سريرته في فلتات لسانه. وسقطات أفعاله: وأبداها الله. 
إن من نازعنا هذا القميص أوطأناه ما في هذا الغمد.. ومن نكث بيعتنا 
الى إجاع دعن الل 01440 

واستمر جبروت المنصور وطغيانه أكثر من عشرين عاما (۱36- ۱58 ه)»ء 
وقد كتب في وصيته لابنه المهدي «إني تركت لك الناس ثلاثة أصناف: 
کی نيحو 9 غ واا لا مزجن ]لا امت ونسهرنا برج الق 


فى العلم اإاسلامى 


إلا منك!».. ثم تولى ابنه المهدي الذي امتدت خلافته عشر سنوات (158- 
9 ه) الذي اتخذ بعد أبيه سياسة لينة يداوي بها الجراح والنفوس, 
ويجمع بها الشملء؛ فرد معظم الأموال التي صودرت على عهد أبيهء وأطلق 
سراح المسجونين السياسيين لاسيما العلويين منهم.. . ال+!120". لكنه شدد 
على الطاعة في أول خطبة لهء بعد أن بويع بالخلافة, قال: أيها الناس من 
طاعتنا نهبكم العافيةء وتحمدون العاقبة. اخفضوا جناح الطاعة لمن نشر 
معدلته فيكم وطوى الإصر عنكم.. والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان 
اک (146(, 

وتولى الهادي بعد أبيه فأقام في الخلافة سنة وأشهراء وكان فظا 
غليظا اشتهر بالشراسة! كان أبوه قد أوصاه بقتل الزنادقة فجد في أمرهم, 
وقتل منهم خلقا كثيرا 217. ومع ذلك فقد كان الهادي يحب الغناء والشراب 
واللهو فقرب إليه إبراهيم الموصلي المغني العراقي المشهور وابنه اسحق 
الموصلي» ولقد أعطى إبراهيم الموصلي خمسين ألف دينار لأنه غناه ثلاثة 
أبيات أطربته. ولهذا كان إبراهيم يقول: «والله لو عاش لنا الهادي لبنينا 
حيطان دورنا بالذهب ® '. وكانت أمه الخيزران سيدة متسلطة مستيدة 
بالأمور تغدو المواكب بابهاء فزجرها الهادي وكلمها بكلام وقح وقال لئن 
وقف ببابك أمير لأضربن عنقه! أما لك من مغزل يشغلك؟!. بعث إليها 
بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فمات» فعملت على قتله!ء وقيل إن أمه 
الخيزران سمته عندما علمت أنه عزم على قتل الرشيد لتعهد الخلافة إلى 
ولده!. 

ثم تولى هارون الرشيد بعد موت أخيه الهادي عام ۱75 ه. «كان أبيض 
طويلا جميلا مليحا فصيحا له نظر في العلم والأدب!». وما يهمنا شدة 
تدينه «كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات» لا يتركها 
إلا لعلة. ويتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم!» '» وكان يحب 
العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام ويبغض المراء في الدين!. ومع ذلك 
فأخبار الرشيد يطول شرحها . له أخبار في اللهو واللذات المحظورة, والغناء 
اک ا کے ا ی على یاه ا د غات 
القانون وهو كلي لم يبق سوى النزوة التي هي بطبيعتها جزئية: عندما 
أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي 


الطاغيه 


فراودها عن نفسهاء فقالت لا أصلح لكء إن أباك قد طاف بيء لكنه شغف 
بهاء فأرسل إلى أبي يوسف قاضيه الشهير والملقب «بفقيه الأرض وقاضيها!- 
فسأله الرشيد: أعندك فى هذا شىء؟!. 

٠ ٠ وجات الجواية‎ 

وأهتك حرمة أبيك: واقكن شه ر تة وصبرة فى رق شع 1 : لأخظ 
استعداد الفقيه القاضي للفتوى أأيا گان توعها لأرضاء شهواة الحاكم!. 

وقال الرشيد لأبي يوسف: إني اشتريت جاريةء وأريد أن أطأها الآن 
قبل الاستبراء. فهل عندك حيلة؟ قال: نعم تهبها لبعض ولدك ثم 
ا 

ولهذا لم يكن ثمة ما يمنع «فقيه الأرض وقاضيها» أن يأخذ أجره من 
أموال المسلمين فورا: «دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه فأمر له بمائة 
ألف درهم. فقال أبو يوسف: إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح! 
فقال: عجلوها! فقال بعض من عنده: إن الخازن في بيته والآبواب مغلقة. 
فقال أبو يوسف: فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت! 5 . 

لكن لم تكن حياة هارون الرشيد كلها ناعمة هادئةء فقد فشت الدسائس 
في قصره. وكثرت السعايات: مما أفزعه وجعله يشعر أنه صار مغلوبا على 
أمره لاسيما مع البرامكة؛ وأنهم شاركوه في سلطانه بشكل أخل بتوازن 
الدولة وسلامتهاء مما اضطره إلى التخلص منهم. ولقد كان العباسيون 
عموما حساسين من هذه الناسية السياسية؛ ولهذا قتلوا كل من شكوا في 
إخلاصه. وهذا هو ما يهمناء فهذا الشعور هو الذي دفع المنصور للاطاحة 
بأبي مسلم» والرشيد إلى نكبة البرامكةء والمأمون إلى التخلص من الفضل 
بن مهل والعتضيم إلى قل كاتد الأ فشن 1517 


184 


فى العلم اإاسلامى 


فاده 


لابد أن ننتبه جيدا إلى عدة حقائق مهمة من الأحداث التاريخية التى 
روينا بعضا منها فيما سبق: 

-١‏ كانت الهوة تزداد اتساعا بين الواقع والمثال حتى اختفى المثال تماماء 
وإن ظل في بطون الكتب وشروح المفكرين ونظرياتهم من أقدم العصور 
حتى الآن. من أعجب العجب أن نجد واحدا من أكبر الباحثين والمؤلفين 
المسلمين القدامى في المسائل المتعلقة بنظام الحكم ألا وهو «أبو الحسن 
الماوردي» المتوفى عام 0 ه-بعد أن وضع كتابه الشهير «الأحكام السلطانية»- 
يوصي بعدم نشره إلا بعد وفاته!!؛ وذلك خوفا من بطش الخلفاء العباسيين 
وطغيانهم!!ء وهكذا نجد أن بعض الباحثين من العلماء كان يكتب في جو من 
الخوف والرهبة, كعادة الكتاب في دولة الطغيانء بينما كان البعض الآخر 
يكتب بدافع الزلفى والرغبة ™'. 

2- لاشك أن حرية الرأي كانت تتصل اتصالا كبيرا بمزاج الخليفة 
فمثلا كان المنصور ضيق الصدر سياسيا واسع الصدر علمياء يأخذ بالظنة 
والضمير. ويجزي على ذلك بالقتل السريع؛ لا يرحم خارجا عليه»ء بل ولا 
من توسم فيه خروجاء ولا من حاول أن ينترع منه سلطة؛ ولو كان هو 
مانحها 1"9). ومعنى ذلك أنه كان ينشد الطاعة المطلقة والاستسلام الكامل! 
ولقد سبق أن تحدثنا عن «الطاعة البابلية» وكيف أن أوامر القصر كأوامر 
«آنو» لا تتبدل: «والعصر الذهبي هو عصر الطاعة» فما الجديد الذي 
حدث بين الحضارة القديمة والحضارة الوسيطة؟! ما الذي طرأ على النظام 
السياسي من تغير؟!ء أليس الحاكم هو صاحب الكلمة العليا5!. استمر فى 
سير التاريخ إلى الحقية المعاصرة لترى «أن صدام حسين هو رئيس 
الجمهورية ورئيس مجلس الوزراءء والقائد العام للقوات المسلحة؛ ورئيس 
مجلس قيادة الثورة, والأمين العام للقيادة القطرية.. . الخ» 7 . 

أكثر من عشر وظائف أساسية؛. وصورة بالحجم الكبير على مدخل كل 


الطاغيه 


قرية عراقية ينبعث من الصورة ضوء النيون القوي خلال الليل! 5# . 

3- من السمات الأساسية للطاغية أنه لا يكترث برضا الناس أو موافقتهم 
على حكمه» فالمهم إجبارهم على «السمع والطاعة». هكذا كان حكم بني 
أمية ابتداء من معاوية وابنه يزيد إلى عبد الملك بن مروان.. . الخ» وهكذا 
كان حكم العباسيين ابتداء من «السفاح» إلى «المنصور».. الخ» بل هكذا كان 

تاريخنا كلهء وما البيعة إلا مسألة شكلية صورية مثلها مثل الاستفتاءات 
المعاصرة التي تنتهي بفوز الحاكم بنسبة 99, 99ء ولا يمكن لمنصف أن يقول 
إن البيعة كانت تعني ولاية الخليفة برضا الناس أو اختيارهم أو محبتهم 
فلن نجد مناسبة إلا ويعبر الناس عن كراهيتهم للحكم إذا أمنوا أو إذا 
جازفوا حين يضيق بهم الحال!. «لقي المنصور أعرابيا بالشام» فقال احمد 
الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت» قال: إن الله لا 
يجمع علينا حشفا وسوء كيل: ولايتكم والطاعون ”*' .وعندما أفتى مالك 
بن أنس رحمه الله فقال للناس «إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره 
يمين" كان ما كان!؛ جلده المنصور وهو عاري الجسد غير مستور 
العورة تشهيرا به! فلا أهمية لرضا الناس أو اختيارهم أو كراهيتهم للحاكم!. 
و«تسعة مواطنين من أصل عشرة يكرهونني؟! وما أهمية ذلك إن كان العاشر 
وحده مسلحا5!» على ما يقول أحد الطغاة!. المهم أن تكون مسلحاء شاكى 
السبلاع على ارا ع اسيك فى عمطي عين و 
لدين الله الفاطمي عندما دخل القاهرة, وکت في الناس في الجامع 
الآزهر. سألوه عن حسبه ونسبهء فاخرج من جيبه مجموعة من الدنانير 
الذهبية ونثرها فوق رؤوسهم: وهو يقول: هذا حسبي!؛ ثم أخرج سيفه من 
غمده» وهو يقول: وهذا نسبي!!. ويعجب الدكتور العبادي لم وقف هذا 
الموقف5. ولم لم يخبرهم أنه من نسل النبي5: مع أن المعز كان كثيرا ما 
يفخر بالانتماء إلى الرسول عن طريق علي بن أبي طالب وفاطمة 
الزهراء .2192 تكن التسب |الشوكر يقوم بدوره فى ضقاء القداسة على 
الحاكم» وأنه يستمد منه السلطةء ويكشف عن أحقيته في الحكم: فمنه لا 
دن الت تسر اا هلعن ی عليه بن للك كلل أن برقن قاين 
صحة هذا الادعاء بالسيف» فهو أصدق إنباء من الكتب!»» وعلينا أن نتذكر 
باستمرار أن شاعرنا العربي يقول إنما «العاجز من لا يستبد»!!. فالاستبداد 


186 


فى العلم اإاسلامى 


قوةء وفحولة. وسطوةء وسيطرة: وهيمنة. أما الديمقراطية فهي «مساواة» 
ورخاوة وسيادة للقانون الذي هو بطبيعته كلي» وكبح نزوات الحاكم.. وهي 
كلها أمور تضعف الحاكم فى بلادنا وتجعله عاجزا كما قال الشاعر! '. 
4- يتفرع عن الخاصية السابقة خاصية أخرى موجودة في طغاتنا طوال 
التاريخ؛ وهي أنهم لا يخضعون للمساءلة أو المحاسبة أو الرقابة5!. ومن ذا 
الذي يستطيع أن يسأل فرعون. أو جلجامش. أو المنصور أو صدام أو لا 
.. .. . الخ. الحاكم عندنا لا يسأل عما يفعل لكنه يسأل غيره» فهو إما أنه 
إله. كما حدث قديماء أو أنه يحكم بتفويض من الله أو أنه هبط على الناس 
في ليلة مظلمة حالكة السواد على رأس قواته المسلحةء يسوقه قدر أحمق 
الخطى!؛ وما أن يجلس على منصة الحكم حتى تتفتق عبقريته الكامنة 
وتنكشف مواهبه المدفونةء التي لم يكن لها وجود من قبل» وهو في جميع 
الأحوال يتحول إلى شخصية غير عادية. شخصية لها ضرب من القداسة, 
فكيف يمكن أن يسأله بشر!. يقول د . العبادي: «تغيرت نظرية الخلافة في 
عهد العباسيين» وأصبحت تشبه تماما نظرية الحق الإلهي التي كانت سائدة 
بين الفرس قديما أيام الساسانيين والتي سادت أوروبا في بداية العصور 
الحديثة باسم 15016 ؟ه 1186 عم111. ولقد اندمجت هذه النظرية في نفوس 
المسلمين حتى صارت عقيدة يؤمنون بها ..» “؟' . وذلك لأن العباسيين استتدوا 
في سلطانهم إلى مبدأ القرابة من الرسولء ونادوا بفكرة العائلة المختارة 
المطهرة من الرجسء ورفضوا مبدأ الانتخاب» وأكدوا أن الخليفة ظل الله 
على الأرضء وليس للناس إلا الطاعة؛ كما تأثرت الخلافة العباسية بمفاهيم 
الحكم الساساني» وبعدت أكثر وأكثر عن مفهوم الشورىء واتجهت نحو 
الحكم المطلق '. ويشرح الدكتور حسن إبراهيم الفكرة نفسها في شيء 
من التفصيل فيقول: «لقد كان الفرس يقولون بنظرية الحق الملكي المقدس, 
بمعنى أن كل رجل لا ينتسب إلى البيت المالك ويتولى الملك يعتبر مغتصبا 
لحق غيره؛ لذلك أصبح الخليفة العباسي في نظرهم يحكم بتفويض من 
الله لا من الشعب فى أرض» وذلك يخالف ما كانت عليه الخلافة فى عهد 
الراشديع الذي اسصدوا سلطا فن اا ا 
ولقد أقام العباسيون حقهم في الملك؛ كما قلناء على أساس أنهم ورثوا 
بيت الرسول» وعملوا على الاحتفاظ بالخلافة في دولة ثيوقراطية أساس 


187 


الطاغيه 


السيادة فيها لزعماء الدين ليظهروا بذلك الفرق بين السلطتين في عهدهم 
وفي عهد الأمويين من قبلهم ”'. وعلى هذا لم يقبلوا أن يكونوا ملوكا 
فحسب. بل أرادوا أولا أن ينظر إليهم على أنهم أمراء دينيون» وأن يدرك 
الناس أن حكومتهم دينية فقد حلت محل الأمويين سلطة ربانية ™') ذات 
مظاهر دينية: «كان الخليفة مصدر كل قوةء كما كان مرجعا لكل الأوامر 
المتعلقة بإدارة الدولة. واحتجب الخليفة عن الناس» واتخذ الوزير والسياف 
فأحيطت شخصيته بالقداسة والرهبة» '. 

وعلى ذلك فإذا ما قرأنا عبارة كهذه: «الخليفة مسؤول سياسيا ويخضع 
لمبدأ العزلء وليست له حصانة تقف حائلا دون محاسبته سياسياء فللأمة 
حق نقده. فضلا عن أنه مسؤول جنائيا عن جميع أفعاله سواء ما يتعلق 
منها بمنصب الخلافة وما لم يتعلق.. ويخضع الخليفة أيضا للمساءلة 
المدنية. فهو يخضع لأحكام المعاملات الشرعية: فلا يجوز للامام أن يتعدى 
على حقوق الأفراد؛ فإن فعل ذلك كان لمن أضير بفعله حق اللجوء إلى 
القضاء للمطالبة بحقه»“"'. أو عندما نقرأ ما يقوله الإمام محمد عبده: 
«الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم. ولا هو مهبط الوحيء ولا من حقه 
الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة»!71'". و«إذا كانت الأمة هي التي نصبتهء 
والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه؛ وهي التي تخلعه متى رأت 
ذلك من مصلحتها فهو حاكم مدني من جميع الوجوه..”'. 

وكذلك عندما نقرأ للفقيه الأكبر الدكتور السنهوري: «أن عقد الخلافة 
عقد حقيقي يجب أن تتوافر فيه أركان العقود وشروطها. والركن الأول هو 
الرضا وحرية الإرادة من الطرفين: من الخليفة باعتباره الطرف الأول؛ ومن 
أهل الحكم والعقد وسائر المسلمين باعتبارهم الطرف الثاني.. الخ. وبالتالي 
الخليفة أو الحاكم المسلم ليس مطلق السلطة يملك جميع السلطات كما 
يزعم المع 

أو عندما يقول «الخليفة كأي حاكم في الإسلام ليس ممثلا للسلطة 
الإلهية وهو لا يستمد سلطانه من السيادة الإلهيةء وإنما هو يمثل الأمة 
التي اختارته؛ ويستمد منها سلطته المحدودة..»”' أو قوله: «فكان السيادة 
الإلهية والحق في التشريع أصبح بعد انقطاع الوحي وديعة في يد الأمةء لا 
في يد الطغاة من الحكام والملوك» كما كان الشأن في الدولة المسيحية التي 


فى العلم اإاسلامى 


ادعى ملوكها حقا إلهيا..172/2'. «فالأمة الإسلامية تملك سلطة التشريع 
بطريق الإجماع.؛ أما ولي الأمرء وهو الخليفة؛ فلا يملك من هذه السلطة 
شيئا»”'. فالخليفة في الإسلام لا يمكن أن يعطي لنفسه حق التعبير عن 
الإرادة الإلهيةء أو أنه لا يملك أن يصدر تشريعا لأن سلطة التشريع لجماعة 
الان :ا ر 

فلابد أن نتذكر أن هذه العبارات الجميلة تتحدث عن «المثال» بينما 
نحن نتحدث عن الواقع. ما حدث في التاريخء وهو الذي يهمنا الآن؟ لأنه 
للأسف همزة وصل بين الماضي السحيق. والحكم المعاصر الذي لا يزال 
يعتصر قوانا وكرامتنا!!إ2172, 

وإذا كان الشعب في آي نظام دستوري هو السيد» من حيث إنه المصدر 
النهائي للسلطة السياسيةء استطعنا أن نقول في حسم قاطع إن نظام 
الحكم في تاريخنا الطويل لم يكن يعرف شيئًا عن «النظام الدستوري» لأن 
الشعب كان فيه غائبا تماماء فبسبب النزعة الاستبدادية التي عرفت عن 
حكم الخلفاء منذ عهد الأمويين؛ فيما يرى الأستاذ الأكبر الدكتور السنهوري, 
أغفل علماء المسلمين القدامى الاهتمام بالبحوث الدستوريةء فبقي جانب 
الفقه الإسلامي المتعلق بالقانون العام في حالة طفولة بسبب هذا 
العزوف279, 

الحاكم يحكم وفقا لضميره الأخلاقي» والكتابات السياسية القليلة التي 
كتبت اهتمت بالنصائح التي تقدم للحاكم ليكون أخلاقياء واشترطت عليه 
أن يكون عادلا مستقيما عفاء وأن يراعي ضميره» وأن يتقي الله في عملهء 
أعني أنها عنيت بأخلاقيات الحاكم «متى صلح صلحت الرعية ومتى فسد 
فسدت»!!. 

5- لا يكون أثر الطغيان سلبا على حرية الفكر فحسب., وإنما يكون 
كذلك أيضا على أخلاق المفكرين والأدباء والشعراء والفقهاء.. . الخ فيتجه 
بهم إلى الرياء والنفاق والتزلف! يقول أحمد أمين ™':«إن الأدب اتجه 
معظمه» في العصر العباسيء إلى مشايعة رغبات القصرء يذم الشعراء من 
ذمهم الخلفاء. ويمدحون من رضوا عنه. فإذا خرج محمد بن عبد الله على 
المنصور هجاه ابن هرمه». وإذا رضي المعتصم عن الأفشين؛ فقصائد أبي 
تمام تترى في مدحه. وإذا غضب عليه وصلبه؛ فقصائد أبي تمام أيضا 


18۹ 


الطاغيه 


تقال في ذمه وكفره. ويرضى الرشيد عن البرامكة فهم معدن الفضل» 
ويقتلهم فهم أهل الزندقة والشرك. وهكذا وقف الأدب أو أكثره يخدم 
الشهوات والأغراضء وقديما هجا الفرزدق الحجاج بعد أن مدحه فقيل لهء 
كيف تهجوه وقد مدحته؟. فقال: نكون مع الواحد منهم ما كان الله معه. 
فإذا تخلى عنه انقلبنا عليه!. (ولو قال نكون مع الواحد ما كان الحاكم معه 
لكان أصدق!0). 

ومن خرج عن خط المديح لمن يرضى عنه الحاكم وهجاء من يغضب 
عنه» عوقب على خروجه أشد عقاب» وأنشاً العباسيون إدارة للبحث عن 
الزنادقةء وتعقبهم» ومعاقبتهم, وأفرطوا في قتل المتهمينء ومنهم من قتل 
ظلما وعدواناء وكان الداعي إلى قتله أسبابا سياسية؛ لكنهم نفذوا أغراضهم 
تحت شعار الزندقة استمالة للجمهور كما فعلوا في ابن المقفع وصالح بن 
عبد القدوس الذي سبق أن ذكرناه. لكن ابن المقفع يحتاج إلى وقفة خاصة: 
ابن المقفع صاحب المكانة الرفيعة في الأدب العربيء والحظ العظيم من 
الثقافة العربية واليونانية والفارسيةء حتى أنه كان أول من ترجم كثيرا من 
كتب أرسطو في المنطق والجدل والقياس والمقولات ".هذا الرجل تجراً 
وكتب «رسالة في الصحابة» أرسلها إلى المنصور بدأها بمدحهء وتفضيله 
على الأمويينء لكنه تجرأ وعين من نفسه مشيرا يشير إلى «ولي النعم»! 
أشار عليه بالاهتمام بالجنود في خراسان وضمان آرزاقهم» وأن يضع لهم 
قانونا يعصمهم من جور العمال والحكام ويضمن لهم حياة هادئة!. ثم انتقل 
إلى أهل العراق فأوصى بهم أمير المؤمنين خيراء لأنهم ظلموا أيام بني 
أمية! وليس ذلك فقط بل إنه انتقل إلى الأحكام الفقهية فرأى أن يصدر 
الخليفة كتابا يلزم الفقهاء على اختلافهم بالأخذ به فلا يكون في الأحكام 
تناقض ولا في القضاء اضطراب!. ثم انتقل إلى أهل الشام فطلب إلى 
الخليفة أن يحتاط في سياسته فيشتد عليهم في عدل.. . الخ. فماذا يكون 
جزاء هذه «الوقاحة»5. أرسل المنصور إلى والي البصرة سفيان بن حبيب 
يأمره بقتله؛ فدعاه الأخير إلى ديوان الحكومةء وأدخله المقصورة وإذا بها 
تنور وقال له: «والله لأقتلنك قتلة يسير بذكرها الركبان»!؛ وأخذ يقطع من 
جسمه أجزاء ويضع كل قطعة في النار وهو يراها تحترق حتى مات! 192, 
وقيل للناس إن ابن المقفع قتل بسبب الزندقة «أما أنا فأرجح جدا أن الذي 


190 


فى العلم اإاسلامى 


قتله ليست الزندقة.. وإنما هذه الرسالة التي تسمى رسالة الصحابة..°'. 
فعلينا أن نتذكر باستمرار أساس البلاء في مجال الفكر أن يجتمع 
السيف والرأي الذي لا رأي غيره في يد واحدة. فإذا جلا لك صاحب 
اميت صبارمه ر ك بطلل اعا آله تمن رة الات الح 
والصدق الصراح» فماذا أنت صانع إلا أن تقول له «نعم» وأنت صاغرة هذه 
صورة رسمها أبو العلاء بقوله: 
جلواصارماوتلواباطلا 
وقالوا:صدقنا»فقلتا:نعما 
وهكذا كانت الحال في جانب من تراثناء هو الجانب السياسي» وهو 
الجانب الذي نريد أن نطمسه ليموت!ء فقد يكون للأمير أو الوزير رآيء 
ورأيه في رأسه والسياف إلى جواره» ثم يمثل المخالف بين يديه وفي مثوله 
هذا يكون الختام 199). بل قد يحاسب الحاكم المفكر أو الشاعر على أفكار 
دارت في رأسه أو في سريرة نفسه دون أن يعلنها أو ينطق بها. وهناك 
عشرات الأمثلة: «بشار بن برد»» وقصة «الحلاج» الشهيرة ™') وابن المقفع 
الذي عرضنا له الآن توا!!. 
فالخلفاء عموما إن سمحوا بحرية الرأي في كل شيء فليسوا يسمحون 
بها في نقد الحاكم أو معارضته أو إضعاف ملكه؛ فإذا مس المفكر هذه 
الناحية فالعقوبة شديدة» .. ومن رأيي أن أبا حنيفة: ومالك بن أنسء والثوريء 
لم يعاقبوا للسبب الذي يذكر عادة وهو عدم رغبتهم في تولي القضاء 9 
ولكن لآن امتناعهم مظهر من مظاهر عدم تعاونهم مع الدولة القائمة 
والجمهور يرى أن هؤلاء إذا امتتعوا فلأن الدولة ظالمة لا تحكم بالعدلء 
ولأن امتناعهم قد يدل على رغبتهم الخفية في نصرة أعداء العباسيين 
كالعلويين؛ ومن هذا الباب توسيع أمر الزندقةء وإنشاء الإدارة الخاصة بهم, 
فهم: وقد أخذوا على أنفسهم حماية الدين وصبغوا الخلافة صبغة دينية. 
وربطوا الأمرين أحدهما بالآخر. قد رأوا التشدد في هذا الأمر كالتشدد 
فی سايقه.. 1۶9 . 
6- في مثل هذه الدولة ليس هناك «كبير» أو شخصية محترمة... الخ 
سوى «السيد الأوحد» أما بقية الأفراد فهم» بمعنى أو بآخر. عبيد هذا 
السيد» فيمكن لأي شخص أن يسجن أو يدس له السم في طعامه:؛ أو 


109 


الطاغيه 


يضرب, أو يجلد» فلا كرامةء ولا اعتبارء ولا قيمة إلا للذات العلية وحدها!. 
بل إنه يمكن أن يعصف بمن سبق لهم أن ساعدوه أو عاونوه أو من مدحوه 
تثبيت ملكهم! '. ويروي أحمد أمين عن عصر العباسيين عموما أنهم 
قتلوا وأهانوا الكثير من الوزراء الذين كانوا يعملون معهم. يقول: «.. قل أن 
ترى وزيرا في العصر العباسي مات حتف أنفهء فأول وزير لأول خليفة 
عباسي قد أوعز الخليفة السفاح إلى أبي مسلم الخراساني بقتله ففعل؛ 
واستوزر أبو جعفر المنصور أبا أيوب سليمان المورياني ثم قتله؛ وقتل أقاربه. 
واستصفى آموالهم» ونكبة الرشيد للبرامكة الذين كان منهم الوزراء معروفة 
مشهورة. واستوزر المأمون الفضل بن سهل ثم أوعز بقتله.. . وهكذا». وبلغ 
الحال من تعرض الوزراء في ذلك العصر للقتل. أن كان القراد في الشارع 
يقول لقرده: أتريد أن تكون عطارا فيوميٌ برأسه أن نعم! فيعدد له الصنائع, 
وهو يوميّ برأسه موافقا.. . فيقول له في النهاية أتشتهي أن تكون وزيرا؟! 
فيوميٌ برأسه: لا! ويصيح ويعدو من يد القراد فيضحك الناس» ' ومازال 
الأمر على هذا النحو حتى يومنا الراهنت! 1*2" . 


9 اكثيرا ها یر ضدام حسين وهر يزدري مجموعة من الوزراء مسؤولي الحرب المرتيكين: 
ا ی پا ی ای إلى عاو ا ميري 
الخوف ص 183» بل كثيرا ما نرى الوزير وقد أعفي من جميع مناصبه في سطر واحد في 
الصحيفة كما حدث مع حلمي مراد أو يزج به في السجن بتهمة الاشتراك في ثورة مضادة.. . 


الخ. 


192 





فى العلم اإاسلامى 


هوامش الفصل السابج 


)١(‏ د. محمد يوسف موسى «نظام الحكم في الإسلام» ص 25 وص 57 دار الكتاب العربي. 

(2) إذا أردنا أن نسوق أمثلة سريعة وسوف نجد الكثير منها فيما بعد سقنا مثالا لظلم لا حد له 
ما فعله المنصور عندما عين لابنه جعفر كاتبا يسمى الفضيل بن عمرانء وكان رجلا عفيفا دينا. 
فدس له عند المنصور لأسباب سياسية بأنه يعبث بجعفرء فأمر المنصور بقتله من غير سؤال ثم 
تبين للمنصور كذب المبلغ بعد إعدام الرجل بالفعل؛ وعندما تساءل ابنه: «ما يقول أمير المؤمنين 
في قتل رجل عفيف دين مسلم بلا جرم ولا جناية؟» كان الجواب «هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء 
وهو أعلم بما يصنع!!» أحمد أمين «ضحى الإسلام» المجلد الثاني ص 43 مكتبة النهضة المصرية. 
فإذا ذهب الأستاذ مرجليوث <اناهنامعنة2.5.31 إلى القول بان «الحاكم ليس مسؤولا أمام آحد» 
فالإمام إذا قتل أحد أفراد رعيته فانه لا يكون مسؤولا آمام أحد عن ارتكاب جريمة القتل!» تساءل 
الدكتور ضياء الريس «فهل يمكن أن يقول الإسلام بذلك؟ أليس ذلك دليلا على الجهل بالإسلام 
ومبادثه ووجود شعور عميق بالعداء نحوه يستحق الرد والمناقشة5!» ص 235 أمثلة كثيرة على 
الخلط بين الواقع والمثال! 

(3) السيوطي «تاريخ الخلفاء» ص 265. 

(4) المرجع نفسه ص 252. 

(5)المرجع نفسه ص 250. 

(6) مروج الذهب للمسعودي المجلد الثاني ص 344. 

(7) تاريخ الخلفاء ص 251-250. 

(8) د محمد ضياء الدين الريس «النظريات السياسية الإسلامية» ص 7 مكتبة الأنجلو المصرية 
(9) من ذلك مثلا ما يقوله المرحوم د. محمد يوسف موسى في كتابه ص 165 ردا على المستشرقين 
ومنهم مرجليوث القائل: «أيا كان الحاكم الذي يستقر الرأي على الاعتراف بهء فإن الرعايا 
المسلمين ليست لهم حقوق ضد رئيس الجماعة القائم»! 

وما يقوله ماكدونالد : «لا يمكن على الإطلاق أن يكون الإمام حاكما دستوريا بالمعنى الذي نعرفه»! 
فهو يرى أن هذه الأقوال ليس فيها شيء من الحق مطلقا وإنما هو التحامل والغرض والهوى.. . 
الخ» فهذا خلط آخر بين الواقع والمثال وسنرى أمثلة أخرى كثيرة فيما بعد. 

(10) د. عبد الرزاق أحمد السنهوري: «فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية! ص 39 
حاشية (8 ترجمة د . نادية عبد الرزاق السنهوري ومراجعة د . توفيق محمد الشادي-الهيئة المصرية 
العامة للكتاب عام 1989. 

.39 د. السنهوري «فقه الخلافة» ص‎ )١1( 

(۱2) المرجع نفسه ص ١35‏ حاشية .١‏ 

)١3(‏ هى ظلة كانت بالقرب من دار «سعد بن عبادة» كانوا يجتمعون تحتها-وكانت له الرياسة. 
(14) ذختن إبراهيم حسن: «تاريخ الإسلام» المجلد الأول ص 352 مكتبة النهضة ط ١3‏ 

(15) أحمد أمين «فجر الإسلام» ص 252- وانظر في حجج الفريقين بالتفصيل ص 252- 253 ط 


1۹3 


الطاغيه 


4 عام 1986 مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة. 
(16) د. محمد ضياء الدين الريس:«النظريات السياسية الإسلامية» ص 25 مكتبة الأنجلو المصرية 
عام 0 

(17) ابن كثير «البداية والنهاية» المجلد الخامس ص 216- دار الكتب العلمية بيروت-عام 

(18) د. محمد ضياء الدين الريس «النظريات السياسية الإسلامية» ص 23 مكتبة الأنجلو المصرية 
عام 1952+ 

(19) ابن كثيرء البداية والنهاية المجلد الخامس ص 216. 

(20) نقلا عن د. عمد ضياء الدين الريس في كتابه السالف الذكر ص 24. 

(21) ابن كثير البداية والنهاية؛ المجلد الخامس ص 218: وتاريخ الخلفاء ص 69. 

(22) المسعودي» «مروج الذهب ومعادن الجوهر» المجلد الثاني ص 307. 

(23) المرجع السابق ص 08 3- وانظر أيضا عمر فروخ «تجديد التاريخ» ص ۱42 دار الباحث بيروت 
عام 0 . 

(24) مروج الذهب للمسعوديء المجلد الثاني ص 309. 

(25) مروج الذهب المجلد الثاني ص 309. 

(26) تاريخ الخلفاء ص 78- وقد روى البعض أنهم جعلوا له «ألفين» فقال: زيدوني فإن لي عيالاء 
وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة. أو كانت ألفين وخمسمائة. ولا يعنينا أن نعرف 
بالدقة كم جعلوا لأبي بكر لكن الذي يعنينا هو أن المسلمين في عهد أبي بكر وضعوا هذا المبداء 
أي تقدير راتب للخليفة هو وأهله حتى يتفرغ لخدمة الأمة وإدارة شؤونها. لكن المبدأ لم يتطور 
بعد ذلك في عهد الأمويين والعباسيين!! 

(27) د. حسن إبراهيم حسن» «تاريخ الإسلام» المجلد الأول ص 46. 

(28) من الخطأ أن نقارن بين «البيعة» و«العقد الاجتماعي» ذلك لأن البيعة حقيقة تاريخية. أما 
العقد الاجتماعي فهو افتراض عقلي لبناء الكيان السياسي. 

(29) تاريخ الخلفاء ص 78- ولا يفهم من العبارة أن الخليفة يظل حاكما حتى نهاية حياتهء إذ الأمر 
متروك لرضا الناس وموافقتهم». 

(30) د. حسن إبراهيم» «تاريخ الإسلام» المجلد الأول ص 355. 

(31) المرجع نفسه ص 395. 

(32) ابن كثير. البداية والنهايةء المجلد السابع ص 138. 

(33) د . حسين عطوان» الوليد بن يزيد. ص 168- ۱69ء دار الجيل بيروت 1981 . 

(34) ابن كثير المرجع السابق ص 139. 

(35) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 139. 

(36) د. عبد الحميد متولي» «أزمة الفكر السياسي الإسلامي» ص 44- 45 الهيئة المصرية العامة 
للكتاب عام 1985.. 

(37) المرجع السابق. 

(38) د. حسن إبراهيم» تاريخ الإسلام ج | ص 378. 

(39) وما يقال هنا عن اعتماد الحكم على شخصية الحاكم. نزاهته هو ضميره هو .. الخ؛ لا على 
قوانين عامة مكتوبةء يقال على عهد عمر بن عبد العزيز الذي لم يدم سوى سنتين فحسب (99- 
(ı01‏ 


194 


فى العلم اإاسلامى 


(40) رسائل الجاحظ ص 239 (رسالة في النابتة) دار مكتبة الهلال بيروت عام ۱987ء وانظر أيضا 
رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون ص 139 مكتبة الخانكي بالقاهرة. 
(41) د . حسن إبراهيم» تاريخ الإسلام ج | ص 210. 
(42) رفض الناس ما فعله عثمان من عزل كثير من الصحابة وتولية جماعة من أقربائه من بني 
أميةء وأغلظوا له في القول وطلبوا منه أن يعزل عماله ويستبدل غيرهم من السابقين ومن 
الصحابة حتى شق عليه ذلك جدا. «البداية والنهاية لابن كثير» ج 7 ص 173. 
(43) مروج الذهب, المجلد الثاني ص 344. 
(44) المرجع نفسه ص 349. 
(45) عباس محمود العقاد «عبقرية علي» ص 57 مكتبة نهضة مصر بالفجالة. 
(46) المرجع نفسه ص 342-341 . 
(47) المرجع نفسه ص 346-345. 
(48) تاريخ الخلفاءء ص 157- وانظر الحوار الذي دار بينه وبين علي بن أبي طالب لتعيينه أقاربه. 
«البداية والنهاية» ج 7 ص 176-175. 
(49) تاريخ الخلفاء ص 158 . 
(50) البداية والنهاية ج 7 ص 198. 
(51) المرجع نفسه ص 206. 
(52) المرجع نفسه ص 192. 
(53) د. حسن إبراهيم» تاريخ الإسلام؛ المجلد الأول ص 293. 
(54) البداية والنهاية ج 7 ص 193. 
(55) لسان العرب لابن منظور المجلد الحادي عشر. 
(56) عباس محمود العقاد. «عبقرية علي» ص 56ء مكتبة نهضة مصر بالفجالة. 
(57) عباس محمود العقاد «عبقرية على» ص 55. 
(58) د . حسن إبراهيم حسنء «تاريخ الإسلام» المجلد الأول ص 438- 439 مكتبة النهضة المصرية 
القاهرة ا199 . 
(59) العقد الفريد لابن عبد ربه؛ المجلد الرابع» ص 70ء طبعة دار الكتب العلمية بيروت» ط 3 عام 
7 
(60) المرجع نفسه ص 171. 
(61) البداية والنهاية. ج 8 ص 134!؛ وانظر أيضا د. محمد ماهر حمادة «الوثائق السياسية 
والإدارية للعصر الأموي» ص 27ء مؤسسة الرسالة دار النفائس بيروت. 
(62) مثل «اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب» و«اللهم اجعل معاوية هاديا مهديا 
واهد به»» «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية» و«إن ملكت فأحسن».. الخ. انظر لابن كثير 
«البداية والنهاية» ج 8 ص 124ء وص 126-125 وص 134 .. الخ. 
(63) راجع نماذج كثيرة من هذا الشعر في كتاب الدكتور حسين عطوان «الأمويون والخلافة» ص 
15-3 دار الجيل عام 1986. 
(64) مروج الذهب. المجلد الثالث ص 43ء وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله: 
أيها الناس اسمعوا أخبركم 
عجبا زاد على كل عجب 


195 


الطاغيه 


عجبا من عبد شمس أنهم 

فتحوا للناس أبواب الكذب 
ورثوا أحمد فيما زعموا 

دون عباس بن عبد المطلب 
(65) د . حسين عطوان «الأمويون والخلافة» ص 221-19 دار الجيل عام 1986. 
(66) د. عبد العزيز الدوي «الديمقراطية في فلسفة الحكم العربي» في كتاب «الديمقراطية 
وحقوق الإنسان في الوطن العربي» ص 95 مركز دراسات الوحدة العرنية بيروت 1986 . 
(67) «ومن هنا فقد أيدت الدولة الأموية مذهب الجبرية عند الجهم بن صفوان» وحاربت مذهب 
الحرية عند معبد الجهني وغيلان الدمشقي» د. حسن حنفي «الجذور التاريخية لأزمة الحرية 
والديمقراطية في وجداننا المعاصر»فى الكتاب السابق ص 183. 
(68) العقد الفريد لابن عبد ربه, المجلد الرابع ص 201-119. 
(69) ويروي المسعودي في مروج الذهب. ج 3 ص 76 أن عبد الله بن مازن دخل على يزيد بعد وفاة 
معاوية وهو ينشد: 
الله أعطاك التي لا فوقها 

وقد أراد الملحدون عوقها 
عنك فيأبى الله إلا سوقها 

إليك حتى قلدوك طوقها 
فيقول له يزيد: ادن مني يا بن مازن! حتى جلس قريبا منه!؛ وعلينا أن نلاحظ وصف المعارضين 
بالإلحاد والزندقة وهي التهمة التي ستتكرر كثيرا لقتل أي معترض أو أي مفكر يمكن أن يكون له 
رأي مخالف! ولنلاحظ أيضا ترحيب الخليفةء وكان لا يزال في مرحلة الحزن على والده بإضفاء 
القداسة على شخصه الكريم!! وانظر أيضا البداية والنهاية ج وص 75. 
(70) ومن هنا فان كل من يقول إن «السيادة للأمة» وأنها مصدر السلطات. ولا بقاء للحاكم إلا 
برضاها وليس للخليفة عند المسلمين أي صفة تقدير.. الخ. د. محمد يوسف موسى (ص 123 و 
ص 132- 133)-إنما يخلط في حدته بين الواقع والمثال»! 
(71) وهي بصفة عامة مأخوذة من كتاب الدكتور حسين عطوان السالف الذكرء وقد عرض لنماذج 
أخرى كثيرة من الشعر الأموي» قارن ص 47-30. 
(72) محمود شاكر «التاريخ الإسلامي» ج 4 ص 22 المكتبة الإسلامية بيروت عام 1991 . 
(73) العقد الفريد لابن عبد ربه؛ المجلد الخاص ص 9١ء‏ دار الكتب العلمية بيروت 
(74) المرجع نفسه. 
(75) تاريخ الخلفاء ص 209, ولا يملك المرء إلا أن يقارن بين ما فعله يزيد في مدينة الرسول التي 
قال عنها «ومن أخاف المدينة أخافه الله ولعنته الملائكة» وبين ما فعله صدام في دولة الكويت.. 
ليسأل نفسه من جديد: أليس تاريخنا موصولا غير مقطوع؟! 
(76) مروج الذهب» ج 3 ص 79. 
(77) المرجع نفسه. 
(78) مروج الذهب. الجزء الثالث ص 80. 
(79) المرجع نفسه ص ا8. 
(80) العقد الفريد» المجلد الرابع ص 75ء دار الكتب العلمية بيروت 1987. 


196 


فى العلم اإاسلامى 


(81) تاريخ الخلفاء ص 216. 

(82) المرجع نفسه. 

(83) د . عبد المنعم ماجدء «التاريخ السياسي للدولة العربية» ص 04ء مكتبة الأنجلو المصرية عام 
2. 

(84) عبد الله بن الزبير آمه أسماء بنت أبي بكر وهو أول مولد ولد للمسلمين بعد الهجرة وقد 
فرحوا بولادته فرحا شديداء لأن اليهود كانوا يقولون: سحرناهم فلا يولد لهم ولد! فحنكه رسول 
الله بتمرة لاكها في فمه بعد ولادته. وسماه عبد اللهء وكناه أبا بكر باسم جده الصديق-انظر تاريخ 
الخلفاء ص .21١‏ 

(85) تاريخ الخلفاء. ص 2/2. 

(86) العقد الفريدء المجلد الرابع ص 178.ء وتاريخ الخلفاء ص 218- 219. 

(87) تاريخ الخلفاء ص 215 

(88) موريس دوفرجيه» «الدكتاتورية» ص 33: ترجمة د . هشام متولي. 

(89) المرجع نفسه. 

(90) د. محمد ماهر حمادي» «الوثائق السياسية والإدارية للعصر الأموي» ص 55. 

(91) مروج الذهب للمسعوديء المجلد الثالث ص 170.؛ وانظر السيوطي في تاريخ الخلفاء ص220 
(92) المرجع السابق ج 3 ص 99. 

(93) المرجع السابق ص 70ء في البداية والنهاية: «ما هذا؟ أتحن حنين الجارية والأمة5!. ج 9 ص 
71. 

(94) المرجع نفسه ص 166 . 

(95) د . حسين عطوان» «الأمويون والخلافة» ص .٠45‏ 

(96) «وكان شخص فرعون الإلهي يعتبر أقدس من أن يخاطبه أحد مباشرة. من كان بشرا عاديا 
لا يستطيع التكلم» مع «الملك وإنما هو يتكلم في حضرة الملك!!». ما قبل الفلسفة ص 93. وانظر 
فیما سبق ص ١15‏ . 

(97) اقتبسه الدكتور حسين عطوان فى كتبه السالف ص 146 . 

(98) تاريخ الخلفاء ص 223. 

(99) المرجع نفسه ص 246. 

(100) د. محمد الشافعي أبو راس» «نظم الحكم المعاصرة» ص 318 عالم الكتب بالقاهرة 

(/10) اقتبسه د. عطوان ص 129-128 . 

(102) د. محمد الشافعي أبو راس: «نظم الحكم المعاصرة» ص 318 

(103) قارن د. عطوان في كتابه السالف ص 319. 

(104) د. محمد يوسف موسىء نظام الحكم في الإسلام. ص 1١18‏ . 

(105) المرجع نفسه. 

(106) د. أحمد مختار العبادي» «في التاريخ العباسي والفاطمي» ص 87 دار النهضة العربية 
بيروت. 

(107) تاريخ الخلفاء ص 225. 

(108) المرجع نفسه ص 227-226. 

(109) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 218. 


19۹7 


الطاغيه 


.223 تاريخ الخلفاء ص‎ )1١10( 

.224 المرجع نفسه ص‎ )١11( 

.138 -137 د. حسين عطوان» «الأمويون والخلافة». ص‎ )١١2( 

(113) ابن كثيرء «البداية والنهاية» ج 9 ص 75. 

(114) عشرات المفكرين قتلوا وسجنوا وشردوا في أنحاء متفرقة من الوطن العربي» ولكن المنظر 
البشع كان قتل الكاتب «سليم اللوزي» وسلخ يده رسالة موجهة إلى كل كاتب في الوطن العربي 
ليعرف مصيره المحتوم. أليس تراثنا موصولا؟!.. 

(115) يروي ابن كثير في ترجمته للجعد بن درهم أنه صاحب البيتين الشهيرين الآتيين وأنه قالها 
عن الحجاج بن يوسف: 

أسد علي وفي الحروب نعامة 

فزعاء تفرغ من صفير الصافر 

هلا برزت إلى غزالة في الوغى 

بل كان قلبك في نجاحي طائر 

انظر «البداية والنهاية» ج 9 ص 364- 365. و«مروج الذهب للمسعودي» ج 3 

(116) انظر مقالنا «و.. تقبل الله منا ومنكم !» جريدة الوطن الكويتية؛ ١2‏ أكتوبر عام 1988 . 
(117) أرسل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي إلى واليه بالكوفة خالد بن عبد الله القعري أمرا 
بقتل الجعد فحبسه خالد» وإذا بكتاب آخر من هشام يأمره بقتله وصادف ذلك عيد الأضحى؛ 
فضحى به كما ذكرنا!! 

(118)التفكير الفلسفي في الإسلام» الجز الأول ص 92 -١‏ 93 |ء مكتبة الأنجلو المصرية عام 
1964 .) 

19) كانت أول خطبة للسفاح «الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ديناء واختاره لناء وأيده 
بناء وجعلنا آهله وكهفه والقوام بهء والذابين عنه والناصرين له..»! «البداية والنهاية» ج ١0‏ ص 
2. لاحظ منذ البداية أن الله اختارهم!! والغريب أن لقب «السفاح» أطلق أيضا على صدام 
حسين» كما لقب «بسفاح بغداد» فما أشبه الليلة بالبارحة! «تاريخ الخلفاء». ص 257- والمبير هو 
المهلك. 

(120) المرجع نفسه ص 257. 

(121) «الكامل في التاريخ» لابن الأثيرء الجزء الثالث ص 501- 502: دار إحياء التراث بيروت» مع 
أنه يقال في صفاته أنه «كان كريما حليما وقوراء عاقلا كاملاء كبير الحياء. حسن الأخلاق!). 
(122) منذ سنوات قليلة» وفي بعض البلاد العربية «الثورية» نبشت القبور وأخرجت الجثث لتذروها 
الرياح بحجة أن تراب الوطن الطاهر يجب ألا يضم الخونة! أليس تاريخنا واحد متصلاة! ألا 
يمكن أن نجد نظيرا لأفعال طغاتنا الأقدمين؛ مع فروق ضئيلة جدا-يتطلبها العصر-عند طغاتنا 
المحدثين والمعاصرين؟!. 

(123) «تاريخ الخلفاء» ص 257. 

(124) د. حسن إبراهيم» «تاريخ الإسلام» الجزء الثاني ص 25. 

(125) «مروج الذهب» للمسعوديء الجزء الثالث ص ا27. 

(126) «البداية والنهاية» ج ١0‏ ص 47. 

(127) المرجع نفسه. 


198 


فى العلم الاسلامى 


(128) المرجع نفسه 

)د . أحمد مختار العبادي» «في التاريخ العباسي والفاطمي» ص 43- دار النهضة العربية, 
بيروت. 

(130) «تاريخ الخلفاء» ص 259. 

(131) المرجع نفسه. 

(132) «مروج الذهب» للمسعوديء المجلد الثالث ص 317. 

(133) «تاريخ الخلفاء» ص 265. 

(134) المرجع نفسه ص ا26. 

(135) كان المنصور في غاية البخل؛ وعندما استمع الناس إلى هذه الخطبة تهامسوا فيما بينهم: 
«أحال أمر المؤمنين بالمنع على ربه»! «تاريخ الخلفاء» ص 264. 

(136) «العقد الفريد» لابن عبد ربه المجلد الرابع ص ۱86 و«تاريخ الخلفاء» ص 263. 

(137) «الكامل في التاريخ» لابن الآثير. ج 3 ص 566: دار إحياء التراث العربي» بيروت عام 1989 
(تحقيق علي شيري) . 

(138) د. حسن إبراهيم: «تاريخ الإسلام» الجز الثاني ص 35. 

(139) «العقد الفريد» لابن عبد ربه»ء الجزء الرابع ص 185. 

(140) د. حسن إبراهيم «تاريخ الإسلام»ج 2 ص 35. 

(141) أحمد أمين «ضحى الإسلام» الجز الثاني ص 46. 

(142) العقد الفريد» ج 4 ص ۱86 . وعبارة «الإحسان إليكم!» تذكرنا بعبارة الخديوي توفيق لعرابي 
أمام قصر عابدين «أنتم عبيد إحساناتنا»-لاحظ «عبيد» و«إحسان» لتجد أنه ليست هناك حقوق 
للمواطنينء بل أخلاق وكرم وأريحية من الحاكم فقط !! 

(143) مروج الذهب. ج 3 ص 2336, البداية والنهاية ج 0| ص 73. 

(144) د. أحمد مختار العبادي: «في التاريخ العباسي» ص 67. 

(145) تاريخ الخلفاء ص 722. 

(146) تاريخ الخلفاء ص 279. 

(147) د . إبراهيم أيوب «التاريخ العباسي» ص 57 الشركة العالمية للكتاب بيروت ۱989- وانظر أيضا 
د. أحمد مختار العبادي «في التاريخ العباسي والفاطمي» ص 77 دار النهضة العربية بيروت. 
(148) تاريخ الخلفاء ص 280. 

(149) المرجع نفسه ص 284. 

(150) المرجع نفسه ص 286. 

(151)المرجع نفسه ص ا29. 

(152) تاريخ الخلفاء ص ا29. 

(153) المرجع نفسه ص 292 ولاحظ إهدار المال العام وانعدام التفرقة بينه وبين المال الخاص!! 
(154) د. احمد مختار العبادي» «في التاريخ العباسي والفاطمي» ص 89. 

(155) د. عبد الحميد متولي» «أزمة الفكر السياسي الإسلامي» ص 50 الهيئة المصرية العامة 
u‏ ب 

(156) أحمد أمين «ضحى الإسلام» الجزء الثاني ص 47 مكتبة النهضة المصرية الطبعة العاشرة. 
(157) «جمهورية الخوف» ص ا18 سمير الخليل وآحمد. الزهراء للاعلام العربي ا199. 


100 


الطاغيه 


(158) المرجع نفسه ص 182.. 

(159) تاريخ الخلفاء ص 265. 

(160) المرجع نفسه ص ا26. 

(161) اقترب أحد الخوارج من الهادي ليقتلهء وكان بمفرده فصاح اقتلاه! فظن الخارجي وراءه 
حراسا فالتفت فاستل الهادي سيفه بسرعة وقتله!! د . العبادي ص 76. 

(162) د. أحمد مختار العبادي» !في التاريخ العباسي والفاطمي» ص 277. 

(163) الشاعر هو عمر بن أبي ربيعة والبيتان هما: 

ليت هندا أنجزتنا ما تعد 

وشفت أنفسنا مما تجد 

واستبدت مرة واحدة 

إنما العاجز من لا يستبد 

والشيء نفسه يمكن أن نقوله عن «كليب بن ربيعة» سيد بني ربيعة في الجاهلية الذي أضرم نار 
حرب البسوسء فكان أول ضحاياهاء وكان جبارا لا يجرؤ أحد أن يتحدث في مجلسه. وبعد وفاته 
رثاه أخوه المهلهل بالأبيات الآتية: 

نبكت أن النار بعدك أوقدت 

واستتب بعدك يا كليب المجلس 

وتكلموا في أمر كل عظيمة 

لو كنت شاهد أمرهم لم ينيسوا!! 

فنحن. فيما يبدوء نمتدح الطغاة والجبابرة منذ الجاهلية!! 

(164) أحمد مختار العبادي؛ المرجع السابق ص .3١‏ 

(165) د. عبد العزيز الدوري: «الديمقراطية في فلسفة الحكم العربي» ص 196. 

(166) د. حسن إبراهيم: «تاريخ الإسلام» الجزء الثاني ص 206. 

(167) المرجع نفسه. 

(168) «ولهذا فقد اعتقد الناس في العصر العباسي أن الخليفة إذا قتل اختل نظام العالم 
احتجبت الشمس وامتنع المطر وجف النبات! انظر: الفخري في الآداب السلطانية ص ۱25 (نقلا 
عن د . إبراهيم أيوب «التاريخ العباسي» ص 212- الشركة العالمية للكتاب بيروت عام 1989). 
(169) د. حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام ج 2 ص 257. 

(170) د. محسن العبودي «رئيس الدولة بين النظم المعاصرة والفكر السياسي الإسلامي» ص 250 
وما بعدها-دار النهضة العربية القاهرة 1990. 

(171) الإمام محمد عبده» «الإسلام والنصرانية» ص 82. 

(172) المرجع نفسه ص 84-83. 

(173) د. السنهوريء «فقه الخلافة وتطورها» ص 62. 

(174) المرجع نفسه ص 72. 

(175) المرجع نفسه ص ا7. 

(176) المرجع نفسه ص 69. 

(177) المرجع نفسه في الصفحة نفسها. 

(178) «ودخلنا في دولة الناصريةء وتحول الحكم إلى استبدادية عسكرية؛ وفرضت الرقابة على 


فى العلم اإاسلامى 


الصحف. وكل صورة من صور حرية الرآي» وأصبح لمصر سيد واحد وكان الإخوان أول الأمر 
شركاء شيعة عبد الناصرء فلما تم له النصر عصف بهم» فلم يستثن إلا الشيخ الباقوري الذي 
أعلن انفصاله عنهم قبل أن يدخل الوزارة!» د. حسين مؤنس: «باشوات وسوبر باشوات صورة 
مصر في عصرين» ص 64 دار الزهراء للأعلام العربي القاهرة 1984 . 

(179) د . السنهوري «فقه الخلافة وتطورها» ص 63- 4 6 وانظر أيضا الدكتور عبد الحميد متولي: 
أزفة الفكر السياسى الإنبلامي» صن 3١‏ 
(۱80) ضحى الإتتلاه: ج 2 ص 36-35. 

(۱81) طه حسين «من تاريخ الأدب العربي»-الجزء الثاني ص 444. 

(182) البداية والنهاية ج ص 99. 

(183) طه حسين المرجع السابق ص 445. 

(184) د. زكي نجيب محمود : «تجديد الفكر العربى» ص 33 دار الشروق القاهرة. 

(185) المرجع نفسه ص 34. 

(186) مجرد الامتناع عن المشاركة جريمةء وهذا بالضبط هو ما حدث عام 1954 بالنسبة لواحد 
من أعظم من أنجبت مصر من فقهاء القانون: «عبد الرزاق السنهوري» امتنع فأرسلوا له مجموعة 
من العمال لتضربه في مكتبه ولتهتف: «يحيا الجهل وليسقط العلم!» 

(۱87) أحمد أمين زاج الإسلام» الجزء الثاني ص 46. 

(188) «ومن مآثر عبد الناصر التي لا تتسى عصفه دون رحمة بكل من أيدوه من كبار الصحفيين 
وعلى رأسهم محمود أبو الفتح وأحمد أبو الفتح» ومصطفى أمين وعلي آمين.»د . حسين مؤنس 
باشوات وسوبر باشوات: مصر بين عصرين ص 64 دار الزهراء للأعلام العربي. 

(189) أحمد أمين؛ «ضحى الإسلام» الجزء الثاني ص 43-42. وفي استطاعتك أن تقرأ تصوير 
«صلاح عبد الصبور» الرائع في «مأساة الحلاج» كيف استغل الحكام الدينء وكيف لجأوا إلى 
رشوة الجماهير الفقيرة الساذجة والجاهلة-وهي التي يروي القصة على لسانها: 

الأجهر صوتا والأطول؛ وضعوه في الصف الأول 

ذو الصوت الخافت والمتواني؛ وضعوه في الصف الثاني 

أعطوا كلا منا دينارا من ذهب قاني, 

براق لم تلمسه كف من قبل. 

قالوا: صيحوا: زنديق كافر! صحنا: زنديق كافر!. 

قالوا: صيحوا فليقتل» إنا نحمل دمه في رقبتنا 

قالوا: امضوا.. فمضينا ا 
الأجهر صوتا والأطول يمضي في الصف الأول 

ذو الصوت الخافت والمتواني» يمضي في الصف الثاني». 
المؤلفات الكاملة-ص ١54‏ 


الاب الوابع 


فرار من اللطاهة.. ....... 


«ما الإنسان دون حرية يا 
ماريانا.. . 5 

قولي لي: كيف أستطيع أن 
أحبك إذا لم أكن حرا؟ 
كيف أهبك قلبي إذا لم يكن 
ملكي ب 


الشاعر الإسباني: لوركا 


«*ماذا تفعل لو كنت ملكا ...؟ 


- لا أفعل شيئًا.. ! 
*#ومن الذي يحكم..؟ 
- القوانين.. !» 


.۴.Q ues ھy فرنسوا كيناي-‎ 


في أوروبا الديمتراطة 


أولا: رجل المهار: 

كافحت المدن اليونانية قديماء ضد الطغيان 
بطرق شتى» وسوف نسوق فيما يلي ضربا من 
«الحصانة» التي ابتكرتها مدينة أثينا لحماية 
نفسها من الطغاة. وقد أخذت بها مدن يونانية 
أخرىء كما أخذت بها بعض المدن الرومانية!. 

وسوف نسوق فيما يلي حادثا تفصيليا من مدينة 
آنا غل ونه الحعديد» تصارعت فى آنا الحراب 
سياسية في القرن السادس قبل الميلاد")ء منها 
ما بسي سات الشاطى المؤلف من التجار 
وأصحاب السفن: ومنها حزب «السهل» الذي 
يتزعمه أصحاب الأراضي من الأغنياء خصوم 
صولوق دواو القن الشهير. ركان ناك آخيرا 
رجل آلف حزيا ادعى آئه يمثل عامة الشعب رهم 
أن الرجل نفسه كان من أسرة أرستقراطية 
وهذا الرجل هو بيزستراتوس 015ةتناوزوء2 كل أحد 
أقارب صولون: وهو من أصدقائه أيضاء وأطلق 
على هذا الحزب اسم «حزب الجبل» الذي 
يتألف من تحالف العمال في المدن والفلاحين 
في القرى. وزعم أن هدفه-المعلن-توزيع الأراضي 
على الفقراء!ء لكن هدفه الخفي هو أن يصل 


الطاغيه 


«بيزستراتوس» إلى منصة الحكم على أكتاف العامة 29 على نحو ما يفعل 
كثير من الطغاة حتى يومنا الراهن!. 

وقف الرجل يوما-في الجمعية الوطنية 101050 يكشف عن جرح غائر 
في جسده مدعيا أن أعداء الشعب أرادوا اغتيالهء لآنه يدافع عن مصالح 
العامة . وطلب من الجمعية أن تعمل على حمايته والمحافظة على حياتهء 
وذلك بأعداد حرس خاص يحميه!؛ وكان العضو الوحيد من أعضاء الجمعية 
الذي انبرى يعارض هذا المطلبء لأنه يعرف أبعاده الخبيثة. هو «صولون»- 
أحد الحكماء السبعة!-فقد احتج بشدة على ما يطلبه قريبه وصديقه 
وذلك لآنه كان حكيما عليما بأساليب قريبهء ولذلك اتهمه بأنه جرح نفسه 
بیده» وأنه يريد استخدام الحرس الخاص لكي يفرض سيطرته واستبداده 
فيما بعد. ثم صاح صولون منذرا مواطنيه فيما يروي «ديوجنس اللايرتي».. 
«يا آهل أثينا: إنني أكثر حكمة من بعضكم» وأكثر شجاعة من بعضكم 
الآخر: فأنا أكثر حكمة من أولئك الذين لا يدركون الحيلة التي لجأ إليها 
بيزستراتوس. وأكثر شجاعة من أولئك الذين يعرفون مقاصده لكنهم يخشون 
الإعلان عنهال . 

ورغم هذا التحذير القوي انخدعت الجمعية؛ ووافقت على طلب 
بيزستراتوس. وسمحت له باتخاذ حرس خاص مؤلف من خمسين رجلاء 
ثم استطاع بعد ذلك أن يجمع أربعمائة من الجنود والأنصارء واستولى 
على هضبة الأكروبول ءناممهإء۸ وأعلن نفسه حاكما أوحد لأثينا! وصفقت 
له جماهير الشعب المخدوعة بعد أن ذاع صيته بين المواطنين وازداد نفوذه 
باعتناقه مجموعة من المبادئ الديمقراطية التي يدافع بها عن 
الطبقات الفقيرة: ويطالب بتقسيم الأرض: فلما أمسك بزمام الحكم 
انتشر الذعر بين الطبقات الأرستقراطية على اعتبار أن قائد الغوغاء 
قد وصل إلى الحكم!. ففر عدد كبير منهم إلى مدينة يونانية مجاورة, 
وبدأ آخرون في تأسيس مستعمرة قريبة يعيشون فيها وتصبح 
تابعة لأثيناء والغريب أن الطاغية تفسه قد .ساعدهم على تأسيسهائا. 

أما «صولون» فقد انسحب معلنا «أن الأثينيين يبدو كل منهم 
بمفرده وكأنه ثعلب» ولكنهم عندما يجتمعون لا يختلفون عن قطيع من 
الإوز!» فاتهمه حزب الطاغية بالجنونء لهذا قرر أن يترك آثيناء ويبحر إلى 


200 


مصر ثم إلى قبرصء» فأرسل إليه الطاغية رسالة ننشر جزءا منها: 

«من بيزستراتوس إلى صولون» 

«لست الرجل الوحيد الذي استهدف إقامة الطغيان في بلاد اليونان.. 
. ومهما يكن من شيء فأنا لم أرتكب أية جريمة ضد الله أو الإنسان.. 
. إنني أترك الأثينيين يدبرون شؤونهم» وفقا للتنظيم الذي وضعته 
أنت» وإن كنت أعتقد أنه من الأفضل لهم أن يكون لهم حاكم واحد» من 
أن يعيشوا في ظل الديمقراطيةء إنني على الأقل. لن اسمح لأي إنسان 
أن يوسع من حقوقه.. 

«أنا لا ألومك لأنك فضحت خططي ومقاصديء فقد فعلت ذلك 
من منطلق الولاء للمدينةء وليس بدافع أي عداء نحويء. كذلك لأنك 
تجهل نوع الحكم الذي أنوي إقامته؛ ولو انك عرفته لكنت قد تسامحت 
معي» وما ذهبت إلى منفاك الاختياري!. ولهذا فإنني أرجو منك 
العودة إلى أرض الوطن وأن تثق في وعدي بأن «صولون» لن يناله أي أذى 
من بيزستراتوس» (. 

ويروي ديوجنس اللايرتي أن صولون كتب ردا يقول فيه: 

«أنا على يقين من أنه لن يلحق بي أي ضرر على يديك لأنني 
كتف کک إن کے ایی لني الآن آنه ی اک 
في منازلتك تجاوز ما يكنه أي أثيني من كراهية للطغيان. وسواء أكان 
من الأفضل لهم أن يعيشوا تحت حكم رجل واحد أو في ظل حكم 
ديمقراطي» فهذه مسألة لابد أن يقررها كل واحد منا بنفسه. إنني 
أسلم أنك من بين الطغاة أفضلهم. لكني أعتقد أنه ليس من الأفضل 
لي أن أعود إلى أثينا. لقد قدمت للأثينيين المساواة في الحقوق المدنية. 
ورفضت أن أكون طاغية عندما أتيحت لي الفرصةء فكيف أنجو من لوم 
الضمير لو أنني عدت الآن؛ وصادقت على كل ما تفعل.. ۵5 4). 

وكان ذلك آخر عهد صولون بالسياسة؛ فهو عندما عاد إلى أثينا وضع 
أسلحته خارج باب داره كرمز لاعتزاله الأعمال السياسية؛ وانقطع بالفعل 
في أيامه الأخيرة للشعر!!. 

أما «بيزستراتوس» فقد حكم أثينا خمس سنوات. ثم استطاع النبلاء 
والتجار وكبار الأغنياء من زعماء حزب «السهل» و«الشاطئ» توحيد قواهم 


207 


الطاغيه 


وإسقاط الطاغيةء وأرغموه على الفرار من أثينا. 

لكن الرجل ظل يعمل في منفاه للعودة إلى أثيناء فتزوج ابنة أحد 
الأرستقراطيين من ناحية؛ ولجأ من ناحية أخرى إلى حيلة جديدة 
هذه المرة وهي استغلال المشاعر الدينية. مما جعل صولون يقول إن 
نجاحه في استغلال الدين يدل على نفسية الجماهير ومستواها 
العقلى 7ء أما الحيلة الجديدة فهى أن جنوده ساروا إلى مدينة أفينا 
مهه امرأة جميلة تدعى «فيا و طويلة القامة ترتدي زي الإلهة 
أثينا إلهة المدينة. وهي جالسة على المحفة في عظمة؛ ومن حولها الأعوان 
والآنصار يهللونء ويعلنون أن الإلهة أثينا قادمة بنفسها لتعيد 
بيزستراتوس إلى هضبة الأكروبول كنام ه۸ أي إلى مقعد الحكم! 
وهي حيلة أدهشت لبساطتها «هيرودوت» وحيرته لأن الأثينيين 
اا بسذاجة وذلك يتناقض مع ما اشتهروا به من ذكاء!! 9). 

وهكذا عاد الطاغية مرة أخرى ليحكم أثينا تسع عشرة سنة بما عرف 
عنه من ذكاء وثقافة ومهارة إداريةء وجاذبية شخصية. وأعد العدة لينقل 
الحكم بعد وفاته إلى ابنه الأكبر هيبياس همم وكان يساعده في 
إدارة الحكومة شقيقه هيباركوس ءد۸ءءهم‌م الذي بالغ في الانهماك 
في الملذات: وتبذير المال العام. حتى أدت مغامراته الغرامية إلى 
اغتياله!. فخاف شقيقه على نفسه وراح يكثر من الجواسيس.» 
ويستخدم وسائل العنف والإرهاب إلى أن شعر الأثينيون بوطأة الحكم 
الفردي وقويت حركة المعارضة وصار الجميع يمجدون ذكرى قاتلي 
هيباركوس كأنهما من أبطال الحرية! 2. 

أصبح حكم الطغيان أشد وطأة بكثيرء فيما يقول أرسطو في 
دستور الأثينيين» لآن هيبياس كهامم #۴ بسبب انتقامه لآخيه عمد 
إلى نفي وتشريد الكثيرين. ولم يعد يثق بأحد وراح يقسو في 
معاملة الجميع "2. إلى أن تمكن الشعب من طرد أسرة بيزستراتوس من 
أثينا يعد أن حكموا المدينة بعد وضاة أبيهم سبعة غشرغاما: ودام 
سلطائهم تشعا وأريعين ستة يما فى ذلك ستوات حكم ابيهه 77 

بعد أربع سنوات من زوال ا كان كليستين وعمعطاو01 قد 
تزعم حركة الشعب, وقام بالكثير من الإصلاحات والتجديدات الدستورية, 


ووضع قوانين جديدة. ليحمي الجماهير وما لديهم من إرادة طيبةء ومن 
هذه القوانين الجديدة قانون يسمى برجل المحار «وزءم090 أو نفى المواطن 
الذي يشمن الشعب بان يخطن عليهة: 

وهكذا وضع الأثينيون» بسبب طغيان «بيزستراتوس» وأسرتهء نظاما 
غريبا يحميهم من الطغاة الذين يستميلون مشاعر الجماهير 
وعواطفهم سواء الدينيةء أو الاجتماعية أو الاقتصادية لكي يصلوا إلى 
منصة الحكم! فقد اعتادوا أن يعقدوا اجتماعا محورا في منتصف 
الشتاء من كل عام يقرر فيه الشعب عن طريق «الجمعية الوطنية أو 
الشعبية»ما إذا كان سيستخدم طريقة تصويت المحار Ostrakophoria‏ 
بعد ذلك بعدة أسابيع ضد مواطن معين أم لاء وكانوا يسمون هذا 
المواطن برجل المحار. وسبب هذه التسمية أنهم كانوا يكتبون 
اسمه على قطعة من المحارء فإذا حضر العدد المناسب» ووافق على نفي 
هذا المواطنء كان على رجل ال محار أن يغادر أثينا في غضون عشرة أيام 
ويظل منفيا عشر سنوات» حتى تضمن المدينة عدم تأثيره على جماهير 
الشعب أو العامةء أو أن يقوم باستغلال عاطفة قومية أو وطنية.. . الخ 
في سبيل الوصول للحكم والانفراد به. وإقامة طغيان أو حكم 
استبدادي كما فعل «بيزستراتوس». ولهذا لم تكن توجه إليه آية تهمة 
لأنه بالفعل لم يرتكب أية جريمةء وإنما ما يفعله المواطنون هو احتراس 
وقائي» ضد جاذبيته الشخصية:؛ أو فصاحته أو بلاغته في الخطابة أو 
قدرته على إثارة الجماهير أو ما سوف يسميه ماكس فيبر Max Weber‏ 
بالكاريزما ١١ء1‏ أو تلك القدرة الخارقة التي يملكها بعض القادة 
فتجعلهم قادرين على سحر الجماهير مما يجعلها تنبهر بشخصية 
القائد وتندفع إلى تقديسه ”'. وقد تكون هناك طرق أخرى لحماية 
الجماهير من هذه الشخصيات المسيطرة الآمرة. غير طردها من المدينة 
مثل توعية الجماهير ورفع مستواها الثقافي. وإعطاء قادة الفكر حرية 
أكثر في نقد هذه الشخصيات,. وتعرية أهدافهاء والكشف عن 
نواياهاء كما حاول صولون أن يفعل وإن كان قد فشل في الإقناع! 
لكن على أية حال لم تستطع أثينا أن تجد طريقة سوى نفي من تستشعر 
فيه خطرا على الديمقراطية أو إمكان إقامة حكم طفيان في المدينة. 


200 


الطاغيه 


ومع ذلك لم تكن أثينا تصادر ممتلكاته أو تستولي على أمواله؛ وإنما 
كان من حقه أن يظل مالكا لها يستثمرها بطريقة ما ويستفيد 
منها. وذلك يختلف عما كان يحدث في المدن الرومانية. عندما يقومون 
بنفى شخص ماء فقد كان يترتب على هذا النفى مصادرة ممتلكاته 
وااو اى ا ا 


ثانيا: الد يمقراطية المباشرة 

لم تكتف أثينا بهذا الجانب السلبي-حماية نفسها من الطغاة'ء 
وإنما تجاوزت ذلك إلى مرحلة إيجابية ارتضت فيها لنفسها ضربا من 
الديمقراطية هو ما يسمى «بالديمقراطية المباشرة». وكانت أول محاولة 
في تاريخ الإنسان ليقيم حكما يرتضيه العقل ويقبله. ويحترم 
قيم الإنسان وكرامته! وهي تجربة ظلت قرونا طويلة تصحح نفسهاء 
ويضيف إليها المفكرون والفلاسفة حتى وصلت إلى صورتها الراهنة في 
الفكر الغربي: هي إنجلخراء وهرتساء والولايات المتحدة وغيرهاك ثم 
جاء تفكك الاتحاد السوفييتيء وانهياره» ليعلن أنه لا بديل للتجربة 
الد اة هيما انا هن مهاسن الاشخ اقرة وا ا اا 

غير أن التجرية الديمقراطية التى بدأت عند اليونان» كانت فى 
غاية البيناظة؟ فد أكينا تج پتسا كله لا هع ي 
ولا طائفة أو طبقة. في جمعية شعبية 80010513 تضم كل من تتوافر 
فيهم الشروط. وهي أن يكون مواطنا (لا مقيما) أثينياء من أبوين أثينيين: 
حراء ذكراء يبلغ العشرين من عمره» وهي شروط فصلها أرسطو في 
كتابه «السياسة» عندما كتب فصلا قائما بذاته عن المواطنة والدستور 
(في الكتاب الثالث الذي يبدا من 1274 ب). 

وتتولى هذه الجمعية الشعبية أو الوطنية سلطات البرلمانات 
الحديثة لاسيما السلطة التشريعية؛ ومراقبة أعمال الحكومة؛ أما 
رجال الدولة أنفسهم وغيرهم ممن يشغلون الوظائف العامةء كالموظفين 
العموميين والقضاةء وقادة الجيش والضباط.. . الخ فيختارون 
بالانتخاب حيث يتم انتخاب ضعف العدد المطلوب» ثم تجرى القرعة بينهم 
لاختيار العدد المطلوب. ويعد دستور صولون 501٥١‏ الذي عطله الطاغية 


بيزستراتوس عندما تولى زمام الحكم نقطة البداية في مراحل التطور 
الديمقراطي في آثيناء إلى أن بلغت آخر وأكمل تطور لها بعد الإصلاحات 
والتحديدات التشريعية التي قام بها كلستين 5عهعطائه01 عام 507 ق. م 
وأشرنا إليها منذ قليل. 

غير أن هذه الديمقراطية المباشرة قد أخطأت فهم المقولات الأساسية 
للديمقراطية على ما في ذلك من مفارقة! فإذا كانت الديمقراطية تعني- 
حتى لغويا-حكم الشعبء فإن أثينا لم تقف على المدلول الحقيقي لمصطلح 
الشعب. واحتاج الآمر إلى قرون طويلة؛ لكي يتضح هذا المعنى ويستقر! 
وإذا كان جناحا الديمقراطية هما الحرية والمساواة أو كما يقول جورج 
بيردو «إذا كانت الديمقراطية لا تقوم من دون الحريةء فهي لا تقوم كذلك 
دون المساواة!»-فإن الديمقراطية الأثينية أخطأت فهمهما معا!. 

أما أن مفهوم الشعب لم يكن محددا تحديدا وافيا في أثيناء فهذا 
واضح من الفئات التي استبعدت منه: الأجانب. والأرقاءء والنساء. 
ومن هنا اقتصرت الحقوق السياسية على المواطن الأثيني الذكر الحراء 
ولقد سبق أن رأينا كيف أن أرسطو خصص فصلا في الكتاب الثالث 
من «السياسة» لتحديد. المواطنة «وتعريف ا لمواطين» ۵ء وثقى أن رکب 
المقيم خاصية المواطنة بحق الإقامة وحدها «فالعبيد والأجانب يشتركون 
في هذه الخاصية مع المواطنين؛ لكنهم ليسوا مواطنينء وانتهى إلى التعريف 
السالف الذكرء وهو الذي كان شائعا عند اليونان بصفة عامة» ©'. 

وهذا الفهم المعيب للشعب هو الذي ساد الديمقراطية الرومانية. 

ففقهاء القانون يفرقون بين مصطلح «الشعب» بمدلوله الاجتماعي الذي 
ينصرف إلى جميع الأفراد الذين ينتمون إلى جنسية الدولةء والشعب بمدلوله 
السياسي الذي لا يمتد إلى كل هؤلاء الأفرادء وإنما يقتصر على من لهم 
حق مباشرة الحقوق السياسية:؛ وإذا كانت الديمقراطية تعني أن الشعب هو 
ا ا وو ذلك ديف إلى ا و اام 
أو من لهم حق الانتخاب أو هيئّة الناخبين؟ أو ما سمي فيما بعد باسم 
«مبداً الاقتراع العام»» وعلى ذلك فكلما اقترب مصطلح الشعب بمدلوله 
السياسي من مفهوم الشعب في حقيقته الاجتماعية كان أكثر تعبيرا عن 
المبداً الديمقراطي(”'. 


الطاغيه 


لهذا كافحت البشرية طويلا في سبيل الوصول إلى مبدا الاقتراع العام 
ع5 Univers‏ الذي يجعل حق التصويت والاشتراك في الانتخابات. 
حقا لكل مواطن راشد» بغض النظر عن مستواه العلميء أو انتمائه الطبقي.. 
. الخ بحيث لا يشترط في الناخب سوى بلوغ سن الرشد والأهلية فقطء 
فلا تكون قد صدرت ضده أحكام مخلة بالشرف.. . الخ. 

ومعنى ذلك أن البشرية جاهدت طويلا في سبيل إلغاء الرق وتحريمه 
وكانت هناك مراحل طويلة. وصعوبات جمة في سبيل الوصول إلى هذه 
الغاية وتحقيق هذا المبدأً الإنساني الديمقراطي في الوقت نفسه! ® . 

ثم كافحت البشرية كذلكء ولا تزالء في سبيل تحرير المرأة وإعطائها 
حقوقها السياسيةء فهي كما قيل بحق: 

«آخر الرقيق في عالم البيض» ويريد الإنسان أن يحقق شعار «لا 
تمييز: لا في اللون: ولا في الجنس!» 

إذ لا يزال وضع المرأة في كثير من شعوب العالم؛ على نحو ما كانت عليه 
عند اليونان» '. 

وهكذا كانت الديمقراطية المباشرة عند اليونان: والرومان أيضاء ذات 
طابع خاص يبعدها عن الديمقراطية الحقيقية ويدنيها من النظام 
الأرستقراطي. 

وذلك أن الذين كانوا يسهمون في الحياة السياسية وحكم المدينة هم 
أقلية ضئيلة من السكان لهم حق التمتع بصفة «المواطن» أما الأرقاء الذين 
يقومون بأعباء الحياة الاقتصاديةء وكذلك الأجانب الذين يقيمون على 
أرض الوطن لفترات طويلة مهما بلغت سنوات إقامتهم» وكذلك النساء..الخ, 
فلم يكن لهم نصيب في حكم المدينة؛ بل كان محرما عليهم الاشتراك في 
الحياة السياسية. ويتضح من ذلك أن هذه الديمقراطية لم تكن سوى شكل 
فقط. أو هي بداية بسيطة جدا للفكرة التي سوف تتطور وتترسخ في 
أذهان الذين عانوا طويلا من حكم الفردء وذاقوا العذاب من الطغاة!. 


ثالثا: استئناف المسيرة فى العصر الحد يت: 


توقفت الديمقراطية المباشرة عند اليونان والرومان حتى قبل أن تدخل 
أوروبا بحر الظلمات في العصر الوسيط؛ لكن تجربة الديمقراطية. ظلت 


فيما يبدو قابعة في وجدان الإنسان» لم تمح قط» بل صارت تتعمق وتتأصل 
كلما أوغلت البشرية السير فى دهاليز الطغاة!. 

كانت الفكرة الرئيسية التي سادت العصر الوسيط هي فكرة الخضوع 
للسلطةء ولقد سبق أن رأينا كيف أيد رجال الدينء بل أعلام المسيحية 
كالقديس بولس والقديس بطرس. وفلاسفتهاء فكرة الخضوع 
والاستسلام «للسلاطين النابغين» الذين فرضتهم الإرادة الإلهية على 
الناس!ء فذلك هو ترتيب الله في زعمهم!. وازداد الأمر سوءا بظهور 
الإقطاع» فأصبح المواطن خاضعا لأكثر من «سيد:< السيد الإقطاعي- 
الحاكم-الملك أو الإمبراطور! وظهر الأقنان إلى جانب «العبيد». وهكذا 
تضاءل مفهوم الشعب السياسيء بل كاد ينعدم مع توقف مسيرة 
الذيمقراظية!, 

وفي عصر النهضة بدأ النظام الإقطاعي يترنح» وراح مكيافللي 
(1459-1517) ناا iavطMac‏ يعالج السياسة بمعزل عن الأخلاق» والدين, 
ليهتم بكيفية تحقيق الغاية فقط بغض النظر عن الوسيلةء وإن انحازت 
نصائحه إلى جانب الأمير الحاكم. 

وفي عصر النهضة أيضاء ومع بداية العصر الحديث؛ نشأت الدولة 
القومية وعملت النظم الملكية في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وغيرها من 
الدول الأوروبية على تأكيد سلطانهاء وتركيز السلطة في يد الملك. وقد 
اجا على ذلك:ظهون الظبغة البرجوازية الجديدة, طبعة التجاق 
والصناع.. الخ؛ فغدا سلطان الملوك مطلقا فاستبدوا وأهدروا الحقوق 
والحريات!. 

لكن من قلب النظام الإقطاعي نفسه؛ راحت بذور الديمقراطية التي 
ظلت قرونا مغمورة في وجدان الإنسان؛ تكافح للظهور مرة أخرىل 
فعلى الرغم من أن نظام الحكم في إنجلتراء مثلاء كان نظاما ملكيا مطلقا!ء 
«إلا أن نظام الإقطاع أجبر الملك على الاجتماع بأمراء الإقطاع في المناسبات 
الهامة لطلب المشورة والنصيحة:؛ بل والمشاركة فى نفقات الحرب أو غيرها. 
وهكذا استقر نظام جديد يدعى إليه الأشراف ا ققق ازدادت سلطات 
المجلس فانتقلت من «المشورة» إلى «التشريع» إلى الإشراف على القضاء 
إلى أن أصبحت له السلطة العليا في المحاكم حتى سمي باسم «المجلس 


الطاغيه 


الأعظم ««Magnum Concillium‏ وأصبح يجتمع سنوياء وبصفة منتظمة: 
واتسعت دائرة اختصاصاته.. الخء إلى أن ثار النبلاء والأشراف والأساقفة 
في عهد الملك جون وصدر «العهد الأعظم أو المجناكارتا «Magna Carta‏ 
واستقر المجلس بعد هذا التطون فبعد أن كان استشاريا أصبحت القاعدة 
أنه لا يجوز للملك أن يلغي قانونا صدر عن هذا المجلس الذي سمي باسم 
مجلس اللوردات 011-0105 .House‏ ثم أضيف إلى هذا المجلس فارسان عن 
كل مقاطعة وممثلون عن المدن الهامة. حتى أصبح يتألف من خمس فئات. 
وتكتل نواب المقاطعات والمدن حتى انفصلوا في مجلس خاص هو مجلس 
العموم!ء ولم تقدر طبقة اللوردات في بداية الأمر أهمية ذلك المجلسء فلما 
ثبتت أهميته سارع أبناؤها إلى الدخول فيه فصار شأنه يزداد شيئًا فشيئًا 
حتى جاوز شأن مجلس اللوردات! ° . 

لكن الأمر لم يكن سهلا ميسورا على هذا النحوء فلم تسر الأمور رخاء 
كما قد يظن القارئ! فإذا كان الأشراف كافحواء ودخلوا في صراع مع الملك 
من قبل» فقد تجدد الصراع الآن في القرن السابع عشر. على نحو أشد 
عنفا فى عهد الملكين جيمس الأول (1625-1603) وشارل الأول (1649-1625) 
حتى 6 الصراع إلى حرب أهلية عام (1645-1642): ثم تجددت مرة 
أخرى (1649-1647) لتنتهي بإعدام الملك شارل الأول في 30 يناير 1649 . 
وتولى أحد أعضاء البرلمان: أوليفركرومويل (1599- 158) زعامة البلاد 21 . 

غير أن هذا الصراع الدموي الذي أثاره الحكم الملكي المطلق في إنجلتراء 
فضلا عن ظاهرة انتشار الحكم الملكي المطلق في أوروبا كلهاء أظهر اتجاهين 
متعارضين. الأول يؤيد السلطة المطلقةء ويثني عليها مثلما فعل توماس 
هوبز (1679-1588) وءطم110 5هجوط1 فى إنجلترا والأب جاك بوسويه (۱627- 
Jacques Bossuet .) 4‏ فی فرنسا . أما الاتجاه الآخر فهو ينادي بالثورة 
على الطغيان مثلما کل لوك (1704-1632) ععاءه.آ صطه1 وبعده جون 
استيورات مل (1873-1806) 3.8.111 في إنجلترا. ومونتسكيو (1755-1689) 
Montesquieu‏ وروسو )1778-1712( Rousseau‏ كل في فرنسا. 

وأهم فكرة ظهرت بين هؤلاء الفلاسفةء وكان لها آثار بالغة الخطورة 
هي فكرة العقد الاجتماعي 002086 506141 التي تفسر نشأة الدولة على 
أساس التعاقد الذي يتم بين الأفراد كجماعة أو بينهم وبين الحكاء!22. 


214 


وهي فكرة كانت ملاذا لجا إليه المفكرون الذين يسعون للدفاع عن المذهب 
الفردي ضد المذهب المطلق. وذلك لأن الملوك كانوا يلجأون في تبرير سلطانهم 
إلى القول بأنهم يستمدونه من الله مباشرة» فهم ظل الله على الأرضء أو 
أنهم يحكمون على أقل تقدير باسمه» وبتفويض منه؛ وبالتالي» فهم يحاسبون 
أمامه فقطء لا أمام الناس!. ومن هنا كان النظام الأبوي البطرياركي 
snنا2 Pre‏ هو النظام الطبيعي للمجتمع الذي يرتد في النهاية إلى العهد 
القديم من الكتاب المقدس» على نحو ما سنرى في قضية «فيلمر» بعد 
قليل!. 

ومن هنا أصبحت نظرية «العقد الاجتماعي» هي الوسيلة الوحيدة المتاحة 
لرفض هذه المزاعمء وربما أمنهن القول بأنها «حيلة» يلجا إليها المفكرون 
لإنكار تلك الصيغة الدينية التي تضفي القداسة على الحاكم: والقول على 
العكس من ذلك بأن الناس ولدوا أحرارا متساو ين أمام الله وأمام القانون 
الطبيعي» وأن اهتماماتهم واحدةء وليس المجتمع المدني نفسه سوى وسيلة 
لحماية هذه الاهتمامات وصيانتها . أما سلطة الملك أو الحاكم» بصفة عامةء 
فهي تنبع تماما من الموافقة الشعبية ورضا الناس. وهذا المجتمع المدني 
صنعه الإنسان» وليس مجرد نمو طبيعي مثل الأسرة أو الشجرة أو خلية 
النحلء ومن ثم فإن الملوك كفيرهم من البشر يخضعون للقانون الطبيعي»؛ 
ولأوامر الله ووصاياه. كما يخضعون لبنود العقد التي يفترضها مقدما 
إققاء اة كانت قلف رة كرس للقول ماخ عا الاوك مشروطة 
وليست مطلقة. 

ومن ثم فإنه عندما أعلن مجلس العموم البريطاني في يناير عام ۱689 
اتهامه للملك السابق جيمس الثاني أنه «انتهك العقد الأصلى القائم بين 
القع ااك مذافه كل ذلك ١‏ مكفادا هة أن هنذا الانعياف جر 
تستوجب العقاب بصفة مستمرةء وهو عقاب يفرضه القانون الطبيعي» 
ومن 3 35 إن تاريخ فكرة العقد هو إلى حد كبيرء تاريخ القانون الطبيعي 
ل 


رابعا: فثمر. . وجون لوك: 
يعد الموقف الذى عبر عنه سير روبرت قلمر )588| -Sir Robert Filmer‏ 


الطاغيه 


3 المنظر السياسي الإنجليزي الذي تولى الفيلسوف الإنجليزي جون 
لوك (1632-1754) ع1ء0.آ.1 الرد عليه بل وتفنيد نظريته» مثلا نموذجيا 
لآخر محاولات أنصار الحكم المطلق القائم على أساس «الحق الإلهي» 
استعادة قوى هذا الحكم ومنعه من الانهيار كما يعد الجانب الإيجابي عند 
لوك في الرسالة الثانية التي عرض فيها نظريته السياسية, أول محاولة 
لوضع أسس اللبرالية السياسية التي دعمها «مل» الأب والابن فيما بعدء 
وأقيمت عليها الديمقراطية في الولايات المتحدة, مما جعل الأمريكيين 
أنفسهم يصفونه بقولهم إنه «فيلسوف أمريكا» وواضع الأسس لفكرها 
الا ا 

في كتابه الشهير «رسالتان في الحكم» خص جون لوك الرسالة الأولى 
لعرض وتفنيد بعض «المبادئ الزائفة» على حد تعبيره؛ التي أشاعها فلمر 
الذي كتب كتابا بعنوان «الحكم الأبوي «Patriarchch‏ | لين ا وفاته عام 
0) دافع فيه عن الحكم المطلق الذي يستند إلى الحق الإلهي. حيث ذهب 
إلى أن البشر ليسوا أحرارا بالطبع» أو على حد تعبيره «ما من إنسان يولد 
حرا لأن العناية الإلهية قد أخضعتنا لإرادة الحاكم المطلقة» فنحن جميعا 
نولد عبيدا»! ويستحيل أن يكون للعبيد حق التعاقد. لقد كان آدم حاكما 
فردا مطلقاء وتلك حال جميع الحكام من بعده!. 

لقد بدأت الأبوة منذ «آدم» واستمرت كأساس للأمن والنظام في العالم 
من خلال شيوخ إسرائيل؛ «فلم يكن لآدم وحده بل للشيوخ اللاحقين أيضاء 
السلطة الملكية على أولادهم باسم الأبوة» . وهذه السيادة على العالم كله 
التي كان ينعم بها آدم بأمر من الله بات ينعم بها شيوخ إسرائيل بحق وراثي 
منحدر منه. وهي تشبه في أثرها ومداها السيادة المطلقة التي يتمتع بها 
أي ملك منن بداية الخليقة؛ وهي السلطة على أرواح العبادء وعلى إعلان 
الحرب أو إقرار السلام. 

ولما كانت السلطة الملكية منبثقة من الشريعة الإلهية. وليس ثمة شريعة 
دنيا تحد منهاء فقد كان آدم سيد الجميع2. 

وينتهي «فلمر» كما انتهى كل من أيد الحكم الثيوقراطي إلى أنه «ينبغي 
أن يكون الملك في نظام الحكم الملكي فوق القوانينء فالمملكة الكاملة هي 
التي يحكم الملك كل شيء فيها بحسب إرادته المحضة!. فكأن الرجل 


216 


يريد للطغيان أن يسترد عرشه الذي راح يفقده مع تقدم العلم وتطور النظم 
الاجتماعيةء وحجته الوحيدة: الكتاب المقدسء فقد كان آدم أبا وملكا وسيدا 
على أسرته؛ وكان الابن: والمحكوم» والخادم» والعبد شيئًا واحدا. كما كان 
للأب حق التصرف في أولاده وخدمه وبيعهم.. هكذا وهب الله الأب الحق 
أو الحرية في التنازل عن سلطته على أولاده لمن يشاءء فقد أراد الله أن 
تحل السلطة غير المحدودة في آدم» وأن تشمل جميع أفعاله الإرادية.. ثم 
ورث الملوك هذه السلطة عن آدم حتى يومنا الراهن!. 

وباختصار شديد تسير حجة فلمر الغريبة لاستعادة حكم الملوك المطلق 
على النحو التالي: إن الله خلق آدم وحدهء وصنع المرأة من أحد أضلاعه. 
وهكذا تناسل الجنس البشري منهما. كما أن الله خلع على آدم السلطة 
على المرأة وأولاده المنحدرين من صلبهماء كما أعطاه السلطة على الأرض 
لكي يسخرها بإرادته؛ وعلى المخلوقات التي تدب عليها حتى لا يتاح لأي 
امرئ أن يطالب بشيء ماء أو يتمتع بشيء ماء ما دام آدم حيا إلا على سبيل 
الهبة أو بإذن منه.وهكذا كان آدم ملكا على العالم كله فلم يكن لأي عضو 
من سلالته حق امتلاك شيء إلا كمنحة منه أو بإذنه أو بالوراثة عنه»!. 

غير أن جون لوك يناقش هذه الفكرة في صفحات طويلة تشكل الرسالة 
الأولى من كتابه ويجعلها بعنوان «في بعض المبادئ الفاسدة في الحكم» 
وهو يرفضها لعدة اعتبارات منها: 

ا- أن ما يقوله «فلمر» من أن كل فرد يصبح» بحكم المولد. مسخرا 
بمحض ولادته لمن يلده.. إلخ: فكرة بالغة الخطأء وذلك لأن إنجاب الأب 
لأبنائه لا يجعلهم عبيدا له. ولقد ترتب على فكرة «فلمر» أن الناس 
يولدون عبيداء وما دام قد تم تفنيدها فإنه يلزم عن ذلك أن البشر 
جميعا يولدون أحرارا !. 

2- إن من الخطأ القول بأن التسلط على الأولاد هو مصدر كل سلطة 
في الحكم» فهناك كثرة من الأحكام المتسلطة لا صلة لها بعلاقة الأب 
بأبناته داخل الأسرة !. 

3- ومن ناحية فإن سلطة الأب على أبنائه تستمر ما داموا لم يبلغوا سن 
الرشد. أما في مرحلة النضج فإنهم يصبحون مسؤولين عن أنفسهم» ومعنى 
ذلك أن سلطة الأب ليست مطلقة وإنما هي مؤقتة ومحددة بفترة معينة هي 


217 


الطاغيه 


الى يكون :نيه الاقام قا . 

4- العلاقة بين الملك ورعاياه ليست شبيهة بالعلاقة بين الأب وأبنائه. 
فالأولى علاقة سياسية فى حين أن الثانية علاقة أخلاقية. 

eS‏ السناظة asa‏ قد خلعت على آدم في الوصية الخامسة, 
«أكرم أباك وأمك» 7 فمن الواضح أن هذه الوصية تعطي السلطة 
للمرأة أيضا لآنها لم تتحدث عن الآب فقط بل عن الآم كذلك !. 

6- حتى إذا افترضنا أنه كان لآدم حق إلهي أعطاه إياه الله؛ فلا 
يعني ذلك أنه يورث بل ينتهي بموته. ذلك لأن الحق المنبثق عن 
وصية إلهية صريحة لا يتجدد إلا بتجدد هذه الوصية ° . 

7- لو سلمنا جدلا بمبدأ السلطة الملكية المطلقة المنحدرة عن آدم, 
فإن المشكلة السياسية الكبرى ستكون تعيين الوريث الشرعي لآدم, 
وصاحب الحق في هذه السلطة في دولة معينةء وفي فترة زمنية 
محددة. ولما كنا جميعا ورثة لآدم بحكم كوننا من أولاده فلنا جميعا حق 
متساو في هذه السلطة المطلقة !. 

كان هذا هو الجزء السلبي في فلسفة لوك السياسية الذي يشكل 
الرسالة الأولى. وهو يفيد فى دحض محاولة إعادة الطاغية أو الملك 
ادا الي 

ويمكن أن نقول إن نظرية لوك السياسية تسير في طريقة مضاد 
تماما لفكر «فلمر» وهي تلخص في عبارة واحدة: «جميع أشكال الحكم 
محدودة في سلطتهاء وهي لا توجد إلا برضا المحكومين» والأساس الذي 
يبنى عليه لوك هذه القاعدة هو أن كل إنسان يولد حرا !. 

والواقم أن «موضوع الحرية الإنسانية» كان الشغل الشاغل لجون 
لوك» فجميع مؤلفاته الأساسية التي تعرض فكره السياسي» تدور حول 
هذا الموضوع: فكتابه «رسالة في التسامح» عام ۱689 كتبه دفاعا عن 
الحرية الدينيةء وكتابه «رسالتان في الحكومة» عام 1690 كتبه دفاعا 
عن الحرية السياسية و «قيمة المال ا169» كتبها دفاعا عن الحرية 
الاقتصادية. فكل مؤلف من مؤلفاته عبارة عن دراسة لمبداً من مبادئ الحرية 
البشرية( , 

ويبدأ لوك في رسالته الثانية-التي تعرض الجانب الإيجابي في فلسفته 


السياسية بعد أن فند محاولة فلمر-بسؤال هام هو:«ما السلطة السياسية». 
ويجيب «أعني بالسلطة السياسية: حق التشريع وإصدار القوانينء وتنفيذ 
عقوية الإعدام؛ وما دون ذلك من عقوبات» للمحافظة على الملكية الخاصة 
وتنظيمهاء واستخدام قوة الجماعة في تنفين مثل هذه القوانينء وفي الدفاع 
عن الدولة ضد العدوان الخارجي» ولا يكون ذلك إلا من أجل الصالح العام» 
(فقرة 3. ثم بين لنا أنه لكي نفهم هذا التعريف فهما جيدا فلا بد أن 
ندرس الوضع الطبيعي الذي كان البشر فيه وهو وضع «الحرية التامة» وهو 
أيضا «وضع المساواة»» فالحرية الطبيعية مشتقة من المساواة الطبيعية, إذ 
ليس ثمة ما هو أوضح من أن الكائنات من نفس النوع والرتبة تولد مستمتعة 
بكل مميزات الطبيعةء وبكل قواهاء ولهذا ينبغي أن تتساوى كل التساوي 
فيما بينها دون أن يسخر أحدها للآخر أو أن يخضع له (فقرة )2 . 

وهكذا يظهرء لأول مرة. الأساسان الجوهريان للديمقراطية: الحرية 
والمساواة في دراسة فلسفية متأنية تمت ترجمتها. عملياء في «الإعلان 
الأمريكي للاستقلال» الذي صدر أثناء ثورة المستعمرات الأمريكية 
في سبيل الحكم الذاتي» والحياة الوطنيةء وعبر أصدق تعبير عن 
روح العصر الجديدة, وجا متفقا مع ما طالب به جون لولف . 

لقد راح لوك يفوص بحثا عن الأساس الذي تعتمد عليه هذه الأفكار 
البالغة الأهمية: حق الحياة-حق الملكية-حق الحرية-المساواة.. الخ؛ فكان ما 
أسماه بحالة الطبيعة (والتسمية لهوبز وان كانت الفكرة مختلفة) فهي الحالة 
التي كان فيها الإنسان حراء لكنها مع ذلك لم تكن حالة من الإباحية.. ذلك 
لأن حالة الطبيعة يحكمها قانون الطبيعة الملزم (فقرة 6) فلا ينبغي أن نفهم 
حرية البشر على أنها تعني أن الناس لا يضبط سلوكهم أي قانون: إذ في 
جميع حالات الموجودات القادرة على الأخذ بالقوانين لا تكون هناك حرية 
ما لم يكن هناك قانون (فقرة 57) فحرية الإنسان الطبيعية هي: ألا يكون 
فاك سوس قت افيه كاهرة له و انب يهنا فك ما ية 
أفلاطون وأرسطو من الحرية في النظام الديمقراطي التي تعني-في رأيهما- 
الميل مع الهوى!. إننا نجد لوك يرى أنه حتى في حالة الطبيعة فإن العقل 
هو هذا القانون الطبيعي الذي يعلم جميع البشر إذا استشاروه؛ إنهم جميعا 
متساوون أو مستقلون» ولا ينبغي لأحد أن يلحق أذى بحياة غيره أو صحته 


2160 


الطاغيه 


أو حريته أو ممتلكاته.. ولما كان الجميع مزودين بملكات طبيعية واحدة 
مشتركةء فلا يمكن أن نفترض أن هناك إنسانا يخضع لغيره» أو أن يكون 
هناك من له الحق في تدمير غيره؛ كما لو كان قد خلق من أجل أن يستخدمه 
الآخر. في حين أن المراتب الدنيا من الكائنات الأخرى. قد خلقت من أجلنا 
فقرة 0)6 . 

ولا يجعل لوك من حالة الطبيعة حالة حرب كما فعل هوبز (رغم تأثره 
الشديد بفكرته عن العقل والمساواة والحرية في حالة الطبيعة!؟©. 

يقول: «الفرق واضح جدا بين حالة الطبيعة وحالة الحرب» رغم أن 
بعض الكتاب قد خلط بينهماء فهما يختلفان كما تختلف حالة السلم؛ والإرادة 
الطيبةء والعون المتبادلء والبقاءء عن حالة العداءء والمكرء والعنف» والتدمير 
المتبادل» (فقرة 19). 

إن أول انطباع نكونه عن عرض لوك لحالة الطبيعة هو أن الناس كانوا 
يعيشون في محبة؛ في العصور الأولى للبشريةء قبل قدوم المجتمع المدنيء 
فيستمتعون بالحرية الطبيعيةء وبالمساواة في جو من السلام والنية الطيبة 
تحت قانون خير هو قانون الطبيعة (. 

هكذا يقرر لوك حقوق الإنسان الطبيعية «دليل العقل الطبيعي يقضي 
بآأن للبشر منذ ولادتهم الحق بالبقاءء وما يلحق به من مأكل ومشرب وما 
شابه من أمور.. وقد أعطيت لهم الأرض وكل ما عليها من أجل بقائهم 
ورفاهيتهم. ومع أن جميع الثمار الطبيعية التي تنتجهاء والوحوش التي 
تقتات عليها ملك للبشر جميعاء لأنها من نتاج الطبيعة التلقائي» فليس لأي 
فرد حق أصلي في الاستئثار بشيء منها دون سائر البشر» (فقرتان 225 
26 . 

ففى أصل الملكية الكلية العامة التى تحدث عنها لوك «ليس لأحد فى 
اال خاصة ی بها بعبة ا ور وق غير إن 
ذلك لا يعني أن لكل إنسان حصة في ملكية كل شيء. فليس ثمة ملكية 
خاصةء لكن إذا كانت الأرض قد أعطيت للبشر مشاعاء يعني أنه لا 
أحد في البداية يملك شيئاء فكيف يمكن لأي فرد أن يملك شيئًا؟! «الأرض» 
وكل ما عليها من المخلوقات الدنيا ملك مشترك بين البشرء إلا أن لكل فرد 
حق الملكية الخاصة وهو حق لا ينازعه فيه منازع» (ف 26). إن الإنسان 


الفرد لا يملك ذاته أو شخصه فحسبء وإنما هو يملك أيضا نشاطه أو 
«عمله» الذي هو امتداد مباشر لشخصه «فعمل جسده أو نتاج کده» وعمل 
يديه هو ملك له وحده» (ف 26). فالملكية التي يحوز عليها الفرد في البداية 
هي ملكية شخصية؛ وملكية عمله وهما الأصل في الملكية الطبيعة: بل هما 
الأساس في كل ملكية أخرى في حالة الطبيعة. وإذن كل ملكية أخرى هي 
م من هيدا الال اعنى من اة الطبيعية الأصلية غير ااه 

ومعنى ذلك أنه في العصور الأولى الموغلة في القدم كانت هناك أراض 
شاسعة غير منزرعةء وقلة من البشر كما كانت هناك موارد طبيعية كثيرة 
تمدهم بوفرة من الطعام والفواكه والحيوانات. وفي هذه الحالة من الوفرة: 
فإن التفاح» مثلاء الذي تجمعه يصير ملكا خالصا لك لأنك لم تجمع إلا ما 
ينتمي إليك وحدك, (أعني التفاح المعلق على الشجر أو المطروح الملقى على 
الأرض) وقد ينازعك آخرون في ملكيته زاعمين أن هذه التفاحات مازالت 
في حالتها العامة المشتركة؛ وأنك حرمتهم من فرصة جمعها لأنفسهم. 
وعلى الرغم من أن هذا الاعتراض قد يكونء في غير هذه الحالة. صحيحاء 
فإننا نتغاضى عنه تماما فى حالة الوفرة لأن من ينازعك إنما يعلن أن 
تهات هه فاع تكاذا كان الاح هو كل ما بيد كلذ يزال مقه 
الكثير الذي يمكن أن يلتقطه. وعندما تزعم أن التفاح أصبح فعلا في 
حوزتك فذلك يعني أن هناك جهدا أو نشاطا أو عملا (هو الالتقاط أو 
الجمع أو قطفه.. الخ) قد مزجته به: «وكل تغير عن الحال التي أوجدتها 
الطبيعة؛ واختلط به عمل فقد انضاف إليه شيء من ذاته فهو ملك له.. 
هذا العمل هو ملك صاحبه الذي لا ينازعه فيه أحد فلا يحق لأي فرد سواه 
أن يطالب بما قد اختلط به لاسيما إذا وجد منه مقدار كاف لا يختلف في 
صوره» ويمكن للآخرين الانتفاع به..» (الفقرة 26). 

وملكية الأرض هي في الأصل مشاع وتكتسب بالطريقة ذاتها «ليس في 
تملك قطعة من الأرض إساءة إلى أحد ما دام هناك الكثير من الأرض 
الصالحة: ولذلك لا يتضاءل نصيب الآخرين من الأرض من جراء الاستئثار 
بقطعة منها.. إذ كيف يمكن لإنسان أن يزعم أنه إذا شرب غيره جرعة من 
الماء بالغا ما بلغ قدرها فقد ألحق به ضررا ما دام قد بقي النهر بكامله 
يروي غليله منه؟! وأمر الأرضء وأمر الماء سيان حيث يوجد مقدار واف 


الطاغيه 


متهما» رف 62 

الملكيةء إذن تتحول من العام إلى الخاص عن طريق ما يبذل من جهد 
وعمل «فالعمل أساس الحق في الامتلاك. ومن يتحرش بما قد أصلحه 
سواه بعمله وتعبه فإنه يرمي إلى الاستيلاء على ثمرة جهد الآخرين دون 
وجه حق» (ف 33). فإذا ما أحطت قطعة من الأرض مثلا بسياج وقمت 
بحرثها وريها وزراعتها.. الخء فقد امتزج عملي (الذي هو جزء من ذاتي) 
بهذه القطعة فأصبحت مالكها الوحيد»!. والظاهر أنه استخلص رأيه هذا 
من المثال الذي ضريه المستعمرون الأوائل في بلد جديد مثل أمريكا!. 

ويترتب على هذا الأصل للملكية الخاصة أن الحق سابق حتى على 
المجتمع البدائي» إنه حق يأتي به الفرد في شخصه هو إلى المجتمع؛ 
ومن ثم فالمجتمع لا يخلق الحق. وإنما هو ينظمه داخل حدود معينة!. 

لكن ينبغي علينا ألا نستنتج من ذلك أن الملكية هي الحق الطبيعي 
الوحيد, إذ الواقع أن كتاباته تدل على أن الحقوق الطبيعية من وجهة نظره 
كثيرةء منها الحياةء والحرية؛ والملكية.. الخ. وأهم ما يميزها أنها خصائص 
للفرد تولد معهء وبالتالي فهي حقوق قبل كل من المجتمع والحكومة ولا 
يمكن نقضهاء أو التنازل عنها!ء بل إن المجتمع نفسه وجد لحمايتهاك ولا 
يمكن فرض قيود على حقوق الإنسان في الحياةء والحريةء والملكية إلا 
بهدف حماية حقوق الآخرين الذين يتمتعون بنفس هذه الحقوق!ء ومن ثم 
كان العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين المحكومين والسلطة الحاكمة 
بهدف المحافظة على هذه الحقوق الطبيعية للانسان والذي يؤدي إلى 
التزامات متبادلة قبل كل منهما : فالسلطة الحاكمة تلتزم قبل الأفراد بتنظيم 
حياة الجماعة؛ وإقامة العدلء وعدم المساس بحقوقهم التي لم يتنازلوا عنها 
عند دخولهم طرفا في العقد» وبذلك تكون السلطة الحاكمة مقيدةء وسلطاتها 

وهنا نجد مجموعة كبيرة من المبادئ الأساسية التي ساندت مسيرة 
الديمقراطية فيما بعد منها: 

-١‏ أن الناس جميعا أحرار وهم سواء في حقهم في الحرية. 

2- الحقوق الطبيعية ليست منحة من أحد. وإنما هى خصائص للذات 
البشرية. ا 


3- أن الناس جميعا متساوون ولا مراتب ولا درجات ولا فثات بين البشر. 

4- السلطة السياسية قامت على أساس التعاقد المبني غلئ التراضي 
بين طرفي العقد. فلا يستطيع أحد أن ينترع السلطة ليحكم رغما عن إرادة 
المحكومين: وإلا أصبح مغتصياء «فالاغتصاب ليس إلا الاستيلاء على ما 
هو من حق امرئٌ آخر» (الفقرة 197). 

وإذا كان الاغتصاب عبارة عن ممارسة فرد لسلطة هي من حق شخص 
آخركان طلغيانا ظالطفيان هو ممارسة السلطة الث لا سهد إلى أي حق 
والى يمول أن كرو ا ادهع با بست يعمل اح اها كإن 
اسمه-إرادته قاعدة للسلوك عوضا عن القانون» (الفقرة 199). 

أها الملوك أو الحكام الذين ليسوا طغاة فإنهم يتقيدون عن رضا بالقيود 
الي قرا غيم قر ادن باادهم واتار ية الطفيان عا قهن 
ا الغانوخ به (الفقرة 002 


خامسا: إسهامات شتی 

تميزت نهاية القرن السابع عشر في إنجلترا بنشر كتابات جون 
لوك السياسيةء التي كان لها آثر واسع المدى في الفكر السياسي في 
أوروبا وفي الولايات المتحدة في آن معاء وإن كانت إنجلترا نفسها 
قد أقبلت على فترة هدوء-ولعلها ركود-ف أ صبح الفكر الإنجليزي 
محافظاء بل وراضيا. إذ على الرغم من نظام الحكم الذي يخدم مصالح 
ظيظة واحدة ويشيع فيه اتفساك فاته كان تييراتياة يل وأفضل 
بكثير من نظم الحكم التي كانت سائدة في بقية الدول الأوروبية. 
وبذلك انتقل مركز الثقل في مجال النظرية السياسيةء إلى فرنسا 
منذ أول القرن الثامن عشر وحتى قبيل الثورة الفرنسية. ويعود ذلك 
بالدرجة الأولى إلى حكم لويس الرابع عشر (1715-1638) الملقب «بالملك 
الشمس» أو «بالملك الأعظم» الذي حكم فرنسا حكما مطلقا يقوم على 
«الحق الإلهي» عبر عنه الآب جاك بوسويه Jacques Bossuet‏ )1754-1627( 
بقوله «ليس العرش الملكي عرش إنسان» ولكنه عرش الله ذاته» ™. وأدى 
حكمه إلى تدهور البلاد وإشرافها على الإفلاس» ففي الخارج وقفت 
أوروبا كلها ضد طموحاته؛ وفي الداخل تمزق المجتمع إلى أشراف يستأثرون 


الطاغيه 


باص ارک کی ایر كدرب + ات کی طاكلة مراع كمض راض 
را ركادحين لا يجدزق كرك زرديه كان الضراكب اة الجاكرد 
الت سر إن الساؤات وطيضة وى انتشرت هي امد ورت إلى 
التبا ورال العنيسة نقلرة قاروا ورا الع فى هذه الظروق ممت 
الحاحة إلى تق هذا النظطاب بل و هررض ادعات الى يقوم غليها:والثى 
ترز أساسا إلى انك الطلق وعدم السار اة وهدم السا الديتى: 
وانعدام الحريات.. غير أن النقد يحتاج إلى أساس نظري» وجاءت كتابات 
لوك السياسية لتزودا الفكر الفرفسى بهذأ الأ ساس مكانت الدهامة الى 
غا شرك او ار ار قو عادر تكو ا 
فرافر فی اترا یما بين عامى 1728 و 1729 واقامة مرت کو فيه 
فوت اق عدا ا د ترك ای شركة السو ا ا 
راصبع الافساب بالسكم الى كن الأنعاسية للبرالية الترنسيةة, 
وأصبحت المبادئ الواردة في «رسالات في الحكم» (المستكملة قطعا بمؤلفات 
إنجليزية أخرى) بديهيات النقد السياسي والاجتماعي» ™. 

| - مونتسكيو (1755-1689): 

مخ تاهلة القول أن الفاسيقة والمتغريق لم فشكلا جناعة متظمة 
ا على ماكر مهم اقرف ران لون هد سيل رار 
کل على اکن يكن التاول ان ره كان کر وريه مارا 
او و و و یک ا 
الكستيطى تي الشكو البضوي احق واي اا نكم في 
اتترا من الذين تتدوهاءوق يكين النهد عا فى يكن الأحيان 
لكنهم أمدوهاء رغم ذلك» بدعم غير مباشر!ء ومن هؤلاء مونتسكيو. 
فورعم اهر فوت على ا اود كن را 
الآفكان المارطة للديوغراطية اها الدقيق: الخة مقن بالنظاغ الطيقى 
الذي يميز الأفراد بسبب المولد أو الثروة وأيد وجود امتيازات لطبقة النبلاء. 
وضع انات مدا الاتتكاباات العامة كعد متم انك الذين اتحطوا إلى 
الدروف الأسفل من القذالةوالدذالة: فاضت قم كل إرادة غاصة مخ 
N‏ ی اهب ر كيو إلى أن 
هناك فة من الناس المميزين من حيث الثروة أو الميلاد أو الجاه ينبغي 


221 


المحافظة عليهاء وعلى ما لديهم من امتيازات: ومن ثم فإذا لم يعطوا سوى 
صوت واحد مثلهم مثل أفراد عامة الشعب أصبحت حريتهم العامة في 
خطر. لهذا كان من الضروري حماية امتيازات هذه الفئّة والحيلولة دون 
زوالهاء وذلك بإعطاء النبلاء امتيازات على الصعيد التشريعي بحيث يشكلون 
مر ر دري اميت بحن کن لقا زات الت دد ما مر الل 
الشعبي» كما يفترض في هيئة النبلاء أن تكون وراثيةء كما يتعين منح هذه 
الهيئة سلطة قضائية: إذ لما كان النبلاء عرضة للحسد والغيرة؛ فمن الواجب 
أن يحاكموا من قبل أندادهم: تجنبا لصدور أحكام جائرة ضدهم. إذ لا 
يجوز مقاضاتهم أمام محاكم عادية: وإنما أمام الهيئة المكونة من نبلاء © . 

ومع ذلك كله فقد أثر مونتسكيو في مسيرة الديمقراطية ومحاربة 
الطفيان تأثيرا قويا على الأقل من ثلاث زوايا: 

الزاوية الأولى: محاربة الرق 

سبق أن ذكرنا أن فقهاء القانون يفرقون بين مصطلح «الشعب» 
بمدلوله الاجتماعي الذي ينصرف إلى جميع الأفراد الذين ينتمون 
إل امول ادوا تعب ود رة السيانبي اكذى لأمهه إلى كل مزلا 
الأخراد وإتما صر غلى من لهم حق مباشرة الحشوق السياسية 
وائه كلما اقكرب مصطاع الشه يمداوله السياسى من مغهوم التشعت 
في حقيقته الاجتماعية كان أكثر تعبيرا عن المبدأً الديمقراطي. غير 
أن وجود الرق يجعل الهوة بين المفهومين أكثر اتساعاء كما يجعل التطبيق 
الديمقراطي معيبا. ومن هنا كانت محاربة مونتسكيو للرق تدعيما 
غير مباشر للديمقراطية. 

ويفند مونتسكيو جميع المبررات التي ظهرت طوال التاريخ 
لتبرير وجود الرق» ويبدأً بما ذكره أرسطو من أن الرق مفيد للسيد 
وللغبد معاء فيقول إنه «غير مفيد للسيد ولا للعبد» غير مفيد للسيد لأثه لا 
يستطيع صنع شيء عن فضيلةء وغير مفيد للعبد لأنه يخلق في العبيد 
جميع أنواع العادات السيئةء إذ يتعود (العبد) دون أن يشعر فقدان جميع 
الفضائل الخلقية: لأنه يصبح عاتياء متسرعاء قاسياء غضوبا شهوانيا 
جائرا». وهو يؤمن مع «جون لوك» بأن الناس جميعا ولدوا أحراراء ومن 
ثم «فلا يجوز أن تخمد الطبيعة البشرية أو تذل» كما أن وجود العبيد 


الطاغيه 


مخالف لروح النظام في الديمقراطية» 2. 

كما يفند «مونتسكيو» أيضا مصادر الرق الثلاثة التي ذكرها «جوستنيان» 
في مدونته عندما يقول إن الرق يأتي من -١‏ أسرى الحرب 2- من المدينين 
هن مع الأب لأناته شبجة إملاق. رست عله الأسباب الى کی ا 
الفقهاء موافقة للصواب مطلقا..» 0 . فمن حيث المصدر الأول: فإننا نجد 
أن القتل لا يباح في الحرب إلا في حالة الضرورةء بمعنى أن الجندي إذا 
وقع أسيرا فلا يجوز قتله. ومن هنا فإنك إذا ما جعلت من أسير عبداء 
فإنك لا تستطيع أن تدعي أنك تعفيه من «القتل» أو تمنحه «الحياة». إذ لم 
يكن ثمة «ضرورة» في قتله؛ وكل ما تستطيع الحرب أن تفرضه على الأسرى 
هو أن يطمئن المنتصر أن هؤلاء الأسرى لم يعودوا قادرين على إيقاع الضرر 
أو إنزال الأذىء وما يقترفه جنوده بعد ذلك من قتل؛ بعد انتهاء القتالء فهو 
«أمر نبذته أمم العالم كلهاء إذ لم يرد ذكر للأمم التي تأكل أسراها0/. 

أما المصدر الثاني: «فليس من الصحيح أن يستطيع الرجل الحر بيع 
نفسه» فالبيع يفترض ثمناء فإذا ما باع المرء نفسه. أصبحت جميع آماله 
(عندما يتحول إلى عبد) ملك سيده: فلا السيد يدفع شيئا ولا العبد يقبض 
شيئًا.. وإذا كان لا يجوز للرجل أن يقتل نفسه لتملصه بهذا من وطنه؛ فإنه 
لا يباح له أن يبيع نفسه أيضاء فحرية كل مواطن جزء من الحرية العامة 
حتى أن هذه الصفة في الحكومة الشعبية قسم السيادة»/5. 

أما المصدر الثالث: «فهو يسقط مع المصدرين الآخرينء فإذا كان الرجل 
لا يستطيع بيع نفسه كانت قدرته على بيع ابنه الذي لم يولد أقل من ذلك 
وإذا كان لا يمكن تحويل أسير الحرب إلى عبد كان إمكان تحويل أولاده إلى 
عبيد أقل من ذلك . 

وفضلا عن ذلك كله فقد ندد «مونتسكيوبالمتعصبين من الأوروبيين 
الذين أباحوا استرقاق الزنوج لاعتقادهم أن الله. وهو ذو حكمة بالغة, لا 
يمكن أن يكون قد وضع روحا طيبة في جسد أسود حالك السواد. وكأن 
اللون هو الجوهر الذي تقوم عليه الإنسانية!(7. 

الزاوية الثانية: كراهية الاستبداد 

لم يخرج مونتسكيو في تقسيمه لأشكال الحكم عن التراث التقليدي 
فى ال اسا سو طقل ها کو نواه كلل والح منذها وقول ا 


226 


وبمبدآ. ويقصد بالطبيعة الشخص أو الجماعة التي تملك السيادة في 
الدولة. ويقصد بالمبدأ الوجدان الذي يسري في القائمين بالحكم إذا كان 
لهذا الحكم أن يعمل على أفضل وجه. أما الأنواع فهي: الجمهورية؛ والملكية. 
والاستبداد. وهو يعود فيقسم النظام الجمهوري إلى نوعين: جمهورية 
ديمقراطية غندما تكون السلطة العليا بيد الشعب: وجمهورية أرستقراطية: 
عندما تكون السلطة العليا محصورة في يد فئّة قليلة من الشعب. أما 
الحكم الملكي فهو نظام تكون فيه السلطة العليا في يد شخص واحد هو 
الملك. لكنه يحكم وفقا لقوانين مقررة تنشيّ قنوات من خلالها تسري السلطة 
الملكية. أما الاستبداد فهو نظام حكم الفرد الواحد ) وفقا لأهواته ورغباته 
دون التقيد بقواعد أو قوانين. فهو لا يسترشد ولا يتوجه إلا بإرادته الخاصة 
وآهواته الشخصية. 

ومبادئ هذه الحكومات مختلفة: فالفضيلة السياسية؛ أو حب الوطن 
وقوانينهء والاستعداد للتضحية بالذات» هي مبدأ الحكم الجمهوري. 
أما الشرف-بمعنى النخوة والطموح والقيام بالأعمال العظيمة التي تتناسب 
مع المرتبة الاجتماعية والعسكرية أصاحبها فهو ميدأ الحكم الملكي. 
آما مبدا الحكم الاسكبداذي فإنه يكمن شى EEE‏ 
ورفيهة: وتضوههع آمام سلظة السيد اتيد 

ويرى مونتسكيو أن الملكية هي النظام العصري لحكم بلاد متوسطة 
الحجم» ومبدأ الملكية هو كما ذكرنا «الشرف» وهو معنى لا يوجد إلا 
في مجتمع يقوم على أساس وجود امتيازات وتفضيلات لقلة من الناس» 
«فإن لم يكن هناك ملك فلن تكون هناك طبقة نبلاء وإن لم تكن 
هناك طبقة ثبلاء: فلن يكون هناك ملك, وإثما سيكون هناك 
اغا مس 

ويهمنا هناء بصفة خاصةء ريه في الحكم الاستبدادي الذي يخلو من 
كل فضيلة. إنه نظام يقوم على خوف المواطنين ورعبهم من السيد الحاكم: 
ولا يحتمل أية سلطات وسطى. إنه يلقي بالناس في هوة الذل والمهانةء ولا 
يحافظ على وجوده إلا بسفك الدماءء والطاعة التي يتطلبها من رعاياه هي 
الطااعة النميا راتيا والتعليبضن النظاح ادات لا تهدف إلا إلى 
تكوين أفراد يدينون بالولاء والإخلاص للحاكم ويتميزون بالطاعة العمياء 


227 


الطاغيه 


في تنفيذ أوامره. ويعوزهم التفكير المستقل. والطاعة العمياء تفترض الجهل 
فيمن يطيع بل وفيمن يأمرء لأنه لا يفكر ولا يتروى بل عليه فقط أن 
يريد . وتقتصر التربية على بث الخوف في قلوب الرعية وتلقين بعض 
مبادئ الدين البسيط؛ يقول: «كل بيت في الدولة المستبدة إمبراطورية 
منفصلةء وتكون التربية القائمة هناك على عيش الإنسان مع الآخرين 
محدودة جداء وهي تقتصر على إلقاء الخوف في قلوب الناسء وتلقين 
الروح بعض مبادئ الدين البسيطة جدا. ذلك أن المعرفة ستكون 
خطرة: والتنافس نحسا. ولم يستطع أرسطو الاعتراف بوجود فضائل 
خاصة للعبيد.. فالتربية في الدولة المستبدة كأنها عدم. فلا بد 
من انتزاع كل شيءء ولا عطاء لشيء ماء وجعل الفرد عضوا فاسداء 
ابتغاء جعله عبدا مطيعا('. فرعايا الدولة الاستبدادية مجردون 
من كل فضيلة خاصة بهم «وليس في الدول الاستبدادية عظمة نفس» 
لأن الحاكم فيها لن يعطي عظمة لا يملكها هو نفسه» إذ لا يوجد عنده 
مجد. وإنما في النظام الملكي يشاهد حول الأمير رعاياه يتلقون 
إشعاعاته» ”° وهكذا يميل الاستبداد إذ هدم الدولة ذاتها بهدمه لروح 
المواطن الذي هو أساس هذه الدولة؛ وما أشبه الحاكم المستجد هنا بما كان 
يفعله همج «لويزيانة»ء الذين كانوا يلجأون عندما يريدون قطف الثمار 
إلى قطع الشجرة نفسها ثم يجمعون ثمارها وفي الدولة الاستبدادية 
تقل القوانين بل تتعدم. ولا بد أن يكون المحكومون جهالا: جبتاء. محطمي 
النفوس. وبدلا من أن يريى الناس على أساس الاحترام المتبادل؛ يكونون 
حيث لا يستجيبون إلا للترهيب والتخويف. ويتساءل مونتسكيو: إن الناس 
يحبون الحريةء ويكرهون القهر والعنف» والطبيعة البشرية تثور على الحكومة 
المستبدة بلا انقطاع» كما أن الناس تنفر من الطغاة وتحقد عليهم. فلماذا 
إذن يعيش معظم الناس في العالم تحت الاستبداد؟. ويجيب قائلا إن هذا 
يفسر بأمرين: الأول هو أن الإمبراطوريات الواسعة تحكم حكما استبداديا 
كيما يكون الحكم فيها قوي النفوذ. والثاني هو الأهم لأن الشرط الوحيد 
لقيام الاستبداد هو الشهوات الإنسانية وهذه موجودة في كل مكان!4©. 
(*) لويزيانة #صهزونناه.آ ولاية في جنوب الولايات المتحدة عاصمتها باتون روج 18086 80١‏ أصبحت 
الولاية رقم 8| عام 1812 . 





ولهذا فإننا نراه يربط بين الأقاليم الحارة التي تنمو فيها الشهوة مبكراء 
وانتشار الاستبداد فيها «ففي تركيا يبدأ البلوغ في الخامسة عشرة من 
العم لك 

ويتحدث «مونتسكيو» عن خصائص الدولة المستبدة فيقول إن الحاكم 
المستبد يعتبر نفسه الدولة. «وسلامة الدولة ليست شيكا آخر غير سلامته: 
وان شئت فقل سلامة القصر الذي يعيش فيه؛ وكل مالا يهدد القصر أو 
العاصمة رأسا لا يؤثر في النفوس الجاهلة . وبما أنه القانون والدولة 
والحاكم فإنه لا يكون شيئًا إذا تنحى عن الحكم أو جلس غيره على العرش! 
وبما أن الخوف هو مبداً الحكومة المستبدة؛ فإن السكون والصمت هو 
هدفها وليس ذلك سلاما أبداء بل هو أقرب إلى صمت المدن التي يوشك 
العدو أن يستولي عليها! و«للدين في هذه الدولة من التأثير ما ليس في 
سواهاء فهو فزع يضاف إلى فزع.. و«الحكام في الدول المستبدة يسيئون 
استعمال الزواج على الدوام؛ فتكون لديهم نساء كثيرات غالباء وذلك في 
قسم العالم الذي ينتشر فيه الاستبداد كاسيا على وجه الخصوص؛ وهم 
يكون لديهم ولد كثير لا يمكنهم أن يحملوا حبا لهم كما لا يمكن لهؤلاء 
الأولاد أن يتحابوا»” . وما كانت الحكومة المستبدة حكومة ظالمة فلابد أن 
تكون لها أيد تمارس بها الظلم» والواقع أنه يستحيل على هذه الأيادي أن 
تنسى نفسها فتمارس هي نفسها الظلم: وتعمل لحسابها الخاص» وتغرف 
بدورها من أموال الدولةء ولذا يكون اختلاس الأموال الأميرية أمرا طبيعيا 
في الدول المستبدة . ومن العادات المستقرة في الدول الاستبدادية ألا 
يدخل إنسان على من كان أعلى منه مرتبة دون أن يقدم إليه «هدية» ولو 
كان المهدى إليه هو الملك نفسه؛ وهكذا نجدء مثلاء أن عاهل المغول لم يكن 
يتقبل عرائض رعاياه إلا ومعها بعض الهداياء أما من لا يدفع منهم شيا 
فترفض عرائضهم!!6) 
مواطناء في دولة يسودها المبداً القائل: إن الأعلى غير مدين للأدنى بشيء» 
في حكومة لا يعتقد الناس فيها أنهم مرتبطون بشيء إلا ما يفرضه بعضهم 
على بعض من العقوبات» في حكومة تكون ذات أعمال قليلة؛ ويندر أن 
يحتاج أحد منها إلى المثول بين يدي شخص عظيم.. وفي النظام الجمهوري 
تكون الهدايا أمرا كريها» وذلك لعدم احتياج الفضيلة إليهاء وفي النظام 


!«دوهذا ما يجب أن يحدث فى دولة لا يعد أحد فيها 


2120 


الطاغيه 


الملكي يكون الشرف عاملا أقوى من الهداياء أما في الحكومة المستبدة, 
حيث لا شرف. ولا فضيلةء فلا يشرع أحد في العمل إلا عن أمل في رغد 
ال 

الزاوية الثالثة: فصل السلطات 

الحرية السياسية الحي خادى مها مرس كيو لم تفن قسني حرية 
التصدرف وذق الأهواء الشخصية يل معني الكل مواطن أن يعمل كل 
ما تسمح به القوانين. ذلك لأنه لو أبيح للمواطن أن ينتهك القوانين 
ويتجاوزها لما بقيت هناك حريةء لأن الجميع سيبيحون لأنفسهم 
انتهاك القوانين بدورهم. ولا تتوافر الحرية السياسية إلا حين لا 
تنقضها تجاوزات السلطة:؛ ولكى لا تتجاوز السلطة حدودها لابد أن تكون 
قاف اة اة ها ومن هنا جاء مهد الشويو الايد للسلطة أن 
تحد السلطة». ويوجد فى الدولة ثلاث سلطات: 

[الإتشالظة انكر (تشريع الكرافين ا ادات الأغراد 
في المجتمع). 

ب+السلطة التتفيذية: (وهي تشمل أيضا الكتؤون الخارجية) ومهمتها 
قد فا نيع |السادرة صخ السلطلة ان د وك اا ددا حا 
البلاد من الاعتداءات الخارجية. 

ج-السلطة القضائية: وهي التي تقوم بتطبيق القوانين على 
المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والفصل في الخصومات وفرض العقوبات 
على كل من يخالف نصوص القوانين”". ولقد أكد مونتسكيو أن 
الفصل القاطع بين هذه السلطات الثلاث في الدولة هو الشرط لوجود 
الحريةء يقول: «إذا اتحدت السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية 
فلن حكون مساك حرا إذ عه آن تفس الحاكم او تفس مجلس 
الشيوخ (الهيئة التشريعية) يسن قوانين استبدادية من أجل أن ينفذها 
استبداديا. ولن تكون هناك حرية أيضا إذا كانت سلطة القضاء غير منفصلة 
عن السلطة التشريعيةء والسلطة التنفيزية: لأنها إذا كانت مرتبطةء بالسلطة 
التشريعية؛ فإن السلطة على حياة المواطنين وحريتهم ستكون اعتباطية؛ إذ 
سيكون القاضي مشرها أيضا. وإذا ارتبطت بالسلطة القفيذية: فيمكن أن 
تكون للقاضي سلطة البطش. وسيضيع كل شيء لو أن نفس الشخصء أو 


نفس الهيئة من الرؤساء أو من النبلاء أو من الشعب مارست هذه السلطات 
الثلاث معا: سلطة تشريع القوانين. وسلطة تنفيذ القوانين العامة. وسلطة 
الفصل في الجرائم والمنازعات بين الأفراد 4). وإذا أراد الحكام أن يكونوا 
مستبدين بدأوا بتجميع السلطات في شخصهم داقما.» 69. 


2- روسو (1778-1712): 

الفكرة التي ناضل «لوك» من أجل الدفاع عنها ضد «فلمر»وهي أن 
الناس أحرار بالطبيعة كانت مسلمة عند «روسو» فهو يفتتح بها 
كتابه «العقد الاجتماعي» وكأنها بديهية لا تحتاج إلى عناء البرهنة 
أو التدليل عليها: «يولد الإنسان حراء لكنا نراه مكبلا بالأغلال فى 
كل مکان..»“ وهو يرد هذا الوضع السيخ ال الأتظية اا 
والاجتماعية الفاسدة التي سلبت الناس حريتهم الطبيعية» بحجج 
وأعذار شتى» وجعلتهم مجرد قطيع من الماشية «ولكل قطيع راعيه الذي 


لقد دعم «روسو» مسيرة الديمقراطية؛ وأمدها بكثير من العناصر الهامة. 
صحيح أنه كان يؤمن بنوع خاص منها هو «الديمقراطية المباشرة» إلا 
أن هناك أفكارا عامة ومشتركة وأساسية بين جميع أنواع الديمقراطية, 
منها: أن يكون الحكم للشعب برضا الناس وموافقتهم» وبالاتفاق بينهم 
من ناحية؛ وبين الحاكم من ناحية أخرى. وهو ما أسماه «روسو» بالعقد 
الاجتماعي» ومنها أن يكون مفهوم الشعب عاما وشاملا لا يقتصر على 
فئة أو طبقة أو هيئة معينةء ومنها أن تسود المساواة بين جميع أفراد 
الشعب» وأن تتوافر للجميع حرية إبداء الرأي والمناقشة: وحق الاقتراع 
العام؛ وأن تكون القوانين ممثلة للإرادة العامة لا لإرادة شخص أو مجموعة 
من الأشخاص.. . الخ» وسوف نعرض فيما يلي لبعض هذه الأفكار في 
شيء من الإيجاز. 

والأساس الذي يرتكز عليه «روسو» في رفضه للنظم الاستبدادية التي 
تحيل البشر إلى عبيد للحاكم» هو أن تكوين الدولة لا بد أن يعتمد على 
الاتفاق الحر بين الناس» فمادام الإنسان ليس له سلطة طبيعية على إخوانه 
من البشرء وما دامت القوة لا تمنح الحاكم أي حق» ترتب على ذلك أن أي 


الطاغيه 


سلطة مشروعة بين الناس ينبغي أن تقوم على أساس الاتفاق» . لكن ألا 
يجوز أن يكون الخضوع لقوة الحاكم هو نفسه ضربا من ضروب الاتفاق؟. 
يجيب روسو بالنفي».. فالخضوع للقوة هو فعل من أفعال الضرورة: لا من 
أفعال الإرادة..."" وبالتالي لا يمكن أن يقوم الخضوع لقوة الحاكم على 
أساس الاتفاق. وهنا يفند «روسو» فكرة المفكر والمشرع الهولندي جروتيوس 
(1645- 1583) معن11 ,كناناه:6 التي يقول فيها «إذا كان في استطاعة الفرد أن 
يتنازل عن حريته؛ ويصبح عبدا لسيد ماء فلم لا نقول إن شعبا بأسره يمكن 
أن يتنازل عن حريته ليصبح رعية لملك ما5». ويرد «روسو» بأن التنازل عن 
شيء هو إعطاؤه أو بيعهء والإنسان الذي يصبح عبدا لآخر لا يعطي نفسه 
بل يبيعهاء على الأقلء من أجل قوته. لكن ما هو المقابل الذي يبيع الشعب 
نفسه من أجله5؟: من المستبعد جدا أن يوفر الملك الطعام لشعبه»ء لآنه. على 
العكسء يستمد طعامه منه» والملوك» كما يقول رابليه ءنه‌اءطهR‏ لا يرضون 
بالقليل من الطعام ولا يعيشون على الكفاف! فهل يتنازل الناس عن حريتهم؛ 
ويبيعون أنفسهم للملك. لكي يأخذ ممتلكاتهم أيضاة!. 

لكن قد يقال إن الحاكم المستبد؛ أو الطاغية. يضمن لرعاياه السكينة 
والسلام؛ لا القوت والطعام. غير أنها حجة يرد عليها بأن الشعوب تخوض 
الحروب» في الخارج» لإشباع طموح حكامها ونهمهم الذي لا يرتوي» كما أن 
قهر أعوانه. في الداخل: ومطالبهم المزعجة؛ ومنازعاتهم هي التي تعكر 
صفو السلام والهدوء في حياة المجتمع؛ وتتسبب في تعاسة الناس وشقائهم! 
وحتى لو افترضناء جدلاء أن الحكم الاستبدادي يوفر الهدوء والسكينة 
للناس» ألا يكون هذا الهدوءء وتلك السكينةء أشبه بصمت السجونء أيكون 
ثمة قيمة لسكينتك وأنت في زنزانة السجن؟! أيكفي ذلك لأن تكون سعيدا؟ 
أتكون الزنزانة في هذه الحالةء أمرا مرغوبا فيه؟ ألم يكن اليونانيون 
المسجونون في كهف السيكلوب ومواء70”*؛ يعيشون هادئين في سلام: 
وهم ينتظرون دورهم ليلتهمهم هذا المارد ۱ . 

ويعتقد «روسو» أن الحكم التعسفي» لكي يصبح حكما مشروعاء لابد أن 
يكون لكل جيل جديد الحرية في قبوله أو رفضه: إلا أن الحكم في هذه 
الحانة يكت هن أن يكون فسفيا © . إق اول الأنسان فن حريته يعدن أنه 
يتنازل عن إنسانيتهء أي أن يتنازل عن حقوقه وواجباته كإنسان. ولا يمكن 


أن يكون هناك مقابل هناو 0نم 4ننان لمن يتنازل عن كل شيء . إذ الواقع أن مثل 
هذا التنازل مضاد لطبيعة الإنسان ذاتهء فلو أنك انتزعت منه حرية الإرادة 
كلهاء فإنك تنتزع عنه كل مغزى أخلاقي في أفعاله. وأخيرا فإن الاتفاق 
الذي تكون فيه السلطة المظلمة في جانبء والطاعة المطلقة في جانب آخر 
هو اتفاق باطل وضد المنطق7”". وهكذا ينتهي «روسو» إلى أن حق الاستعبادء 
من أية زاوية نظرنا إليه. هو حق باطلء لا لأنه لا يمكن تبريره فحسب» 
وإنما لأنه لغو ولا معنى له. والواقع أن كلمة «حق» وكلمة «استعباد» كلمتان 
متناقضتان: إحداهما تلغي الأخرى. وسواء أكان الأمر بين إنسان وإنسان, 
أو بين إنسان وشعب بأسره» فمن الخلف المحال» دائماء أن نقول: «إنني 
أعقد معك اتفاقا بموجبه يكون كل شيء على حسابك وکل شيء في صالحي؛ 
وسوف أحترمه مادام يروق لي ذلك وسوف تحترمه أنت مادام يروق لي 
أيضا2!. 

الاتفاق السليم-وهو ما سماه «روسو» بالعقد الاجتماعي-إنما يقوم على 
موافقة جميع الإرادات الحرة لجميع أفراد الشعب» بحيث يكون الالتزام 
الاجتماعي للفرد داخل الجماعة التزاما حرا وذاتيا. إنه نوع من الاتحاد 
يحمي شخصية كل فرد وممتلكاته؛ ويدافع عنها باستخدامه القوة العامة 
للمجتمع ويطيع فيه الإنسان الفرد نفسه فقطء بالرغم من أنه متحد مع 
الباقينء وبالتالي فإنه يبقى محتفظا بأقصى درجات حريته”. ويقول 
روسو: إننا إذا استبعدنا من الميثاق الاجتماعي ما ليس من جوهره فسوف 
نجد أنه يتقلص إلى العبارة التالية: «يسهم كل منا في المجتمع بشخصه. 
وبكل قدرته تحت إدارة الإرادة العامة العلياء ونلتقي على شكل هيئّة كل 
عصوفيها جز لا يتجزا من آلكل .ركذا تظهر بالجمهورية؟ أو الهيئة 
السياسية التي يطلق عليها أعضاؤها اسم «الدولة». أما المشاركون فإنهم 
(*2) السيكلوب» وهي تنطق باليونانية كيكلوب» تعني حرهيا «العين المستديرةش» وهو في الأساطير 
اليونانية عملاق بعين واحدة في جبهته. ويروي هزيود أن هذا النوع من العمالقة هو الذي أعطى 
زيوس ونام كبير الآلهة أسلحته الخاصة من الرعد والبرق. أما «هوميروس» فقد روى في 
الأوديسة أن «أوديسيوس» وقع أسيراء هو وأصحابه أثناء رحلة العودة من حرب طروادة» في 
قبضة زعيم السيكلوب واسمه بوليفموس «ناتعطم:ز201 وأنه سجنهم في كهف في جبل آثينا في 


صقلية؛ وظل يلتهمهم واحدا إثر الآخر. حتى تمكن أوديسيوس أن يفقاً عينه وهرب مع من تبقى 
من رجاله. 





الطاغيه 


يتخذون بصورة جماعية اسم «الشعب» ويسمون فرادى باسم «المواطنين» 
بمقدار ما يشاركون في قوة السيادة؛ وباسم «الرعايا» من حيث إنهم يخضعون 
لقوانين الدولة”7 . 

ومن المهم هنا أن نلاحظ أن «روسو» يدافع عن الشعب ككل أو ما يسميه 
أحيانا باسم «عامة الشعب» أو الشعب كافة: دون أن يهتم بطبقة معينة 
كالأشراف أو التبلاء: على نحو ما قعل «مونتسكيو» كالفشضاكل الخلقية 
موجودة بأعظم صفاء وأشد نقاء بين عامة الشعبء يقول في كتابه «إميل»: 
«عامة الشعب هم الذين يؤلفون الجنس البشريء وما ليس بالشعب يستأهل 
بشق الأنفس أن يؤخذ في الاعتبار. والإنسان هو الإنسان في شتى الدرجات: 
وإن كان الأمر كذلك» فإن الدرجات الأوفر عددا هى التى تستحق أقصى ما 
يمكن من الاحترام» و كان هناك هر ترمد الدكرية إلذ ا كات 
السيادة في يد الشعب» فكل قانون لابد أن يجيزه التصويت المباشر لجميع 
المواطنين «عندما يقترح قانون في الجمعية الشعبية: فليس ما يطلب مع 
الشعب هو الموافقة على القانون المقترح أو رفضه» بل بيان ما إذا كان 
ينسجم من الإرادة العامة التي هي إرادة الشعب. وعندما يدلي كل فرد 
بصوته؛ فإنه يدلي برأيه في هذا القانون المقترح وتعرف الإرادة العامة بعدد 
الأصوات. وعندما يتغلب» إذنء الرأي المعارض لرأيء فذلك لا يدل على 
شيء سوى أنني كنت مخطنًاء وأن ما ظننت أنه الإرادة العامة لم يكن كذلك, 
ولو أن رأي الخاص هو الذي تغلب لكنت فعلت غير ما كنت أردت. وضي تلك 
الحالة لا أكون حرا. وهذا يفترض في الحقيقة أن جميع صفات الإرادة 
العامة مازالت كامنة فى الأغلبيةء وعندما يبطل ذلك لا تعود الحرية ممكنة 
نهما كان الجاتب الذي يقت الرو فى فة بون ذلك قان روسو 
يحذرنا من طغيان الأغلبيةء وهي فكرة سوف يهتم بها «دي توكفيل» اهتماما 
شديدا في كتابه «الديمقراطية في أمريكا». كما سوف يقف عندها «جون 
ستيوارت مل» طويلا في كتابه عن الحرية. ومن أجلها رفض «روسو» 
الديمقراطية النيابية؛ لأنه رأى أنها تعطي الأغلبية سلطة مطلقة؛ ومن ثم 
تجد الأقلية نفسها مضطرة إلى الإذعان. وهكذا فضل الديمقراطية المباشرة: 
«ما الشروط الصعبة التي ينبغي أن تتحقق في مثل هذا النوع من الحكم؟. 
أولا: وجود دولة صغيرة جدا يكون الشعب فيها سلس القيادةء ويمكن فيها 


231 


لكل مواطن أن يعرف بسهولة جميع المواطنين الآخرين. ثانيا: بساطة كبيرة 
في الطباع والأخلاقيات تحول دون تشعب الأمور والخوض في المسائل 
الشائكة. وبعدئذ يتطلب الأمر كثيرا من المساواة في المراتب والثروات إذ 
من دونها لا يمكن للمساواة في الحقوق والسلطة أن تدوم طويلا. وأخيرا 
القليل من الترف أو لا شيء منه البتة..» ° . 

هذا هو نمط الديمقراطية المباشرة. في دولة صغيرةء الذي يقترحه 
«روسو» وهو يقوم على اتفاق بين الأغراد يتنازل فيه كل منهم للمجموع عن 
حقه في السيادة. بحيث تشترك إرادة الفرد مع إرادة الآخرين لخلق ما 
يسمى بالإرادة العامة 77/111 01:ءدء6.: وبهذه الإرادة العامة يستطيع الشعب أن 
يحمي نفسه من أطماع الإرادات الخاصة. ويتم ذلك بالخضوع للقوانين 
التي تتجلى فيها حرية المواطن: ذلك لأنه عندما يطيع القوانين فإنما يطيع 
الإرادة العامة التي هي إرادته وإرادة الجميع وإذا ثار على القوانين» وجب 
رده بالقوة إلى الطاعة لأن ثورته تعني تمرده على إرادته هو . ويسير 
«روسو» قدما لتحديد معنى الحرية فيقول: «لا تعتمد الحرية على أن يفعل 
الفرد ما يريد بإرادته الخاصة بقدر ما تعتمد على ألا يخضع لإرادة شخص 
آخر. وهي تعتمد أكثر على عدم خضوع الآخرين لإرادتي الخاصةء ففي 
الحرية العامة ليس لأحد الحق في أن يفعل ما تحرمه عليه حرية الآخرين: 
إن الحرية الحقة لا تدمر نفسها قط. وهكذا نجد أن الحرية من دون 
العدالة هي تناقض حقيقي» فلا حرية بغير قوانينء ولا حرية عندما يكون 
أي شخص قوق القانون.. والشعب الحر يطيع» لكنه لا يخدم. لديه قضاة, 
لكن ليس فيه سادة. هو لا يطيع شيئًا سوى القوانين» وبفضل قوة القوانين 
فإنه لا يطيع البشر» . ويقول في مكان آخر: «لابد لنا أن نضيف أن 
الإنسان يكتسب من المجتمع المدني الحرية الأخلاقية. وهي وحدها التي 
تجعل الإنسان سيد نفسه» ذلك لأن سلوك الإنسان لو حكمته الشهوة وحدها 
فهذه هي العبوديةء في حين أن الحرية هي طاعة القانون الذي نلزم به 
أنفستا 10 

ونحن هنا نلمح بواكير فكرة هيجل الشهيرة في تعريف الحرية بأنها 
«التحديد الذاتى 3105مندممعاء110ء5», وهى الفكرة التى اعتمدت هى نفسها 
على فكرة كانط في استقلال الإرادة و الى شرع لنفسها قانونا 


الطاغيه 


لتسير عليه؛ فكأن الحرية هي أن يطيع الإنسان نفسه أو إرادته الكلية. فهو 
عندما يطيع القانون الذي اشترك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في سنه 
فإنه في الواقع يطيع نفسه؛ وعندما يعصي هذا القانونء بما يترتب على 
هذا العصيان من عقابء فإنه يطلب العقاب لنفسه. وهكذا يصبح سلوك 
الفرد وحريته صورة مصغرة للديمقراطيةء وهي أن يحكم المرء نفسه بنفسه 
وتكون الديمقراطية السياسية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه؛ وعندئذ فقط 
يكون حرا. 


3 - إماضوط شافط 1.1۲ (1724-1854) 

انتشرت آراء «روسو» في بلدان أوروبية كثيرة. وفي أوضاع سياسية 
مختلفة فيما بينها أتم الاختلاف. في نهاية القرن الثامن عشرء وبداية 
التاسع عشرء فقد واصل المفكرون الألمان اهتمام روسو بالحرية وكيفية 
تحققهاء «ويقف كانط وهيجلء على التوالي. شاهدين على مدى تأثير 
روسوء رغم انتقادات هيجل لنظرية روسو عن الحرية؛ وانتقادات 
كانط لآراكه السياسية على أسس مشابهة» ° . 

أما كانط. الذي كان معاصرا لروسوء فهو يعترف صراحة أنه 
مدين له في صياغة فلسفته الأخلاقيةء كما أنه قد عبر عن فكرة 
«روسو» نفسها وهو يضع الأسس السياسية في بناء الدولةء يقول: 
«لقد كنت بطبعي طلعة ومولعا بالعلم» ووضعت فيه شرف الإنسان. 
وكنت أزدري العوام الجهال. فردني روسو إلى الصواب. وعلمني أن أرغب 
عن متاع الغرورء وأن أضع في مكارم الأخلاق كرامة الإنسان على الحقيقة, 
لقد كان روسو أشبه بنيوتن الأخلاق. لقد استكشف في العنصر الأخلاقي 
ما يمسك على الطبيعة الإنسانية وحدتهاء كما إن نيوتن قد وجد المبداً 
الذي يربط قوانين الطبيعة الفيزيقية بعضها ببعض.. . 

ولا شك أن كانط أسهم بكثير من الأفكار الهامة التي غذت فكرة 
الديمقراطية دون أن يتعمد ذلك على نحو مباشرء فالأخلاق 
الكانطية؛ بما لها من سمو ورفعةء أبرزت قيمة الإنسان في هذا العالم 
ولعل أهم ما جاءت به تأكيدها لفكرة الكرامة النشرية رين القيمة 
الأخلاقية التي ينبغي أن تكون أرفع القيم جميعا. وكذلك فكرة الإلزام 


230 


المتصلة بهاء وهو إلزام عجيب يفرض الطاعة؛ لكنه في الوقت نفسه؛ يعمل 
من الداخل لا من الخارجء كقانون مطلق يعطيه الكائن لنفسه.. وإلى غير 
ذلك من أفكار لخصها فى ثلاث قواعد أساسية للأخلاق هى نفسها أوامر 

القاعدة الأولى: «اعمل بحيث تكون قاعدة سلوكك قانونا عاما للناس 
جميعاء ©*). وهكذا يصبح السلوك الأخلاقي هو ما يتفق مع العقلء 
لأنه ما يمكن لنا تعميمه دون أن نقع في تناقض أو دون أن نلغي الفعل 
نفسه. ومن هنا كان الانتحارء أو عدم الوفاء بالوعد, أو الامتناع عن 
سداد الديون.. . الخ كلها رذائل أخلاقية لأنها إذا أصبحت قانونا 
عاما للناس جميعا فإنها في حالة الانتحار تؤدي إلى هلاك البشرء 
وبالتالي إلى إلغاء الانتحار نفسه؛ وقل مثل ذلك في عدم الوفاء بالوعد 
أو الامتتاع عن سداد الدين. 

القاعدة الثانية: اعمل بحيث تعامل الإنسانية دائماء سواء في 
شخصك أو في شخص غيرك على أنها غاية في ذاتهاء ولا تعاملها 
نذا كما لراكانت مسر واد" روه قاف مایا کے اة اشر 
بحيث لا نهبط بهم إلى مرتبة الأشياء أو الو ااك التي نتخذها 
وسائل لتحقيق أغراضهاء بل لابد أن تعاملهم «كغاية» باستمرار: لكن 
كيف يمكن أن أعامل الآخرين على أنهم غاية دون أن أنزل بنفسي إلى 
دور الوسيلة؟! أستطيع ذلك لو أن جميع الإرادات اتفقت والتقت في 
غايات» ولو أن إرادتي اتفقت مع الإرادة العامة. ومن هنا كانت هذه 
الفكرة أساس كل تشريع عملي..» 89 

القاعدة الثالثة: «اعمل بحيث تشرع قاعدة عملكء وبإرادتك قانونا 
عاما شاملا للناس جميعا». وهنا نجد كانط يؤّكد أن السلوك الأخلاقى 
ل قوم على ارات ]و اكدواهم رفول بل على علا العاضات العافت 
بعضها ببعض بحيث ينبغي أن تكون إرادة الموجود العاقل إرادة مشرعة:؛ «إذ 
لو كان الأمر على خلاف ذلك لتعذر على الكائن العاقل أن يتصور أنه غاية 
في ذاته. هكذا يربط العقل كل مسلمة من مسلمات الإرادة. بوصفها مصدر 
تشريع كلي عام. بكل إرادة أخرى.. وهو في ذلك يصدر عن فكرة الكرامة 
التي للكائن العاقل الذي لا يخضع لغير القانون الذي يضه لنفسه» . 


237 


الطاغيه 


ولقد انعكست هذه القواعد الأخلاقية في فكر كانط السياسي لاسيما 
في الأسس السياسية التي وضعها لبناء الدولةء فهي في رأيه تقوم على 
ثلاثة مبادئ عقلية: 

-١‏ حرية كل عضو من أعضاء المجتمع بوصفه إنسانا (الحرية من حيث 
هو إنسان) وهو هنا يتفق مع «روسو» في أن الحرية جزء من ماهية الإنسان 
لا يستطيع أن يتنازل عنهء وإن هو فقدها فقد معها إنسانيته؛ (وسوف 
يجعلها هيجل بعد ذلك ماهية الإنسان نفسها). فالحق الفطري الوحيد هو 
الحريةء بالمقدار الذي به يمكن أن يتعايش المرء مع حرية الغير وفقا لقانون 
كلي. وهو حق مكفول للإنسان بما هو إنسان» أي بمقتضى إنسانيته ® . 
ولا شيء يساعد الإنسان على النمو وتطوير ملكاته وقدراته كما تساعده 
الحرية. وليس هناك شيء يتطلبه التنوير قدر ما يتطلب الحرية؛ وإنما 
يتطلب من ضروب الحرية ذلك الضرب الذي يتصف بأنه أكثرها تجردا من 
الضررء وهو حرية الاستخدام العلني للعقل في جميع الأمور ”2. ومن هنا 
فقد راح كانط في مقاله الشهير «ما التنويرة» 2" يهاجم تقييد الحريات, 
وينتقد فكرة «الطاعة» التي تتردد على ألسنة الكثيرين من المسؤولين عن 
شؤون الدولة؟ «فالقائم على خزانة الدولة يقول: لا تفكر؛ بل ادفع؛ والضابط 
يقول: لا تفكر بل نفذ» والكاهن يقول: لا تفكر بل آمن.. وفي كل ذلك تقييد 
للحرية.. مع أن الاستخدام العلني للعقل ينبغي أن يكون في كل وقت حراء 
فهو وحده الذي يستطيع أن ينشر التنوير بين الناس..» ”. ولهذا فقد 
جعل شعار التنوير «تشجع واستخدم عقلك! هذا هو شعار التنوير» °9 . 
والدولة التي تجبر مواطنيها على «الطاعة العمياء» إنما تعاملهم على أنهم 
أطفال قصر لم يبلغوا سن الرشد بعد» كما أن الحاكم الذي يقوم بتقرير ما 
هو خير وما هو شرء ما هو صواب وما هو خطأ بالنسبة للأفرادء هو أسواً 
أنواع الطغاة. لأن كل فرد ينبغي عليه أن يفعل وفقا للأهداف العقلية, 
وينبغي أن تكون لديه الشجاعة للاعتماد على عقله ° . 

2- المساواة لكل فرد من أفراد المجتمع بوصفه أحد رعايا الدولة. وهو 
على المبداً السابق؟ «فمبداً الحرية الفطرية يشمل في داخله: المساواة 
الفطرية» . ويعني ذلك المساواة أمام القانونء كما يعني أن تكون جميع 
التزاماتنا تجاه الدولة واحدة؛ كما يعني ثالثا أنه إذا خالف أحد الأشخاص 


القانون. وجب أن يعامل بنفس :الطريقة التي يعافل بها أي شخص الخو 
بغض النظر عن الطبقة التي ينتمي إليهاء فليس هناك قانون للأغنياء 
وآخر للفقراء. كما تعني المساواةء أخيراء أنه يجب على جميع المواطنين 
المشاركة بصورة متساوية فى الواجبات التى تفرضها الدولة °7. 

وفضلا عن ذلك فاتنا تنجد غائط» كأكيذ| ميا الساواة يرهض الامتياذات 
المورثة. سواء أكانت امتيازات الطبقة أو المراتب أو الأسر أو غيرهاء فكل 
عضو من أعضاء الدولة من حقه «أن يصل إلى أية درجة من الدرجات التي 
يمكن أن يحصل عليها عن طريق موهبته» واجتهاده. وحظه السعيد. ويجب 
على أقرانه ألا يقفوا في طريقه عن طريق الامتيازات المورثة أو امتيازات 
المنزلة: وبالتالي يعوقونه هو وأبناءه بصورة غير محدودة ™. 

3- أن يكون كل فرد في المجتمع سيد نفسه» وأن يعتمد على نفسه 
باعتباره مواطنا (أي الاستقلال من حيث هو مواطن). «فلا يكون الفرد 
مواطنا إذا كان تابعا لغيره. معتمدا على سیده» بل لابد أن يكون ذا وجود 
مستقل معتمدا على حقوقه وملكاته وقواه حتى يكون عضوا عاملا في 
الدولة. والفرد الذي يتميز بالاستقلال هو مواطن إيجابي نشط وهو وحده 
الذي له حق التصويت. إذ ما قيمة حق التصويت إذا كان يعطى لفرد لا 
يكون سيد نفسه؟! لن يكون حراء في هذه الحالة؛ في اتخاذ أي قرار. 

ولا في إصدار تشريع يتفق مع العقل. وليست هذه المبادئ الثلاثة 
قوانين تصدرها الدولةء وإنما هي قواعد عقلية لابد أن تكون في ذهن 
المشرع. وهي في النهاية التعبير السياسي لقواعد كانط الأخلاقية, 
وبمراعاتها ينال كل إنسان الاحترام لشخصه» ويحقق كرامته؛ ويعامل كفاية 
لا كوسيلة. وهذه القواعد الشاملة لابد أن تشكل مجموعة التشريعات 
العامة. حتى تتصف الإرادة «بالاستقلال الذاتى» إد:هههاناخ «والشمول» °۶ 
University‏ „ 

هذه مجموعة من الأفكار المتناثرة التي دعمت فكرة الديمقراطيةء ربما 
بطريق غير مباشر. عندما أكدت على كرامة الإنسان. وحريتهء واستقلال 
إرادته؛ ومعاملته كفاية لا وسيلة لإشباع ميول الآخرين وشهواتهم: وبالتالي 
فأي حكم دكتاتوري مرفوض من أساسه لأنه. على أقل تقدير. سوف يعامل 
الناس كأدوات لإرضاء أطماعه. 


23# 


الطاغيه 


4- هيجل (1831-1775): 

الصورة التقليدية الشائعة عند كثير من شراح هيجل أنه كان معارضا 
للديمقراطيةء فقد نظر إلى الدولة على أنها شخص أعلى يحدد ماهية 
المواطن ويزوده بالمبادئ ووسائل السلوك السياسي والأخلاقيء فهو لا 
يوجد كموجود يحدد نفسه بنفسه» وإنما كموجود تحدده الدولة فيما 
يقول الفيلسوف الفرنسى التومافى جاك ماريتان (1882 وعناوةل 
Mea‏ و كير 1 اا أن هذه تفسيرات خاطكة 
لتظرية وبمل المدياسية: وق يكون بعضها مغرظا لأسباب فيا 
فما تعارضه الدولةء وما قد تلجأ إلى قهره هو أهواء الفرد ونزواته؛ أما 
إرادته: الحقيقية الأصيلة فهي تصل إلى تحررها الكامل في الدولة!!9. 
ولن نطيل في مناقشة هذا الموضوع» إذ يكفي أن نشير إلى بعض 
الأفكار الهيجلية الأساسية: 

-١‏ أساس الدولة عند هيجل هو القانون: فما يحكم ويحدد حياة 
الفرد في الدولة ليس عاملا خارجياء ولا قوة خارجة عن الفرد» وإنما هو 
القانون: القانون الذي يدركه المواطن عن وعي بوصفه موجودا عاقلا 
حرا. لكن ذلك لا يعني القانون الذي يصدره الحاكم بإرادته التعسفية؛ أو 
أية إرادة جزئية أخرى, بل القانون الذي يتفق مع العقل5 «لأن مضمون 
القانون هو الحقء أو ينبغي أن يكون هو الحق» وهناك شروط أربعة أساسية 
للتحديد العقلي للحق بحيث يصبح قانوناء أعني تشريعاء وهي: 

أ- لابد أن يكون عاما وشاملاء أعني أن يطبق بلا استثناء ولا تمييز على 
جميع الأعضاء في الدولة» وبالتالي فهو المبداً الأقصى للعدالة الذي تحسم 
في النهاية؛ بناء عليه جميع المشاحنات بين الناس. 

ب- لكي يكون القانون مشروعا «لا بد أن يعرف على نحو كلي» لأنه إذا 
ما كان القانون سوف يطبق تطبيقا إلزاميا على كل مواطن: فلابد لكل 
مواطن أن يعرف مضمونه؛ وإلا فسوف يكون من الصعوبة القصوى أن 
تعتبر المواطنين مسؤولين أمام بنود هذا القانون «فالقانون يختص بالحرية. 
أعني بأثمن وأقدس شيء في الإنسانء والشيء الذي لابد أن يعز الإنسان 
هو: هل هناك قوة تضغط عليه أم لا» (أصول فلسفة الحق-ملحق فقرة 
215). 


210 


ج- لا يكون قانون ما مشروعا ما لم تدعمه وتنفذه سلطة عامة؛ ومهمة 
هذه السلطة أن تتحقق من أن العدالة قد أخذت مجراها في الحالات 
التي ينشب فيها بين المواطنين صراع أو ينتهك فيها القانون. 

د- لا يكون القانون مشروعا ما لم يتمثل روح الشعب كواقع تاريخي 
ويعبر عنه» أعنى مستمدا من قيمه وطموحاته وإلهاماتهء وعاداته وتقاليده, 
ونظرته العامة إلى الحياةء وتأثير وضعه الجغرافي على مزاجه 
الخ 0060 

2- الحكومة التي يدافع عنها هيجل هي حكومة القانون. ويصبح 
هذا القانون موجودا بالفعل. عن طريق الدستور الذي لا يحدد فقط 
تنظيم المجتمع؛ بل أيضا نوع المؤسسات التي تزدهر بداخلها شخصية المواطن 
النامية وتصل إلى النضج. 

ومن هنا فقد دان هيجل الاستبدادء كما دان وجهة النظر التي تقول إن 
القوة هي أساس الدولةء أو لابد أن تكون هي الأساس الذي تقوم عليه. 
الاستبداد يعني أية حالة يغيب فيها القانون. وحيث تعتبر الإرادة الجزئية 
بما هي كذلك. سواء أكانت إرادة الملك أو جماعة من الغوغاءء قانوناء أو 
أنهاء على الأصح» تحل محل القانون؛ في حين أن سيادة الدولة إنما توجد 
للحظة مثالية فى الحكومة الدستورية الشرعية؛ وهى مثالية المجالات 
الجزئيةء والوظاكت الجزئية«(فلسفة الحق فقرة 8- وقارن أيضا فقرة 
258( . 

3- يكون الدستور عقليا إذا ما عبر عن غاية الإنسان القصوى., ألا وهي 
الحرية إن غاية العتل اخطاق ان تحن الجرية بالفمل» مجن للفقرة رقم 
8). وعلى ذلك فإننا لا نستطيع أن نقبل أن يوصف الدستور بالعقلانية 
وبالتالي أن نقول إنه مشروع» ما لم يوفر شرطا كافيا لبلوغ الحرية. وباختصار 
لا يكون الدستور عقليا إلا إذا: 

أ-جسد إرادة الشعب وعبر عنها 

ب-شجع وعزز حرية المواطنين 

ج-ضمن الوحدة والانسجام بين سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة!192). 

4- ينبغي للدستور العقلي الحقيقي أن يأخذ بالمبداً الذي يقول إنه 
ينبغي على المواطن أن يقبل كموجود عاقل. أعني بوصفه شخصا. وهو بما 


24 


الطاغيه 


هو كذلك ينبغي أن يعامل كغاية في ذاتهء ولا يعامل أبدا كوسيلة. (قارن 
فكرة كانط السابقة). 

ويرى هيجل أن هذا المبدأ هو المبدأ الأساسى فى الدولة. وهذا يعنى 
اا الوا سدة أنه لانن ی كاقل الدولة العكنانها #اشخاصن. 
غير أن الشخص هو موجود ذو حقوقء ولا يستطيع أن يبلغ شخصيته ما لم 
تحترم الدول الحقوق وتصنها. 

5- المواطن عند هيجل يشارك في العملية السياسيةء أعني في صياغة 
القوانين وتنفيذها بطريقتين؟ مباشرة وغير مباشرة: 

أ-يشارك بطريقة غير مباشرة بواسطة السلطة التشريعية التي 
هي مجلس للمقاطعات أو الطبقات أو الفئات ينتخب الشعب أعضاءه. 

ب-يشارك المواطن على نحو مباشر في العملية السياسية عن طريق 
التصويت العلني» بإبداء رأيه الشخصي الخاص في المسائل المتعلقة 
بشؤون الدولة. 

تلك بإيجاز شديد» مجموعة من الأفكار الهيجلية الأساسية التي 
حاربت طغيان الحاكم واستبداده» وأرادت إقامة دولة على أساس عقلي 
متين» أما القول بأن هيجل كان ينتقد الديمقراطية؛ فالسبب في ذلك هو 
أله كان يضع کی ذه اساسا الظرية وروسو» هن الوا ول جال هتنا 
لمناقشة هذه النظرية التي تقوم في رأي هيجلء على إرادة جزئية 
تعسفية0104, 
5 - جون ستيوارت 1.511 (1856-1873) 

كان «مل» رائدا عظيما من رواد الحركة اللبرالية السياسية في إنجلترا 
دعمها من جميع جوانبها بكل ما كتب (وقد ترجمنا معظم هذه الكتب)(195) 
لهذا سوف نكتفى بأن نقف عند ثلاث أفكار هامة هى: 

-١‏ الحرية والسلطة: ا 

ناقش جون ستيورات مل العلاقة بين الحرية والسلطة بصفة عامة 
دون أن يقتصر على دراسة حرية الفرد أو سلطة الحاكم. فامتدت 
فكرته عن السلطة لتشمل بالدرجة الأولى سلطة المجتمع» ليتعرف على 
الحدود التي تقف عندها حتى لا تمس الحرية الفردية الأثيرة عنده. 


242 


ولقد استهدف من هذه الدراسة أن يؤكد مبداً واحداء هو ما يسميه «بالتحكم» 
في معاملات المجتمع لسلوك الفرد بطريق القهر والسيطرة؛ سواء أكانت 
الوسائل المستخدمة هي القوة البدنية في صورة عقوبات مشروعة أو إكراه 
أخلاقي يمارسه الرأي العام *. وهو يعرف هذا المبدأ على النحو التالي: 
«الغاية الوحيدة التي تسوغ للناسء أفرادا أو جماعات» التدخل في حرية 
الفعل. لأي عضو هي: حماية أنفسهم منه. ومعنى ذلك أن الغرض الوحيد 
الذي تستخدم فيه السلطة بطريقة مشروعة ضد الفرد هو منعه من الإضرار 
بالآخرين أو إيذاء غيره»". أما تدخل السلطةسواء أكانت سلطة الدولة 
أو المجتمع-لإجبار الفرد على عمل معين-أو الامتناع عن هذا العمل-بحجة 
أنة.سبيكون من الأفضل له أن'يفغل:ذلك: أو لأن تدخا سيجعله أفثر 
سعادة. فهو تدخل مرفوض من أساسه. لأن الجانب الوحيد من سلوك 
الفرد الذي يكون مسؤولا عنه أمام المجتمع هو ما يمس الآخرين, أما ما 
يمس صاحب السلوك نفسه» أعني استقلاله وما يتعلق بشخصه فهو حر 
وله فيه حق مطلق لا تحده حدودء فللفرد سيطرة كاملة على نفسه وعلى 
بدنه وعقله" والواقع أن «مل» يعتقد أن هناك. في المجتمع. منطقة 
خاصة بالفرد تهم الفرد وحده. ولا تؤثر إلا في نفسه فحسبء وتلك هي 
منطقة الحرية البشرية. وهي تشمل: 

أ- مجال الوعي الباطني الذي يطالب بحرية الضمير بأوسع معانيهاء 
وحرية الفكرء والشعورء والحرية المطلقة للرأي.. . الخ. 

ب- حرية التذوق والسعي وراء آهدافاء وتخطيط حياتنا على نحو 
يتناسب مع شخصيتنا وطباعناء وحرية العمل الذي نهواه. متحملين ما ينتج 
عن هذه الحريات من نتائج مادام ما نفعله لا يلحق بالآخرين أذى. 

ج- حرية اجتماع الأفراد بعضهم ببعض. وحرية الاتحاد والتعاون لتحقيق 
غرض لا يتضمن إلحاق الأذى بالآخرين: على أننا نفترضء بالطبع:؛ أن 
يكون الأغراد المجتمعون بالغين ناضجين. ولم يضطرهم أحد إلى الاجتماع 
لا بالإكراه ولا بالغش. 

والمجتمع الذي لا توجد فيه هذه الحريات؛ ولا تحترم في جملتهاء لا 
يمكن أن يكون حراء مهما كان شكل الحكومة؛ كما أنه لا يكون حرا حرية 
كاملة ما لم توجد فيه هذه الحريات» على نحو مطلق؛ وبلا تحفظ '. 


215 


الطاغيه 


وينبهنا «مل» إلى أن نظريته هذه إنما تستهدف التطبيق على الموجودات 
البشرية الناضجة في ملكاتها فحسبء ومن ثم فهو يستبعد الأطفالء 
والمراهقين والقصر الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد» وهي سن يحددها 
القانون للرجال والنساءء ذلك لأن القصر يحتاجوا إلى رعاية الآخرين, 
ولابد من حمايتهم من إيذاء أنفسهم بقدر ما نحمي الآخرين من الأضرار 
الخارحية: 

غير أن «مل» للأسف الشديد. يدخل في نطاق «القصر» ما أسماه 
بالمجتمعات المتخلفة؟«حيث يمكن اعتبار الشعب نفسه في سن 
القصور!» وهو يشرح هذه الفكرة لينتهي إلى نتيجة هي في رأينا 
بالغة الخطورة؛ يقول: 

«ولهذا فإن نظام الاستبداد مشروع كنمط من أنماط الحكم في 
حكم الهمج والبرابرة. شريطة أن تكون الغاية المنشودة هي إصلاحهم 
فالحرية؛ من حيث المبدأء لا يجوز منحها للدولة قبل أن يتهياً الناس فيهاء 
وتكون لديهم القدرة على تحسين أوضاعهم بالمناقشات الحرة على قدم 
المساواة.» 219 

غير أن هذه النتيجة التي ينتهي إليها «مل» هي؛ كما قلناء بالغة الخطأ 
والخطورة في آن معا وذلك للأسباب الآثية: ٠‏ 

أولا: ليست الحرية مما يمنح أو يمنع للانسان حسب ظروفه وأحواله 
ذلك لأن الحرية هي «ماهية الروح» كما قالع هيجل بحق: «فكما أن 
ماهية المادة هي الثقل؛ فإننا من ناحية أخرى يمكن أن نؤكد أن ماهية الروح 
هي الحريةء والناس جميعا يسلمون بأن الروح تمتلك. ضمن ما تمتلك من 
خواصء. خاصية الحرية. والفلسفة تعلمنا أن كل صفات الروح لا توجد إلا 
بواسطة الحرية» """. ومن هنا فإن تنازل الإنسان عن حريته للحاكم» أو 
لأي شخص آخرء إنما يعني أنه يتنازل عن إنسانيته» أي أنه يتنازل عن 
حقوقه وواجباته كإنسان فيما یری «روسى 112). 

ثانيا: فإذا قيل إن «مل» يقصد ممارسة الحرية لا الحرية ذاتهاء قلنا إن 
هذه الممارسة لكي تتم على نحو سليم» فإنها تحتاج إلى دربة ومران وجهد 
ووقت» صحيح أن الإنسان كثيرا ما يسيء استخدام حريته عن جهل أو 
بسبب سيطرة الغريزةء أو الميل مع الهوى.. . الخ؛ لكنه يحتاج إلى تصحيح 


211 


سه وال أن يضلم من الخطاكف ليذ غيل إن الديمقراطية الف هى 
التطبيق العملي للحرية؛ هي ممارسة بالدرجة الأولى. 

قافتا إن عبارة ذمل*السايغة التى يقول فيا نه ولا يجوز متم السرية 
للدولة قبل أن يتهياً الناس لها... الخ» تذكرنا في الحال بالمغالطة التي كان 
ينشرها بعض المستبدين كحجة يبررون بها استبدادهم عندما يقولون إن 
الناس يحتاجون إلى «فترة انتقال قبل ممارسة الديمقراطية»! فترة انتقال 
يتعلمون فيها أصول الديمقراطية وقواعدها قبل ممارستها!ء وهي مفارقة 
غريبة تشبه قول القائل: «إن عليك أن تتوقف عن قيادة السيارة حتى تتعلم 
فن القيادة الصحيح)!!. 

رابعا: في ظني أن المستعمر لن يجد حجة لاحتلال الشعوب المتخلفة 
أقوى من حجة «مل:< أن هذه الشعوب غير قادرة على أن تحكم نفسها 
بنفسهاء.وهي «قاصرة لا تغرف مصلحتهما الخاصة: وسوف ثقوم تحن 
بهذا الدور! وهي نغمة سادت الدول الاستعمارية في القرن التاسع 
عشر: 

خامسا: ما يقوله «مل» من أن هذه الشعوب: «ليس أمامها سوى 
الخضوع والطاعة لحكام مثل «أكبر» و«شارلمان» لو صادفهم الحظ 
ووجدوا حكاما مثلهماء 3"". يعيد إلى الذاكرة خرافة «المستيد العادل» 
التي ناقشناها من قبل وبينا أنها «كالدائرة المربعة» تناقض في 
الألفاظ!ء وحتى لو سلمنا جدلا بإمكان وجوده» وبأنه سيقوم «بأعمال 
جليلة» لصالح الناس» فما قيمة كل هذه الأعمال إذا ضاع الإنسان؟. 

2- حرية الفكر والمناقشة: 

يعفد هل أن حرية الشكر وا لاقف وما يمتتبعهما من حرية 
للنشر. هي إحدى ضمانات الأمن ضد حكومة الطغيان. والحكومات 
الفاسدة يصفة عامةء ولهذا فهو يذهب إلى أنه لا يجوز الحد من 
حرية الفكر والمناقشة, أو السيطرة على تعبير الناس عن آرائهم بشثى 
الصور بالغا ما بلغت الحجة التي تقال أحيانا عن فساد «رأي ما» أو 
إجماع الناس على خطئه: «فإذا انعقد إجماع البشر على رأيء وخالفه 
في هذا الرأي فرد واحدء ما كان حق البشرية في إخراس هذا 
الفردء بأعظم من حقه في إخراس البشرية:؛ إذا تهيأت له القوة التي 


245 


الطاغيه 


تمكنه من ذلك .. إن الضرر الناجم عن إسكات التعبير عن الرأيء يعني أننا 
نسرق الجنس البشري كله. نسرق الأجيال القادمة والجيل الحاضر: نسرق 
الذين يخالفون الرأي أكثر من الذين يوافقون عليه. ذلك لأن هذا الرأي؛ إن 
كان صواباء فقد حرمنا هذه الأجيال من فرصة استبدال الحق بالباطل. 
وإن كان خطأ فقد حرمناهم أيضا من نفع عظيم» وأعني به الإدراك الأكثر 
وضوحا للحقء والتمكن منه عندما يصطدم بالخطة #''. 

وهو يشرح هذه الفكرة نفسها بتفصيل أكثر على النحو التالي: 

أولا: الرأي الذي تحاول السلطة إخماده قد يكون صوابا. صحيح أن من 
يريدون إخماده ينكرون صحته؛ لكنهم غير معصومين من الخطاء وليس 
لهم الحق في حسم الأمر نيابة عن البشرية بأسرهاء وأية محاولة لإسكات 
العظمى من البشر لا يقيمون وزنا لقابليتهم للوقوع في الخطاء مع أن 
الأمثلة عليها صارخة طوال التاريخ!ء فكثيرا ما حارب الناس آراء بعينها 
لأسباب مختلفةء وأنكروا صحتها ثم اعتنقوها بعد ذلك؛ وكانوا على استعدادء 
مرة أخرىء لمحارية من ينكرها! كما هى الحال عندما دان الأثينيون سقراط 
ودان اليهود المسيح, بل دان المسيحيون أنفسهم «لوثر» و«كالفن» وغيرهما 

والواقع أن الحقيقة تربح كثيرا من أخطاء من يفكر لنفسه؛ مع الدراسة 
الجادةء وإمعان النظرء أكثر مما تستفيد من الآراء الصحيحة التى يقول بها 
أولئك الذين لم يعتنقوها إلا لأنهم لا يريدون أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير: 
إطلاق حرية التفكير هو تكوين مفكرين عظام فحسب» بل على العكس. 
أن الهدف الأكبرء وربما اللازم أكثر. هو تمكين الطبقة المتوسطة من 
الناس» من بلوغ المكانة العقلية التي تؤهلهم لها قدراتهم!؟'". 

ثانيا: إذا كان الرأي الذي أخرسناه خاطنًاء فإنه قد يكون مشتملا 
على جزء من الحقيقةء وهو ما يحدث في كثير من الأحيان. وما دام 
الرأي العام؛ أو الشائع. حول موضوع ماء قلما يشتمل على الحقيقة بأسرهاء 
كانت الطريقة الوحيدة لإبراز ما تبقى من الحقيقة هى إتاحة الفرصة 
للآراء المتعارضة لأن تتصارع؟'''. وفضلا عن ذلك كله: فكيف يجوز 


210 


لنا أن نحكم على خطأً رأي ما دون أن نعرضه للمناقشة الحرةء وللنقد 
البناءء من جميع جوانبه؟ كيف نتأكد من ذلك إذا كان هذا الرأي 
لم يعرض في الهواء الطلق؛ أو لم يخضع للفحص الدقيق؟ فإذا اتضح 
خطؤه فما الضرر الذي يعود علينا من مناقشته؟. آلا تمكننا هذه المناقشة 
من تدعيم الرأي الصواب5!. 

ثالثا: فإذا ما افترضنا أن الرأي الشائع الذي قبلناه لفترة طويلة 
ماضية؛ لم يكن صوابا فحسب. وإنما يشتمل على الحقيقة كلهاء فإنه ما لم 
يتعرض لناقشة قوية وجادة. فسوف يتحول عند معظم المؤّمنين به إلى 
اعتقاد راسخ» بل ميت» بطريقة مبتسرةء دون أن يفهم أحد أسسه العقلية 
التي يرتكز عليها. 

رابعا: وليس ذلك فحسب. بل إن هذا الرأي الشائع الذي اعتبرناه 
صواباء يصبح هو نفسه في خطر الضياع» أو الضعف. ويحرم من 
التأثير الحيوي على الأخلاق والسلوك. ويتحول» بمضي الزمن» إلى اعتقاد 
شكلي لا يؤدي إلى شيء طيبء ولا يرجى من ورائه أي خير أو نفع؛ بل 
إنه ليرتطم بالقاع فيمنع نمو أي اقتناع حقيقي مخلصء يمكن أن يأتي 
به العقل: أو التجرية الث خب ة2" , 

3- طغيان الأغلبية: 

كان المفكر الفرنسى الكسى دې توكفيل )805| -Alexis dwe Tocqueville‏ 
69 ول هن نيه الأذمان إلى طعياق الأغلبية:وذلك هى كتايد الها 
«الديمقراطية في أمريكا» الذي صدر الجزء الأول منه عام ۱835ء والثاني 
عام ۱840ء فهو يرى أن من أهم مشكلات المجتمع الديمقراطي التي تشكل 
تهديدا خطيرا للحريةء هذا الطابع الدكتاتوري والاستبدادي للأغلبية. وللرأي 
العام» الذي ينعكس على حرية الفرد . ولقد تأثر «مل» بهذه الفكرة تأثرا 
ظاهرا اعترف به هو نفسه. ومن ثم فمن الضروري أن نقف قليلا عن فكرة 
«توكفيل» قبل أن نعرض لرأي «مل». 

يعتقد «توكفيل» أنه لابد أن تكون هناك باستمرار في كل مجتمع قوة أو 
سلطة تسود الجميع وتحكم أعضاء هذا المجتمع؛ «لكني أعتقد أن الحرية 
تتعرض للخطر ما لم تشكم هذه السلطة قيود تعطل انطلاقها أو تجبرها 
على أن تخفف مما تمارسه من عنف» ''. ذلك لأن السلطة التي لا حد 


247 


الطاغيه 


لهاء ولا قيود عليهاء هي بطبيعتها سيئة؛ بل إنها تشكل منزلقا خطرا لا 
تؤمن عواقبه»؟ لأن البشر غير مؤهلين لاستخدام السلطة بحرص وحذرء 
إن الله وحده هو القادر على كل شيء صاحب السلطة المطلقة؛ لكنه بحكمته 
وعدالته قادرء دائماء على ممارسة سلطته بقدر من المساواةء في حين أنه لا 
توجد سلطة على الأرض تستحق التكريم لذاتهاء أو تستوجب الطاعة لما 
تمثله من حقوق» بحيث أوافق على أن يكون لها سلطان شامل بغير ضابط. 
إنني عندما أرى حق الحكم المطلق يمنح للناسء أو للملك. للأرستقراطية أو 
الديمقراطية؛ لحكم الفرد أو حكم الجمهورء لا أستطيع أن أمنع نفسي من 
أن ألمح بذور الطغيان» وأجدني أرحل قدما إلى بلاد لديها مؤسسات فيها 
يارقة آمل.» 019 

ثم يطبق «توكفيل» هذه الفكرة على الديمقراطية في أمريكا على نحو 
ما شاهده بنفسه: «إننى أعتقد أن الشر الأكبر فى المؤسسات الديمقراطية 
الحالية في الولايات المتحدة لا ينشاً من عت لاد المؤسسات؛ بل من 
المغالاة في قوتهاء ولست أنزعج من الإفراط في الحرية التي تسؤ هذه 
البلادء قدر انزعاجي من عدم كفاية الضمانات الموجودة ضد الطغيان..'. 

ويسوق «توكفيل» أمثلة لما يقول: 

«عندما يلحق الأذى بفردء أو بحزب فإلى من يتجه بالشكوى لرفع هذا 
الأذىة. إنه إذا ما اتجه إلى الرأي العام وجد أن هذا الرأي العام يشكل 
الأغلبية. وإذا ما اتجه إلى الهيئة التشريعيةء وجد أنها تمثل الأغلبية, 
وتطيع أوامرها طاعة تامة. وإذا ما اتجه إلى السلطة التنفيذيةء وجد أنها 
معينة من قبل الأغلبية لتكون أداة طيعة في خدمتها . وإذا ما اتجه إلى قوى 
الأمن العام وجد أنها هي الأغلبية شاكية السا وإذا ما اتجه إلى المحلفين, 
وجد أنهم الأغلبيةء وقد منحت حق الفصل في القضايا القانونية. بل إن 
القضاة أنفسهم تنتخبهم الأغلبية في بعض الولايات. فمهما كان الشر 
الذي يصيبك جائرا أو غير معقولء. فإن عليك أن تذعن له قدر 
استطاعتف 2 . 

هذه الكلمات التي تدق ناقوس الخطرء. وقف «مل» يتأملها طويلاء ثم 
راح يدعمها بكل ما تاع هن قدة في دراسته الممتعة عن «الحرية»؟ «فقد 
أصبحت فكرة طغيان الأغلبية تندرج الآن بين الموضوعات السياسية النظرية 


2418 


بوصفها شرا ينبغي على المجتمع أن يحترس منه”'. 

ويعتقد «مل» أن طغيان الأغلبية كان ينظر إليه برعب» في البدايةء شأنه 
شأن ألوان الطغيان الأخرىء وإن كانت هذه النظرة جعلته يقتصر على 
السلطات العامةء غير أن المفكرين أدركوا أنه عندما يتحول المجتمع نفسه 
ليصبح طاغيةء أعني المجتمع بأسره ضد أعضائه الذين يؤلفونه فرادى 
فإن وسائل طغيانه لا تتحصر فيما قد يقوم به من أعمال على أيدي الموظفين 
الرسميين: «ومن ثم فلا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم» وإنما ينبغي 
حمايته أيضا من طغيان الرأي العام والشعور السائد أو حمايته من ميل 
المجتمع إلى أن يفرض إرادته وأفكاره على الأفراد الذين يرفضونها . كذلك 
ينبغي حماية الفرد من محاولة إعاقة نموه؛ ومنع تكوين شخصيته الفردية 
التي لا تتسجم مع طرائق المجتمع؛ إجبار جميع الشخصيات على أن تكيف 
نفسها مع النموذج الذي يعده المجتمى»”'. ويرى «مل» أن هناك حدا 
للتدخل المشروع الذي يقوم به الرأي العام في استقلال الفرد. ومن هنا 
كانت المشكلة في العثور على هذا الحدء والمحافظة على الوقوف عنده, 
حتى تخلق الظروف المناسبة للعمل الإنسانيء ونحميه في الوقت ذاته من 
طفيان الكقابية اند عقر ما کال کی سطرة ای اا 

وهكذاء تتمثل المشكلة في هذا السؤال العملي: أين نضع هذا الحد 
الذي يقف عنده الرأي العام لتدخله في شؤون الفرد واستقلاله5. وهو 
«أعظم سؤال في المسائل الإنسانية على حد تعبير «مل» ™”'. والإجابة 
شديدة الوک لم يسرة افر کی حلي تقوم ودک ی راسمب ان افاس 
تضع قواعد تبدو لهم واضحة بذاتها ولا تحتاج إلى تبريرء وذلك مثل واحد 
على تأثير العادات الاجتماعية وسحرها اللذين يمنعانهم من الشك» أدنى 
شك» في احترام قواعد السلوك التي يفرضها بعضهم على بعض. 

غير أن «مل» يحاول في صفحات طويلة البحث عن «هذا الحد» إلى أن 
يعرفه بأنه «منع الفرد من الإضرار بالآخرين أو إلحاق الأذى بغيره» فيما 
عدا ذلك لا يجوز للمجتمع أن يتدخل في شؤون الفرد واستقلاله وممارسته 
لحريته؛ أما إذا كان سلوك الفرد موّذيا لنفسه «فقد تكون هناك مبررات 
قوية للاعتراض أو الاحتجاج على سلوكه» أو مناقشته» أو مجادلته أو 
إقناعه أو استعطافه أو التوسل إليه. لكنها لا تبرر إكراهه أو إجباره أو 


210 


الطاغيه 


تهديده؛ أو إيقاع الضرر به إن هو رفض تغيير سلوكه 9" . 

والواقع أن الحياة في المجتمع تحتم على كل فرد أن يراعي خطا معينا 
من السلوك نحو بقية الأعضاءء ويعتمد هذا السلوك على ما يلي: 

أولا: على كل فرد أن يراعي عدم الإضرار بمصالح الآخرين, أو على 
الأقل تلك المصالح التي تعتبر حقوقاء إما بنص القانون أو بالفهم 
الضمني. 

ثانيا: على كل فرد أن يتحمل نصيبه (وهو نصيب يحدده مبداً 
عادل منصف) في الأعباء التي يفرضها الدفاع عن المجتمع 
والتضحيات التي تتطلبها حماية أعضائه من الأذى والتحرش به. 

ومن حق المجتمع أن يفرض هذين الشرطين على أعضائه بالغا ما 
بلغت محاولاتهم للتملص منهما. ومتى أضر أي جزء من سلوك الفرد 
بمصالح الآخرين حق للمجتمع أن يتدخل لمنعه. لكن لا مجال لهذا 
التدخل إذا كانت تصرفات الفرد لا تمس مصالح شخص آخر غير 
مضالحة هو الخامة 020 

أما إذا كانت تصرفات الفرد الخاصة سيكة فيما يمس مضالحه 
هوء أو إذا كان فظا قليل الكياسة: فإن لنا الحق في استهجان هذه 
التصرفات,ء لكن ليس إلى الحد الاق ماتا تتفي فح هه 
الفردية. فلسنا مضطرين إلى مصاحبته» بل لنا الحق في تجنبه. 
ومن حقنا أيضا أن نحذر الآخرين منهء «فكل من يظهر بمظهر الطيش أو 
العنادء أو الغرور, وكل من لا يستطيع الحياة بوسائل معتدلة, ومن لا يستطيع 
كبح جماح نفسه من الانفماس في ملذات ضارة ومؤذيةء وكل من يجري 
وراء اللذات الحيوانية. على حساب المتع الوجدانية والعقلية؛ لابد أن يتوقع 
أن ينظر إليه الآخرون على انه في مرتبة منحطة؛ وأن يكون نصيبه ضئيلا 
في المشاركة في مشاعرهم النبيلة: وليس له حق الشكوى أو التذمر من 
ذلك.. وذلك هو الجزاء الوحيد الذي يمكن لهذا الشخص أن يناله من جراء 
تصرفاته الذاتية التي تمس مصالح الآخرين في علاقاتهم به (28). 

تلك كانت بعض الأفكار الهامة التى أغنى بها «مل» الحركة اللبرالية 
بصفة عامة؛ والفكر الديمقراطي نعردة اا ورا القن جل کید 
من الفلاسفة النظام الديمقراطي من هذه الزاوية أو تلك. لكن ذلك لم 


يكن إلا لحرصه الشديد على الحرية البشرية التي كان يعتقد أنها أثمن 
كسب حققه الإنسان في رحلته الطويلة على الأرض. فإذا كان التاريخ هو 
تحقق الروح» كما يقول هيجلء وإذا كانت ماهية بدادريج في لحري كان 
معنى ذلك إن تقدم التاريخ يعني تقدما في تحقيق الحريةء اوا 
بهذه الحرية التي تحققت. فالشعوب التقدمة هي الشعوب التي تشعر 
بنفسها حرة. وتتمسك بهذه الحرية فتنتج علماء وفناء وفلسفة. 

الإنسان هو الحرية, أو هو مقدار ما يتمتع بهاء كما عبر سارتر في 
صيغة وجودية خالصة: «لست السيد» ولست العبدء ولكني آنا الحرية التي 


أتمتع بها!». 


الطاغيه 
خائهه 


وقفنا عند إسهامات مختلفة دعم بها الفلاسفة مسيرة الديمقراطية, 
دون أن يكون هناك اتفاق تم فيما بينهم على ذلك» بل ريما دون أن يقصدوا 
دعمها على نحو مباشر لكنهم بإعلائهم لقيمة الإنسان: ودفاعهم عن كرامته. 
وضرورة معاملته كفاية لا وسيلةء أي كموجود ذي قيمة في ذاته» وليس 
مجرد أداة لإشباع رغبات الآخرين: سواء أكانوا حكاما أو مواطنين عاديين. 
كذلك بإدراكهم أن ماهية الإنسان هي الحرية؛ وأنه ينحط إلى مرتبة الحيوان 
والجماد إذا سلبت منه هذه الحرية. وإعلانهم أن أي تنظيم سياسي إنما 
يقوم على اتفاق بين الناس ورضاهم» وقبولهم له. وإنه لا يجوز أن يفرض 
عليهم بالغا ما بلغ سمو السلطة التي لفرضه.. الخ. ذلك كله كان دعما 
لمسيرة الديمقراطية في الغرب. وفرارا من نظم الطغيان التي كافحت بين 
الحين والحين لتطل برأسها من جديدء مرة في صورة الحكم الفاشي 
(الإيطالي والألماني معا) الذي رفع شعارا هو «نقاء الدم أعلى من العقل 
والحقيقة». وهذا النقاء يتجسد في بطل أو«زعيم» «يقود الأمة. ويحقق 
أهدافها وآمالها ويخلصها مما تعانيه من ذل سياسيء كما حدث في إيطاليا 
و لاا سد العوي إتعالية الأطواء ا ا 

ومرة أخرى في صورة الحكم الشمولي الذي طبقه الاتحاد السوفييتي 
المنحل بالحديد والنارء لكنها كلها أنظمة فاسدة تقتل الإنسان وتحيله إلى 
هيكل بلا نخاع!. لهذا اندحرت وتوارت في خجلء في الوقت الذي واصلت 
فيه الديمقراطية مسيرتها الظافرة: تمكن لنفسها في الأرضء. كتجربة 
إنسانية وحيدة وأساسية يحكم بها الإنسان أكدية يفص لنفسه. وتصحح 
أخطاءهاء وتعالج ما يظهر أمامها من مشكلات» وتتنوع أشكالها وصورهاء 
وتتعدد ألوانها واتجاهاتهاء وتختلف تطبيقاتها من بلد إلى بلدء لكن يبقى 
الأساس واحدا: «أن يحكم الشعب نفسه». وأن يكون هو وحده مصدر 
السلطات» وتكون الحرية والعدالة والمساواة مكفولة للجميع بغير تمييز في 
اللون أو الجنس أو الدين: 


هوامش الفصل الثامن 


)١(‏ يرى أرسطو أن حزب آهل الساحل أو الشاطيئ كانوا يميلون إلى الاعتدال؛ أما حزب آهل 
السهل» فقد كان يريد إقامة حكومة أقلية. أما الحزب الثالث-حزب آهل الجيل بزعامة 
«بيزستراتوص». فقد كان يبدي حماسا للحكم الديمقراطي انظر المجلد الثاني من مجموعة 
مؤلفاته؟ 8 . ,1701.2 Aristotle, The Complete Works,‏ 
(2)Andrewes. Greek Tyrants, P. 101.‏ 
(3) يرى أرسطو أنه هو الذي طعن نفسه لكي يقنع الناس بإعطائه حرسا خاصا! انظر دستور 
الأثينيين رقم 14- ومجموعة المؤلفات السابقة: المجلد الثاني ص 2349. 
وانظر آيضا آرسطو Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers Vol.I, P. 51 Trants by R. ٥5‏ .)4( 
Hicks‏ .المرجع السابق 
(5)Diogenes Laertius: Ibid, P. 55-53.‏ 
(6)Ibid, P. 69-67.‏ 
(7) أما أرسطو فهو يقول في «دستور الأثينيين» إنها طريقة في غاية السذاجة ويصف المرأة بأنها 
ممشوقة القوام جميلة كانت تعمل بائعة زهور في تراقيا وأنها كانت تقف إلى جانب الطاغية في 
مركبته وهو يدخل المدينة! انظر دستور الأثينيين رقم 14- مجموعة مؤلفاتهء المجلد الثاني ص 
9. 
(80)A.Andrewes: Op. Cit. P101.‏ 
(9) أندروز: «طغاة الإغريق» ص ١21-١14‏ وأرسطو «دستور الأثينيين» رقم ١8‏ المجلد الثاني ص 
2- وانظر أيضا د. محمد كامل عياد: «تاريخ اليونان» الجزء الأول ص 240- 245: دار الفكر 
دمشق ۱985 . 
(10) أرسطو: «دستور الأثينيين» رقم 22 المجلد الثاني ص 2355-2354 . 
(I1)‏ المرجع السابق. 
(12) كما حدث في كثير من بلدان العالم الثالث والأمثلة كثيرة: نكروما في غانا وسوكارنو في 
إندونيسياء وعيد الناصر في مصر... الخ قارن مثلا : of Modern Thought P. 77)Fo ta7‏ 101 
Pres)‏ 
Encyclopedia Britannica Vol. 8 P. 1037(art, Ostracism)‏ )13( 
(14) يمكن أن نقول إن ما فعله الشعب الإنجليزي. عندما خذل «ونستون تشرشل» بعد قيادته 
الحكيمة له وانتصاراته الهائلة في الحرب العالمية الثانية؛ وما فعله الشعب الفرنسي من خذلان 
مماثل ل «شارل ديجول» هو صورة حديثة «تعبر عن هذا الجانب السلبي من حماية الشعب لنفسه» 
وخوفه من أن يتحول القائد الظافر إلى طاغية! ۰ 
Aristotle, Politics, 1274- B )١5(‏ » وقد فصانا ذلك في بحثنا «مسيرة الديمقراطية .. رؤية فلسفية» 
عالم الفكر مجلد 2ء عدد.2 
(16) وهو واضح أيضا من كراهية أفلاطون وأرسطو للنظام الديمقراطي؛ فأفلاطون يفهم هذا 
النظام على أنه «حكم الغوغاء والدهماء ومن على شاكلتهم». وآرسطو يفهم الشعب في الحكم 


الطاغيه 


الديمقراطي بأنه حكم جمهرة المواطنين الفقراء!. ويبدو أن كلمة كمس اليونانية التي تعني 
الشعب كانت تحتمل هذا المعنى!! 
(17) د. محمود عاطف اليناء «الوسيط في النظم السياسية» ص 169-168: ط | عام 8 دار 
الفكر العرب بالقاهرة. 
(18) انظر بحثا لنا بعنوان «مسيرة الديمقراطية.. . رؤية فلسفية» في مجلة عالم الفكر بالكويت, 
فقد عرضنا فيه هذه المراحل بشيء من التفصيل. (تحت الطبع). 
(19) انظر دراسة لوضع المرأة في المجتمع اليوناني في كتابنا «أفلاطون والمرأة» لاسيما الياب 
الأول. 
(20) قارن إمام عبد الفتاح إمام: «توماس هوبز: فيلسوف العقلانية» ص 69-68 دار التنوير بيروت 
عام 85 . 
)21 المرجع السايق ص 70. 
(22) قد تكون فكرة العقد نفسها قديمة من الناحية التاريخية. لكن ظهورها على هذا النحو في 
القرن السابع عشر أوجد أساسا آخر لتفسير السلطة غير التفسير الديني-وذلك هو الأساس 
الذي أقيمت عليه الديمقراطية فيما بعد. 
In Encyclopedia of Philosophy Vol. 7 2. 466 Poter Laslett: Social Contrat‏ .)23( 
(24) د. زكي نجيب محمود «حياة الفكر في العالم الجديد» ص 4! دار الشروق بالقاهرة 
(25) جون لوك :«في الحكم المدني» ص ۱0 ترجمة د . ماجد فخريء اللجنة الدولية لترجمة الروائع 
بيروت عام 9 . 
)26( المرجع نفسه ص |[ 
)27( المرجع نفسه. 
(28) جون لوك: «في الحكم المدني» ص 44 و ص 57 وأماكن متفرقة من ترجمة د. ماجد فخري. 
)29( «أكرم أباك وآمك. كما أوصاك الرب إلهك لكي تطول أيامك».. سفر التثنية: الإصحاح 
الخاص آية ٠6‏ . 
)30( المرجع نفسه. 
Robert A. Goldwin: Jhone Lock in History of Political philosophy Lee Strauss. p 476. Ed by‏ .)31( 
(32)Ibid. p. 477.‏ 
)33( روبرت م. ماكيفر «تكوين الدولة» ص 232 ترجمة د . حسن صعب-دار العلم للملايين. 
(34)Robert Goldwin: Op. Cit. P. 478.‏ 
Ibid.‏ )35( 
Ibid‏ .)36( 
(37)Ibid, P. 7- 486.‏ 
(38) اقتبسه جورج سباين «تطور الفكر السياسي» الكتاب الرابع ص 736 ترجمة علي إبراهيم 
السيد ومراجعة راشد البراوي-دار المعارف بمصر. 
)39( المرجع السابق ص 740. 
)40( الدكتور مهدي محفوظ :«اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث» ص ۱۱5-1۱4 المؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع عام 90 . 
(41) مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الأول ص 349 ترجمة عادل زعيتر دار المعارف بمصر 


251 


عام953ا 5 
(42) المرجع السابق ص 350. 
(43) المصدر نفسه. 
(44) المصدر نفسه. 
(45) المرجع نفسه ص ا35. 
(46) المرجع نفسه. 
(47) المرجع نفسه ص 354. 
(48) اختفت كلمة «الطاغية» أو «الطغيان» من قاموس المصطلحات السياسية الحديثة: فلم تعد 
تستخدم إلا نادرا لا سيما إذا كان الحديث عن الأنظمة القديمة أو عن «الطغيان في الشرق»! 
(49) مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الأول ص 31 من ترجمة عادل زعيتر السالفة الذكر. 
(50) مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الأول ص 56. 
(51) المرجع نفسه. 
(52) المرجع السابق ص 91 
(53) مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الأول ص ا9. 
(54) د. عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة؛ الجزء الثاني ص 491-489 المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر بيروت عام 1984.. . 
(55) «روح الشرائع» المجلد الأول ص 99. 
(56) المرجع نفسه ص 93. 
(57) المرجع نفسه ص 94. 
(58) المرجع السابق نفسه. 
(59) «روح الشرائع» المجلد الأول ص 97. 
(60) المرجع نفسه ص 100. 
(/6) المرجع نفسه ص 102. 
(62) فرض أفلاطون في «محاورة القوانين» عقوبة الإعدام على من يقبلون هدايا ليقوموا بواجبهم! 
وكأنه كان يعتبرها «رشوة» كما نقول الآن! 
(63) روح الشرائع المجلد الأول ص 103. 
(64) الدكتور مهدي محفوظ «اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث» ص ١١2‏ . 
(65) «روح الشرائع» المجلد الأول ص 229-228. 0 
(66) المرجع نفسه ص 230-229. 
(67)J.J.Rousseau: the social Contrat, 2. 49 Eng. Trants by Maurisce Cranston, Pen. guin Book‏ 
Ibid., P. 51.‏ )68( 
Ibid., P. 53.‏ )69( 
(70)Ibid, P. 52.‏ 
(71)J.J. Rousseau: Op. Cit. P 54.‏ 
(72)Ibid, P...55.‏ 
Ibid‏ )73( 
(74)Ibid, P 58.‏ 


الطاغيه 


)75( د. مهدي محفوظ «اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث» ص 47! المؤسسة الجامعة 
للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت عام 0 . 
(76)J.J.Rousseau, op. Ci, 2. 21.‏ 
Ibid, P‏ .62 .)77( 
(78) اقتبسه جورج سباين في كتابه «تطور الفكر السياسي» الكتاب الرابع ص ا78. 
J.J.Rousseau, op. Cit. 2. 153-4 (79)‏ 
)3(80 || .م J.J.Rousseau, op. cit.‏ 
)81( د. مهدي محفوظ «اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث» ص 49| . 
J.J.Rousseau, op. cit. p .32 (82)‏ 
(83)Ibid‏ 
(84)-Charles Vere Ker: The development of Political Theory, P.203, Hutchinson Uni. versity Library‏ 
(85) اقتبسه إميل بوترو في كتابه «فلسفة كانط»ص 300 ترجمة د . عثمان أمين؛ الهيئة المصرية 
العامة للكتاب. القاهرة غا 2. 
(86) كانط: «تأسيس ميتافزيقا الآأخلاق» ص 6١‏ ترجمة د . عبد الغفار مکاوي» الدار القومية 
بالقاهرة عام 65 . 
(87) آ. كانط «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» ص 73. 
(88) إميل بترو: المرجع السابق؛ ص 317. 
(89) كانط «تأسيس». ص ا8. 
(90) د . عبد الرحمن بدوي «إمانويل كانط: فلسفة القانون والسياسة ص 32. وكالة المطبوعات 
بالكويت عام 979 
(91) صفحات خالدة من الآدب الآلماني؛ ص ا8 ترجمة د. مصطفى ماهر دار صادر بيروت عام 
0. 
(92) ترجمها الدكتور مصطفى ماهر في كتابه السالف الذكر, كما ترجمها الدكتور عبد الغفار 
مكاوي في الكتاب التذكاري الذي أصدرته جامعة الكويت عن الدكتور زكي نجيب محمود . 
)93( المرجع السايق في نفس الصفحة. 
)94( المرجع السابق ص 79. 
(95) قارن: د . محمود سيد أحمد : «دراسات فى فلسفة كانط السياسية» ص 45 دار الثقافة للنشر 
والتوزيع بالقاهرة عام 8. 
(96) د . عبد الرحمن بدوي: المرجع السابق ص 32. 
(97) د. محمود سيد أحمدء المرجع السابق» ص 49- 50. 
(98) اقتبسه د. محمود سيد أحمد في كتابه السابق ص ا5 
Charles Vereker: op. Cit. P. 204.‏ )99( 
(100) انظر مناقشة مستفيضة لهذه الآراء فى كتاب «هيجل.. . والديمقراطية» ص 27-19 تأليف 
ميشيل متياس ترجمة إمام عيد الفتاح إمام داق الحداثة بيروت 1990. 
(101) أصول فلسفة الحق ص 54 ترجمة د. إمام عيد الفتاح إمام دار التنوير بيروت 1983. 
(102) هيجل والديمقراطية ص 216-214. 
)103( المرجع نفسه ص 50-49 


250 


(104) قارن مناقشة هذه النظرية وانتقادات هيجل في كتاب «هيجل.. والديمقراطية». السالف 
الذكر ص 67 وما بعدها. 
(105) ترجمنا له بالاشتراك مع الزميل الدكتور ميشيل متياس كتابه «مذهب المنفعة العامة» وكتابه 
عن الحرية «في كتاب يصدر المجلد الأول منه قريبا بعنوان «أسس اللبرالية السياسية» على أن 
يشمل المجلد الثانى «الحكم النيابى» و«استعياد النساء». 
(106) «مل» لخر صن 4 -وقد 7 الكتاب عدة مرات» وسوف نشير إلى الطبعة التي قام على 
نشرها. 
Saxe Com. Man and the State: The Political philosopers p. 135- 261, Pocket Library, 1954.‏ 
Ibid‏ )107( 
(108)Ibid. 145,‏ 
(109) كان «مل» على وعي كامل بأن هناك مجموعة كبيرة من الأعمال الإيجابية التي تتم لصالح 
الآخرينء ولابد من إجبار الفرد على القيام بها-وذلك مثل: الإدلاء بالشهادة أمام المحاكم أو 
الالتحاق بالجيش للدفاع عن الوطن: وغير ذلك من الأعمال الجماعية. والخيرية: التي من شأنها 
تحقيق صالح المجتمع قارن مثلا كتابه السابق ص 148-147 . 
.143 .م (110)Ibid,‏ 
(۱۱۱) هيجل «العقل في التاريخ» ص 86 ترجمة د. إمام عيد الفتاح الطبعة الثالثة دار التنوير 
بيروت عام 3. 
(112)J.J.Rousseau: the Social Contrat, p. 58 Penguin Book‏ 
(113)J.S.Mill: on Liberty, P.145.‏ 
4)Ibid, P.151.‏ 
5)Ibid, P.189.‏ 
6)Ibid, P.180.‏ 


کر ص 
ص ا زر 


(117)A lexis عل‎ Toqueville «Democracy in America» Trants by reev in: Great Political Thinkers: by 

William Ebenstein, P.536. Oxford.1966, 

(118)Ibid 

(119)Ibid, P. 536. 

(120)Ibid, P. 537. 

(121). Ibid 

(122)J. S. Mill: on Liberty, P.138. 

(123)Ibid, P. 139. 

(124) المرجع السابق؛ ص 139- وقارن: د . زكي نجيب محمود «أهو شرك من نوع جديد؟» في كتابه 
«رؤية إسلامية» ص 357 دار الشروق بالقاهرة عام 7 . 





(125)Ibid, P. 139. 
(126)Ibid, P. 144. 
(127)Ibid, P. 215. 


(128)Ibid, P. 218. 


257 


«السيد تام + 
كيف أصدق أن الهرم الرابع 
مات؟ 

القائد لم يذهب أبدا .. 

بل دخل الغرفة كي يرتاح..!» 


نزار قباني 


الطغبان الشرقي 


أولا: ظاهرة .. و تفسير ها 

رأينا طوال هذا البحث كيف كان تاريخنا كله 
يحكمه الطغاة من أقدم العصور إلى عصرنا 
حتى أصبحت لفظتا«الشرق» و«الطغيان» 
مترادفتين:ء أو كالمترادفتين. فهما تصادفانك 
متجاورتين متلاصقتين في جميع الكتابات 
السياسية. صحيح أن أمما كثيرة غيرنا حكمها 
طغاة» منك أقدم العصور أيضاء كما كانت الحال 
في اليونان القديمة. على سبيل المثال» حتى كان 
هناك عصر أطلق عليه المؤرخون اسم «عصر طغاة 
اليونان» ويؤرخون له منذ اعتلاء «كبسيلوس 
ونااء5» طاغية كورنثه الشهير عام 650 ق. م. 
وينتهى بطرد أبناء الطاغية بيزستراتوس د5دنهمادزوءم 
من أثينا عام 515 ق. م. أي ما يقرب من قرن ونصف 
وقعت فيها المدن اليونانية تحت سيطرة حفنة من 
الطغاة: «غير أن الملاحظ المدفقق يحجد أن نظام 
الحكم المطلق في الشرق أكثر شمولا وأشد ظلما 
من نظيره في الغرب» 

وهكذا يظهر الاستبداد الشرقى على أنه الصورة 
الأشد قسوة للسلطة المطلقة» (). ولقد سبق أن 


2256# 


الطاغيه 


بعد أن غزا الشرق طلب من اليونانيين أن يسجدوا له كما يفعل الفرس 
معهء وكما كانوا يفعلون مع حكامهم من قبل ورأينا أيضا كيف كان فرعون 
الإله. أو ابن الإله, هو باعث الحركة. والنشاطء والقوة والحيوية والصحة لا 
حدث انتعاش في كل شيء. فيرتفع منسوب المياه في مجرى النيلء ويرتوي 
الزرع والضرع» وتعم البهجة جميع الكائثنات. حتى تنتشي النباتات وتزدهر 
الطبيعة بأسرها. أما إذا مات اضطربت ظواهرهاء واختل نظام الكون, 
واحتجبت الشمس وكف المطر! بل قد تؤدي وفاته إلى انهيار الناس» ونظام 
الحكم, والإميراطورية بأسرها! ولم تكن هذه الظاهرة الغريبة التى تربط 
بين قوة الحاكم وجبروته من ناحية. وحيوية الشعب» ومسار الطبيعة ذاتها 
من ناحية أخرى؛ مقتصرة على مصر وحدهاء وإنما وجدت في بلدان وشعوب 
مثا فى العضير الاس( 2. 

ومن الطبيعي ألا نجد مثل هذا الارتباط بين شخصية الحاكم ومسار 
الطبيعة؛ أو التوحيد بينه وبين الناس في هوية واحدة:؛ إلا في نظام الطغيان 
وحده» فيستحيل أن ينهار الناس أو يسقط الحكم» عندما يموت الحاكم في 
دولة ديمقراطيةء بالغا ما بلغ حبهم له أو تعلقهم به (فقد حدٿ» متلا أن 
حزن الأمريكيون بعد أن اغتيل كندي بغتةء لكنهم لم ينهاروا. كما حدث أن 
أسقط الإنجليز تشرشل رغم احترامهم وتقديرهم له؛ وفعل الفرنسيون 
سياسته. هو نقد وهجوم على البلد بأسره لأنه هو البلد. الحرية له وحده 
والنقد يصدر من جانبه فحسب, ولا يجوز لأحد غيره أن يجرؤ على ممارسته. 
تنفسء ولا تعمل خلاياهم إلا بأمره؛ إنه يملأ كل ذرة غبار في الجو من 
حولهم فهو «الزعيم الأوحد ا و«الرئيس المخلص» و«ميعوث العناية الإلهية» 
و«القائد والمعلم» والملهم الذي يأمر فينصاع الجميع لآمره. وهو يعبر عن 


260 


الطغيان الشرقى 


بعد وأنى للقاصر أن يعرف الصواب من الخطاء أو أن يفرق بين الحق 
والباطل! 

وانبعثت هذه الظاهرة الغريبةء التوحيد بين الحاكم والشعب» ليصبح 
«الكل في واحد» في الليلة التي مات فيها عبد الناصر 28 سبتمبر 970٠ء‏ 
عندما ذهل العالم لذلك الذي صنعه العرب على امتداد أقطارهم. ولا 
سيما ما فعله المصريون من بكاء وعويل على نحو هستيري» «وعاشت الأمة 
العربية. ومصر بالذات, ثلاثة أيام كئيبة» ‏ ثم كانت الجنازة التي سار فيها 
ملايين البشرء يبكون ويصرخون ويلطمون الخدود ... الخ». ومن وجهة النظر 
الغربية فإن ما جرى في أسبوع وفاة عبد الناصر بدا غير مفهوم على 
الإطلاق لدى العقل الأوروبي» إذ كان صعبا على قوم تخضع حياتهم لعمليات 
حسابية ضئيلةء أن يفهموا تلك الحالة من الاكتئاب الجماعي التي بدت لهم 
كوباء انتشر خلال ساعات معدودة» فاستسلم الناس له. بحيث فقدوا القدرة 
على تمييز ما يفعلون؛ فغاب عقلهم الواعيء وتركوا قيادتهم لمجموعة من 
الانفعالات الحادة. ولأن صورة عبد الناصر في المنظور الغربي الاستعماري. 
بل وقي منظور آخرين ممن يعادون هذا الغرب الاستعماري» كانت صورة 
دكتاتور وطاغية يحتقر الشعب بقسميه: الواعي وغير الواعي. المتكلم 
والصامت. المشترك والصابرء فيعامل الأولين بالمعتقالات والسجون؛ ووسائل 
القهر والتعذيب» كتعبير عن ازدرائه لإرادتهم. ويخضع الآخرين لعمليات 
غسل مخ عنيفةء تحول بينهم وبين الوعي بمصالحهم. فقد كان طبيعيا عند 
تطبيق المحكات العقلانية الأوروبية أن يفرح المصريون لموت الطاغية الذي 
احتقرهم وعذبهم وامتهن إرادتهم. أو أن يكتفوا بالترحم عليه انصياعا 
للمشاعر الدينية التي تؤثم الشماتة في الموت» فإذا حتم الأمر بعض المبالغة, 
فليكن الدمع قليلا . أما أن تنتشر تلك الحالة العنيفة من «الاكتئاب الجماعي» 
فإن الأمر يصبح عسيرا على الفهم ). 

ولقد عكف المفكرون. والكتاب على تحليل هذه الظاهرة الغريبة في 
محاولة لإيجاد تفسير لهاء وظهرت بالفعل عدة تفسيرات مختلفةء كان 
أضعفها القول إن مواكب الدموع العربيةء عامة-والمصرية بصفة خاصة- 
التى ودعت عبد الناصرء كانت تقديرا لإيجابيات الرجل» وخاصة سياسته 
العادية للاستعمارء وإنجازاته الاجتماعية المتقدمة.. . الخ. 


20 


الطاغيه 


|- إن هذه الظاهرة نفسها تكررت في يومي 9 و 10 يونيو عام 1967 بعد 
هزيمة بشعة لم يكن فيها شيء من «الإنجاز» بقدر ما كان الدمار والانهيار 
كاسحا؟ فقد خرج الناس في الشوارع يطالبون عبد الناصر بالبقاء في 
منصبه وألا يتنحى! وذلك: 

أ- بعد أن أضاع خمس الأراضي المصرية. 

ب- وبعد أن أضاع ما كان بيد العرب من الأراضي الفلسطينية إلى 
الضفة الغربية وغزة حيث التهمتها إسرائيل؛ وأصبح غاية المنى والأمل عند 
العرب اليوم أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل 1967- أي قبل أن تضيع 
غزة والضفة والجولان-وهو حلم عسير المنال. 

ج- وبعد قتل آلاف من المصريين والعرب» وإصابة وتشويه وفقدان آلاف 
غيرهم» في مسرحية تافهة لم تدر فيها معركة حقيقية واحدة. 

د- الأخطر من ذلك كله تحطيم نفسية الإنسان المصريء والعربي عموماء 
بعد أن كان أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسطء عندما اكتشف أن عالم 
عبد الناصر لم يكن سوى أبنية من الورق تهدمت في ست ساعات» وجاء 
السقوط سريعا وخاطفا بينما عنتريات عبد الناصر الكلامية لم تغادر 
الآذان بعد!. 

2- إن هذه الظاهرة نفسها تكررت أيضا عندما نظم السودانيون لعبد 
الناصر استقبالا بالغ الحرارة. حين سافر يشهد مؤتمر القمة في الخرطوم 
الذي عقد في أغسطس 1967. وبعد ما يقرب من شهرين على الهزيمة. 
حتى قالت الصحف الغربية-وخاصة الأمريكية-وهي تبدي دهشتها لهذا 
الاستقبال الحار: إنه لأول مرة في التاريخ يحظى قائد مهزوم بذلك الاستقبال 
الذي يندر أن يحظى به الغزاة المنتصرون! . 

لهذا كله فإن علينا أن ننتقل إلى تفسيرات أخرى لهذه الظاهرة الغريبة. 


ثانيا: طبيعة العبيد 

كانت هناك محاولات كثيرة لتفسير «الطغيان الشرقي» وللوحدة التي 
جعلت الحاكم الشرقي يبتلع كل شيء في الدولةء والاستسلام العجيب من 
جانب المواطنين لهذا الضرب من الحكم الذي انفرد به الشرق. فذهب 
البعض إلى القول إن الشرقيين هم بطبيعتهم «عبيد» يعشقون الطغيان, 


202 


الطغيان الشرقى 


ويستمتعون بالقسوةء ويخلقون الطاغية إذا عز وجوده. ولقد نقل المقريزي 
عن كعب الأخبار قوله للخليفة عمر بن الخطاب: 

«إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شىء شيئًاء فقال الشقاء أنا لاحق 
افا رات الت راق سملت دوقاات الشجاعة آنا لاحقة بالشام 
فقالت الفتنة وأنا معك.. . وقال الخصب أنا لاحق بمصرء فقال الذل وأنا 
مات © . 

غير أن هذه العبارة الأدبية لا تضع نظرية فلسفيةء وإن كانت تشير إلى 
ما كان يعاني منه المصريون من قهر الحكام؛ وقسوتهم وظلمهم» ثم استسلام 
المواطنين لهذه المعاناةء وتقبلهم للقهر والقسوة في استكانة ذليلة!. 

أما أقدم نظرية تفسر حكم الطاغية في الشرق واستسلام المواطنين 
فهي نظرية أرسطو الذي نقل هيراركية الوجود من ميتافيزيقاه إلى مجال 
السياسة والاجتماع؛ فذهب إلى أن شعوب العالم ليست على صنف واحد» 
وإنما هي تنقسم ثلاثة أقسام؛ يتربع الشعب اليوناني على قمتهاء وما يهمنا 
هو أنه كان يعتقد أن هناك أناسا مهيئين بطبيعتهم لأن يكونوا عبيداء فقد 
خلقوا لخدمة غيرهم» فالتفرقة بين الأدنى والأعلى موجودة في الطبيعة 
وفي جميع الأشياء. ومن الأفضل أن يحكم الجانب الأعلى:؛ وأن يطيع الجانب 
الأدنى. ومن هنا فإننا نجد أن بعض الناس هم بطبيعتهم «سادة» وبعضهم 
الآخر عبيدء فالرق بالنسبة لهؤلاء نافع بقدر ما هو عادل. وينتهي أرسطو 
من ذلك إلى الحكم على بعض الأجناس بأنهم رقيق بالطبع؛ والبعض الآخر 
بآنهم أحرار بالطبع. وقد جعل من الإغريق السادة الأحرار. فهم لا يجوز 
استرقاقهم لأنهم ورثوا الروح العالية والشجاعة. أما الشرقيون فهم بطبيعتهم 
عبيد 7ء وعلاقة السيد بالعبد هي علاقة الطاغية: أو الحاكم المستيد 
برعاياه» مادام هذا الحاكم لا توف بحقوق لهؤلاء الرعاياء ولا ينظر إليهم 
إلا بوصفهم موجودات دنياء أو مجرد أدوات يسخرها لأغراضه ويأمرها 
فتطيع!. 

ومن هنا فإننا نجد المعلم الأول في رسالة إلى تلميذه الإسكندر الأكبر 
ينصحه فيها بمعاملة اليونانيين معاملة القائدء في حين أن عليه أن يعامل 
الشرقيين معاملة السيد لعبيده!. ١‏ 

وهو يعتقد أن الأزواج في الشرق يعاملون زوجاتهم على أنهن جوارء 


210 


الطاغيه 


والأعجب من ذلك كله أن الشرقيين يستسلمون لطغيان الحاكم على أنه أمر 
طبيعي لا يجدون فيه غضاضة:؛ فهم لا يحتجون ولا يتذمرون» في حين أن 
الرجل الأوروبي الحر لا يستطيع أن يتحمل هذا الضرب من الحكم فيفر 
منه بشتى الطرقء يقول: «يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي 
؟ حيث نجد لدى الشعوب الآسيويةء على خلاف الشعوب الأوروبيةء طبيعة 
العبيدء وهي لهذا تتحمل حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمر!» ® . 

ولقد ظلت نظرية أرسطو عن «الطغيان الشرقي» سائدة في الفكر 
السياسي مع تعديلات طفيفةء ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر 
ذهب مونتسكيو (1689- 1755) إلى أن الاستبداد نظام طبيعي بالنسبة للشرق. 
لكنه غريب وخطر على الغرب. غير أن «مونتسكيو» يضيف إلى ذلك الربط 
بين الاستبداد والدينء فيرى: «أن الحكومة المعتدلة هي أصلح ما يكون 
للعالم المسيحيء» وأن الحكومة المستبدة هي أصلح ما يكون للعالم الإسلامي!» 
9. دون أن يفسر لنا من أين جاءت هذه القسمة الغريبة التي تجعل 
الديمقراطية هي الحكم المناسب للعالم المسيحي (وهو هنا يقصد العالم 
الغربي على وجه التحديد. فالدولة المسيحية في الشرق لابد أن تكون 
حكومة استبداد بحكم المقدمة السابقة)ء والحكم الاستبدادي هو أنسب 
أشكال الحكم للعالم الإسلامي. لاشك أنه لم يقرأ شيئًا عن الإسلام الذي 
يدعو إلى حرية العقيدةء والتفكيرء وإلى الشورى بين الناس دون أن يذهب 
قط إلى «طاعة السلاطين الفائقة» لأنهم ترتيب من الله كما قال القديس 
بولس. ولم يقل الإسلام إن كل سلطة سياسية هي مستمدة من الله وهو 
المبدأ الذي يبرر الطاعة المطلقة. والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد. 
ولم يصف الشعب بأنه مجموعة من «الحمير» يريدون تلقي الضربات كما 
فعل مارتن لوثر... الخ. 

لكن لكي نكون منصفين فلابد لنا أن نقول إن العذر الوحيد الذي يمكن 
أن نتلمسه لمونتسكيو في فكرته العنصرية الغريبة؟ هي أن التاريخ الإسلامي 
كله كان يسيطر عليه الطغاة. فظن-للأسف-أن هذا هو ما يدعو إليه الإسلام. 
وأن الحاكم المسلم لابد أن يكون بطبيعته طاغيةء وأن المسلمين لا يصلحون 
للحكم الديمقراطي ماداموا قد أذعنوا قرونا طويلة لهذا الضرب الكريه 
من الحكم دون أن يتلمسوا الطريق إلى الحريةء أو أن يحاولوا أن يستبدلوا 


201 


الطغيان الشرقى 


بنظام الاستبداد نظاما من الحكم يحترم آدمية الإنسانء ويعطيه حريته 
وكرامته. 

أما أرسطو فقد كانت نظريته عنصرية هي الأخرى. فلا شك أن نظرة 
الاستعلاء كانت جزءا من التفكير الفلسفي عند اليونان؛ فهم وحدهم القادرون 
على خلق الحضارة والثقافة والاستمتاع بالحريةء وهم وحدهم الحريصون 
على القيم الإنسانية والمثل العلياء وهم «السادة» وبقية الشعوب 
«برابرة»و«همج»وعبيد!. 

غير أن هذه النظرةء فيما يبدوء لم تكن نظرة اليونانيين وحدهم» إذ 
يروي هيرودت أن قمبيزء الإمبراطور الفارسي الشهير «كان يعد»الأيونيين 
والأيوليين«عبيدا ورثهم عن أبيه» '' ويعلق الدكتور أحمد بدوي على هذه 
العبارة بقوله «تلك كانت نظرة الغالب إلى المغلوب في العالم القديم (وهي 
لم تزل كذلك حتى يومنا هذا) يفرض عليه سلطانه؛ ويستغل أرزاقه؛ ويسوقه 
مكرها إلى الحرب.. "كي 

ولم تبعد نظرية هيجل عن ذلك كثيراء فهو يعتقد أيضا أن الطغيان في 
الشرق يرجع إلى أن «الشرقيين لم يتوصلوا إلى معرفة أن الروح أو الإنسان- 
بما هو إنسان-حر. ونظرا إلى أنهم لم يعرفوا ذلك فإنهم لم يكونوا أحرارا. 
وكل ما عرفوه أن شخصا معينا حر. (هو الحاكم الطاغية وبقية الشعب 
عبيد له بالطبيعة)؛ ولكن على هذا الاعتبار نفسه»ء فإن حرية ذلك الشخص 
الواحد لم تكن إلا نزوة شخصية وشراسة أو انفعالا متهورا وحشيا» أو 
ترويضا واعتدالا للرغبات لا يكون هو ذاته سوى عرض من أعراض الطبيعة 
أي مجرد نزوة كالنزوة السابقة. ومن ثم فإن هذا الشخص الواحد ليس إلا 
طاغية لا إنسانا حر 22 

وهكذا يرد هيجل عبودية الشرق إلى انعدام «الوعي الذاتي» «فإن الشعب 
في الصين ليس لديه عن نفسه إلا أسوأ المشاعر. فهو لم يخلق إلا ليجر 
عربة الإمبراطور. وهذا هو قدره المحتوم! وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم 
اليومي يدل على مبلغ ضآلة الاحترام الذي يكنونه لأنفسهم كأفراد وبش'. 

وعلى كل حال فإن جميع النظريات التي تفرق بين البشرء وتتحدث عن 
«طبيعة خاصة» عند الشرقيين أو غيرهم هي نظريات ظاهرة الخطأ. إن 
كل ما نستطيع أن نقوله هو أن الشعوب التي اعتادت حكم الطاغية لعدة 


205 


الطاغيه 


آلاف من السنينء قد نجد لديها استعدادا للتسليم بهذا الشكل من أشكال 
الحكم أسرع من غيرهاء كما أننا نجدها لا تمانع في الحديث عن «إيجابيات» 
الطاغية وتمتدح أعماله «الجليلة» دون أن تجد في ذلك حرجا ولا غضاضة!. 
ولا شك أن الأمم الشرقية أصبحت تنشد الحكم الاستبدادي» لطول إلفها 
له ومازال أبناؤها يتسابقون في تدبيج القصائد التي تتغنى بأياديه البيضاء 
على الناس» ولم يعد «الحاكم الشرقي» يجد حرجا في تسخير الصحافة, 
والإذاعة والتلفزيون؛ وجميع وسائل الإعلام للحديث عن أمجاده وبطولاته 
وانتصاراتة, حتى لو أنه انهزم هزيمة منكرة-فيما أسماه «بام المعارك» 
ومن مظاهر التقديس للحاكم عندنا أن تتصدر صوره جميع الصحف» وأن 
تكون تنقلاته وأخباره-حتى ولو كانت مما يمارسه رئيس الدولة في حياته 
الروتينية المألوفة-هي الخبر الأول في جميع نشرات الأخبارء ولا بأس من 
تكرارها في كل نشرة!. 


خالثا: حظريية فيتغو هل )1896 Karl Wittfoge!‏ 1988( 

عكف المفكر الأمريكي الجنسيةء الألماني الأصل» «كارل فيتفوجل» على 
دراسة لبان الصوق: وثعامها السياسية والاتقصادية ليقت على ما اسه 
الماركسية «بالنمط الآسيوي للإنتاج». محاولا صياغة نظرية طموح؛ يحاول 
بها تفسير التاريخ البشري كلهء عائدا إلى العصر الحجري لكي يبرهن على 
وجود صراع دائم بين المجتمعات القائمة على الاقتصاد الفردي الحر 
والمجتمعات الاستبدادية ذات النمط الشرقيء والقائمة على اقتصاد الدولة. 
وفي عام 1957 أصدر كتابا ضخما في مجلدين؛ قضى في إعداده» على ما 
يقول» نحو ثلاثين عاما. وعنوان الكتاب «الاستبداد الشرقى: دراسة مقارنة 

يرى «فيتفوجل» أنه كان من نتيجة الثورة الصناعية والتجارية في القرنين 
السادس عشر والسابع عشرء أن انتشرت التجارة الأوروبيةء والنفوذ الأوروبيء 
في أرجاء الأرضء و قام عدد من الرحالة الغربيينء من الممتازين عقلياء 
وكذلك بعض الأساتذة والعلماء الأوروبيين باكتشاف عقلي لا يقل أهمية 
عن المكتشفات الجغرافية الكبرى التي تمت في هذه الحقبة. 

فلقد تأمل هؤّلاء الرحالة حضارات الشرق الأدنى مصر والشام والعراق 


20 


الطغيان الشرقى 


وفارسء وكذلك الهند» والصين, ولاحظوا سمة خاصة فيها جميعاء وهي 
تظهر بوضوح في المجتمعات الشرقيةء ولا توجد في أوروبا في العصور 
القديمة. ولا في العصر الوسيطء ولا في العصر الحديث. ولقد أطلق 
الاقتصاديون الكلاسيكيون على هذه السمة اسم «المجتمع الآسيوي أو 
الشرقي» 4 

ويظهر العنصر المشترك بين هذه المجتمعات الشرقية المختلفة, بوضوح, 
في القوة الاستبدادية للسلطة السياسية عندهم» وبالطبع» لم تكن حكومة 
الطغيان مجهولة في أوروباء فقد توافق ظهور النظام الرأسمالي مع ظهور 
الدولة ذات السلطة المطلقة. غير أن الملاحظ المدقق يجد أن نظام الحكم 
المطلق في الشرق كان أكثر شمولاء وأشد ظلما من نظيره في الغرب» فبدا 
لهم الاستبداد الشرقي يضق aN ond‏ للسشلظة A‏ 

ولقد اهتم الفلاسفة الذين درسوا الحكومات الشرقية من أمثال 
مونتسكيو بالآثار المؤسفة للاستبداد الشخصي.ء أما الذين درسوا الاقتصاد 
فقد اهتموا بمراتب الملكيةء ودرجات الإدارة. واندهش الاقتصاديون 
الكلاسيكيون. بصفة خاصة. من الأعمال المائية الهائلة التي تقوم بها هذه 
الشعوب لأغراض الريء ووسائل الانتقال والمواصلات» كما لاحظوا أن 
الحكومة في كل مكان من الشرق كانت أعظم مالك للأرض. ويسوق 
«فيتفوجل» الكثير من المعلومات؛ والتفصيلات الدقيقة عما يسميه «بالنظام 
المائي» أو «المجتمع المائي الإداري». ويستنبط من هذه المعلومات قوانين 
عامة لهذا المجتمع تنطبق على المكسيك. وبيرو. ومصرء والعراق» والهند, 
والصين.. . الخ. فهو يبدأ بالفكرة نفسها التي أبرزها ماركس عن أهمية 
الري الصناعي في تلك البلدان. ويستنتج منها ضرورة تعبئة العمالة الضخمة 
لهذا الغرضء مع إيجاد تقسيم جيد للعمل بين فرقها . ولا يمكن أن يقوم 
بعملية تعبئة العمل وتقسيمه والاستفادة منه على نطاق البلد سوى سلطة 
مركزية طاغية؛ الأمر الذي لم يحدث بالصورة المستمرة نفسها في البلاد 
التي تعتمد على ماء المطر. وفي هذه المجتمعات تكون الدولة؛ كما ذكرناء 
هي مالكة الأرض. أما الفلاحون» فهم منتفعون فقطء ويترتب على ذلك أن 
تصبح الملكية الفردية ضعيفة ضعفا شديدا في النمط الآسيويء وإن كانت 
موجودة» غير أن الأشخاص الذين ينتمون إلى جهاز الدولة هم الذين كانواء 


207 


الطاغيه 


في الأعم الأغلب. أصحاب الممتلكات الفردية. ويتوقف دوام المجتمع المائي 
على تمسك الدولة بمحافظتها على صفتها المالكة الكبرى أي على أن تكون 
لها اليد العليا ا بالملكية الفردية'. 

وهكذا تعتمد نظرية «فيتفوجل» في الاستبداد الشرقي على وجود النهر 
الذي يتطلب بالضرورة قيام سلطة مركزية استبدادية تقوم بثلاث مهام 
جوهرية لتحقيق الإنتاج الزراعي هي: 

ا- مهمة توصيل المياه من النهر إلى الأرض. 

2- مهمة حماية الأرض الزراعية من غوائل الفيضان. 

3- مهمة توفير مياه الري في فترات التحاريق ”'. 

ولابد. لتحقيق هذه المهام. من شق الترع: والقنوات» والمصارف عبر 
المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية لتوصيل المياه إلى الحقول. ولابد 
أن تكون ضفاف النهر مرتفعة على نحو مناسب. وهو ما يتم بإقامة الجسور 
وصيانتهاء وتهيئة الاستعدادات الدائمة لترميمها على وجه السرعة في 
حالة وقوع أي انهيار في جزء منها. ولابد من بناء القناطر والخزانات 
والسدود» وكافة وسائل ضبط مياه النهر لحماية الأراضي الزراعية من 
الفيضان» من ناحيةء ولحجز جزء من مياهه يمكن استخدامه في الري 
على مدار السنةء من ناحية أخرى. ثم لابد خلال ذلك كله من إقرار نظام 
شامل للري يسري في طول البلاد وعرضها '. 

وهذه المهام جميعاء والأعمال اللازمة لتحقيقها لا يمكن أن تتم بالجهد 
الفرديء مهما بلغ هذا الجهد» بينما هي أعمال لا غنى عنها للإنتاج الزراعي 
بأي حال من الأحوال؛ ولهذا فإن فيتفوجل يشبهها بأعمال الحرب» حتى أن 
بعض البلاد تستدعي رجالها لأعمال السخرة بالتفسير نفسه الذي تدعوهم 
به للحرب ”'. ولا يتصور أحد أن يقوم فرد من الأفراد بشق ترعة أو 
مصرفء أو بناء خزان أو سدء أو أن يفرض لنفسه نظاما خاصا لري حقلهء 
كما لا يتصور أن يقوم أحد بالقتال بمفرده. ومن ثم فلابد من وجود عمل 
جماعي» وهو في الوقت ذاته لا يمكن أن تقوم به عائلة أو حتى جماعة 
قرويةء وإنما هو عمل قومي يتم على مستوى الدولة؛ ويتخذ أشكالا كثيرة 
ابتداء من السخرة إلى نظام التعاونء وهكذا يقتفي نظام الري الموحد قيام 
سلطة سياسية مركزية استبداديةء تحولت إلى ما نسميه «بالطغيان 


208 


الطغيان الشرقى 


الشرقي»!. 

ومن ثم فإن «فيتفوجل» يعتقد أن السلطة المطلقة التي يمارسها الحاكم 
على الأيدي العاملة من رعاياه. مكنت حكام «سومر» و«بابل»» و«مصر» من 
بناء قصور, وحدائق ومقابر هائلة. وهذه السلطة المطلقة هي التي مكنت 
الحاكم أيضا من أن يكون الكاهن الأكبرء وأن يكون إلهاء أو ابن الإله. ومن 
إقامة المعابد الضخمة والآثار الهائلة التى لا تزال قائمة حتى الآن؛ وهى 
التي لم يكن من لمكن إفامهها إلا بالسحرف والسيطرة القامة على أعداء 
هائلة من الأيدي العاملة. بل لقد انتقل هذا النموذج في العمل إلى بلدان 
أصغر: قبنى «الملك سليمان»: كما تقول نضصوص التوراة: معبده الجميل 
بفريق عمل يشبه غريق العمل عند البابليين استمر يعمل أربعة أشهر كل 
ا 

وهؤلاء الحكام «الطغاة» الذين أقاموا هذه الآثار الهائلةء كانوا بالضرورة 
قادرين على التنظيم بكفاءة عاليةء فأوجدوا أدواته الفعالة منها السجلات, 
وحروف الكتابة؛ ونظام المراقبة الدقيق, واللوائح والقوانين التي توجه نشاط 
الأهالي توجيها إجباريا. وقي حين أن التجارء فرادى أو جماعات. بادروا 
نإقانة الاتسالات البرية اللاتظبية مع اروزيا الإقطاعية ذاه السك ادد 
مركزي» فإن الدولة هي التي تولت تنظيم البريد في «العالم المائي» باعتباره 
مؤسسةسياسية المكنها من السيظرة على وساكل التقل»وسن إصدام شبكة 
كاملة من المخابرات والرقابة. كما أن القدرة على تحريك الأعداد الغفيرة 
من العاملين قدمت لتلك الدولة فرصة تكوين جيوش مهولة: أو إرساء 
المبادئ الأولى للفنون الحربية ونظرياتها 217. 

تلك كانت الصورة الاقتصادية التي رسمها «فيتفوجل» لمجتمع النهر, 
وللمجتمع المائي الذي يعتمد على النهر في ري أراضيه الزراعية, وما 
يستتبع ذلك من مهام تستدعي قيام سلطة مطلقة استبدادية تفرض على 
الناس العمل الجماعي. لكن ما الصورة السياسية والاجتماعية والأخلاقية 
لهذا المجتمع؟ ما الذي يحدث للفرد وتطلعه إلى الاستقلال الذاتي في ظل 
هذه السلطة المطلقة5. يجيب بأن السلطة المطلقة التي يمارسها «الطغيان 
الشرقي» لا تتحمل وجود قوى سياسية أخرى بجوارها. ومن ثم فإن هذا 
الطغيان يعوق نمو أي قوة سياسية على مستوى المؤسسات,. كما أنه ينجح 


200 


الطاغيه 


على المستوى السيعولوجن فى إحباط رغية الإثسان في العمل السبياسي 
المستقل. ويعتمد هذا النجاح في نهاية الأمر (وفيتفوجل هنا يتفق مع 
مونتسكيو في المبدأ الذي رأى أن الطغيان يقوم عليه) على أن الحكومة 
المائية تعتمد على مبداً التخويف 220, 

ومن هنا فإن «الطغيان الشرقي»أو الاستبداد المائي كما يسميه فيتفوجل- 
اضطر إلى أن يحكم معتمدا على العقاب» وهي خطة من الحكم يبررها 
القول بأن الأبرياء أو غير الآثمين من البشر قلة من الأفراد. وهو يضرب 
المثل بحكيم الصين الأكبر «كونفوشيوس» الذي كان يفضل التربية على 
العقاب. ومع ذلك كان يعتقد أن «إعداد الحكومة الصالحة يحتاج إلى مئات 
من السنين حتى يتحول الإنسان السيى العنيف إلى شخص صالح» وحتى 
نستغني تماما عن عقوبة الإعدام»! ™. 

ولهذا السبب فإن الحكومات المختلفة في الشرق نظرت إلى العقاب 
على أنه الوسيلة الجوهرية الوحيدة لنجاح الدولة في إدارة شؤونها . وهكذا 
تجد شريعة «ماثو» الهندوسية تقر العقاب وبك الرعب باعتيازهما الأساس 
للسلام والنظام الداخلي: فالعقاب الذي لابد أن يكون عادلا بالطبع؛ يجبر 
الأفراد على السلوك المستقيم: ومن دونه فإن الحدود الموضوعة بين الطوائف 
سوف تنتهك» ويتغلب الناس بعضهم على بعض. أما عندما يطل العقاب 
بسحنته السوداء وعينه الحمراءء فإن الرعية تخلد إلى الهدوء والسكينة 
«العالم كله يحافظ على النظام عن طريق العقاب» ”* إذ عن طريق العقاب 
يحمي الحاكم الضعيف من القوي» ويمنع الانتهاك الحيواني للقرابينء ويحمي 
الملكية الخاصة من أعدائها. ويحول دون إهانة الطبقة الدنيا للمنزلة 
الاجتماعية الرفيعة: فما لم ينزل الملك الطاغية العقاب على من يستحقهء 
بلا ملل أو ضجرء فإن «القوي سوف يشوي الضعيف» كما تشوى السمكة 
على سيخ من حديد . وسوف يلتهم الغراب فطائر القرابينء وسوف يلعق 
الكلب طعام القربانء ولن تبقى الملكية الخاصة لأحد» وسوف تغتصب 
الطبقات الدنيا أماكن الطبقات العليا» . وهكذا فإن العقاب هو وحده 
الذي يحكم الكاتنات المخلوقة؛ والعقاب هو وحده الذي يحميها جميعاء 
فالعقاب يراقبهم حتى وهم نيام. «إذ الواقع أن العقاب.. . هو الملك» © . 

وينتقل «فيتفوجل» إلى الحديث عن السلطة المقدسة التي أضفاها طغاة 


210 


الطغيان الشرقى 


الشرق على أنفسهم ليبرروا مساءلة الناس وعقابهم» فقد زعم حكام بلاد 
ما بين النهرين أنهم أخذوا سلطتهم من أنليل ۴۸1:1 العظيم» رئيس مجمع 
الآلهة السومري الذي قام بتنظيم الكون وإخراجه من لجة العماء. ويرمز 
هذا الإله المرعب إلى سلطة القوة والقهر والإرادة المقدسة؛ وبالتالي فإن أي 
معارضة من جانب الأفراد ينبغي أن تسحق تماماء فلا سبيل أمام الرعية 
سوى الخضوع والاستسلام. وعلى الرغم من أن «انليل» يفترض فيه أنه 
يستخدم قسوته وجبروته بطريقة قانونية مشروعة:؛ فمان المرء لا يمكن أن 
يرتاح أبدا لهذا الإلهء لأنه دائما يشعرنا بالخوف من أن العقاب يترصدنا. 
ومن هنا يبدو أن استعداد الحاكم للتوحيد بين ذاته وبين الإله انليل-أو 
الآلهة المنحدرة من صلبه-ذو مغزى عميق. ولهذا اعتاد ملوك «سومر» أن 
يوحدوا مباشرة بينهم وبين انليلء لما يمثله من رعب» ولما يبثه من خوف في 
قلوب الناس. ولقد أخذن الطغاة البابليون هذه الفكرة نفسها وعدلوها؟ 
«فحمورابي» صور نفسه على أن الذي أعطاه اسمه هو «انليل» ذاتهء ولهذا 
أطلق على نفسه «ابن انليل» وأبوه هو الإله سنهة5 إله القمرء وفى الحالتين 
فإن طغاة ما بين النهرين يؤكدون صفتهم المرعبة 7 . 1ش 

كذلك كان الرعب» في رأي هذا المفكرء ملازما للاستبداد عند الفراعنة, 
وهو رعب ترمز إليه الأفعى السامة أوريوس 7:0005] التي ترقد ملتفة حول 
جبهة الملك تهدد أعداءه بالدمار. كما أن أعمال الملك المرعبة يمكن أن 
تقارن بالأعمال المخيفة للإلهة سخمات ١ءء‏ إلهة الحرب الشرسة في 
مصر القديمة التي دمرت أعداء «رع» فسميت «عين رع». كذلك كان فن 
إدارة الحكم في الصين القديمة يعبر باستمرار عن حاجته للعقاب المرعب, 
وظل حجر الزاوية في السياسة الرسمية طوال الحكم الإمبراطوري. حتى 
أن ما نسميه نحن الآن «وزارة العدل» كان يسمى في التراث الصيني باسم 
«وزارة العقويات» ® . 

غير أن هذه العقوبات لم تكن تعني العقوبات الأدبية أو الأخلاقية التي 
تلجأ إلى ضمير الفردء فلا وجود لاستقلال الفرد أو ذاتيتهء إنها عقوبات 
جسدية تستخدم-على حد تعبير فيتفوجل«لغة الكرباج» وتلجاً إلى الجلد 
والضرب. والأصفاد والأغلال. يقول «كانت لغة الكرباج هي اللغة المستخدمة 
بانتظام في دولة السخرة في سومر القديمة؛ كما أن جميع الموظفين 


27١ 


الطاغيه 


الرسميين في دولة الفراعنة كانوا يستخدمون العقاب البدني» وتظهرنا 
السجلات في مصر القديمةء على أن الموظفين الذين وكل إليهم الإشراف 
على المشروعات العامة كانوا يسيرون والعصا في أيديهم. وفي أماكن أخرى 
كانت الطريقة المؤكدة لحث الناس على العمل الجاد هو تهديدهم 
بالضرب!» كما كانت مقاومة جباية الضراكب منذ الفراعنة تواجه بعنف 
وقسوة, وتخبرنا مقطوعة هجائية شهيرة من المملكة الحديثةء إن الفلاح 
المصري الذي يفشل في تسليم حصته من الغلال «كان يضربء ويقيدء 
ويطرح به شي القناء 69. 

وفي ظل هذا الرعب الشامل كان على أعضاء «المجتمع المائي» أن يشكلوا 
سلوكهم بحيث يتفق مع مطالب الدولةء إذا أرادوا أن يكتب لهم البقاء؛ فلا 
ينبغي لهم إثارة الوحش الذي لا قبل لهم بالسيطرة عليه. وهكذا فإن 
الفطرة السايمة قدص آلغ ان كرون إجابته على طالب ا اة اة 
بكلمة واحدة فقط هي: الطاعة. وهكذا تصبح الطاعة هي سمة المواطن 
الصالح في الطغيان الشرقيء وفي جميع النظم الاستبدادية ". صحيح 
أن الحياة في أي مجتمع تتطلب قدرا من التناسق والانسجام بين الفرد 
ومجتمعه ولا تكون الطاعة مفقودة تماما. لكن في المجتمعات الزراعية 
الغربية؛ مثلاء لا تكون الطاعة أبدا هي الفضيلة الأولى للمواطن. ولقد كان 
المواطن الصالح في دولة المدينة الديمقراطية عند اليونان يتميز بأربع 
صفات رئيسية هي: الشجاعة في القتالء والتقوى: والمسؤولية المدنية. 
والرأي المتزن. كما كان للقوة الجسدية؛ والشجاعة فيما قبل الفترة 
الديمقراطية؛ تقدير خاص. لكن لم يحدث قط لا في العصر الهوميري» ولا 
في العصر الكلاسيكي» أن كانت الطاعة هي فضيلة الرجل الحرء اللهم إلا 
في ميدان القتال. في حين كانت الطاعة العمياءء 

والاستسلام الكاملء والخضوع المطلق هي واجبات العبد وقدره الأليم 
ومصيره البائس. لقد كان المواطن الصالح عند اليونان هو من يعمل في 
اتساق وانسجام مع القوانين التي شرعتها الدولةء دون أن تكون هناك 
سلطة مطلقة: تقيد سلوكه على نحو مطلق ”° . 

بل لم يكن ولاء الفارس لسيده الإقطاعي في العصور الوسطى ينتهي به 
إلى استسلام كامل أو خضوع مطلق. فالعقد الإقطاعي يلزمه باتباع سيده 


212 


الطغيان الشرقى 


بطريقة معينة فحسب. كما كانت فضائل الفارس الجيد تنحصر في قدرته 
على الفروسية: وبراعته فى القتال: والشجاعة الفائقة إلى أقص حد . أما 
الطاعة التامة أو العمياء فلم يكن لها وجود 2 . 

أما في حكومة الطغيان الشرقي_أو العلاقة بين المواطنين والحكام في 
المجتمع المائي» فإن الأمر يختلف عن ذلك أتم الاختلاف. يقول فيتفوجل 
«لقد ناقش ثوركيلد جاكبسن 1300656 1501110" موضوع المجتمع والدين في 
بلاد ما بين النهرين: وانتهى إلى أن الطاعة هي الفضيلة الأولى هناك: 
«فالحياة الصالحة هي حياة الطاعة» وعلى خلاف المقاتلين في أوروبا في 
العصر الوسيط الذين كثيرا ما كانوا يقاتلون في جماعات صغيرة» دون أن 
يهتموا بدرجات القيادةء فمان البابليين شعروا «أن الجنود بلا ملك» أشبه 
بقطيع الغنم بلا راع»» و«العمال بلا مراقب كال مياه بلا مفتش ري» و«الفلاحون 
بلا مشرف» كحقل بلا محراث» . وهكذا كان المتوقع من الرعايا تنفيذ 
أوامر رؤسائهم: ومن باب أولى تنفيذ أوامر الملك. فقد كان على هؤلاء 
جميعا إعلان الطاعة المطلقة. «فقد اقتنع الأهالي في بلاد ما بين النهرين 
بأن السلطة هي دائما على حق» . ولا يزال الشرقيون جميعا مقتنعين 
بذلك!. 

ويمكن أن نجد هذه الأفكار نفسها في مصر الفرعونيةء فلا بد للسفينة 
من ربانء وللجماعة من قائد . ولابد لمن يريد البقاء أن يوائم نفسه مع صرح 
الخضوع والاستسلام. وشرائع الهندوس في الهند تأمر أتباعها بطاعة 
السلطة الدينية والدنيوية معاء ومن يعارض أوامر الملك يعرض نفسه لصنوف 
مختلفة من عقوبة الإعداه © . 

ومن الطبيعي أن يكون الهدف من التربية إعداد المواطن للخضوع التام 
والطاعة العمياء؛ فالتلميذ الجيد هو الابن المطيع. والتربية عند كونفوشيوس 
تتطلب الطاعة المطلقة للوالد وللمعلم» وهو الأساس المثالي الذي تبنى عليه 
الطاعة المطلقة للسادة في المجتمع» وبالتالي للحكام من الطغاة. 

ويجلس الفردء في بلاد ما بين النهرينء في المركز تحيط به مجموعة 
من الدوائر تمثل السلطات المختلفة التى تحد من حرية أفعاله وسلوكه 
ل الداكرة الأقرب والأسفر الشلطة في الأسرة سنلظة الأب اله 
والأخ الأكبرء والأخت الكبرىء وليست الطاعة للعضو الأكبر في الأسرة 


273 


الطاغيه 


سوق مجر بداية قحسي لذ تشع وراد داكرة الأسرة دواكر لخر تقل 
سلطات أخرى كالدولة والمجتمع؛ وتلزم لكل منها «طاعة مطلقة»!. 

كما كانت الحكمة في مصر القديمة تربط عن وعيء بين الطاعة في 
المنزل وطاعة الدولة؛ فالابن المطيع هو الذي ستكون له مكانة طيبة في قلب 
الدولة. وسوف يلقى حديكة قبولا حستا عند من يتحدت معه. ومطلب 
الخضوع في الهند لسلطات الدينية والدنيويةء يعززه مطلب الخضوع للوائح 
الشخصية من الحياة. «وتعني الطاعة أساسا: طاعة المعلم» والأب» والأم» 
والأخ الأكبر». وتصف الكونفوشية ولاء الأبناء 7ء بأنه «الإعداد الفريد 
للطاعة المدنية». «فهناك قلة ضئيلة ممن يسلكون سلوكا صالحا وطيبا مع 
والديهم» وأخوتهم الأكبر سناء يمكن أن تميل إلى معارضة رؤسائهم. وليس 
هناك أحد ممن ينفر من معارضة رؤسائهء يميل إلى التمرد عليهم» ™. 

هكذا نجد أن الهدف الأسمى للتربية في حكومات «الطغيان الشرقي» 
هي تعليم الفرد أن يطيع بغير سؤال وبلا مناقشة: كلما طلبت منه السلطة 
المستبدة أمرا! ثم تتطور خاصية الطاعة هذه؛ التي تتميز بها المجتمعات 
المائية. إلى خاصية السجود أو الركوع أمام الطاغية! فالسجود. في 
الحضارات المائية. يحدث تقريباء في كل مكان. لقد مارس الصينيون السجود 
في فترة مبكرة من حكم أسرة «تشو 72000 ثم انتشر في جميع المراحل 
التالية من تاريخ الصين. والخبرة التي مر بها بعض المبعوثين الأوروبيين 
حين طلب منهم الركوع أمام إمبراطور المانشودهطء«ة۷ (في منغوليا) 
تكشف عن أهمية هذه العادة عند الشرقيينء كما تكشف في الوقت ذاته 
عن الحرج الذي وقع فيه الزوار الأوروبيون في آن مها ©. 

ولقد كان من المألوف في العهود الكلاسيكية عند هندوسية الهند احتضان 
قدم الشخص كمظهر من مظاهر الاحترام الكبير والتقدير العظيم. وكان 
الاقتراب من الملك يتخذ مظهر الشخص الذي يصليء كما كان السجود يتم 
أمام الآلهة؛ والمعلم» وضي الحقبة الأخيرة من الهندوسية كانت إيماءة الخضوع 
(*)أسرة تشو 2001© حكمت الصين من 1027 ق. م. حتى عام 771 ق. م. وأطلق على ملوكها اسم 
«الملوك-الكهنة»! 


(2) كانت في الأصل قبائل من الرحل؛ ثم تعلمت الزراعة واستقرت وتمكنت من بسط سيطرتها 
على أجزاء من الصين. 


271 





الطغيان الشرقى 


الشامل تؤدى أمام الحاكه 40. 

ويكشف الكثير من الوثائق عن أهمية السجود في الشرق الأدنى؛ فتصف 
سجلات مصر الفرعونية؛ أن البلاد كلها «كما لو كانت تنبطح على بطنها» 
عندما يظهر الملك. أما الرعايا المخلصون فقد كانوا يزحفون على بطونهم 
لكي يقبلوا (أو يتنشقوا) عطر الملك. وتدل شواهد في المملكة الحديثة على 
أن أمحاب اكامات الروت ةكات مهمون إشارات لخر اظيا 
للاحترام والتوقير. وإن كانت المصادر المعاصرة لم تقل لنا إنهم توقفوا عن 
السجود تماماء وإنما هي تشير بوضوح إلى أن الطبقات الدنياء والرعية 
قد واصلت السجود . وكان السجود في بلاد ما بين النهرين:؛ يؤدى للالهء 
وللحاكم» وللشخصيات المتميزة الأخرى. كما كان يؤدى السجود أيضا في 
فارس الأخمينيةء ثم استمر في عصر الإمبراطورية الهلنستية؛ والسلوقية, 
والبطلميةء وأيضا في فارس الساسانية. وأصبح معيار الاحترام في نهاية 
الإمبراطورية البيزنطية. ولسنا بحاجة إلى القول إنه كان يتناسب مع المناخ 
الاجتماعي للبيزنطيين . 

وهكذا نجد أن السجود للطغاةء في المجتمع المائي» أصبح التعبير الصارخ 
للطاعة والخضوع. والاستسلام؛ والاحترام والتوقير جميعا. 

ومن الطبيعي أن تؤدي الخصائص السابقة بالفرد في المجتمع المائي 
إلى العزلة أو الوحدة. وهي عزلة يخلقها الخوف والرعب الذي يعيش فيه. 
فالفرد لا يجد أمامه سوى الخضوع المطلق كرد حذرء ووحيد» على السلطة 
المطلقةء وذلك يؤدي إلى كارثة أخلاقية حيث تنتشر مجموعة كبيرة من 
الرذائل. فعندما يتم استقطاب السلطة في المجتمع المائي» فإنه تستقطب 
كذلك العلاقات الاجتماعيةء فالرعايا الذين لا يملكون أية سيطرة على 
حكوماتهم, لابد أن يخافوا من الدخول معها في أي صراع حتى لا تسحقهم 
تماما. بل إن هذه القوة المرعبة لا تستطيع فقط تدمير القوى المعارضة غير 
الحكومية؛ بل في استطاعتها أيضا أن تبتلع الأعضاء في الجماعة الحاكمة, 
بما في ذلك الحاكم نفسه» وتلقي أمامه بظلال كثيبة من الشك والقلق؛ بل 
ربما لا تجد شيئًا يدمر الحياة كما يفعل اللا أمان الذي يخلقه استقطاب 
السلطة المطلقة. ولهذا فإنك تجد شعار الحاكم هو: «لا تثق في إنسان 
قط!» فهذا الطاغية اللا مسؤول؛ يحسده أقرب المقربين إليه. ولذلك تجد 


275 


الطاغيه 


كثيرا منهم يتطلع إلى السلطة ويتحرق شوقا إلى الاستيلاء عليهاء ولا كان 
التغير الدستوري الهادئ أمرا لا وجود له فإن لتغيير السلطة واستبدال 
حاكم بحاكم لا يعني سوى شيء واحد فقط هو اغتيال الحاكم الحالي؛ 
ومحوه من الوجود . ومن هنا فإن الطاغية «الحكيم» هو الذي لا يثق في 
أحد على الإطلاق!. 

ولهذا كان من الأسباب الواضحة والمفهومة أن يحتفظ الطغاة لأنفسهم 
بأفكارهم الداخلية العميقة لا يفصحون عنها إلا نادراء وسلوكهم الذي 
نشاهده يؤكد هذه الحقيقة. فقد جاء في إحدى أوراق البردي المحفوظة 
رسالة هي عبارة عن نصيحة كتبها أحد الفراعنة لابنه يقول فيها: «ابتعد, 
واعزل نفسك عن الرعايا الذين يخضعون لك». لا تقترب منهم وأنت وحيد . 
ولا تشغل نفسك» ولا تملا قلبك بأخ؛ ولا تعرف صديقا.. وحتى إذا نمت 
عليك أن تراقب بنفسك قلوبهم. لأن الإنسان ليس له أعوان في وقت 
الشدة. 

كما نجد التراث الهندي يحدد الأخطار التي تحيط بالحاكم. ويناقش 
الوسائل العديدة التي يمكن بوساطتها أن تنقلب عليه الحاشيةء ولهذا لابد 
أن يحترس في قصره بحيث تكون إقامته آمنةء وأن يتخذ الاحتياطات 
اللازمة حتى لا يدس له أحد السم» ولابد أن يراقب جميع أفراد الحاشية 
وأن يسيطر عليهمء كما لابد للملك أن يتجسس على رئيس وزرائه»ء وأن 
يكون حذرا من أصدقاته المقربين» ومن زوجاته ومن أخوته. وبصفة خاصة 
من وريثه. وتقول عبارة تتردد كثيرا عن طغاة الهنود : «الأفراد كالسرطان» 
لديهم ميل سين السمعة. لالتهام نسلهم». ولكي تمنع ذلك من الحدوث, فإن 
هناك قائمة تحصي الطرق التي يستطيع أن يحمي بها الحاكم نفسه من 
أبناكه 4 , 

وهكذا نجد أن الحياة الرسمية ليست آمنة: «فالرجل الحكيم هو من 
يبحث أولا. وبصفة مستمرة؛ عن حماية نفسه. إذ إن حياة الرجل الذي 
يكون في خدمة الملك يمكن مقارنتها بالحياة وسط النيرانء فعلى حين أن 
النار تحرق جزءا من البدن» أو تحرق البدن كلهء فإن لدى الملك القدرة على 
تدمير الأسرة كلها“ ^ , 

وتشير النصوص الفارسية بصفة خاصة إلى الأخطار الكامنة خلف 


270 


الطغيان الشرقى 


مظاهر الأمان البيروقراطية: «هل ادعى لك الملك ذات مرة أنك آمن تماما 
وأنت في معيته؟! إذن ابدأ منذ تلك اللحظة في الإحساس بعدم الأمان! 
فإذا ما دأب إنسان على تسمينك, فلابد أن تتوقع أنه سرعان ما يذبحك + . 

غير أن الحاجة إلى «الشك والريبة» لا تنحصر فقط في أولئك الذين 
يشغلون مناصب رفيعة في الهرم البيروقراطيء ففي الصينء كما هي الحال 
في جميع حكومات الطغيان الشرقيء أو الحضارات ال مائية؛ نجد أن الموظفين 
الذين يشغلون مناصب رفيعة يحسدون أصحاب الوظائف الدنياء وليس 
أصحاب المناصب الدنيا أقل ريبة من رؤساتهم: إذ من هذا الجانب يمكن 
أن يأتي زوالهم في أية لحظة! © وهكذا تنتشر جميع الرذائل الأخلاقية 
من كذب» وغش ورشوة ونفاق وتملق إلى ألوان من المؤامرات والدسائس. 
فيحاول كل فرد. وكل فريق تحقيق مصالحه الذاتية وأغراضه الشخصية 
بشتى السبل. ويتهم كل فريق غيره بالتآمر ليقصيه عن مكانه. وهكذا 
ينتشر الشعور بالعزلة والوحشة بين الناس: فالحاكم في نظام «الطغيان 
الشرقي» أو المجتمع المائيء لا يثق في أحد, والموظف يشك في زميلهء 
والرجل العادي يخاف الوقوع في شرك المؤامرات. وإذا كان هناك شعور 
بالوحشة في البلاد الديمقراطية؛ فإن الأقراد الأخران يشعرون يها أساسا 
لإحساسهم بالإهمالء لا لأن السلطة تتهددهم في أية لحظة؛ أو اليم 
يشعرون بأن الطاغية قادر باستمرارء كلما شاءء أن يقف على كرامتهم 
ولهذا يلجأون إلى الانزواء والانسحاب السلبيء ومما له مغزاه أن تبهر 
الرواقية قديما عندما زال المجتمع المتزن في اليونان الكلاسيكيةء وحل 
محله النظام الهلنستي الذي أقامه الإسكندر الأكبر على أساس السلطة 
المطلقة 7. 

تلك هي السمات العامة لنظرية «فيتفوجل» عن الطغيان الشرقي أو 
الاستبداد المائي التي ترد الطغيان إلى التحكم في مياه النهرء وما يستتبعه 
ذلك من أعمال جماعية تطلبت وجود السخرة:؛ التي تطلبت بدورها بث 
الذعر والرعب بين الناس لإرغامهم على الطاعةء ومعاقبة العاصي منهم: 
وما ينتهي إليه هذا النظام من انتشار الرذائل الأخلاقية. 

غير أن السؤال الملح على ذهن المرء. وهو يقرأ هذه النظرية هو: لماذا 
تكون الحكومة المركزية استبدادية بالضرورة؟! ألا يمكن أن تكون هناك 


277 


الطاغيه 


حكومة مركزية ديمقراطية تتحكم في النهرء وتقوم بجميع المهام المطلوبة 
عن طريق التعاون لا السخرةة: ول عع أن جميع الأنيار فى مارات 
تعتمد عليها زراعة الأرض في الدول الزراعية أدت إلى ظهور حكومة طغيان؟. 
الواقع أن فيتفوجل كان ماركسيا في شبابهء لكنه حاول أن يطور الفكر 
الماركسي الجامد أو آنه آيد ما يقول الماركسيون: وآزاد أن يفيت أن سلطة 
الدولة as‏ طاغية على الجماهيرء حتى وإن كانت الدولة 
اشتراكية؛ والنتيجة التي ينتهي إليها هي أن الاتحاد السوفييتي ما هو إلا 
شكل من أشكال «الطغيان الشرقي: ١‏ لكن الاتحاد السوفييتي نفسه تفكك 
وتحول إلى دويلات ديمقراطيةء تؤكد من جديد أن الديمقراطية لا وطن 
لهاء وأنها يمكن أن توجد حيثما وجد الإنسان على الأرض. 


ر اسعا: النظر يدة الساد و ماز و ضة Sadomasochis‏ 

يعبر مصطلح «السادومازوخية» عن العلاقة الوثيقة بين السادية التي 
هي ايشا الأكم بالآخرين» والمانوخية الئى مى على الك :تقبل إيقاع الا 
على الذات والاستمتاء به 

وينسب مصطلح السادية نسبة إلى المركيز دي ساد Marquis de Sade‏ 
(1740-.1814): الذي اشر يمؤلفاته ذات المحفوى العتيف فى المنارسات 
الجنسية. وأهم هذه المؤلفات روايته الشهيرة (جوستين وجوليت)ء المعروفة 
أيضا باسم رة الفضيلة,وهمة الرذيلة» ومع أن ودى ساد » لم ازن إلا 
القليل سن بخياله خضب الذي كنية فى مؤافاكه فاته لق لذا مط اجا 
ارتبط باسمه؛ وأصبح من أكثر المصطلحات تداولا على ألسنة الكتاب في 
موضوعات عديدة. كما وجد طريقه إلى التعبيرات المتداولة على ألسنة 
الناس في وصف أولئك الذين يجدون لذة في إنزال الألم والأذى بالآخرين. 
ويرى بعض الباحثين أن نزعته السادية التي بدت في سلوكهء وتجلت بشكل 
صارم في كتاباته إنما تعود إلى كراهيته العميقة لأمهء وهي التي دفعت به 
إلى محاولة لالتعا من الأنثى بصفة عامة. ومهما تكن خلفية طفولته؛ فلا 
شك أنه كان يتمتع باضطراب وعدم اتزان دفع به في النهاية إلى دخول 
مستشفى الأمراض العقلية حيث أمحضى يقية حياقه ® , 

أما مصطلح المازوخية «ونط213500 فهو القطب المضاد للسادية في علاقة 


218 


الطغيان الشرقى 


«السادومازوخية»؟ وهي تعبر عن حالة الفرد في إقبالهء وتقبلهء لما يمكن أن 
يقع عليه من ألم أو إيذاء جسمي أو نفسي من شخص آخر واستمتاعه بهذا 
الآلم. وينسب المصطلح إلى الكاتب الروائي النمساوي الذي ارتبطت باسمه 
هذه الظاهرة وهو «لیبولد زاخر مازوخ «Leopold Zacher Masoch‏ (1836- 
5)) الذي ألف الرواية المشهورة «فينوس في الفراء كا۴ هذ وu«ء۷».‏ وهي 
تعبر في بعض أجزاتها عن شترات وتجارب من حياة الؤل ف تسه وبخاصية 
في طفولته . والحادثة التي استرعت اهتمام المحللين النفسيين هي أن «مازوخ» 
كان في طفولته يعيش مع عمته التي كانت تعاشر عشيقا لها بين الحين 
والآخرء وقد دفعه حب الاستطلاع ذات مرة إلى الاختفاء في دولاب للملابس 
ليشاهد ما يحدث بالفعل. وبينما كان «مازوخ» يرصد كل ذلك بحماس 
واهتمام» بدت منه حركة جلبت الاهتمام إليه؛ واكتشف أمرهء وعاقبته عمته 
بضرب مؤلم. وهكذا يفسر ال محللون قيام ارتباط وثيق بين الألم الذي وقع 
عليهء وبين لذة الإثارة الجنسية التي كان «مازوخ» يستمتع بهاء وبأن هذا 
الارتباط قد تأصل في نفسه إلى حد جعل من الممكن قيام اعتماد متبادل 
بين الشعور بالآلم واللذة. ويبدو أن هذه التجربة قد تكررت: وأن «المازوخي» 
مهيا بطبيعته النفسية إلى مثل هذا الانحراف ^ . ا 

وعلينا أن نسوق هنا ثلاث مالاحظات مهمة: 

الملاحظة الأولى: هي أنه على الرغم من أن هذين المصطلحين قد 
ارتبطا في البداية بالجنسء. واستخدمتهما مدرسة التحليل النفسي في 
تفسير الكثير من مظاهر السلوك البشريء فإنهما قد انتقلا بعد ذلك إلى 
علم النفس الاجتماعيء ثم إلى علم الاجتماع وأخيرا إلى ميدان الفلسفة 
السياسيةء وهي التي تعنينا هنا بالدرجة الأولى. 

والملاحظة الثانية: هي أن هناك ارتباطا وثيقا بين المصطلحين: أو بين 
النزعة السادية المتسلطة التي تفرض سيطرتها على شخصء أو مجموعة 
من الأشخاص.ء وبين النزعة المازوخية التي تستسلم» بل وتستعذب الألم 
الذي يقع عليهاء مما يبرر جمعهما في مصطلح واحد هو ما نسميه بالعلاقة 
«السادومازوخية»» وهي العلاقة التي يكون فيها الطرف الأول قوة مسيطرة 
متسلطة تفرض إرادتهاء في حين يكون الطرف الثاني شخصية مستسلمة 


خاضعة. 


210 


الطاغيه 


والملاحظة الثالثة: هي أنه إذا كان علم النفس قد نظرء في البدايةء إلى 
هذه العلاقة على أنها تمثل انحرافا عن الطريق السويء فإن معظم علماء 
النفس يعتبرونها الآن نزعات طبيعية عند البشر رغم أنها قد توجد بصورة 
منحرفة عند بعضهم. يقول إريك فروم: «إن النزعات السادومازوخية موجودة 
عند البشر بدرجات مختلفة فى الأشخاص الأسوياء والمنحرفين على حد 
سواء» ™. والعامل الخفي في هذه العلاقة هي تبعية كل طرف لالآخر 
واعتماده عليه. وقد يبدو ذلك واضحا في الشخص المازوخي الذي يمثل 
الجانب الضيف الخانع المستسلم» وقد نتوقع أن تكون الشخصية السادية 
هي» على العكسء قوية ومستقلة ويصعب اعتمادها على الشخصية الضيفة 
أو تمسكها بها. ومع ذلك فالتحليل الدقيق يكشف عن وجود هذه التبعية 
بين الطرفينء فالشخص السادي يحتاج إلى الشخص الذي يتحكم فيه 
ويسيطر عليه: «إنه يحتاج إليه بشدة مادام شعوره بالقوة كامنا في واقعة 
أنه سيد لشخص ما. وهو قد لا يعي هذه التبعية على الإطلاق. ومن هنا 
فقد يعامل الرجل زوجته على نحو سادي تماماء وقد يكرر على مسامعها 
أنها تستطيع أن تترك البيت في أي وقت. وأنه سيكون سعيدا للغاية لو أنها 
فعلت ذلك. وكثيرا ما يعتصرها الألم حتى أنها لا تجرؤ على مغادرة المنزل. 
وهكذا يستمر كل منهما في الاعتقاد بأن موقفه هو الموقف الصحيح. غير 
أن الزوجة لو انتابتها شجاعة مفاجئة جعلتها تجرؤ على القول بأنها ستتر 
فقد يحدث شيء غير متوقع تماما بالنسبة لهما معا: إذ يصبح الزوج بائسا 
منهارا يتوسل إلى زوجته ألا تتركه. وسوف يعلن كم هو يحبها وما إلى ذلك. 
ولما كانت الزوجة تخشىء عادة» أن تفرض حقوقها أو مركزها على أي نحو 
فإنها تميل إلى «تصديقه وتغير قرارها وتبقى. وعند هذه النقطة تبداً 
اللعبة من جديد» فالزوج يستأنف سلوكه القديم» والزوجة تجد الأمر يزداد 
صعوبة في البقاء معه. فتنفجر مرة أخرى. وينهار الزوج من جديد» فتبقى 
معهء وهكذا يتكرر الموقف مرات عديدة» (ا5. 

ويعتقد «فروم» أن هذه العلاقة الزوجية تتكرر آلاف المرات» كما تتكرر 
بالطريقة نفسها في علاقات شخصية أخرى. والزوج لا يكذب عندما يعلن 
حبه لزوجته» أو أنه لا يستطيع الحياة من دونها . إذ بغض النظر عن الحب» 
فهو فعلا لا يستطيع أن يحيا من دونهاء أو بتعبير أدق؛ من دون شخص آخر 


الطغيان الشرقى 


يشعر أنه أداة عاجزة في يده». وفي حالات أخرى كثيرة نجد الشخص 
السادي يحب بوضوح تام ولئك الذين يشعر معهم بقوته أو يمارس عليهم 
سيطرته سواء أكانوا زوجته أم طفله أم مساعده أم شحاذا في الطريق؛ 
فهناك شعور «بالحب» بل حتى شعور بالعرفان والامتنان نحو الموضوعات 
التي يسيطر عليها. وقد يعتقد أنه يرغب في السيطرة على حياتهم لأنه 
يحبهم كثيراء وهو بالفعل يحبهم لأنه يسيطر عليهم. وهو يرشوهم بالأمور 
الماديةء والمديح أو بتاكيد الحبء أو التباهي بالذكاء والبراعة أو إثارة الاهتمام. 
وقد يعطيهم كل شيء-كل شيء سوى شيء واحد: الحق في أن يكونوا 
أخرازا و مستا 52 

قد لا تبدو الشخصية السادية محيرة مثل الشخصية المازوخيةء فإيذاء 
الآخرين؛ ومحاولة السيطرة عليهم قد لا يكون شيئًا «طيبا» في ذاته؛ لكنه 
يبدو أمرا طبيعيا تماماء وقديما ذهب «توماس هوبز» إلى «أن رؤية الشر 
الذي يلحق بالآخرين تسر الناظرين. لا لأنها شرء بل لأنها شر يلحق 
بالآخرين» ”. وهو يقول أيضا: «إني لأعتقد أن هناك ميلا عاماء لدى 
البشر جميعاء وهو تعبير عن الرغبة الدائمة التي لا تستقر نحو الحصول 
على القوة بعد القوة: وهي رغبة لا تهدأ أو لا تتوقف إلا بالموت.» ™ ومن 
هوبز إلى هتلر الذي شرح الرغبة في السيطرة على أنها النتيجة المنطقية 
لقانون صراع الكائنات الحية من أجل البقاء؛ وبقاء الأصلح. أصبحت الرغبة 
العارمة في القوة والسيطرة تفسر على أنها جزء من الطبيعة البشرية: ولا 
تحتاج إلى أي تفسير آخر غير ما نشاهده. 

أما الشخصية المازوخية التي يميل فيها المرء إلى تقبل الألم؛ فإنها تبدو 
لغزا محيرا. إذ كيف يمكن للمرء أن يفهم أن الناس لا يكتفون بالتقليل من 
أنفسهم أو إضعافها أو إيذائهاء وإنما يستمتعون بذلك أيضا؟. ألا يتناقض 
ذلك مع تصورنا لطبيعة النفس البشرية التي تتجه إلى اللذة والمحافظة 
على الذات5. هذا كله صحيح» غير أن النفس البشرية يمكن أن تميل 
كذلك» فيما يبدو إلى البحث عن المعاناةء والألم» والضعفء والعذاب» بل 
إلى البحث عن البؤس واليأس والشقاء: «وكل المطلوب في هذه الحالة أن 
يكون المرء ضعيفا «أخلاقيا» وذلك بأن يعامل معاملة الطفل الصغيرء أو أن 
يخاطب على هذا النحوء وأن يوبخ بعنف» أو أن يذل بطرق مختلفة: في 


الطاغيه 


حين أنه يتم إشباع النزعة السادية بالوسائل المقابلة أعني بإيذاء الآخرين 
بدنياء وتوثيقهم بالحبال والأصفادء أو بإذلالهم بالأفعال أو الأقوال» ° . 
ومن هنا فقد ذهب بعض علماء النفس» وكذلك بعض علماء الاجتماعء 
إلى القول إنه إذا كان هناك أناس يسعون إلى الخضوع والاستسلام: والمعاناة, 
فلا بد أن تكون هناك «غريزة» تستهدف تحقيق هذا الهدف على وجه 
التحديد . ثم جاء «فرويد»وألقى مزيدا من الضوءء والتفسير النظري» على 
هذا الميل الذي اعتقد أنه نتيجة لما أسماه «بغريزة الموت». غير أن الفرد 
أدلر :501.ى (1937-1875) هو الذي وضع هذه الميول في قلب مذهبه لا على 
أنها «سادو-مازوخية»» بل على أنها «الشعور بالدونية» من ناحية؛ و«الرغبة 
فى القوة أو السيطرة» من ناحية أخرىء» وهكذا أخذ التحليل النفسى للعلاقة 
السافومازوحية. ابعاذًا احضافية أكثر عا على يد لملم رايغ ساق ا 
»Riech‏ (1957-1900). ودكارن هورنى Karen Horney‏ 1952-1885) وإريك 
فروم (1950-1980)Eric Fromm‏ « وكات آهه هذه الدراسات جميعا تلك التي 
قام بها هذا الأخيرء والتي عرضها في كتابه الشهير «فرار من الحرية 
»»Escape from Freedom‏ حيث قام بتحليل الشخصية المازوخية التي ترتكز 
أساسا على «الخوف» وتمتلىْ رعبا من الوحدة واللا جدوى «والفرد الخائف 
أو المذعور يبحث عن شخص ماء أو شيء ماء يربط به ذاته. فهو لم يعد 
يطيق أن يكون ذاتا فردية فيحاول؛: وهو في حالة هياج شديد» أن يتخلص 
منهاء وأن يشعر بالأمان» من جديد» بالتخلص من هذا العبء. أعني من 
الذات» ©". والمازوخية هي إحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف, «فالأشكال 
المختلفة التي تتشكل فيها لا تستهدف إلا شيئًا واحدا هو أن يتخلص الفرد 
من ذاته أو ضياع هذه الذاتء وبعبارة أخرى: أن يتخلص من عبء الحرية. 
وهذا الهدف واضح في تلك النزعات المازوخية التي يسعى فيها الفرد 
للخضوع لشخص ماء أو قوة أو سلطة يشعر أنها تغمره بقوتها. (ومسألة 
القوة الفائقة لشخص آخرء هي باستمرار مسألة نسبيةء فقد تعتمد على 
القوة الفعلية لهذا الشخص الآخر أو على اقتناع المرء بعجزه الكامل وتفاهته 
التامة). والمهم أن الشخصية المازوخية تشعر بضآلة ذاتها ويزداد إحساسها 
بالتفاهةء ربما لأن الشخص يجعل الخوف يتفاقم ويزداد سوا في محاولة 
كي يشفى منه؛ فيقع في صراع وعذاب بين أن يكون مستقلا وقويا وبين 


الطغيان الشرقى 


شعوره بالعجز والتفاهةء فإذا استطاع أن يصل إلى تحقير ذاته الفردية 
بحيث تتحول إلى «لا شيء» استطاع؛ في الوقت ذاتهء أن ينقذ نفسه من 
هذا الصراعء ويكون الشعور بالضآلة والعجز هو الطريق إلى الخلاص. 
فإذا وجدت الشخصية المازوخية نماذج حضارية أو ظروفا اجتماعية مناسبة 
كالخضوع «لزعيم» أو قائد-كما هي الحال في نظم الطغيان-يمثل القوة 
التي تبتلعه؛ فإنه يشعر بالأمانء لاسيما إذا وجد نفسه متحدا مع ملايين 
غيره من الذين يشاركونه هذه المشاعر نفسهاء ذلك لأن الشعور بالعجز 
والتفاهةء واللا جدوى هي عناصر أساسية في الشخصية المازوخيةء وفي 
سبيل البحث عن معنىء؛ والتغلب على الشعور بالدونية تحاول هذه الشخصية 
أن تصبح جزءا من كل أكبر وأعظم وأشد قوة خارج ذاتها تنغمس فيه 
وتشارك فيه. وقد تكون هذه القوة الأكبر هي الزعيم القائد؛ أو قد تكون 
إلهاء أو مؤسسة أو أمة.. . الغ 7*. 

وعندما يصبح جزءا من هذه القوة أو من هذا الكل؛ يشعر هو نفسه 
بأنه أصبح شخصية قوية؛ وخالدة. وعظيمة؛. وصامدة لا تهتزء ومن ثم 
يتخلى عن ذاته؛ وعن قوته الخاصة وعن كبريائه. وعن حريته. ويحظى 
بكبرياء جديدة؛ وأمان جديد من مشاركته في هذه القوة التي ينغمس فيهاء 
والتي تنقذه من تحمل المسؤولية واتخاذ أي قرار في شأن حياته ومعناهاء 
أو تحديد مصيره. كل ما يعن له من أسئلة يجد له إجابة عن طريق علاقته 
بالقوة التي ارتبط بها: فسيده هو الذي يحل كل مشكلة؛ ويجيب عن أي 
سؤال. وهكذا يتحدد معنى حياتهء وهويته؛ وذاته عن طريق الكل الأكبر 
الذي يغمره ويضيع بداخله ® . 

تلك كانت» بإيجاز شديد الخصائص العامة للشخصية المازوخية 
الخاضعة المستسلمة؛ التي لا تجد لنفسها قيمة ولا لحياتها معنى إلا من 
خلال شخصية أقوى وطاغية تحيط بها وتشعرها بالأمان وتقوم نيابة عنها 
بالمسؤولية. فما خصائص هذه الشخصية الأقوى» الشخصية السادية 
المسيطرة؟. «جميع الأشكال السادية التي يمكن أن نلاحظها ترتد. في 
نهاية الأمرء إلى دافع أساس واحد هو السيطرة الكاملة على الشخص 
الآخرء بأن تجعله موضوعا عاجزا تحت إرادتهاء وتصبح هي الحاكم المطلق 
عليهء بل أن تصبح إلههء وأن تتصرف فيه كما تشاءء فتذله؛ وتستعبده 


الطاغيه 


ويكون هدهها الأساسيء أن تجعله يعاني فلا توجد سيطرة على شخص 
آخر أقوى من بث الألم فيه لإرغامه على الإحساس با معاناة» دون أن يكون 
قادرا على الدفاع عن نفسه. إن متعة السيطرة التامة على شخص آخر (أو 
أية موضوعات حية أخرى) هي ماهية الدافع السادي» ”. وهذا الميل 
للذات البشرية لأن تكون سيدا مطلقا على شخص آخر هو الضد المباشر 
للميل المازوخي» وقد يبدو محيرا أن يرتبط هذان الميلان المتعارضان ارتباطا 
وثيقا: فالرغبة في الخضوع والتبعية والمعاناة والعذاب هي عكس الرغبة 
في السيطرة؛ والتسلط. وجعل الآخرين يعانون. غير أن الحاجة الأساسية 
الكامنة في الميلين هي في الواقع حاجة واحدة تنبع من العجز عن تحمل 
العزلة والوحدة وضعف الذات. ويقترح إريك فروم تسمية هذه الحاجة 
المشتركة بين الميلين باسم «التكافل 5:010515» وهو مصطلح يعني اشتراك 
فردين مختلفين في معيشة واحدة لفائدة كل منهماء ويقول موضحا هذا 
المصلح: «إن التكافل بالمعنى السيكولوجي الذي نقصده هو اتحاد ذات الفرد 
مع ذات أخرى (أو أية قوة أخرى تقع خارج الذات) بطريقة تجعل كلا منهما 
يفقد تكامل ذاته (أو استقلالها) ويعتمد على الآخر اعتمادا تاما. وهكذا 
يحتاج الشخص السادي إلى موضوعه» بقدر ما يحتاج إليه الشخص المازوخي 
تماما» 80 ..والفارق ستهما هو أن أحدهما يبحث عن أمان في شخص 
يبتلعه. والآخر يسعى إليه عن طريق ابتلاع شخص آخرء لكن في الحالتين 
يضيع استقلال الذات» في إحداهما تذيب نفسها في قوة خارجيةء وفي 
الحالة الأخرى توسع من ذاتها بحيث تجعل الآخر جزءا منهاء ومن ثم 
تحصل على القوة التي كانت تنقصها كذات مستقلةء فالعجز عن تحمل 
وحدة الذات هو باستمرار الدافع للدخول في علاقة تكافلية مع شخص 
آخر. وهكذا يتضح السبب في امتزاج الميول السادية والمازوخية بعضها مع 
البعض الآخر بصفة دائمةء ورغم أنهما على السطح الظاهري يبدوان 
متناقضين: فإنهما من حيث الجوهر يضربان بجذورهما في حاجة أساسية 
واحدة 60 

أما فى ميدان العلاقات السياسية:؛ فإننا نجد الشخصية السادية تتحول 
إلى E‏ استبدادية. هى شخصية الطاغية المتسلطء أو القوة الآمرة 
النشطة التي ل ترف بللساواة بين الثاين لأنها تتعارض مع الفلسفة التي 


281 


الطغيان الشرقى 


تقوم عليهاء صحيح أنها تستخدم «كلمة» المساواةء لكنها لا تستخدمها بمعناها 
الحقيقي» بل وفقا للأعراف والعادات» أو لأنها تخدم مصالح معينة مؤقتة. 
إن العالم» عند مثل هذه الشخصية الطاغية؛ يتألف من نوعين من البشر: 
الفئة الأولى هم الأقوياء المتميزون» والثانية هم الضعاف الذين لا حول لهم 
ولا قوةء أو هو يتألف من الأعلى والأدنى. والشخصية الأعلى المتميزة هى 
شخصية «القائد» أو «الزعيم» «مبعوث العناية الإلهية» 7 الذي لك أن 
تخضع له الشخصيات الأدنى-المازوخية-السلبية العاجزة: «فليس هناك شيء, 
يفعلونه» أو يشعرون به أو يفكرون فيه لا يرتبط على نحو ما بهذه الشخصية 
القوية» إنهم يتوقعون الحماية منه هوء ويريدون أن يكونوا تحت رعايته 
«هو» ويجعلونه «هو» مسؤولا كذلك عن نتائج أفعالهم» ” . وهكذا يتحول 
هذا القائد الملهم إلى «ساحر» يعينهم على الحياةء ويحقق لهم مطالبهم في 
الحماية والأمنء والنمو والتطور ولهذا تراهم يحتجون إذا تركهم وذهب. أو 
هدد أن يتركهم» لأنهم يشعرون «بالوحدة» من دونه ويعجزون عن الفعل؛ 
ولا يستطيعون اتخاذ أي قرار! إنها شخصيات هزيلة تريد باستمرار أن 
تكون تابعة منقادة. معفاة من المسؤوليةء وذلك هو الفرار من الحرية! 
وأقوى مثال للعلاقة «السادومازوخية» بين الطاغية وشعبه إنما يوجد 
في ألمانيا النازيةء وإن كان ينطبق على كل الطغاة في جميع مراحل التاريخ, 
فقد كان «هتلر» (1945-1889) شخصية سادية متسلطة-على نحو ما كان 
موسوليني في إيطاليا (1945-1883)-تهدف إلى السيطرة التي لا حد لها 
على الآخرينء ابتداء من المحيطين بهء وامتدادا إلى الشعب الألماني: ثم إلى 
العالم بأسره! وضي امخطاهها أن كح تراك عة هن الرفية اساد 
العارمة في الحصول على القوة والسيطرة في كتاب هتلر المعروف «كفاحي 
E Kampf‏ الذي يعرض بالتفصيل للعلاقة بين «الزعيم الملهم» الذي 
يفكر للآخرين ويخطط ويوجه» وبين جميع أفراد المجتمع المستسلمين 
الخاضعينء ثم العلاقة بينهماء وهي علاقة يسودها ازدواج التناقض 
هلهم فهو يحب الجماهير الألمانية ويحتقرها في وقت واحد» 
فالشخصية السادية لا تستطيع الحياة من دون الموضوع الذي تمارس عليه 
سطوتهاء وسيطرتهاء لكنها في الوقت نفسه لا تحترمه. ولهذا فإننا نجد 
هتلر يتحدث عن رضا الجماهير بالخضوع لسيطرته يقول «ما تريده هذه 


الطاغيه 


الجماهيرهو انتضنان الأقوغ»وسسق الأضعف واسعبلامه بغي شروط».. 
. ويقول أيضا «إن الجماهير كالمرأة.. تريد أن تخضع لرجل قوي لا أن 
يسيطر عليها رجل ضعيف. ولهذا فإنها تحب الحاكم القويء لا الحاكم 
المتضرع المتوسل» وهي في أعماقها تكون أكثر اقتناعا بالنظرية التي لا 
تتسامح مع الخصوم. لا النظرية التي تمنحها حرية ليبرالية. لأنها تشعر 
بالضياع في تعاملها مع هذه الحريةء بل قد تشعر بسهولة بأنها وحيدة 
مسري لكا 

ويعتقد هتلر أن «الزعيم» «قادر على الاستحواذ على إرادة الجماهير, 
بل تحطيم هذه الإرادة» إذا أصاخت السمع بعمق لقوة أعلى تتحدث إليهاء 
وتلك في رأيه هي ماهية الدعاية؛ لكن الزعيم العبقري عليه أن يختار 
أفضل الأوضاع التي يمكن فيها لهذه الجماهير أن تفقد إرادتها وتذوب 
شخصيتها أمامه» وهو لا يتردد في الاعتراف بأنه عندما تكون الجماهير 
منهكة بدنيا فذلك هو الوضع الأمثل للايحاء إليهم. ومن هنا فهو يحصي 
ساعات النهار أو الليل التي تكون مناسبة أكثر لعقد الاجتماعات السياسية 
للجماهير؛ ويرى أن ساعات المساء أفضلء يقول: «يبدو أن إرادة الناس 
تكون في الصباح» وطوال اليوم؛ قوية قادرة على التمرد على من يحاول 
إرغامها لقبول إرادة شخص آخرء أو رأي مختلف. أما في المساء فإنهم 
يستسلمون بسهولة شديدة لقوة مسيطرة ذات إرادة أقوى» وكل اجتماع من 
هذه الاجتماعات يمثل مباراة في المصارعة بين قوتين متعارضتين: والخطيب 
الماهر البارع الذي يتصف بطبيعة الرسل المسيطرة ينجح الآن بسهولة في 
أن يضم إلى صفوف الإرادة الشعبية أولئك الذين خبروا بأنفسهم ضعف 
قوتهم على المقاومة بطريقة طبيعيةء أكثر مما يضم أولئك الذين يتلقون 
الأوامر من نشاط عقولهم وقوة إرادتهم. » (65. 

وهكذا كان «هتلر» على وعي كامل بالظروف التي تخلق الرغبة العارمة 
في الخضوع والاستسلام» ولقد وصف هو نفسه؛ وصفا رائعاء موقف الفرد 
أثناء الاجتماع الجماهيري: 

«الاجتماع الجماهيري ضروريء لا لسبب إلا لأن الذي يعتنق حركة 
جديدة يشعر أنه وحيد» ويغمره الخوف بسهولة من هذه الوحدة. وهو 
يتلقى في هذا الاجتماع للمرة الأولى صورة مجتمع أعظم» وهي صورة 


286 


الطغيان الشرقى 


تجعل معظم الناس أكثر شجاعة وأشد قوة.. فإذا ما خطا الفرد لأول مرة 
خارج «ورشته الصغيرة»» أو خارج مشروع كبير يشعر فيه بالضآلة البالغة- 
إلى الاجتماع الجماهيريء فإنه يجد نفسه محاطا بآلاف مؤلفة من البشر 
يؤمنون بما يؤمن به.. فإنه هو نفسه يستسلم للتأثير السحري لما نسميه 
بالإيحاء للجماهير» 69 . 

ويصف جوبلز (1945- 1897) 1.0060615 -الزعيم النازي المعروف ووزير 
الدعاية في الحكومة النازية ابتداء من عام 1933- الجماهير بهذه الخصائص 
نفسها: «فالجماهير لا تريد شيئًا على الإطلاق سوى أن تحكم بطريقة 
لائقة» وعنده أن الجماهير بين يدي الزعيم القائد أشبه بقطعة الحجر 
بين أصابع المثالء وليس ثمة مشكلة بين القائد وجماهيره إلا بقدر ما تكون 
هناك مشكلة بين الفنان الرسام والألوان التي يرسم بها!0©». 

أما علاقة «السادومازوخية» المتضايفة؛ والتي يعتمد فيها كل طرف 
على الآخرء فإن جوبلز يكشف لنا عن مدى ضيق القائد عندما يبتعد عن 
الجماهير «إن المرء لينتابه أحيانا يأس عميق؛ ولا يستطيع أن يتغلب عليه. 
اللهم إلا إذا واجه الجماهير مجدداء فالشعب هو ينبوع قوتنا .. وهكذا 
يكشف «جوبلز»» بوضوح» عن اعتماد الشخصية السادية. شخصية القائد 
المستبد المتسلط؛ على الجماهير التي يستمد منها-أو قل من ضعفها-قوته. 
حكن اله اتسر راان ولول الشف والقراغ إذا لم يجدهنا أمامه!. 
أما الجماهير نفسها فلا بد من ترويضها حتى ننمي لديها الرغبة في 
الخضوع والاستسلام لقوة أعلى. وسلطة أعظم. وإن كان ذلك لا يعطيها 
شيئا من القيمة الذاتيةء إن قيمتها تكمن فحسب في أنها موضوع يخضع 
الششخصية السانية لتمارين علية شبلظهاة «طالفرد ليس شيكاء ولا قيمة له 
ولا اعتبار. وعليه أن يتقبل هذه التفاهة الشخصية: وأن يذيب نفسه في 
قوة أعلى» وأن يشعر بالفخر لأنه يشارك في هذه القوة»7”*. ويقول هتلر 
موضحا هذه الفكرة نفسها وهو يعرف المثالية: «المثالية هي وحدها التي 
تؤدي بالناس إلى الاعتراف طواعية بامتياز القوة والسلطة؛ وهكذا يصبحون 
ذرة من الغبار في ذلك النظام الذي يشكل الكون بأسره..»”ء والرجل 
الاشتراكي. فيما يقول جوبلز. هو الذي يخضع الأنا للآنت» والاشتراكية 
هي التضحية بالفرد في سبيل الكل . والتضحية بالفرد وجعله ذرة غبار 


267 


الطاغيه 


تعني إنكار حقهء في رأي هتلرء وفي أن يكون له رأي خاص به أو مصالح 
شخصية, أو أن يبحث عن سعادته الخاصة. فهذه الأفكار هي جوهر التنظيم 
السياسى للعلاقة السادومازوخية بين القائد والشعب» إذ لابد من التنازل 
فق الات وعن الأنانية. والمصالح الخاصة:؛ والسعادة الشخصية؛ فليسقط 
ذلك كله وليذهب إلى الجحيم فيما يرى هتلر! ولابد من تربية الطفل بحيث 
نغرس فيه هذه الأفكار: «فهدف التربية آلا يؤكد الفرد ذاتهء وأن الطفل في 
المدرسة ينبغي أن يتعلم الصمت. أن يكون صامتاء ليس فحسب عندما 
يوجه إليه اللوم؛ بل عليه أن يتعلم أيضاء إذا دعت الضرورة؛ أن يتحمل 
الظلم في صمت» 7 . وإذا كانت التربية النازية تستهدف هنا خلق شخصيات 
مازوخية ضعيفة مستسلمة:؛ فإنها لا تنسى الجانب الآخرء أعني خلق 
شخضيات سادية تواضل ما يقوحية «الصشرة» من السيظرة على الآخرين, 
يقول هتلر أيضا: «إن تطور التلميذ وتربيته بأسرهاء لابد أن يتجه إلى أن 
نغرس فيه الاقتناع بأنه متفوق على غيره تفوقا مطلقا.. كما ينبغي على 
الطفل أن يتعلم من ناحية أخرى كيف يعاني من الظلم دون أن يتمرد» وتلك 
هي الخاصية التي تتميز بها العلاقة السادومازوخية: علاقة ازدواج التناقض, 
القوة والضعفء السيطرة والاستسلام» الحب والكراهية؛ الامتنان والاحتقار 
الرغبة العارمة في السيطرة:؛ والرغبة العارمة في الخضوع والاستسلام 
فى آن معا. وهى العلاقة التى تربط بين قادة النازية والجماهيرء فالرغبة 
العامة في القوة والسيطظرة علن الجماهير هي صفات «القادة» والزعماء 
والصفوة؛ تقابلها الرغبة العارمة في الخضوع والاستسلام من جانب 
الحا 

والحق أن هؤلاء القادة لم يخفوا قط هذه الرغبة في السيطرة» بل كانوا 
يتحدثون عنها في صراحة مذهلة:؛ وإن كانوا يضعونهاء في بعض الأحيانء 
في صورة أقل عدوانيةء عندما يتحدثون عن رغبة الجماهير في أن تحكم» 
وأن يكون لها قائد . و«القادة» أو «الزعماء» هم وحدهم الذين يحق لهم 
الاستمتاع بالسلطة؛ والسيطرة والقوة (أو الجانب السادي في هذه العلاقة) . 
أما الجماهير فإن عليها أن تقنع بالخضوع والاستسلام» ولكنها إن أرادت 
ممارسة هذا «الجانب السادي» فلديها الأقليات العرقيةء والأقليات 
السياسيةء داخل ألمانيا وخارجهاء ذلك لأن الأمم الأخرى. توصف عند 


الطغيان الشرقى 


النازي؛ بأنها ضعيفة عاجزة عديمة الجدوى, وفي حالة انهيارء ومن ثم 
فهي موضوعات يمكن أن تتغذى عليها سادية الجماهير: «فعلى حين أن 
هتلر وبطانته من البيروقراطيين قد استمتعوا بالقوة والسيطرة على 
الجماهير الألمانيةء فإن هذه الجماهير نفسها قد تعلمت أن تستمتع بالقوة 
والسيطرة على الأمم الأخرىء» وأن تندفع بانفعال طاغ للسيطرة على 
العالم»“ ولا يتورع هتلر عن أن يعلن رغبته؛ أو رغبة حزبه» في السيطرة 
على العالم باعتبار ذلك هدفه الرئيسي» يقول ساخرا من نزعة السلام: 
«الواقع أن فكرة السلام البشري؛ ريما كانت فكرة طيبةء كلما كان الإنسان 
ذا مستوى أعلى» وبعد أن يكون قد قهر العالم بالفعل» وأخضعه لسيطرته. 
لدرجة تجعله السيد الوحيد على هذه الأرض»/””. ويقول مجددا «ضي هذه 
الحقبة المسمومة بالعنصر العرقيء فإن الدولة التي تنذر نفسها للمحافظة 
على أفضل العناصر العرقية ودعمهاء لابد أن تكون يوما ما سيدة العالم»!؟”) 
وهكذا يفسر نزعته للسيطرة على الشعوب الأخرى على أنها لمصلحة هذه 
الشعوب؛ بل لمصلحة الحضارة والثقافة البشرية بأسرهاء فالرغبة فى 
السيطرة تضرب بجذورها في القوانيق الأزلية للطبيعة. وكل ما همله «القاتد» 
هو أنه تفرفة فض على هذه القؤانين واكنعها :ذهو تفسه شيره فة على 
يسير تحت إمرتها هي الله أو القدر أو التاريخ أو الطبيعةء وليست محاولته 
للسيطرة على العالم إلا دفاعا ضد محاولات الآخرين للسيطرة عليه 
وعلى الشعب الألماني» إنه في الحقيقة لا يريد إلا السلام والحرية! 77, 
لكنه لا يريد سلام النائحات الباكيات الممسكات بسعف النخيل» بل السلام 
الذي يقوم على السيف المنتصر لشعب من السادة يضع العالم في خدمة 
ثقافة أرقى. وهكذا امتد نطاق الرغبة فى السيطرةء من السيطرة على 
القع اللا لبق :السيظرة على كل ابقر فيطو الطاغية هي 
سيطرة مطلقة لا يحدها حد» ورغبته في السلطة رغبة نهمة لا ترتوي أبدا . 

تلك كانت مجموعة متنوعة من النظريات التي تفسر ظاهرة الطغيان 
بصفة عامة, والطفيان الشرقي بصفة خاصة: بعضها من منظور فلسفي 
كما هي الحال في نظريتي أرسطو وهيجل وغيرهماء ومنظور اقتصادي 
كما فعلت الماركسية فيما أسمته «بالنمط الآسيوي للإنتاج». وهي النظرية 
التي طورها كارل فيتفوجل على وجه الخصوص . وأخيرا كانت نظرية التحليل 


28۹9 


الطاغيه 


النفسي التي ردت الطغيانء لاسيما عند إريك فروم إلى العلاقة 
«السادومازوخية». وهو إن كان قد ركز على طغيان النازيةء فإن ذلك لا يعني 
أنه لا يمكن تطبيقه على الطغيان الشرقيء فالفكرة واحدة في طغيان أي 
شخصية إسقدادنة متسلاظة كروكن الجماهين الحائعة العناجزؤة على 
الاستسلام وتقوم بالتفكير والتخطيط نيابة عنها. بحيث تصبح هذه 
الجماهير مجرد أداة طيعة في يد «القائد الملهم» و«الزعيم الأوحد». 

وقد يجوز لنا أن نستبعد نظرية أرسطو التي تقول إن الشرقيين ولدوا 
عبيداء فهم بطبيعتهم يتحملون الطغيان بغير شكوى أو تذمر.. الخ. فليس 
من الناس من يولد عبداء وليست هناك شعوب تعشق الحرية؛ وشعوب 
أخرى تسعى إلى العبودية. لكن لابد لنا أن نقول من ناحية أخرى إن الشرقيين 
ألفوا الطغيان من طول معاشرتهم له. حتى أصبح لديهم «الاستعداد»-وهو 
طبعا استعداد مكتسب-لقبول هذا اللون من الحكم على أنه أمر طبيعي!: أو 
أنه قدر مفروض عليهم لا يستطيعون التخلص منهء وهو وهم خلقه سلوك 
الطغاة طوال التاريخ!. 

أما النظرية الثانية-نظرية فيتفوجل-فقد تكون هناك اعتراضات كثيرة 
عليهاء لكنها في الواقع: وهذا هو الجانب المهم» تبرز دور العوامل الاقتصادية 
في نشأة الطغيانء وإن كان ذلك لا يمنع بالطبع من تضافر العوامل 
السيكولوجية معهاء بحيث تتحول العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى علاقة 
«سادومازوخية» كما أشار إريك فروم الذي لم يغفل هو نفسه أثر العوامل 
الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي أدت إلى ظهور النازية في ألمانيا. 


خامسا: نتافج 

ماف العيآية ول ك ميج هن افر السك انق بحا ااه 
کی يه حم کک کن اکن میک ا 

21 اما كيف گن أن تشخلس سن كه الظاغية: هلا سمل اساسا ينون 
دلوو انعد هو ل کل ها قل اقرب ترت إلى انت الدو هراط 
وعمس افده تحرص عليه وا (ن ی يجيد | رس رالا حاف اسرد 
المنحل الذي لم يجد أمامه؛ بعد أكثر من سبعين عاما من حكم الطغاة, 
بعرى يلها اا واا داو 


290 


الطغيان الشرقى 


2- لابد أن نكون على يقين من أن الديمقراطية ممارسة؛ وأنها تجربة 
إنسانية تصحح نفسها بنفسهاء وبالتالي لابد أن نتوقع ظهور كثير من 
الأخطاء في بداية المسيرة؛ لكن ذلك لا يصح أن يقلقنا وليكن شعارنا: إن 
أفضل علاج لآخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية! 

3- ما يقال أحيانا من أن الشعوب المتخلفة لا تستطيع أن تحكم نفسها 
بنفسها حكما ديمقراطيا صحيحاء كما فعل «مل» أو أن الديمقراطية 
يستحيل تطبيقها في شعب أمي كما قال «رسل» ذلك كله مردود عليه 
بسؤال واحد : وما البديل؟ والجواب هو: البديل هو حكم الطاغية أو المستبد 
أو الدكتاتور أو ما شئت من أسماء. وإذا كانت الديمقراطية ممارسة:؛ فإننا 
سوف نبدأ بعد أن يحكمنا الطاغية عشرات السنين؛ من البداية. من الصفر! 
والديمقراطية الناقصة, أو العرجاء. خير ألف مرة من حكم الطغيان: ولقد 
جربنا نحن في مصر هذين النظامين وكانت الهوة بينهما شاسعة. 

4- ما يقوله مونتسكيو من «أن الحكومة المعتدلة هي أصلح ما يكون 
للعالم المسيحيء والحكومة المستبدة هي أصلح ما يكون للعالم الإسلامي»!72, 
هو قول يكرر بصورة باهتة التعصب الأرسطي القديم» مع فارق واحد هو 
أن تعصب أرسطو كان «عرقيا» يفرق بين الأجناس في حين أن تعصب 
مونتسكيو تعصب ديني يعمد إلى التفرقة بين الأديانء فليس في الدين 
الإسلامي ما يمنع من تطبيق الديمقراطية التي تعتمد على الحرية والعدالة 
والمساواة وغيرها من الأفكار التي تجد الدعوة إليها واضحة صريحة في 
آيات الكتاب الكريم. فإن احتج أحد بأن التاريخ الإسلامي حكمه طغاة. 
أشرنا بالرجوع إلى ما سبق أن ذكرناه بالتفصيل عن «الواقع.. والمثال» في 
الفصل الثاني من الباب الأول من هذا البحث ™. 

5- وسائلنا في الوصول إلى الحكم الديمقراطي ثلاثة: 

أ-التربيةء (في المدرسة؛ في المنزل.. . الخ)ء تعويد الطفل احترام الرأي 
الآخر. واحترام رأيه هو نفسه؛ كرامة الإنسان وقيمته؛ التفكير الحرء رأي 
الأغلبية.. . الخ. 

ب-القانون واحترامه مما يتيح ممارسة المبادئ الديمقراطية على مستوى 
جماعي» فإن كان هناك من هو قوق القانون اختفت الديمقراطية. 

ج أ جهزة الإعلام المختلفة: الإذاعة؛ التلفزيون: الصحفء فهي كلها يمكن 


20١ 


الطاغيه 


أن تقوم بدور بالغ الآهمية لبث المبادئ الديمقراطية. 

6- ليس ثمة ضرورة لمحاكاة النموذج الأمريكي. أو الفرنسي أو الإنجليزيء 
في النظام الديمقراطي» فهذه كلها صور من الديمقراطية تختلف» فيما 
بينها اختلافا ظاهرياء وفقا لتاريخ كل بلد وثقافته؛ لكنها تتفق جميعا في 
الأسس أو المبادئ العامة وهي: 

أ-أن يكون الشعب مصدر السلطات جميعا . (بالفعل أي بالممارسةء وليس 
بالاسم أي يكون ذلك نصا من الدستور وكفى!) 

ب-أن تكون الحرية (في الفكر والقول والعملء حرية العقيدة وحرية 
التعبير... الخ) مكفولة للجميع (فعلاء لا كلاماء فقد شبعنا من الكلام!). 

ج أن تتحقق المساواة بين أفراد الشعب. 

د-احترام الإنسان: قيمته وكرامته.. . الخ. 

7- هذه وسيلتنا الوحيدة للفرار من الطاغية؛ وإلا فإن علينا أن نختار 
عضوا من العائلة الكريهة-عائلة الطغيان-التي سبق أن عرضنا لها في 
الفصل الثالث من الباب الأول من هذا البحث. وإن كان علينا أن نعلم أن 
للطفيان صورا شتى» لكن أسوأها جميعا هو الطاغية الذي يرتدي صراحة 
عباءة الدين. وإن كانت جميع صور الطغيان لابد أن تعطي لنفسها صفة 
القداسة حتى يتحول الطاغية في نهاية الأمر إلى «ولي النعم»! على نحو ما 
كان لقب الحاكم عندنا إلى عهد قريب. أما العهد البعيد فقد بدأنا فيه 
بتأليه الحاكم حتى أصبح هو: ملك الناسء إله الناس!. 

8 لا جدال في أن انفصام الشخصية الظاهر جدا في الشخصية 
الشرقية جاء نتيجة لحكم الطاغية الذي يعتمد» كما رأينا مراراء على مبداً 
الخوف وبث الرعب في قلوب الناس» فلا يستطيع أحد أن ينتقد أو يناقش 
ولا أن يفكر بصوت مسموع» فيلجاً إلى الرياء والنفاق والتملق في الظاهر, 
ولا يفصح عما بداخله إلا إذا اختلى بصحبة يثق فيهاء وهكذا يعتاد أن 
تكون له شخصية ظاهرة علنية هي التي تقول «نعم» بصفة مستمرة 
وشخصية خفية مستترة يمكن أن تقول: «لا» في أوقات خاصة! 

9- سوف ينعكس هذا الانقسام في جميع سلوك الفرد وتصرفاته بحيث 
يكون نمطا للشخصية: فتراه أولا يهتم بالشكل دون الجوهرء فيكون تدينه 
زائفا لا يأخذ من الدين سوى جانبه الظاهري السهل ويترك الجوهر الذي 


202 


الطغيان الشرقى 


يتجلى في الصدقء والإخلاص. والأمانةء والتعاونء والضميرء والعدل 
والإحسان.. . الخ. وتراه ثانيا يفصل نفسه عن وطنه: فالحكومة؛ والشرطة؛ 
والصحافة شيء. ومصلحته هو الخاصة واهتماماته شيء آخر. وهذه القسمة 
راجعة إلى أنه لم يشترك في حكم بلاده» ولا في تشريع القوانين التي 
يخضع لهاء ولا في إعداد الخطة التي يسير عليها.. . الخ-فذلك كله كان 
متروكا «للقائد الملهم»!. 

0- أجمع علماء الاقتصاد من أمثال: عالم الاقتصاد الإنجليزي آدم 
سميث طانص؟ صةل1795(4- 1723) وعالم الاقتصاد الفرنسي روسى(۱848- 
Rossi (1787‏ والفيلسوف الفرنسي جويو (۱1888-1854(J uy‏ على وجو علاقة 
قوية بين الحرية والإنتاج؛ فالمواطن الحر ينتج أكثر وبنوعية أفضل. يقول 
سميث في كتابه الشهير «ثروات الأمم:< «إن العامل الحر يفضل. العبد في 
الإنتاج. لأن القهر يحجب نشاط الإنسان وذكاءه وإبداعه» ™ وعبودية 
الإنسان-فيما يقول روسي-تعطل مواهبه»ء وتقيد إرادته؛ ولا يقتصر ضررها 
على ميدان الأخلاق فحسب., بل يتعداه إلى الإضرار بالنظام الاقتصادي 
أيضا (۴. 

-١‏ إذا كان الناس على دين ملوكهم» وإذا كان هؤلاء الملوك طغاة, 
استطعنا أن ندرك بسهولة أن أي مواطن في الشرق يتحول إلى طاغية 
غالأب الشرقي طاغيةء والزوج الشرقي طافية: والمعلم الشرقي طاغية, 
والموسر الشرقي طاغية.. . الخ ومن يتغنى. في الشرقء بالديمقراطية 
والحرية لا يريدهما إلا لنفسه فقطء أي أن يعبر هو عن آرائه في حرية 
واطمئنان: لكنه يستبد برأيه عند النقاش» ويرفض أن يتنازل عن هذا الرأي 
لصالح الأغلبية!, 

وكثيرا ما يغضب ويهتاج لأنه لم يؤخذ برأيه!. 

2- إذا اختفت الحرية؛ كما هي الحال في نظم الطغيانء اختفى العقل 
معهاء إذ ما قيمة العقل إذا لم يكن في استطاعتي أن أسترشد به إذا كان 
لابد لي من السير في طريق واحد» هو الذي يرسمه الحاكم» فماذا يمكن 
للعقل أن يفعل5. الواقع أن الحرية والعقل وجهان لشيء واحد» ولهذا فإن 
الله القادر على كل شيء عندما خلق الإنسان العاقل خلقه حراء في اللحظة 
نفسهاء وللسبب نفسه. ولهذا فإنه يسهل عليك جدا أن تفهم سر العالم 


293 


الطاغيه 


اللامعقول الذي نعيش فيه. والسبب في وجود التيارات اللا عقلية في 
حياتناء وألوان الخرافة المتنوعة التي تحكم ثقافتنا وتراثنا.. . الخ5 السبب 
واحد: حكم الطاغية! 

3- عندما يمكن حكم الطاغية لنفسه لا يكون أمام الناس سوى 
الاستسلام والشكوى والأنين؛ ثم الالتجاء إلى سلاح وحيد صاحبه مجهول؛ 
ولهذا يتوارون خلفه. وهو سلاح النكتة والسخرية؛ «فالنكتة السياسية هي 
تعبير عن قصور في البناء الديمقراطي.. . وهي وسيلة لتوصيل صوت 
الشعب إلى الحاكم.. ولو وجدت الديمقراطية فسوف تبقى النكتة السياسية 
الموجهة ضد الحاكم الطاغيةء أو ضد الحاكم الفرعون. لكن ستظل الناس 
تعبر عن نفسها بالنكتة في مجالات أخرى..» ”. فهل عرفت السبب في 
انتشار النكتة السياسية بيننا؟ السبب واحد: حكم الطاغية! ا 

4- ليس ثمة ما يدعوء في النهايةء إلى القول بأن حكم الطاغية يقضي 
على مبادئّ الأخلاق؛ فهي نتيجة حتمية لحكم يبنى على الخوف. وبث 
الرعب في قلوب الناس» واستخدام السيف أو التلويح باستخدامه في كل 
لحظة؛ فمن ذا الذي يستطيع في مثل هذا الجو الخانق أن يقول الصدق أو 
يشهد بالحق؟ أو يتمسك بأهداب الفضيلة؟ أو يرفض أن يرتشي؟ أو يأبى 
شهادة الزورة!. ثم إذا كان الحاكم نفسه يدعو الأخ ليتجسس على أخيهء 
والطالب على معلمه؛ والموظف على رئيسه.. . الخ فكيف يمكن أن تكون 
هناك أخلاق؟!؛ وهل يمكن أن تكون هناك مبادئ أخلاقية من دون فرد 
يحترم نفسه» وتحترمه الدولة وتصون كرامته؟!. 


291 


الطغيان الشرقى 
هوامش الفصل التاسح 


(1). 1. Karl Wittfogel: Oriental Despotism: A Comparative Study of Total Power 2. 1957, New Haven 
ولم يجد الحاكم بآمر الله (985- ا۱02) سادس الخلفاء الفاطميين في مصرء آي غضاضة في‎ (2) 
ادعاء الألوهية؛ ولم ينقذ البلاد من شره سوى أخته «ست الملك» التي دست له رجلين اغتالاه‎ 
وألخفيا آقره!‎ 
.6 صلاح عيسى «مثقفون وعسكر» ص 503 مكتبة مدبولي بالقاهرة عام‎ (3) 
.505 -504 المرجع السابق ص‎ (4) 
.505 المرجع السايق ص‎ (5) 
.506 المرجع السايق ص‎ (6) 
. 1834 أرسطو: الأخلاق 1166- ب» ومجموعة مؤلفاته المجلد الثانى ص‎ )7( 
١ أرسطو: السياسة1285- أ.‎ )8( 
ترجمة عادل زعيتر.‎ ١78 مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الثاني ص‎ )9( 
هيرودت يتحدث عن مصر ص 599 ترجمة د. محمد صقر خفاجة ومراجعة د. أحمد بدويء‎ )10( 
. 196 دار القلم بالقاهرة عام‎ 
المرجع السابق في الصفحة نفسها.‎ (11) 
«العقل في التاريخ» ص 87 من ترجمتا السابقة.‎ )۱2( 
«العالم الشرقى» ص 95 من ترجمتنا السابقة.‎ (13) 
(14)Karl Wittfogel: Oriental Despotism, ©. 1. 
(15). Ibid 
أحمد صادق سعد: «تاريخ مصر الاجتماعي الاقتصادي» ص 8 دار ابن خلدون بيروت‎ )16( 
.1969 إبراهيم عامر: «مصر النهرية»-مقال بمجلة الفكر المعاصر. آبريل‎ (17) 
المرجع السايق.‎ (18) 
K.Wittfogel: op. Cit. P .27.(19) 
K.Wittfogel: Ibid, P .39. (20) 
۱979 أحمد صادق سعد: «تاريخ مصر الاجتماعي والاقتصادي» ص 8 دار ابن خلدون بيروت‎ )21( 
(22)K.Wittfogel: op. Cit P1137 
(23)Ibid. 138, 
(24) Ibid 
(25) Ibid 
(26)Ibid. 138. 
(27) Ibid139, 
(28). Ibid 
(29)Ibid. P. 143. 


205 


الطاغيه 


(30). Ibid 
(31)Ibid, P. 149. 
(32)Ibid 
(33) Ibid 
قارن ما سبق أن ذكرناه فى بداية هذا البحث‎ )34( 
(35)K.Wittfogel: op. Cit P 150. 
(36). Ibid 
انظر فكرة الولاء الأبوي في تعاليم كونفوشيوس كتاب «المعتقدات الدينية» ص 288 ترجمة د.‎ )37( 
إمام عيد الفتاح إمام ومراجعة د . عبد الغفار مكاوي سلسلة عالم المعرفة بالكويت عدد ۱73- مايو‎ 
.3 
(38)K.Wittfogel: op. Cit P.251. 
(39)Ibid 
(40)Ibid, P. 154. 
(41)Ibid., p.155. 
(42)Ibid, P 155. 
(43)Ibid 
(44)Ibid, P. 156. 
(45)Ibid 
(46)Ibid 
(47)Ibid, P. 156. 
د . على كمال «الجنس والنفس فى الحياة الإنسانية» ص 9 22ء دار واسط للدراسات والنشر-‎ )48( 
١ .1985 لندن الطبعة الأولى عام‎ 
.232-23 ١| المرجع السايق ص‎ (49) 





(50)Erich Fromm: Escape from Freedom, P. 163.‏ 
Ibid‏ .)51( 
(52)An Avon Library Book, N. Y..1967.‏ 
(53)E. Fromm: Ibid, P. 168.‏ 
(54)T. Hobbes: De Hornine, P51.‏ 
وقارن كتابنا «توماس هوبزء فيلسوف العقلانية» ص 259 من طبعة دار التتوير-بيروت عام 1985. 
T.Hobbe: Leviathan, - Fontana Edition P. 173. (55)‏ 
وانظر أيضا كتابنا السالف الذكر ص 308. 
E.FRomm: Op. Cit. 5 . ١189 .)56(‏ 
E.Fromm: Ibid, 2 . 173 (57)‏ 
(58) ولهذا يعتقد «اريك فروم» أن تعريف شلير ماخر للتجربة الدينية بأنها تبعية مطلقة هي 
نفسها تعريف التجرية المازوخية-انظر كتابه السابق ص 193. 
(S59)E.Fromm; Ibid. p177-8.‏ 
(60)Ibid., P179.‏ 


22 


الطغيان الشرقى 


(61)Ibid. P. 180.‏ 
(62)1bid‏ 
(63) مما يدعو إلى السخرية أن يدعي هتلر هو الآخر أنه «مبعوث العناية الإلهية» وأن أي 
معارضة لفكرته عن الأجناس البشرية هي «خطأ يرتكب في حق العناية الإلهية الأزلية» أو ضد 
إرادة الخالق الأزلي. وأن الذي أمر برسالة ألمانيا هو «خالق الكون» والسماء-على حد تعبيره-لا 
يمكن رشوتها!! انظر كتاب إريك فروم السالف الذكر ص 261-260. ويبدو أن جميع الطفاة لابد 
لهم من التمسح بالدين ماداموا يخلعون على أنفسهم بعض الصفات الإلهية! 
E.Fromm, Ibid. 2 . 195 -6 (63)‏ 
(64) جميع النصوص مأخوذة من كتاب إريك فروم السالف الذكر ص 247. 
(65) المرجع السابق ص 248-247. 
(66) إريك فروم: المرجع السابق ص 248. 
(67) المرجع نفسه ص 249-248 . 
(68) المرجع نفسه ص 249. 
(69) اريك فروم: المرجع السابق ص 258. 
(70) اقتبسه اريك فروم في الصفحة نفسها. 
(71) اقتبسه اريك فروم في الصفحة ذاتها . 
(72) المرجع السابق ص 258. 
(73) المرجع السابق ص 249. 
(74) المرجع السابق ص 250. 
(75) المرجع السابق في الصفحة نفسها. 
(76)المرجع نفسه ص ا25. 
(77) المرجع السابق في الصفحة نفسها. 
(78) مونتسكيو «روح الشرائع» المجلد الثاني ص 178 ترجمة عادل زعيتر. 
(79) قارن ص 135 وما بعدها من هذا البحث. 
(80) اقتبسه الدكتور عبد السلام الترمانيني في كتابه «الرق: ماضيه وحاضره» ص 209. 
(81) المرجع نفسه. 
(82) د . سعد الدين إبراهيم؛ مجلة الوادي عدد يناير ١982‏ ص 34 (نقلا عن كتاب عادل حمودة: 
«كيف يسخر المصريون من حكامهم؟» ص ۱34 دار سفنكس للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة 
1992 .( 


227 


المراجع 


مراجج السحث 


أولا: المراجع العرسية: 
)اين آبي الربيع: سلوك المالك في تدبير الممالك «تحقيق ناجي التكريتي دار الأندلس-بيروت 
3. 


(2) ابن كثير: «البداية والنهاية» تحقيق د. أحمد أبو ملحم ود. علي نجيب عطوي وآخرين-سبعة 
مجلدات تشمل آربعة عشر جزءا. دار الكتب العلمية بيروت 1985. 

(3) ابن الأثير: «الكامل في التاريخ» دار إحياء التراث العربي بيروت عام 1989- تحقيق علي 
(4) ابن عبد ربه: «العقد الفريد» دار الكتب العلمية بيروت عام 1987. 

(5) إبراهيم آيوب: «التاريخ العباسي» الشركة العالمية للكتاب بيروت 

(6) إبراهيم عامر «مصر النهرية»مجلة الفكر المعاصر أبريل 1969. 

(7) أحمد أمين: «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» الطبعة الرابعة-مكتبة النهضة المصرية 
بالقاهرة. عام 1979 . 

(8) أحمد أمين: «فجر الإسلام» مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة الطبعة السابعة عام 1959. 
(9) أحمد أمين: «ضحى الإسلام» الطبعة السادسة سنة 1956 م» مكتبة النهضة المصرية:؛ القاهرة 
في ثلاثة أجزاء. وقد أصدرته دار الكتاب العربي بيروت عام 1969 ضمن موسوعة أحمد أمين 
الإسلامية التي تضم جميع الأجزاء من فجر الإسلام إلى ضحى الإسلام بالإضافة إلى زعماء 
الإصلاح في العصر الحديث. 

(10) أحمد مختار العبادي: «في التاريخ العباسي والفاطمي» دار النهضة العربية بيروت. 

(!1) أحمد صادق سعد: في ضوء النمط الآسيوي للانتاج: تاريخ مصر الاجتماعي الاقتصادي؛ 
دار ابن خلدون-بيروت:. الطبعة الأولى 1979. 

(12) أحمد رائف: «السفاح» دار الزهراء للاعلام العربي بالقاهرة 

)١3(‏ أحمد فؤاد الأهواني: «أفلاطون»نوابغ الفكر الغربي عدد رقم 5- دار المعارف بالقاهرة. 
(14) أفلاطون: «الجمهورية» دراسة وترجمة د .فؤاد زكرياء الهيئة المصرية للكتاب عام 1985. 
(15) أغلاطون: «الرسالة السابعة» ترجمها وقدم لها بدراسة طويلة د . عبد الغفار مكاوي ونشرت 
بعنوان «المنقن: قراءة لقلب أغلاطون«كتاب الهلال بالقاهرة عدد 440 أغسطس 1987. 

(16) السيوطي: «تاريخ الخلفاء» تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد-المكتبة الإسلامية- 
بيروت. 

(17) الماوردي (أبو الحسن): «الأحكام السلطانية»طبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. 

(18) المسعودي: «مروج الذهب» 4 أجزاء تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد-المكتبة الإسلامية 
بيروت 

(19) الكواكبي (عبد الرحمن): «طبائع الاستبدادء ومصارع الاستعباد» ضمن مجموعة الأعمال 


29۹ 


الطاغيه 


الكاملة التي نشرها د. محمد عمارة-الهيئة المصرية للتأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام 
0 

(20) إمام عبد الفتاح إمام: «توماس هوبز: فيلسوف العقلانية» دار التنوير بيروت-الطبعة الثانية 
عام 1985 . 

(21) إمام عبد الفتاح إمام: «أفلاطون.. والمرأة» عدد 75 من حوليات كلية الآداب-جامعة الكويت- 
عام 1991- 1992. 

(22) بارندر (جفري): «المعتقدات الدينية لدى الشعوب» ترجمة د . إمام عبد الفتاح إمام-ومراجعة 
د. عبد الغفار مكاوي سلسلة عالم المعرفة بالكويت عدد 173 مايو عام 1993 . 

(23) باركر (ارنست) «النظرية السياسية عند اليونان» جزءان-ترجمة لويس إسكندر-مراجعة د. 
محمد سليم سالم-مؤسسة سجل العرب القاهرة 1966. 

(24) (هنري): «فجر الضمير» ترجمة د . سليم حسن مراجعة علي أدهم مكتبة مصر بالقاهرة 
(الألف كتاب رقم 108) 

(25) د. بطرس غالي: «المدخل في علم السياسة» مكتبة الأنجلو المصرية 

(26) ثارن (و. د) «الاسكندر الأكبر» ترجمة زكي علي-مركز كتب الشرق الأوسط عام 1963 
(سلسلة الألف كتاب رقم .)41١‏ 

(27) توشار (جان): «تاريخ الفكر السياسي» ترجمة د . علي مقلد-الدار العالمية للطباعة والنشر- 
بيروت عام 1983. 

(28) د. ثروت بدوي: «النظم السياسة» دار النهضة العربية بالقاهرة عام 1986. 

(29) د. ثروت بدوي: «أصول الفكر السياسي» دار النهضة العربية بالقاهرة؛ عام 1976 . 

(30) د. جمال حمدان: «شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان» القاهرة عالم الكتب عام 
98. 

(31) د. حسن إبراهيم حسن: «تاريخ الإسلام» خمسة أجزاء دار الجيل ومكتبة النهضة بالقاهرة 
الطبعة الثالثة عشرة عام ا199. 

(32) د. حسن حنفي: «الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر» في 
كتاب: «الديمقراطية؛ وحقوق الإنسان في الوطن العربي» مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 
عام 1986 . 

(33) د.حسين عطوان: «الآمويون والخلافة» دار الجيل عام 1986. 

(34) د. حسين مؤنس: «باشوات وسوبر باشوات: صورة مصر في عهدين» دار الزهراء للاعلام 
العربي-القاهرة عام 1984 . 

(35) الجاحظ «رسائل الجاحظ-الرسائل الكلامية (الرسالة رقم -١0‏ رسالة في النابتة) دار مكتبة 
الهلال بيروت-عام 1987. 

(36) رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هاون-مكتبة الخانكي بالقاهرة. 

(37) د. خلدون النقيب: «بناء المجتمع العربي: بعض الفروض البحثية» في الكتاب التذكاري عن 
الدكتور زكي نجيب محمود-الكويت 1987 . 

(38) ديفرجيه (موريس): «الدكتاتورية» ترجمة د.هشام متولي بيروت دار عويدات عام 1989 . 
(39) ديورانت (ول) «قصة الحضارةالترجمة العربية في 42 جزءا ترجمها د . زكي نجيب محمود 
والأستاذ محمد بدران وعدد كبير من المترجمين وجمعتها ونشرتها في مجموعة كاملة دار الجيل 


المراجع 


للطبع والنشر والتوزيع؛ بيروت بالاشتراك مع جامعة الدول العربية. 

(40) رسل (برتراند): «تاريخ الفلسفة الغربية»-الجزء الثاني ترجمة د. زكي نجيب محمود-لجنة 
التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة. 

(41) د. زكي نجيب محمود «في مفترق الطرق» دار الشروق بالقاهرة. 

(42) د. زكى نجيب محمود : «.. والثورة على الأبواب» الأنجلو المصريةء وقد أعاد طباعتها تحت 
اسم «الكوميديا الأرضية» وأصدرتها دار الشروق بالقاهرة. 

(43) د. زكي نجيب محمود : «رؤية إسلامية» دار الشروق بالقاهرة عام 1987 

(44) د. زكي نجيب محمود: «تجديد الفكر العربي» دار الشروق بالقاهرة. 

(45) سباين (جورج): «تطور الفكر السياسي» في خمسة أجزاء ترجمها حسن جلال العرولي 
وآخرون-دار المعارف بمصر. 

(45) سمير الخليل (وأحمد رائف): «جمهورية الخوف» دار الزهراء للإعلام العربي-القاهرة عام 
9و 

(47) شيفاليه (جان-جاك): «تاريخ الفكر السياسي: من المدينة-الدولةء إلى الدولة القومية ترجمة 
محمد عرب صاصيلا-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛ بيروت عام 1985 . 

(48) صلاح عيسى: «مثقفون.. . وعسكر» القاهرة مكتبة مدبولي الطبعة الأولى عام 1986 . 
(49) طه حسين: «من تاريخ الأدب العربي» مجلدان-دار العلم للملايين-بيروت. 

(50) عادل حمودة: «كيف يسخر المصريون من حكامهم؟» دار سفنكس للطباعة والنشرء الطبعة 
الرابعة: القاهرة عام 1992 

(51) د. عبد الله إبراهيم ناصف: «السلطة السياسية: ضرورتها وطبيعتهاء دار النهضة العربية, 
القاهرة 1983. 

(52) د. عبد اللطيف أحمد علي: «التاريخ اليوناني» مجلدان-دار النهضة العربية بيروت 1976. 
(53) د. عبد اللطيف أحمد علي: «التاريخ الروماني» دار النهضة العربية: بيروت عام 1973. 
(54) د. عبد الحميد متولي: «أزمة الفكر السياسي الإسلامي» الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 
5 

(55) د. عبد العزيز الدوري: «الديمقراطية في فلسفة الحكم العربي» في كتاب: «الديمقراطية 
وحقوق الإنسان في الوطن العربي». 

(56) د. عبد الغفار مكاوي «جلجامش وجذور الطغيان: قراءة في نص قديم» وأسئلة تفرضها 
المحنة» المجلة العربية للعلوم الإنسانية العدد الثاني والأربعون شتاء 1993. 

(57) د. عبد الرزاق السنهوري: «فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية» ترجمة 
د.نادية عبد الرزاق السنهوري» ومراجعة د. توفيق محمد الشاويء الهيئة المصرية العامة للكتاب 
عام 1989. 

(58) د. عزت قرني: «العدالةء والحرية؛ في فجر النهضة العربية الحديثة» سلسلة عالم المعرفة 
بالكويت عدد رقم 30 يونيو عام 1980 . 

(59) د. علي كمال: «الجنس والنفس في الحياة الإنسانية» دار واسط للدراسات والنشر, لندن 
الطبعة الأولى عام 1985. 

(60) فرانكفورت (ه .): «ما قبل الفلسفة» ترجمة جبرا إبراهيم جبراء مكتبة الحياة بيروت عام 
1960 . 


الطاغيه 


)61( كروزيه (موريس): «تاريخ الحضارات العام» ترجمة فريد داخرء وفؤاد آبو ريحان: منشورا ت 
عویدات» عام 186 . 

(62) لامب (هارولد): «الإسكندر المقدوني»ترجمة عبد الجيار المطلبي ومحمد ناصر الصامع, 
ومراجعة د . محمد سليم سالم؛ مركز كتب الشرق الأوسطء القاهرة عام 1963. 

(63) لوك (جون): «في الحكم المدني» ترجمة د. ماجد فخريء اللجنة الدولية لترجمة الروائع. 
بيروت عام 59. 

)64( ماكيفر (روبرت): «تكوين الدولة» ترجمة د. حسن صعبء؛ دار العلم للملايين بيروت عام 
984| . 

(65) ماريتان (جاك): «الفرد والدولة» ترجمة عبد الله أمين ومراجعة صالح الشماع مكتبة 
الحياة. بيروت عام 1962 . 

(66) د. محمد ضياء الدين الريس: «النظريات السياسية الإسلامية» مكتبة الأنجلو المصرية عام 
10 

(67) د. محمود عاطف البنا: «الوسيط في النظم السياسية» دار الفكر العربي القاهرة عام 
988| . 

)68( د. محسن العبدوي: «رئيس الدولة بين النظم المعاصرة والفكر السياسي الإسلامي» دار 
النهضة العربية القاهرة عام 1990. 

)69( محمد عيده (الإمام): «الإسلام والنصرانية» دار الحداثة بيروت. 

للدراسات والنشر والتوزيع بيروت» الطبعة الأولى عام 1990 . 

(71) د . محمد كامل عياد: «تاريخ اليونان» دار الفكر. دمشق عام 1985. 

(72) د. محمد كامل ليلة: «النظم السياسية: الدولة والحكومة» دار الفكر العربي القاهرة. 

(73) د. محمد يوسف موسى: «نظام الحكم في الإسلام» دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 
بالقاهرة. 

)74( مونتسكيو: «روح الشرائع» جزءان. ترجمة عادل زعيتر-دار المعارف بمصر عام 13 

(75) نزار قباني: «الأعمال السياسية» بيروت عام 1974. 

)76( نزار قباني: ر ۰» بيروت. 

)77( هوك (سدني): «البطل في التاريخ» ترجمة مروان الجابري, بيروت» عام 1959ء 

(78) هيجل (ح. ف. ف): «فلسفة التاريخ» ج ا (العقل في التاريخ) ترجمة د. إمام عبد الفتاح 
إمام» مراجعة د. فؤاد زكريادار التنوير العدد رقم ١‏ من المكتبة الهيجلية. 

(79) هيجل لح. ف. ف) «فلسفة التاريخ» عد 2 (العالم الشرقي)-ترجمة 23 إمام عيد الفتاح إمام» 
مراجعة د. محمود زقزوق؛ دار التنوير العدد رقم 7 من المكتبة الهيجلية. 

(80) دائرة معارف البستاني-المجلد السادس والمجلد الحادي عشر, دار المعرفة بيروت. 

(/8) موسوعة السياسة بإشراف د. عبد الوهاب الكيالي-المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 
بيروت» ستة أجزاء. 

(82) الموسوعة الفلسفية العربية-المجلد الثاني-القسم الأول بإشراف د . معن زيادة-معهد الإنماء 
(83) الموسوهة الفلسفية: المختضرة»بإشراف الدكتوو زكى تحيب مسهوو مكتية الأنجاو الصرية 


المراجع 


القاهرة؛ عام 1963. 
(84) موسوعة الفلسفة؛ د. عبد الرحمن بدوي» بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 
عام 1984 . 


فاضا المراجع الأجنبية 


(1). Aristotle: The Complete Works, Two Vols. Ed. By Barnes, Princeton, N.Y. 1985 

(2). Anderson, Perry: Lineages of Absolutist State, Verso, London, 1989. 

(3). Andrewes, A.: The Greek Tyrants, Hutchinson‘s University Li-brary. 

(4). Bluhm, William T'. «Theories of Political System» Prentice-Hall, 1971. 

(5). Cranston (Maurice): Introduction to the Social Contract, Penguin Books. 

(6). Duncan B. Forster: M. Luther & J. Calvin in Leo Strauss: His-tory of Political Philosophy. University 
of Chicago 1987. 

(7). Ebenstein, William: «Great Political Thinkers», Oxford 19972 ed by Leo Strauss. 

(8) Goldwin A. Robert: John Locke in History of Political Phi-losophy ed by Leo Strauss. 

(9). Graham, William: «English Political from Hobbes to Maine», Burt Franklin, N.Y. 1971. 

(10). Fortin, Arnest L. «St. Augustine» in Leo Strauss, History of Po-litical Philosophy. Chicago 1987 
(11). Fromm, Erich: Escape From Freedom « An Avon Library Book, N.Y., 1967. 

(12). Latey, M. «Tyranny: A study in The Abuse of Power». A Pelican Book 1972. 

(13). Laertuis, Diogens: Lives of Eminent Philosophers Eng. Trans. by R. D. Hicks, Loeb Classical 
Library 1972. 

(14). Lee Cameron McDonald « Western Political Theory From The Origins to the Present» Harcourt, 
N.Y. 1968. 

(15). Locke, John: Two Treatises of Government Everyman, 1988. 

(16). Machiavelli, N.: The Prince, Trans. by W.K. Marriott Every-man’‘s Library. 

(17). Mill, J. S Utilitarianism, Liberity, Everyrnan‘s Library. 

(18). Nisbet, Robert: The Social Philosophers Paladin, 1974. 

(19). Rousseau (J.J.) The Social Contract Eng. Trans. by Maurice Cranston (Penguin Books). 

(20). Strauss (Leo) Ed. History of Political Philosophy. Chicago 1987 

(21). Strauss (Leo): City and Man. University of Chicago 1964 

(22). Saxe Coma Robert Linscott: Man & State: The Political Phi-losophers-Pocket Library, 1954. 
(23). Vereker, Charles: The Development of Political Theory Hutchin-son University Library, London, 
1965. 

(24). Zoll, D.A.: Reason and Rebellion. 

(25). Wittfogel, Karl A.: «Oriental Despotism»: A Comparative Study of Total Power «New Haven, 


Yale University Press.» 


الطاغيه 


(26). The Encyclopedia of Philosphy 8 Vols, ed. Paul Edwards, Mac-millan, 1967. 

(27). Great Books of the Western World, The Great Ideas: 11. Vol. 3 ed. Robert Maynard Hutchins 
Carl: Tyranny. 

(28). The Blackwell, Encyclopedia of Political Thought-Oxford Blackwell. 

(29). Dictionary of the History of the Ideas: Studied of Selected Pivot-al Ideas, Vol. 11 (Despotism), 
ch. Scribner‘s Sons. N.Y. 1973 

(30). Scruton, Roger: Dictionary of Political Thought. MacMillan 1982. 

(31). Dictionary of Modern Thought. ed. by A Bullock-Fontana Press 1977. 


(32). Encyclopedia Americana. 


(33). Encyclopedia Britannica. 


504 


المؤلف في سطور: 

آ. د. إمام عبد الفتاح إمام 

* رئيس قسم الفلسفة بجامعة الكويت منذ عام 992! 

* ولد بمحافظة الشرقية بمصر 

* نال درجة الدكتوراه سنة 1972. 

* له عدد من المؤلفات منها : «المنهج الجدلي عند هيجل» ۱969ء «كيركجور 
ج اء ج 2 (982 -١‏ ۱986).»توماس هويز«(1985): «دراسات هيجلية» (۱98۱)» 
«تطور الجدل بعد هيجل» (في ثلاثة أجزاء)ء «دراسات في الفلسفات 
السياسية عند هيجل» «أفلاطون والمرأة». 

* وله من الكتب المترجمة: «فلسفة هيجل» (1980): «محاضرات في 
فلسفة التاريخ» (1984-1980): «أصول فلسفة الحق»في مجلدين-(1982) 
«هيجل والديمقراطية» (1990). 

* وفي هذه السلسلة ترجم «الوجودية» عدد 58- أكتوبر ۱982ء والمعتقدات 
الدينية لدى الشعوب عدد 
3- مايو ۱993ء وراجع «الموت 
في الفكر الغربي» عدد 76- 
أبريل 





العرب و عصر المعلومات 
تأليف 
الدكتور نبيل علي 


حصا | الاناب 


الطاغية.. . ! 

ذئب مفترس يلتهم لحوم البشر. كما وصفه أفلاطون. 

أسوأ أنواع الحكام وأشدهم خطورة. لأنه يدمر روح الإنسان: كما 
قال عنه أرسطو. 

ومع ذلك فمن النادر أن تجد من يكتب عنه؛ ربما لأن الباحث لا 
يجرؤ على الكتابة ما بقي الطاغية متربعا على كرسي الحكم. فإذا 
تنفس الناس الصعداء بعد زوالهء تعمدوا نسيان تلك الأيام السوداء 
التي عاشوها في ظله!؛ مع أن فرص ظهوره من جديد لا تزال سانحة 
في عالم متخلف ترتفع فيه نسبة الآمية؛ ويغيب الوعي» ولا يستطيع 
الشعب أن يعتمد على نفسه» فينتظر من يخلصه مما هو فيهء فتكون 
بارقة الأمل عنده معقودة على «المخلص» و«المنقذ» و«الزعيم الأوحد».. 
الخ. 

وهذا كتاب يعرض لنماذج من الطغيان طوال التاريخ» ولبعض 
النظريات الفلسفية التي تفسره» مع التركيز على الطغيان الشرقي؟ 
لآنه يهمنا بالدرجة الأولى. كما يقترح حلا بسيطا يكسبنا مناعة ضد 
الطاغيةء ويمكننا من الإفلات من قبضته الرهيبة؟ وهو الإيمان 
الحقيقي بالديمقراطيةء والسعي الجاد إلى تطبيقها .